الجمعة، 21 أكتوبر 2022

ج9.وج10. كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون

 

 

ج9.وج10. كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي

== في بيتي ليتعشى وفي يده عرق فدخلت فقالت يا رسول الله اني خرجت فقال لي عمر كذا وكذا قالت فأوحى الله تعالى اليه ثم رفع عنه ان العرق في يده ما وضعه فقال انه قد أذن لكن ان تخرجن لحاجتكن وكان قول عمر لسودة ما ذكر حرصا على أن ينزل الحجاب قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فأنزل الله الحجاب وفيه أنه تقدم عنها ان قول عمر لسودة كان بعد أن ضرب
وقد يقال المراد بالحجاب هنا عدم خروجهن للبراز فلا ترى أشخاصهن والحجاب المتقدم عدم رؤية شئ من أبدانهن فلا مخالفة فليتأمل
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخلت على زينب بنت جحش وعندى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت عليه فقالت له ما كل واحد منا عندك إلا على خلاء أي على ما أردت ثم أقبلت علي تسبني فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فلم تنته فقال لي سبيها فسببتها وكنت أطول لسانا منها حتى جف ريقها في فمها ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل سرورا أي وفي يوم غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على زينب لقولها في صفية بنت حيي تلك اليهودية فهجرها لذلك ذا الحجة والمحرم وبعض صفر ثم أتاها بعد وعاد الى ما كان عليه معها
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم تستأذن والنبي صلى الله عليه وسلم معي فأذن لها فدخلت عليه فقالت يا رسول الله ان أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة أي أن تعدل بينهن وبينها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي بنية ألست تحبين ما أحب فقالت بلى قال فأحبي هذه يعنيني فقامت فاطمة فخرجت فجآءت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فحدثتهن بما قالت وبما قال لها فقلن لها ما أغنيت عنا من شئ فارجعي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت والله لا أكلمه فيها أبدا فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فاستأذنت عليه وهو في بيت عائشة فأذن لها فدخلت فقالت يا رسول الله أرسلني أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة ثم وقعت أي زينب بي تسمعني ما أكره فطفقت أنظر الى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يأذن لي فيها فلم أزل حتى عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكره

أن أنتصر فوقعت بها أسمعها ما تكره فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لها إنها ابنة أبي بكر أي محل الفصاحة والشهامة
وسبب ذلك اي طلبهن ان يعدل بينهن وبين عائشة ان الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضات رسول الله صلى الله عليه وسلم
غزوة أحد وكانت في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور وشذ من قال سنة أربع وأحد جبل من جبال المدينة قيل سمي بذلك لتوحده وانفراده عن غيره من الجبال التي هناك وهذا الجبل يقصد لزيارة سيدنا حمزه ومن فيه من الشهداء وهو على نحو ميلين وقيل على ثلاث أميال من المدينة يقال أن فيه قبر هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام وفيه قبض فواراه موسى فيه وكانا قدما حاجين أو معتمرين
وعن ابن دحية ان هذا باطل بيقين وأن نص التوراة انه دفن بجبل من جبال بعض مدن الشام
وقد يقال لا مخالفة لأنه يقال المدينة شامية وقيل دفن بالتيه هو وأخوه موسى عليهما الصلاة والسلام كما تقدم
قال صلى الله عليه وسلم ان أحدا هذا جبل يحبنا ونحبه اذا مررتم به فكلوا من شجرة ولو من عضاهه اي وهي كل شجرة عظيمة لها شوك والقصد الحث على عدم اهمال الأكل من شجره تبركا به
وقال صلى الله عليه وسلم أحد ركن من أركان الجنة أي جانب عظيم من جوانبها وفي رواية على باب من أبواب الجنة ولا يخالف ما قبله فإنه جاز أن يكون ركنا بجانب الباب وفي رواية جبل من جبال الجنة ولا مانع ان تكون المحبة من الجبل على حقيقتها وضع الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال المسبحة مع داود عليه السلام وكما وضعت الخشية في الحجارة التي قال الله فيها { وإن منها لما يهبط من خشية الله }
وقيل هو على حذف مضاف اي يحبنا أهله وهم الأنصار أو لأن اسمه مشتق من الأحدية وأخذ من هذا أنه أفضل الجبال وقيل أفضلها عرفة وقيل أبو قبيس وقيل الذي كلم الله عليه موسى وقيل قاف


ولما أصاب قريشا يوم بدر ما أصابها مشى عبدالله بن أبي ربيعه وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية رضي الله تعالى عنهم فإنهم أسلموا بعد ذلك ورجال آخر من أشراف قريش إلى أبي سفيان رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك أيضا وإلى من كان له تجارة في تلك العير أي التي كان سببها وقعة بدر وكانت تلك العير موقوفة في دار الندوة لم تعط لأربابها فقالوا إن محمدا قد وتركم أي قتل رجالكم ولم تدركوا دمائهم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا عمن أصاب منا أي وقالوا نحن طيبو النفوس أن تجهزوا بربح هذه العير جيشا الى محمد فقال أبو سفيان وأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي فجعلوا لذلك ربح المال فسلم لأهل العير رؤوس أموالهم وكانت خمسين ألف دينار وأخرجوا أرباحها وكان الربح لكل دينار دينارا أي فكان الذي أخرج خمسين ألف دينار وقيل أخرجوا خمسة وعشرين ألف دينار وأنزل الله تعالى في تلك { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون }
وتجهزت قريش ومن والاهم من قبائل كنانة وتهامة وقال صفوان بن أمية لأبي عزة يا أبا عزة إنك رجل شاعر فأعنا بلسانك ولك علي ان رجعت أن أغنيك وإن أصبت أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر فقال ان محمدا قد من علي أي وأخذ على أن لا أظاهر عليه أحدا حين أطلقني وأنا أسير في أسارى بدر فلا أريد أن ظاهر عليه قال بلى فأعنا بلسانك
فخرج أبو عزة ومسافع يستنقران الناس بأشعارهما فأما مسافع فلا يعلم له إسلام لكن في كلام ابن عبد البر مسافع بن عياض بن صخر القرشي التيمي له صحبة وكان شاعرا لم يرو شيئا ولا أدري هل هو هذا أو غيره وأما أبو عزة فظفر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الوقعة بحمراء الأسد أي المكان المعروف الآتي بيانه قريبا وتقدم استطراد ثم أمر صلى الله عليه وسلم عاصم بن ثابت فضرب عنقه وحملت رأسه الى المدينة كما سيأتي وتقدم استطرادا
ودعا جبير بن مطعم بن عدي رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك غلاما له حبشيا يقال له وحشي رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكان يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها فقال له اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بن طعيمة

ابن عدي فأنت عتيق أي لأن حمزة هو القاتل له وقيل وحشي كان غلاما لطعيمة وإن ابنة سيده طعيمة قالت له إن قتلت محمدا أو حمزة أو عليا في أبي فأبى لا أدري في القوم كفؤا له غيرهم فأنت عتيق وخرج معهم النساء بالدفوف
وفي كلام سبط بن الجوزي وساروا بالقيان والدفوف والمعازف والخمور والبغايا هذا كلامه وخرج من نساء قريش خمس عشرة امرأة أي مع أزواجهن ومنهن هند زوج أبي سفيان رضي الله تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك اي وأم حكيم بنت طارق مع زوجها عكرمة رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك وسلافة مع زوجها طلحة ابن أبي طلحة وأم مصعب بن عمير يبكين قتلى بدر وينحن عليهم يحرضنهم على القتال وعدم الهزيمة والفرار وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أرسل به إليه عمه العباس اي بعد أن راودوه على الخروج معهم فاعتذر بما لحقه من القوم يوم بدر ولم يساعدهم بشئ وذلك في كتاب جاء اليه صلى الله عليه وسلم وهو بقباء أرسله العباس مع رجل استأجره من بني غفار وشرط عليه أن يأتي المدينة في ثلاثة أيام بلياليها ففعل كذلك فلما جاءه الكتاب فك ختمه ودفعه لأبي فقرأه عليه أبي بن كعب واستكتم أبيا ونزل صلى الله عليه وسلم على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العباس أي فقال والله أني لأرجو أن يكون خيرا فاستكتمه إياه فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده قالت له امرأته ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها لا أم لك وأنت وذاك فقالت قد سمعت ما قال وأخبرته بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسترجع وأخذ بيدها ولحقه صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها وقال يا رسول الله اني خفت أن يفشو الخبر فترى أني أنا المفشي له وقد استكتمتني إياه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خل عنها
وسارت قريش وهم ثلاثة آلاف رجل وقال بعض الحفاظ جمع أبو سفيان قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش وخرج معه أبو عامر الراهب في سبعين فارسا من الأوس قال في الأصل والأحابيش الذين حالفوا قريشا وهم بنو المصطلق وبنو الهون ابن خزيمة اجتمعوا عند حبشي وهو جبل بأسفل مكة وتحالفوا على أنهم مع قريش يدا واحدة على غيرهم ما سجى ليل ووضح نهار وما رسا حبشي مكانه فسموا أحابيش باسم الجبل وقيل سموا بذلك لتحبشهم أي تجمعهم وفيهم مائتا فارس أي وثلاثة

آلاف بعير وسبعمائة دارع حتى نزلوا مقابل المدينة بذي الحليفة أي وهو ميقات أهل المدينة الذي يحرمون منه أي وأرجفت اليهود والمنافقون فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له أي جاسوسين فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم
ويقال أن عمرو بن سالم الخزاعي مع نفر من خزاعة فارقوا قريشا من ذي طوى وجاءوا الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه خبرهم وانصرفوا ولما وصلوا أي كفار قريش ومن معهم للأبواء أرادوا نبش قبر أمه صلى الله عليه وسلم والمشير عليهم بذلك هند بنت عتبة زوج أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فقالت لو بحثتم قبر أم محمد فإن أسر منكم أحدا فديتم كل إنسان بأرب من آرابها أي جزء من أجزائها فقال بعض قريش لا يفتح هذا الباب وإلا نبش بنو بكر موتانا عند مجيئهم وحرست المدينة وبات سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة وعليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبحوا
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا قال رأيت البارحة في منامي خيرا رأيت بقرا تذبح ورأيت في ذبابة سيفي أي وهو ذو الفقار ( ثلما ) بإسكان اللام وفي لفظ وكأن ظبة سيفي انكسرت وفي لفظ ورأيت سيفي ذي الفقار انفصم من عند ظبته فكرهته وهما مصيبتان ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة وفي رواية ورأيت أني في درع حصينة أي وأني مردف كبشا قال صلى الله عليه وسلم بعد أن قيل له ما أولتها قال فأما البقر فناس من اصحابي يقتلون وفي لفظ أولت البقر بقرا يكون فينا وأما الثلم الذي رأيت في سيفي فهو رجل من أهل بيتي أي وفي رواية من عترتي يقتل وفي رواية رأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم أي وفلول السيف كسور في حده وقد حصل في حد سيفه كسور وحصل انفصام ظبته وذهابها فكان ذلك علامة على وجود الأمرين وأما الدرع الحصينة فالمدينة أي وأما الكبش فإني اقتل كبش القوم أي حاميهم وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن هم دخلوا علينا قاتلنا فيها أي فأنا أعلم بها منهم وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن وكان ذلك رأي أكابر المهاجرين والأنصار قال ووافق على ذلك عبدالله ابن أبي سلول أي فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل يستشيره ولم يستشره قبل

ذلك قال يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج فوالله ما خرجنا منها الى عدو لنا قط إلا أصاب منا ولا دخلها إلا أصبنا منه فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم الصبيان بالحجارة من ورائهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا
وهذا هو الظاهر خلافا لما ذكره بعضهم من أنه صلى الله عليه وسلم دعا عبدالله بن أبي ابن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال يا رسول الله اخرج بنا الى هذه الأكالب إذ لا يناسب ذلك ما يأتي عنه من رجوعه وقوله خالفني الخ وإنما قال ذلك رجل من المسلمين ممن أكرمه الله بالشهادة يوم أحد وقال رجال أي غالبهم أحداث أحبوا لقاء العدو وغالبهم ممن أسف على ما فاته من مشهد بدر أخرج بنا الى أعدائنا لا يرونا أنا جبنا عنهم وضعفنا أي فيكون ذلك جرءاة منهم علينا والله لا نطيع العرب في أن تدخل علينا منازلنا
وفي لفظ أن الأنصار قالوا يا رسول الله ما غلبنا عدو لنا أتانا في دارنا أي في ناحية من نواحيها فكيف وأنت فينا ووافقهم على ذلك حمزة بن عبدالمطلب وقال للنبي صلى الله عليه وسلم والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم طعاما حتى آجالدهم بسيفي خارج المدينة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم كاره للخروج فلم يزالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وافق على ذلك فصلى الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد وأخبرهم أن لهم النصرة ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بذلك ثم صلى بالناس العصر وقد حشدوا أي اجتمعوا وقد حضر أهل العوالي ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فعمماه وألبساه وصف الناس ينتظرون خروجه صلى الله عليه وسلم فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه أي فما أمركم به وما رأيتم له فيه هوى ورأيا فأطيعوه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس لأمته وظاهر بين درعين أي لبس درعا فوق درع وهما ذات الفضول وفضة التي أصابها من بني قينقاع كما تقدم وذات الفضول هذه هي التي أرسلها إليه صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة رضي الله عنه حين سار الى بدر وهي التي مات صلى الله عليه وسلم عنها وهي مرهونه عند اليهودي وافتكها أبو بكر رضي الله عنه وأظهر الدرع وحزم

وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيفه صلى الله عليه وسلم وأنكر الامام أبو العباس ابن تيمية أنه صلى الله عليه وسلم تمنطق حيث قال لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شد وسطه بمنطقة وقد يقال مراد ابن تيمية المنطقة المعروفة وليس هذا منها وفيه رد على بعضهم في قوله كان له صلى الله عليه وسلم منطقة من أدم فيها ثلاث حلق من فضة والطرف من فضة
وقد يقال لا يلزم من كونه له منطقة أن يكون تمنطق بها فليتأمل
وتقلد صلى الله عليه وسلم السيف وألقى الترس في ظهره أي وفي رواية فركب صلى الله عليه وسلم فرسه السكب وتقلد القوس وأخذ قناته بيده أي ولا مانع أن يكون جمع بين ذلك فقالوا له ما كان لنا أن نخالفك ولا نستكرهك على الخروج فاصنع ما شئت وفي رواية فان شئت فاقعد أي وقال قد دعوتكم الى القعود فأبيتم وما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه أي وفي رواية حتى يقاتل
وأخذ منه أنه يحرم على النبي نزع لأمته اذا لبسها حتى يلحق العدو ويقاتل وبه قال أئمتنا أي وقيل إنه مكروه واستبعد وقوله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي لنبي يقتضى أن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثله في ذلك أي لأن نزع ذلك يشعر بالجبن وذلك ممتنع على الأنبياء صلى الله وسلم عليهم قاله في النور
وما اختص به من المحرمات فهو مكروه له لأن المحرم في المنهيات كالواجب في المأمورات
وعقد صلى الله عليه وسلم ثلاثة ألوية لواء للأوس وكان بيد أسيد بن حضير ولواء للمهاجرين وكان بيد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقيل بيد مصعب بن عمير أي لأنه كما قيل لما سئل عمن يحمل لواء المشركين فقيل طلحة بن أبي طلحة أي من بني عبد الدار فأخذه صلى الله عليه وسلم من علي ودفعه لمصعب بن عمير أي لأن مصعب بن عمير من بني عبد الدار وهم أصحاب اللواء في الجاهلية كما تقدم وسيأتي ولواء للخزرج كان بيد الحباب بن المنذر وقيل بيد سعد بن عبادة
وخرج في ألف وقيل تسعمائة ولعله تصحيف عن سبعمائة لما سيأتي أن عبدالله

ابن أبي ابن سلول رجع معه ثلاثمائة فبقي سبعمائة من أصحابه صلى الله عليه وسلم منهم مائة دارع وخرج السعدان أمامه صلى الله عليه وسلم يعدوان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دارعين واستعمل على المدينة ابن ام مكتوم أي وسار الى أن وصل رأس الثنية أي وعندها وجد كتيبة كبيرة فقال ما هذا قالوا هؤلاء حلفاء عبدالله بن أبي ابن سلول من يهود فقال أسلموا فقيل لا فقال إنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك فردهم أي وهؤلاء اليهود غير حلفائه من بني قينقاع فلا يقال هذا انما يأتي على أن اجلاء بني قينقاع كان بعد أحد لأنهم هم حلفاؤه من يهود كما تقدم لأنا نمنع انحصار حلفائه من يهود في بني قينقاع
وسار صلى الله عليه وسلم وعسكر بالشيخين وهما أطمان أي جبلان وعند ذلك عرض قومه فرد جمعا أي شبابا لم يرهم بلغوا خمس عشرة سنة بل أربع عشرة سنة كذا نقل عن امامنا الشافعي رضي الله عنه ونقل عنه بعضهم أنه قال لم يرهم بلغوا أربع عشرة سنة منهم عبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس خلافا لمن أنكر صحبته وعرابة هذا هو القائل فيه الشماخ ** رأيت عرابة الأوسي يسمو ** الى الخيرات منقطع القرين ** ** إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين **
وأوس والده هو القائل في يوم الأحزاب إن بيوتنا عورة كما سيأتي وأبو سعيد الخدري وسعد بن خيثمة رضي الله تعالى عنهم أي وزيد بن حارثة الأنصاري كان أبوه حارثة من المنافقين من أصحاب مسجد الضرار ورافع بن خديج وسمرة بن جندب
ثم أجاز صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج لما قيل له إنه رام وأصيب في ذلك اليوم بسهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أشهد له يوم القيامة ومات في زمن عبدالملك بن مروان لما نقض عليه ذلك الجرح وعندما أجازه قال سمرة بن جندب لزوج أمه أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردني وأنا أصرعه فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تصارعا فصرع سمرة بن جندب رافعا فأجازه
وممن رده صلى الله عليه وسلم يوم أحد لصغر سنه سعد بن حبته عرف بأمه حبته

فلما كان يوم الخندق رآه صلى الله عليه وسلم يقاتل قتالا شديدا فدعاه ومسح على راسه ودعا له بالبركة في ولده ونسله فكان عما لأربعين وخالا لأربعين وأبا لعشرين ومن ولده أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهم وتقدم في بدر أنه صلى الله عليه وسلم رد زيد بن ثابت وزيد ابن أرقم واسيد بن ظهير فما فرغ العرض إلا وقد غابت الشمس فأذن بلال بالمغرب فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه ثم أذن بالعشاء فصلى بهم وبات واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وذكوان بن عبد قيس يحرسه لم يفارقه لما قال صلى الله عليه وسلم من يحفظنا الليلة حتى كان السحر
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد رأيت أي في النوم الملائكة تغسل حمزة رضي الله تعالى عنه وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر فحانت صلاة الصبح بالشوط حائط بين المدينة وأحد ومن ذلك المكان رجع عبد الله ابن أبي ابن سلول ومن معه من أهل النفاق وهم ثلثمائة رجل وهو يقول عصاني واطاع الولدان ومن لا أرى له سيعلم ما ندري علام نقتل أنفسنا ارجعوا ايها الناس فرجعوا فتبعهم عبد الله ابن عمرو ابن حرام وهو والد جابر رضي الله تعالى عنهما وكان في الخزرج كعبد الله ابن أبي يقول يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا بضم الذال المعجمة قومكم ونبيكم أي تتركوا نصرتهم وإعانتهم عندما حضر من عدوهم قالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكن لا نرى أنه يكون قتالا وابو إلا الانصراف فقال لهم أبعدكم الله أي اهلككم الله أعداء الله فسيغني الله تعالى عنكم نبيه وفيه أن قوله المذكور يخالف قوله علام نقتل أنفسنا إلا ان يقال على فرض أنه يقع قتالا علام نقتل أنفسنا
فلما رجع عبد الله بن أبي ابن سلول بمن معه قالت طائفة نقتلهم وقالت طائفة أخرى لا نقتلهم وهما ان يقتتلا والطائفتان هما بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج فأنزل الله تعالى { فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم } أي ردهم إلى كفرهم بما كسبوا
وفي كلام سبط ابن الجوزي ولما رأى بنو سلمة وبنو حارثة عبد الله ابن أبي قد خذل هموا بالانصراف وكانوا جناحين من العسكر ثم عصمهما الله وأنزل قوله تعالى { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } الآية فبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع مائة رجل


ومن هذا يعلم ما في المواهب من قوله ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالانصراف لكفرهم بمكان يقال له الشوط لأن الذين ردهم صلى الله عليه وسلم لكفرهم حلفاء عبد الله ابن أبي بن سلول من يهوجد وكان رجوعهم قبل الشوط والذين رجع بهم عبد الله كانوا منافقين ورجوعه بهم كان من الشوط ولم يكن مع المسلمين يومئذ إلا فرسان فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة وقيل لم يكن معهم فرس أي وهذا القيل نقله في ( فتح الباري ) عن موسى ابن عقبة واقره وقالت الأنصار أي لما رجع ابن أبي يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود اي يهود المدينة ولعلهم عنوا بهم بني قريظة لأن بني قريظة من حلفاء سعد بن معاذ وهو سيد الاوس
وقال بعضهم كان في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين فقال صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا فيهم
أقول وحينئذ يكون المراد قالت طائفة من الأنصار وهم الأوس ولم يكونوا سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم إنا لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك والله أعلم
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه من يخرج بنا على القوم من كثيب أي من طريق قريب لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أنا يا رسول الله فنفذ به من حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى دخل في حائط للمربع بن قيظي الحارثي وكان رجلا منافقا ضريرا فقام يحثي التراب أي في وجوههم ويقول إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي وفي يده حفنة من تراب وقال والله لو أعلم أني لا اصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدر إليه سعد ابن زيد فضربه بالقوس في راسه فشجه وأراد القوم قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب وأعمى البصر أي وغضب له ناس من بني حارثة كانوا على مثل رأيه أي منافقين لم يرجعوا مع من رجع مع عبد الله ابن أبي فهم بهم أسيد ابن حضير حتى أومأ أي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك ذلك ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد فجعل ظهره وعسكره إلى احد قال واستقبل المدينة وصف المسلمين في جبل أحد أي بعد أن بات به تلك الليلة وحانت الصلاة صلاة الصبح والمسلمون يرون المشركين فأذن بلال وأقام وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه صفوفا وخطب خطبة حثهم فيها على الجهاد


ومن جملة ما ذكر فيها من كان يؤمن بالله واليوم لاآخر فعليه الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبد مملوكا وفي رواية إلا امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض بالرفع وعليها فالمستثنى محذوف أي إلا اربعة وما ذكر بدل منها قال ومن استغنى عنها استغنى الله عنه والله غني حميد ما اعلم من عمل يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به ولا أعلم من عمل يقربكم من النار إلا وقد نهيتكم عنه وإنه قد نفث أي أوحى والقى في روعى بضم الراء أي قلبي الروح الأمين أي الذي هو جبريل إنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها فاتقوا الله ربكم وأجملوا أي أحسنوا في طلب الرزق لا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله والمؤمن من المؤمن كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر جسده والسلام عليكم إنتهى
أي ولما أقبل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ومعه عكرمة ابن أبي جهل رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك كما تقدم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام وقال له استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر ولعل المراد وأمر جماعة بأن يكونوا بإزاء خيل أخرى للمشركين لأنه تقدم أنه لم يكن معهم إلافرس أو إلا فرسان
أي وما وقع في الهدى أن الفرسان من المسلمين يوم أحد كانوا خمسين رجلا سبق قلم وقال لا تبرحوا حتى أوذنكم وقال لا يقاتلن أحد حتى آمره بالقتال وكان الرماة خمسين رجلا وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا وأثبت مكانك إن كانت لنا أو علينا
أي وفي رواية إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم وإن رايتمونا ظهرنا على القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم زاد في رواية وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا قال وفي رواية أنه قال أي للرماة الزموا مكانكم لا تبرحوا منه فإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل في عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم وإن رايتمونا نقتل فلا تغيثونا ولا تدفعوا عنا وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل إنا لن نزال غالبين ما مكثتم مكانكم اللهم إني أشهدك عليهم إنتهى
وأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا أي وكان مكتوبا في إحدى صفحتيه

** في الجبن عار وفي الإقبال ** مكرمة والمرء بالجبن لا ينجو من القذر ** وقال من يأخذ هذا السيف بحقه ام إليه رجال فأمسكهم عنه من جملتهم علي رضي الله تعالى عنه قام ليأخذه فقال اجلس عمر رضي الله تعالى عنه فأعرض عنه والزبير رضي الله تعالى عنه أي وطلبه ثلاث مرات كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه حتى قام إليه أبو دجانة وقال ما حقه يا رسول الله قال فضرب به في وده العدو حتى ينحني قال أنا أهخذه في حقه فدفعه إليه فكاان رجل شجاعا يحتال عند الحرب أي يمشي مشية المتكبر وحين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبختر بين الصفين قال إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن أي لأن فيها دليل على عدم الاكتراث بالعدو
وعند اصطفاف القوم ناد أبو فيان بن حرب يا معشر الأوس والخزرج خلو بيننا وبين بني عمنا وننصرفغ عنكم فشتموه أقبح شتم ولعنوه اشد اللعن قال وخرج رجل من المشركين على بعير له فدعى للبراز فأحجم عنه الناس حتى دعا ثلاث فقام إليه الزبير ووثب حتى استوى معه على البعير ثم عانقه فاقتتلا فوقالبعير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ييلي حضي الأرض مقتول فوقع المشرك فوقع عليه الزبير فذبحه فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وإن حواري الظزبير وقال صلى الله عليه وسلم لو لم يبرز إليه الزبير لبرزت إليه لما رأى من احجام الناس عنه انتهى
وخرج رجل من المشركين بين الصفين أي وهو طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة والده اسمه عبد الله بن عثمان بن عبد الدار وكان بيده لواء المشركين لأن بني عبد الدار كانوا أصحاب لواء المشركين لأن اللواء كان لوالدهم عبدالدار كما تقدم وطلب طلحة المبارزة مرارا فلم يخرج إليه أحد فقال يا اصحاب محمد زعمتم أن قتلاكم إلى الجنة وأن قتلانا إلى النار وفي رواية قال يا اصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل أحد منكم يعجلني بسيفه إلى النارأو اعجله بسيفي إلى الجنة كذبتم واللات والعزى لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم فخرج إليه علي بن أبي طالب فاختلفا ضربتين فقتله علي رضي الله تعالى عنه
أي وفي رواية فالتقيا بين الصفين فبدره علي فصرعه أي قطع رجله ووقع على

الأرض وبدت عورته فقال يابن عمي أنشدك الله والرحم فرجع عنه ولم يجهز عليه فقال له بعض أصحابه أفلا أجهزت عليه فقال إنه استقبلني بعورته فعطفني عليه الرحم وعرفت أن الله قد قتله
وفي رواية قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك أن تجهز عليه فقال ناشدني الله والرحم فقال اقتله فقتله
أي ووقع لسيدنا علي كرم الله وجهه مثل ذلك في يوم صفين مرتين الأولى حمل على بسر بن أرطاة فلما رأى أنه مقتول كشف عن عورته فانصرف عنه والثانية حمل على عمرو بن العاص فلما راى أنه مقتول كشف عن عورته فانصرف عنه علي كرم الله وجهه
فأخذ لواء المشركين أخو طلحة وهو عثمان بن أبي طلحة وعثمان هذا هو ابو شيبة الذي ينسب إليه الشيبيون فيقال بني شيبة فحمل عليه حمزة فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره فرجع حمزة وهو يقول أنا ابن ساقي الحجيج يعني عبدالمطلب فأخذه أخو عثمان وأخو طلحة وهو ابو سعيد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فقتله فحمله مسافع بن طلحة بن ابي طلحة الذي قتله علي رضي الله تعالى عنه فرماه عاصم ابن ثابت بن أبي الأفلح فقتله ثم حمله أخو مسافع وهو الحرث بن طلحة فرماه عاصم فقتله أي فكانت أمهما هي سلافة معهما وكل واحد منهما بعد أن رماه عاصم يأتي أمه يضع رأسه في حجرها فتقول له يا بني من أصابك فيقول سمعت رجلا حين رماني يقول خذها وأنا ابن أبي الأفلح فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر وجعلت لمن جاء برأسه مائة من الأبل
وسيأتي مقتل عاصم في سرية الرجيع فحمله أخو مسافع وأخو الحرث وهو كلاب بن طلحة فقتله الزبير أي وقيل قزمان فحمله أخوهم وهو الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله فكل من مسافع والحرث وكلاب والجلاس الأربعة أولاد طلحة بن أبي طلحة كل قتل كأبيهم طلحة وعميهم وهما عثمان وأبو سعيد
وعند ذلك حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب وقيل حمزة فحمله شريح بن قارظ فقتل أي ولم يعرف قاتله ثم حمله أبو زيد بن عمرو بن عبد مناف

ابن هاشم بن عبد الدارفقتله قزمان فحمله ولد لشرحبيل بن هاشم فقتله قزمان أيضا ثم حمله صواب غلامهم أي وكان حبشيا فقاتل حتى قطعت يده ثم برك عليه فأخذه لصدره وعنقه حتى قتل عليه أي قتله قزمان وقيل القاتل له سعد بن أبي وقاص وقيل علي
وقد كان أبو سفيان قال لأصحاب اللواء أي لواء المشركين من بني د عبدالدار يحرضهم على القتال يا بني عبد الدار إنكم تركتم لواءنا يوم بدرفأصابنا ما قد رايتم وإنما تؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلو بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غدا إذا التقينا كيف نضع وذلك الذي اراد ابو سفيان
قال ابن قتيبة ويقال إن هذه الآية نزلت في بني عبدالدار { إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون }
ولما صرع صاحب لواء المشركين أي الذي هو طلحة بن أبي طلحة استبشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أي لأنه كبش الكتيبة أي الجيش أي حاميهم الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه المتقدمة أنه مردفا كبشا وقال أولت ذلك إني أقتل كبش الكتيبة فهذا كبش الكتيبة
وند وجود ما ذكر من قتل أصحاب اللواء صاروا كتائب متفرقة فجاس المسلمون فيهم ضربا حتى أجهضوهم أي ازالوهم عن أثقالهم وكان شعارالمسلمين يومئذ أمت أمت وشعارالكفار يا للعزى وهي شجرة كانوا يعبدونها يا لهبل وهو صنم كان داخل الكعبة منصوبا على بئر هناك وسيأتي في فتح مكة أنه كان خارجها بجانب الباب
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون في أول الامر كان داخل الكعبة ثم اخرج منها وجعل في بجانبها
أي وخرج عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فقال من يبارز فنهض إليه أبو بكر شاهر سيفه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم شم سيفك وارجع إلى مكانك ومتعنا بنفسك وتقدم طلب عبد الرحمن المبارزة أيضا في يوم بدر وتقدم عن ابن مسعود أن الصديق دعا ابنه يعني عبد الرحمن يوم أحد إلى البراز

وهو يخالف ما هنا إلا أن يقال إنه هنا يجوز وقوع كل من الأمرين أي طلب المبارزة من الصديق لولده عبد الرحمن وطلب المبارزة من عبد الرحمن لوالده الصديق
وقد وقع للصديق رضي الله تعالى عنه أن العرب لما ارتدت بعد موته صلى الله عليه وسلم خرج مع الجيش شاهرا سيفه فأخذ علي رضي الله تعالى عنه بزمام راحلته وقال له إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول لك كما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد شم سيفك ولا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا فرجع وأمضى الجيش
وفي أول الأمر حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة أي بالفاء متفرقة وحمل المسلمون على المشركين فنهكوهم أي أضعفوهم قتلا فلما التقى الناس وحميت الحرب قامت هند في النسوة اللاتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويقلن ** ويها بني عبد الدار ** ويها حماة الأدبار ** ضربا بكل بتار **
وويها كلمة إغراء وتحريض كما تقول دونك يا فلان والأدبار الأعقاب أي الذين يحمون أعقاب الناس والبتار السيف القاطع ويقلن ** نحن بنات طارق ** نمشي على النمارق ** مشي القطا النوازق ** والمسك في المفارق ** والدر في المخانق ** إن تقبلوا نعانق ** ونفرش النمارق ** أو تدبروا نفارق ** فراق غير وامق **
والطارق النجم قال تعالى { والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب } قيل هو زحل أي نحن بنات من بلغ العلو وارتفاع القدر كالنجم واعترض بأنها لو أرادت النجم لقالت نحن بنات الطارق
ثم رأيت أن هذا الرجز لهند بنت طارق وحينئذ فليس المراد بطارق النجم وإنما هو الرجل المعروف كأنها قالت نحن بنات طارق المعروف بالعلو والشرف
وعن بعضهم قال جلست بمكة وراء الضحاك فسؤل عن قول هند يوم أحد

نحن بنات طارق ما طارق فقلت هو النجم فقال لي كيف ذلك فقلت له قال الله تعالى { والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق } والنمارق الوسائد الصغار
والمراد نفرش ما تجعل عليه الوسائد مع جعلها عليه والوامق المحب أي فراق غير محب لأن غيرالمحب لا يرجع إذا غضب بخلاف المحب ومن ثم قيل غضب المحب في الظاهر مهابة سيف وفي الباطن كسحابة صيف
وقال وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع ذلك أي تحريض هند بما ذكر يقول اللهم بك أحول بالحاء المهملة أي أمنع وبك اصول وفيك أقاتل حسبي الله ونعم الوكيل انتهى
أي وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي العدو قال اللهم بك أصاول وبك أحاول أي اطالب
وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس فعن الزبير قال وجدت أي غضبت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف أي الذي قال فيه من يأخذه بحقه ثلاث مرات وأنا ابن عمته فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة فقلت والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته فأخذ عصابة حمراء أي أخرجها من ساق خفه وكان مكتوبا على أحد طرفيها نصر من الله وفتح قريب وفي طرفها الآخر الجبانة في الحرب عار ومن فر لم ينج من النار فعصب بها رأسه فقالت الأنصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت أي لأنهم كانوا يقولون ذلك إذا تعصب بها فجعل لا يلقى أحداإلا قتله أي وكان إذا كل ذلك السيف يشحذه أي يحده بالحجارة ولم يزل يضرب به العدو حتى انحنى وصار كأنه منجل وكان رجل من المشركين لا يدع لنا جريحا إلا ذنف عليه أي اسرع قتله فدعوت الله أن يجمع بينه وبين أبي دجانة فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاها بدرقته فعضت الدرقة على سيفه وضربه أبو دجانة فقتله ثم رايته حمل بالسيف على رأس هند أي بنت عتبة زوج أبي سفيان وقيل غيرها ثم رد السيف عنها
قال أبو دجانة رأيت إنسانا يحمس الناس أي بالسين المهملة حمسا شديدا أي يشجعهم وبالشين المعجمة يوقد الحرب ويثيرها فعمدت إليه فلما حملت عليه بالسيف ولول أي دعا بالويل أي قال يا ويلاه فعلمت أنه امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به أمرأة


وقاتل حمزة بن عبد المطلب قتالا شديدا ومر به سباع بن عبد العزى فقال له حمزة هلم أي اقبل يا ابن مقطعة البظور لأن أمه أم أنمار مولاة شريق والد الأخنس كانت ختانة بمكة
أي وفي البخاري يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور اتحاد الله ورسوله أي تحاربهما تعاندهما
وفيه أنهم لما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز فخرج إليه حمزة فشد عليه فلما التقيا ضربه حمزة فقتله وفي رواية فكان كأمس الذاهب أي وكان تمام واحد وثلاثين قتلهم حمزة
وفيه أنه سيأتي عن الأصل وقتل من كفار قريش يوم أحد ثلاثة وعشرين رجلا وأكب حمزة عليه ليأخذ درعه قال وحشي غلام جبير بن مطعم إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه يهد بالدال المهملة يهدم وبالذال المعجمة يقطع أي وقد عثر حمزة فانكشف الدرع عن بطنه فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته بالمثلثة وهو موضع تحت السرة وفوق العانة وفي لفظ فندرته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوى فغلب فوقع فأمهلته حتى إذا مات جئته فاخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر ولم يكن لي في شيء حاجة غيره
أي وفي لفظ آخر كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين وهو يقول أنا أسد الله فبينا هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره فانكشفت الدرع عن بطنه فطعنه وحشي الحبشي بحربته
ثم لما قتل أصحاب لواء المشركين واحدا بعد واحد ولم يقدر أحد يدنو منه انهزم المشركون وولوا لا يلوون على شيء ونساؤهم يدعون بالويل بعد فرحهم وضربهم بالدفوف وألقين الدفوف وقصدن الجبل كاشفات سيقانهن يرفعن ثيابهن وتبع المسلمون المشركين يضعون فيهم السلاح وينتهبون الغنائم ففارقت الرماة محلهم الذي أمرهم صلى الله عليه وسلم أن لا يفارقوه ونهاهم أميرهم عبد الله بن جبير فقالوا له انهزم المشركون فما مقامنا ههنا وانطلقوا ينتهبون وثبت عبد الله بن جبير مكانه وثبت معه دون العشرة وقال لا أجاوز أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل من الرماة وقلة من به منهم فكر بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنهما

فإنهما أسلما بعد ذلك فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم مع أميرهم عبد الله بن جبير أي ومثلوا به ومن كثرة طعنه بالرماح خرجت حشوته وأحاطوا بالمسلمين فبينما المسلمون قد شغلوا بالنهب والأسر إذ دخلت خيول المشركين تنادي فرسانها بشعارها يا للعزى يا لهبل ووضعوا السيوف في المسلمين وهم آمنون وتفرقت المسلمون في كل وجه وتركوا ما انتهبوا وخلوا من أسروا وانتفضت صفوف المسلمين واختلط المسلمون وصار يضرب بعضهم بعضا من غير شعار أي من غير أن يأتوا بما كانوا ينادون به في الحرب يتعارفون به في ظلمة الليل وعند الاختلاط وهو أمت أمت مما اصابهم من الدهش والحيرة ولم يزل لواء المشركين ملقى حتى أخذته عمرة بنت علقمة ورفعته لهم فلاثوا أي بالمثلثة استداروا به واجتمعوا عنده ونادى ابن قمئة بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة إن محمدا قد قتل وقيل المنادي بذلك ابليس أي متمثلا بصورة جعال أو جعيل ابن سراقة وكان رجلا صالحا ممن أسلم قديما وكان من أهل الصفة قيل وهو الذي غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه يوم الخندق وسماه عمرا كما سيأتي وسيأتي ما فيه
ثم إن الناس وثبوا على جعال ليقتلوه فتبرأ من ذلك القول وشهد له خوات بن جبير وأبو بردة بأن جعالا كان عندهما وبجنبهما حين صرخ ذلك الصارخ وقيل المنادي بذلك ازب العقبة قال ذلك ثلاث مرات أي لأنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صرخ الشيطان به قال هذا ازب العقبة بكسر الهمزة وسكون الزاي والازب القصير كما تقدم
وقد ذكر أن عبد الله بن الزبير رأى رجل طوله شبران على رحله فقال ما أنت قال ازب قال ما ازب قال رجل من الجن فضربه على رأسه بعود السوط حتى هرب أي ويجوز أن يكون ذلك صدر من الثلاثة وهم ابن قمئة وإبليس وإزب العقبة فرجعت الهزيمة على المسلمين أي وقال قائل يا عباد الله أخراكم أي احترزوا من جهة أخراكم فعطف المسلمون على أخراهم يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون وانهزمت طائفة منهم إلى جهة المدينة ولم يدخلوها وقال رجال من المسلمين حيث قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجعوا إلى قومكم يؤمنوكم وقال آخرون إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دين نبيكم وعلى ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله شهداء
اي وفي الامتاع أن ثابت بن الدحداح قال يا معشر الأنصار إن كان محمد قد قتل فإن

الله حي لا يموت قاتلوا على دينكم فإن الله مظفركم وناصركم فنهض إليه نفر من الأنصار فحمل بهم على كتيبة فيها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب فحمل عليه خالدبن الوليد بالرمح فقتله وقتل من كان معه من الأنصار رضي الله تعالى عنهم
وكان من جملة من انهزم عثمان بن عفان والوليد بن عقبة و خارجة بن زيد ورفاعة ابن معلى فاقاموا ثلاثة ايام ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبتم فيها عريضة وأنزل الله تعالى { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } قال وقال جماعة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم وانهزمت طائفة منهم حتى دخلت المدينة فلقيتهم أم أيمن رضي الله تعالى عنها فجعلت تحثو التراب في وجوههم وتقول لبعضهم هاك المغزل فاغزل به وهلم سيفك آه أي اعطني سيفك أي فالمنهزمون في ذلك اليوم طائفتان طائفة لم تدخل المدينة وأخرى دخلتها وفيه أن أم أيمن كانت في الجيش تسقي الجرحى
أي فقد جاء أن حباب بن العرقة رمى بسهم فأصاب أم أيمن وكانت تسقي الجرحى فوقعت وتكشفت فإغرق عدو الله في الضحك فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى سعد سهما لا نصل له وقال ارم به فوقع السهم في نحر حباب فوقع مستلقيا حتى بدت عورته فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال استقاد لها سعد أجاب الله دعوته أي وفي رواية اللهم استجب لسعد إذا دعاك فكان مجاب الدعوة وقد يقال لا منافاة بين كون أم أيمن كانت في الجيش وبين كونها كانت في المدينة لجواز أن تكون رجعت ذلك الوقت من الجيش إلى المدينة
وقال رجال أي من المنافقين لما قيل قد قتل محمد الذين بقوا ولم يذهبوا مع عبد الله ابن أبي ابن سلول لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا أي وقال بعضهم لو كان نبيا ما قتل فارجعوا إلى دينكم الأول وفي النهر أن فرقة قالوا نلقى إليهم بأيدينا فإنهم قومنا وبنو عمنا وهذا يدل على أن هذه الفرقة ليست من الأنصار بل من المهاجرين


قال وعن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتد علينا الخوف وأرسل علينا النوم فما منا أحد إلا وذقنه في صدره فوالله إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير أي ويقال ابن بشير وكان ممن شهد العقبة لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا فحفظتها فأنزل الله تعالى في ذلك قوله { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } الآية
وعن كعب بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال لقد رأيتني يومئذ في أربعة عشر من قومي إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابنا النعاس أمنة منه أي لأنه لا ينعس إلا من يأمن ما منهم أحد إلا غط غطيطا حتى إن الحجف اي الدرق تتناطح ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده وما يشعر وإن المشركين لتحثنا آه وتقدم في بدر أنه حصل لهم النعاس ليلة القتال لافيه على ما تقدم وتقدم أن النعاس في الصف من الإيمان وفي الصلاة من الشيطان
وثبت صلى الله عليه وسلم لما تفرقت عنه أصحابه وصاريقول إلي يا فلان إلي يا فلان أنا رسول الله فما يعرج إليه أحد والنبل يأتي إليه من كل ناحية والله يصرفه عنه
أي وفي الامتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب أنا ابن العواتك ) فليتأمل فإن المحفوظ أنه إنما قال ذلك في حنين وإن كان لا مانع من التعدد
وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة أي من أصحابه منهم أبو طلحة فإنه استمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يحوز عنه بحجفته وكان رجلا راميا شديد الرمي فنثركنانته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وصاريقول نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء فلم يزل يرمي بها وكان الرجل يمر بالجعبة بضم الجيم من النبل فيقول صلى الله عليه وسلم انثرها لأبي طلحة أي وكسر ذلك اليوم قوسين أو ثلاثة وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرف أي ينظر إلى القوم وفي لفظ ليرى مواضع النبل فيقول له أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لأتشرف يصبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك انتهى أي ويتطاول ابو طلحة بصدره يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم

واستدل بذلك على ان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجب على كل مؤمن أن يؤثر حياته صلى الله عليه وسلم على حياته قال فلا خلاف أن هذا لا يجب لغيره وهذا المذكور عن أبي طلحة من قوله نحري دون نحرك نقله ابن المنير عن سعد بن أبي وقاص فقال ولهذا قال سعد يوم أحد نحري دون نحرك ولا زال صلى الله عليه وسلم يرمي عن قوسه أي المسماة بالكتوم لعدم تصويتها إذا رمى عنها حتى صارت شظايا أي ذهب منها قطع
وفي رواية رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها والسية ما انعطف من طرفي القوس اللذين هما محل الوتر قال وما زال صلى الله عليه وسلم يرمي عن قوسه حتى تقطع وتره وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتره له فقال يا رسول الله لا يبلغ الوتر فقال مده يبلغ قال عكاشة فوالذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ وطويت منه لفتين أو ثلاثا على سية القوس ورمى صلى الله عليه وسلم بالحجارة وكان أقرب الناس إلى القوم آه
اي وانكر الإمام ابو العباس بن تيمية كونه صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى صارت شظايا أي لانه يبعد وجود رميه صلى الله عليه وسلم من غير اصابة ولو أصاب أحدا لذكر لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله وقاتل جماعة من اصحابه منهم سعد بن أبي وقاص فإنه كان من الرماة المذكورين رمى بقوسه قال سعد لقد رأيته يعني النبي صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ويقول ( ارم فداك أبي وأمي ) حتى إنه ليناولني السهم ما له نصل فيقول ارمي به وقد تقدم أنه رمى بسهم من تلك السهام التي لا نصل لها لمن رمى أم ايمن
قال وفي رواية عن سعد قال ( أجلسني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامه فجعلت أرمي وأقول اللهم سهمك فارم به عدوك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم استجب لسعد اللهم سدد رميته وأجب دعوته حتى إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته ) آه أي فكان سعد مجاب الدعوة كما تقدم
ولما سعى أهل الكوفة به إلى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أرسل جماعة للكوفة يسألون عن حاله من أهل الكوفة فصاروا كلما سألوا عنه أحدا قال خيرا واثنى عليه

معروفا حتى سألوا رجلا يقال له أبو سعدة ذمه وقال لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية فلما بلغ سعدا ذلك قال اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأدم فقره وأعمي بصره وعرضه للفتن فعمي وافتقر وكبر سنه وصار يتعرض للإماء في سكك الكوفة فإذا قيل له كيف أنت يا أبا سعدة يقول شيخ كبير فقير مفتون أصابتني دعوة سعد
قيل لسعد لم تستجاب دعوتك من دون الصحابة فقال ما رفعت إلي فمي لقمة إلا وأناأعلم من اين جاءت ومن اين خرجت أي لأنه جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا } فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال والذي نفس محمد بيده إن العبد ليعقد اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما )
وقد جاء في الحديث من كان مأكله حراما ومشربه حراما وملبسه حراما فأنى يستجاب له فليتأمل هذا الجواب
وقد يقال مراد سعد بقوله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة أي ممن يأكل الحلال الطيب ويميز عند الأكل بين الحرام وبين غيره حتى أكون مستجاب الدعوة
ولعل المراد بالأكل ما يشمل الشرب ولعل السكوت عن اللبس لأنه نادر بالنسبة للأكل وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله والذي نفس محمد بيده تقرير لما فهمه سعد رضي الله تعالى عنه أن من يأكل غير الحلال لا يكون مستجاب الدعوة تأمل
والحق أن سبب استجابة دعوة سعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ولعله إنما لم يجب بذلك لمن سأله بقوله لم تستجاب دعوتك من بين الصحابة لأنه يجوز أن يكون دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك تأخر عن هذا فليتأمل وفي الشرف ان سعدا رضي الله تعالى عنه رمى يوم أحد ألف سهم ما منها سهم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ارم فداك أبي وأمي ففداه في ذلك اليوم ألف مرة وعن علي كرم الله وجهه ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فداك أبي وأمي إلا لسعد رضي الله تعالى عنه وفي رواية فما جمع صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد إلا لسعد رضي الله تعالى عنه

قال في النور الرواية الأولى اصح لأنه أخبر فيها أنه لم يسمع أي لأنه حينئذ لا يخالف ما جاء عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع لأبيه الزبير رضي الله تعالى عنه بين أبويه أي قال له فداك أبي وأمي كسعد أي وفي ذلك في يوم الخندق حيث أتاه بخبر بني قريظة وكذا الرواية الثانية لا تخالف لأنها محمولة على سماعه
وعلى الأخذ بظاهرها وعدم حملها على ذلك يجاب بما قال في النور ظهر لي أن عليا كرم الله وجهه إنما أراد تفدية خاصة وهي ألف مرة أو في خصوص أحد
وكان صلى الله عليه وسلم يفتخر بسعده فيقول هذا سعد خالي فليرني امرؤ خاله لأن سعدا رضي الله تعالى عنه كان من بني زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم منهم كما تقدم أي وكان رضي الله تعالى عنه إذا غاب يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي لا ارى الصبيح المليح الفصيح
ولما كف بصره رضي الله تعالى عنه قيل له لو دعوت الله سبحانه أن يرد عليك بصرك فقال قضاء الله أحب إلي من بصري ولما حضرت الوفاة سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه دعا دع بخلق جبة من صوف فقال كفنوني فيها فإني كنت لقيت فيها المشركين يوم بدر وإنما كنت أخبؤها لهذا وممن كان مشهورا بالرماية سهيل بن حنيف رضي الله تعالى عنه وكان ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم الذي هو يوم احد قال بعضهم وكان بايعه صلى الله عليه وسلم يومئذ على الموت فثبت معه صلى الله عليه وسلم حتى انكشف الناس عنه وجعل ينضح بالنبل يومئذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم نبلوا سهيلا أي أعطوه النبل
وجاء أن خاله صلى الله عليه وسلم وهوالأسود بن وهب بن عبد مناف بن زهرة استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا خالي ادخل فدخل فبسط له صلى الله عليه وسلم رداءه وقال اجلس عليه إن الخال والد يا خال من أسدى إليه معروف فلم يشكر فليذكر فإنه إذا ذكر فقد شكر وقال له ألا أنبئك بشيء عسى الله أن ينفعك به قال بلى قال إن أربى الربى استطالة المرء في عرض أخيه بغير حق


وعن أم عمارة المازنية رضي الله تعالى عنها أي وهي نسيبة بالتصغير على المشهور زوج زيد بن عاصم رضي الله تعالى عنه قالت خرجت يوم أحد لأنظر ما يصنع الناس ومعي سقاة فيه ما أسقي به الجرحى فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والربح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى حصلت الجراحة إلي ورؤى على عاتقها جرح أجوف له غور فقيل لها من أصابك بهذا قالت ابن قمئة لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير فضربني هذه الضربة وضربته ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان
قال وفي كلام بعضهم خرجت نسيبة يوم أحد وزوجها زيد ابن عاصم وابناهما خبيب وعبد الله رضي الله تعالى عنهم وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمكم الله أهل البيت وفي رواية بارك الله فيكم أهل بيت قالت له أم عمارة رضي الله تعالى عنها ادع الله أن نرافقك في الجنة فقال اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة أي وعند ذلك قالت رضي الله تعالى عنها ما أبالي ما اصابني من أمر الدنيا
وقال صلى الله عليه وسلم في حقها ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا ورايتها تقاتل دوني آه أي وقد جرحت رضي الله تعالى عنها إثني عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف وعبد الله ابنها رضي الله تعالى عنهما هو القاتل لمسيلمة الكذاب لعنه الله
فعنها رضي الله تعالى عنها قالت يوم اليمامة تقطعت يدي وأنا أريد قتل مسيلمة وما كان لي ناهية أي مانعة حتى رأيت الخبيث مقتولا وإذا ابني عبد الله بن زيد يمسح سيفه بثيابه فقلت أقتلته فقال نعم فسجدت لله شكرا
ولاينافيه ما اشتهر أن قاتله وحشي فعن وحشي رضي الله تعالى عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد أن قدم عليه في وفد ثقيف واسلم كما سيأتي يا وحشي اخرج فقاتل في سبيل الله كما كنت تقاتل لتصد عن سبيل الله فلما كان خروج المسلمين لقات لقتال مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة لما ولى الصديق رضي الله تعالى عنه الخلافة وارتدت العرب خرجت معهم فأخذت حربتي فلما رايته تهيأت له وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها فوقعت فيه وشد

عليه الأنصاري فضربه بالسيف فربك أعلم اينا قتله له قال بعضهم والأنصاري هو عبد الله ابن زيد أي كما تقدم وقيل غيره
أي وفي كلام بعضهم اشترك في قتل مسيلمة الكذاب لعنه الله أبو دجانة وعبد الله بن زيد ووحشي رضي الله تعالى عنهم وفي تاريخ ابن كثير رحمه الله الاقتصار على وحشي وأبي دجانة
وقد يقال لا مخالفة لأن كلا من الرواة روى بحسب ما رأى وذكر ابن كثير أن ما يروي عن أبي دجانة رضي الله تعالى عنه من ذكر الحرز المنسوب إليه اسناده ضعيف لا يلتفت إليه
وقد نقل عن وحشي رضي الله تعالى عنه أنه قال قتلت بحربتي هذه خير الناس وشر الناس وكان عمر مسيلمة حين قتل مائة وخمسون سنة
وذكر أن أبا دجانة رضي الله تعالى عنه تترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار يقع النبل على ظهره وهو منحن حتى كثر فيه النبل
وقاتل دونه صلى الله عليه وسلم زيادة بن عمارة حتى أثبتته الجراحه أي اصابت مقاتله فقال صلى الله عليه وسلم ادنوه مني فوسده قدمه الشريف فمات رضي الله عنه وخده على قدمه الشريف صلى الله عليه وسلم
وقاتل مصعب بن عمير رضي الله عنه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتله ابن قمئه لعنه الله وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع الى قريش فقال قتلت محمدا
وقيل القاتل لمصعب رضي الله عنه أبي بن خلف لعنه الله فإنه أقبل نحو النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول أين محمدا لا نجوت إن نجا فاستقبل مصعب بن عمير رضي الله عنه فقتل مصعبا فاعترضه رجال من المسلمين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلوا طريقه أي فأقبل وهو يقول يا كذاب أين تفر وتناول النبي صلى الله عليه وسلم الحربة من بعض أصحابه أي وهو الحارث بن الصمة أو الزبير بن العوام على ما سيأتي فخدشه بها في عنقه خدشا غير كبير احتقن الدم أي لم يخرج بسبب ذلك الخدش فقال قتلني والله محمد فقالوا ذهب والله فؤادك أي وفي لفظ ذهب والله عقلك إنك لتأخذ السهام من أضلاعك فترمي بها فما هذا والله ما بك من بأس ما أخدعك إنما

هو خدش ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره فقال واللات والعزى لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز أي السوق المعروف من جملة أسواق الجاهلية كان عند عرفه كما تقدم وفي لفظ لو كان بربيعه ومضر أي وفي لفظ بأهل الأرض لماتوا أجمعون إنه قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك فوالله لو بصق علي لقتلني أي فضلا عن هذه الضربة لأنه كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة يا محمد إن عندي العود يعني فرسا له أعلفه في كل يوم فرقا ( بفتح الراء ) هو مكيال معروف يسع اثني عشر مدا من ذرة أقتلك عليها فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا اقتلك إن شاء الله فحقق الله تعالى قول نبيه صلى الله عليه وسلم
هذا وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن أبي بن خلف قال حين افتدى أي من الأسر في ببدر والله إن عندي لفرسا أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتل عليها محمدا فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بل أنا أقتله إن شاء الله
أقول يمكن الجمع بأنه تكرر ذلك من أبي لعنه الله ومن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم وفي رواية أبصر صلى الله عليه وسلم ترقوته بالفتح لا بالضم من فرجة من سابقة الدرع وهي ما يغطى به العنق من الدرع كما تقدم فطعنه طعنة أي كسر فيها ضلعا بكسر الضاد وفتح اللام وتسكينها من أضلاعه أي وهو المناسب لما في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم طعنه طعنة وقع فيها مرارا من على فرسه وجعل يخور كما يخور الثور إذا ذبح وإنه صلى الله عليه وسلم لما أخذ الحربة من الحارث بن الصمه وقيل من الزبير بن العوام رضي الله عنه إنتفض بها انتفاضة شديدة ثم استقبله فطعنه في عنقة
أقول ولا مخالفة بين كون الطعنه في عنقه وكونها في ترقوته لأن الترقوة في أصل العنق
ولا مخالفة أيضا بين كون الحاصل من الطعنة خدشا مع اعتنائه صلى الله عليه وسلم بالطعنة وناهيك بعزمه صلى الله عليه وسلم لأن كون الخدش في الظاهر أي بحسب ما يظهر للرئي والشدة في الباطن أقوى في النكاية ودليل وجود الشدة في الباطن وقوعه مرارا وكونه خار كالثور الذي يذبح وكون الطعن في العنق يفضي إلى كسر الضلع من خوارق العادات لكن رأيت في رواية أنه ضربه تحت إبطه فكسر ضلعا من أضلاعه
وقد يقال يجوز أن تكون الحربه نفذت من المكان المذكور قال في النور ولم يقتل

بيده الشريفه صلى الله عليه وسلم قط أحدا إلا أبي بن خلف لا قبل ولا بعد ثم مات عدو الله وهم قافلون به إلى مكة أي بسرف بفتح السين المهملة وكسر الراء وهو المناسب لوصفه لأنه مسرف وقيل ببطن رابغ
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال انى لأ سير ببطن رابغ بعد هدوء من الليل إذا نار تأجج لى لهبها وإذا رجل يخرج منها فى سلسلة يجتذب بها يصيح العطش ونادانى ياعبد الله فلا أدرى أعرف اسمى أو كما يقول الرجل لمن يجهل اسمه ياعبد الله فالتفت إليه فقال اسقنى فأردت أن أفعل وإذارجل وهو الموكل بعذابه يقول لاتسقه هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أبي بن خلف لعنه الله رواه البيهقي
ويدل لهذا ما جاء في الحديث كل من قتله نبي أو قتل بأمر نبي في زمنه يعذب من حين قتل إلى نفخ الصعقة وجاء أشد الناس عذابا من قتله نبي أي وفي رواية اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحقا لأصحاب السعير وفي رواية اشتد غضب الله عز وجل على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم أكملهم لطفا ورفقا وسعة بعباد الله
وفي شرح التقريب احترز بقوله في سبيل الله عمن يقتله حدا أو قصاصا لأن من يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله كان قاصدا قتله صلى الله عليه وسلم وقد إتفق ذلك لأبي بن خلف لعنه الله وقد تقدم أن ابن مرزوق رحمه الله ذكر أن ابن عمر مر ببدر فإذا رجل يعذب ويئن فناداه يا عبدالله فالتفت إليه فقال اسقني فأردت أن أفعل فقال الأسود الموكل بتعذيبه لا تفعل يا عبدالله فإن هذا من المشركين الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أى أصحابه رواه الطبراني في الأوسط ولابعد في تعدد الواقعة
ثم رأيت في الخصائص الكبرى ما يقتضى التعدد فإنه ذكر فيها ان ابن عمر رضي الله عنهما ذكر ذلك أى مرور ببدر للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم قال له ذلك أبو جهل وذلك عذابه إلى يوم القيامة وقد ذكرت ذلك في الكلام على غزوة بدر
ووقع صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي حفرت للمسلمين أى التى حفرها أبو عامر الفاسق والد حنظلة غسيل الملا ئكة رضى الله عنه واسم أبي عامر عبد عمرو مات كافرا بأرض الروم فر إليها لما فتحت مكة ليقعوا فيها وهم لا يعلمون فأغمى

عليه صلى الله عليه وسلم وجحشت أى خدشت ركبتاه فأخذ علي كرم الله وجهه بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما
وكان سبب وقوعه صلى الله عليه وسلم أن ابن قمئة لعنه الله علاه صلى الله عليه وسلم بالسيف فلم يؤثر فيه السيف إلا أن ثقل السيف أثر في عاتقه الشريف فشكا صلى الله عليه وسلم منه شهرا أو أكثر وقذف صلى الله عليه وسلم بالحجارة حتى وقع لشقه ورماه صلى الله عليه وسلم عتبة بن أبي وقاص أ أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بحجر فكسر رباعيته اليمنى السفلى وشق شفته السفلى أى ودعا عليه صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا وقد استجاب الله تعالى ذلك وقتله في ذلك اليوم حاطب بن ابي بلتعة رضي الله عنه
قال حاطب لما رأيت ما فعل عتبة برسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين توجه عتبة فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى حيث توجه فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت راسه فنزلت وأخذت فرسه وسيفه وجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رضي الله عنك رضي الله عنك مرتين أى ولا يخالف هذا قول بعضهم فمات بعد قليل لكن يخالف القول بانه مات بعد ان أسلم بعد الفتح وانه اثبت ولم يولد لعتبة ولد أو ولد ولد إلا هو اهتم اى ساقط مقدم اسنانه اى التي هي الرباعيات أبخر يعرف ذلك في عقبه وكسرت البيضة اى الخوذة على رأسه صلى الله عليه وسلم وشج وجهه الشريف شجه عبدالله بن شهاب الزهري رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهو جد الإمام الزهري رحمه الله ويجوز أن يكون من قبل أمه أى ويقال له عبدالله الأصغر اى ولعل هذا حصل منه اقبل او بعد قوله دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف إلى جنبه ما معه أحد ثم جاوزه فعاتبه في ذلك صفوان فقال والله ما رأيته أحلف بالله إنه منا ممنوع
وجد الأمام الزهرى من قبل ابيه يقال له عبدالله بن شهاب ويقال له عبدالله الأكبر رضي الله عنه كان من مهاجري الحبشة توفي بمكة قبل الهجرة وأشار صاحب الهمزية رحمه الله إلي أن هذه الشجة لم تشنه صلى الله عليه وسلم بل زادته جمالا بقوله ** مظهر شجة الجبين على البر ** ءكما أظهر الهلال البراء ** ستر الحسن منه بالحسن فاعجب ** لجمال له الجمال وقاء ** فهو كالزهرلاح من سجف الأك ** مام والعود شق عنه اللحاء **


أي مظهر وجهه الشريف اثر جرح جبينه اى جبهته مع برئها ظهورا كظهور الهلال ليلة استهلاله ستر ذلك الوجه الحسن الأصلي بالحسن العارض بسبب ذلك الجرح فاعجب لجمال أصلي له الجمال العارض وقاية وساتر فهو أى ما ظهر بذلك الجرح كالزهر إذا ظهر من ستره وكالعودالذي يتطيب به إذا أزيل عنه قشره وقال حسان رضي الله عنه في وصف جبينه الشريف صلى الله عليه وسلم
** متى بيد في الداجي البهيم جبينه ** يلح مثل مصباح الدجى المتوقد **
وجرحت وجناته صلى الله عليه وسلم بسبب دخول حلقتين من المغفر في وجنتيه بضربة من ابن قمئة لعنه الله وقال له لما ضربه خذها وأنا ابن قمئة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقمأك الله عز وجل اي أصغرك وأذلك وقد استجاب الله فيه دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه بعد الوقعة خرج إلى غنمه فوافاها على ذروة الجبل اى أعلى الجبل فأخذ يعترضها فشد عليه كبشها فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع وفي رواية فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة
أقول ويمكن الجمع بانه لما نطحه ذلك الكبش ووقع من شاهق الجبل إلى أسفل سلط الله عليه عند ذلك تيس الجبل فنطحه حتى قطعه قطعا زيادة في نكاله وخزيه ووباله لعنه الله عليه والله اعلم
ولما جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم صار الدم يسيل على وجه الشريف وجعل صلى الله عليه وسلم يمسح الدم وفي لفظ ينشف دمه وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم أى وفي رواية اشتد غضب الله علي قوم أدموا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعال { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } أى وفي رواية صار صلى الله عليه وسلم يقول اللهم العن فلانا وفلانا أي اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن أمية فأنزل الله تعالى الآية
فإن قيل كيف هذا مع قوله تعالى { والله يعصمك من الناس } أجيب بان هذه الأية نزلت بعد احد
وعلى تسليم أنها نزلت قبله فالمراد عصمته من القتل قال الشيخ محي الدين ابن العربي رحمه الله لا يخفى أن أجر كل نبي في التبليغ يكون على قدر ما ناله من المشقة

الحاصلة له من المخالفين له وعلى قدر ما يقاسيه منهم وله أجر الهداية لمن أطاعه ولا احد أكثر أجرا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يتفق لنبي من الأنبياء ما اتفق له صلى الله عليه وسلم في كثير من طائعي أمة أجابته ولا في كثير عصاة أمة دعوته الخارجين عن الأجابة
وامتص مالك بن سنان الخدري وهو والدابي سعيد الخدري رضي الله عنهما دم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس د دمي دمه لم تصبه النار
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم قال من أراد أن ينظر إلى رجل من اهل الجنة فلينظر إلى هذا وأشار إليه فاستشهد في هذه الغزاة وفي لفظ من سره ان ينظر إلى من لا تمسه النار فلينظر إلي مالك بن سنان رضي الله عنه ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أمر هذا الذي امتص دمه بغسل فمه ولأأنه غسل فمه من ذلك كما لم ينقل انه أمر حاضنته أم أيمن بركة الحبشية رضي الله عنها بغسل فمها ولا هي غسلته من ذلك لما شربت بوله صلى الله عليه وسلم
فعنها رضي الله عنهما انها قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل إلى فخارة أى تحت سريره فبال فيها فقمت وانا عطشى فشربت ما في الفخارة وأنا لا أشعر فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أم أيمن قومي إلى تلك الفخارة فأهريقي ما فيها فقالت والله لقد شربت ما فيها فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لا يجفر بالجيم والفاء بطنك بعده أبدا وفي لفظ لا تلج النار بطنك وفي أخرى لا تشتكي بطنك اي ويجوز انه صلى الله عليه وسلم قال هذه الألفاظ الثلاثة وكل روى بحسب ما سمع منها فتكون هذه الأمور الثلاثة تحصل لأم أيمن رضي الله عنها وفي رواية بدل فخارة إناء من عيدان بالفتح الطوال من النخل فإن صحا حملا على التعدد لأم أيمن رضي الله عنها ولا مانع منه
وقد شرب بوله صلى الله عليه وسلم ايضا أمراة يقال لها بركة بنت ثعلبة بن عمرو كانت تخدم ام حبيبة رضي الله عنها جاءت معها من الحبشة أى ومن ثم قيل لها بركة الحبشية
وفي كلام ابن الجوزي بركة بنت يسار مولاة ابي سفيان الحبشية خادمة أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هذا كلامه

ولا مخالفة لأنه يجوز أن يكون يسار لقبه ثعلبة وكانت معها في الحبشة ثم قدمت معها مكة كانت تكنى بأم يوسف فقال صلى الله عليه وسلم حين علم أنها شربت ذلك صحة يا أم يوسف فما مرضت قط حتى كان مرضها الذي ماتت فيه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لها لقد احتظرت من النار بحظار وشرب دمه صلى الله عليه وسلم أيضا أبو طيبة الحجام وعلي كرم الله وجهه وكذا عبدالله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما
فعن عبدالله بن الزبير قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم فلما فرغ قال يا عبدالله اذهب بهذا الدم فأهرقه حتى لا يراك أحد قال فشربته فلما رجعت قال يا عبدالله ما صنعت قلت جعلته في أخفى مكان علمت أنه يخفى على الناس قال لعلك شربته قلت نعم قال ويل للناس منك وويل لك من الناس وكان بسبب ذلك على غاية من الشجاعة
ولما وفد أخوه شقيقه عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة من المدينة على عبدالملك بن مروان قال له يوما ما أريد أن تعطيني سيف أخي عبدالله فقال له عبدالملك هو بين السيوف ولا أميزه فقال له عروة إذا حضرت السيوف ميزته أنا فأمر عبد الملك بإحضارها فلما أحضرت أخذ منها سيفا مفلل الحد وقال هذا سيف أخي فقال له عبد الملك كنت تعرفه قبل الآن قال لا فقال كيف عرفته قال بقول النابغة الذبياني ** ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب **
وأخذ من ذلك بعض أئمتنا طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم حيث لم يأمره بغسل فمه ولم يغسل هو فمه وأن شربه جائز حيث أقر على شربه
وما أورده في الإستيعاب أن رجلا من الصحابة اسمه سالم حجمه صلى الله عليه وسلم ثم ازدرد دمه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الدم كله حرام أي شربه غير صحيح فقد قال بعضهم هو حديث لا يعرف له إسناد فلا يعارض ما قبله على أنه يمكن أن يكون ذلك سابقا على إقراره على ذلك والله أعلم
ونزع أبو عبيدة عامر بن عبدالله الجراج رضي الله تعالى عنه إحدى الحلقتين من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنية أبي عبيدة ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى


وقيل الذي نزعهما عقبة بن وهب بن كلدة وقيل طلحة بن عبيد الله ولعل الثلاثة عالجوا إخراجها وكان أشدهم لذلك ابو عبيدة رضي الله عنه
قال بعضهم ولما سقط مقدم أسنان أبي عبيدة صار أهتم ولم يرقط اهتم أحسن من أبي عبيدة لأن ذلك الهتم حسن فاه
وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول القائل قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك قال عرفت عينيه تزهران اي تضيئان وتتوقدان من تحت المغفر وهو ما يجعل علي الراس من الزرد فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين ابشرو هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلي أن أنصت
وعن بعض الصحابة قال لما صرخ الشيطان قتل محمد لم يشك في أنه حق وما زلنا كذلك حتي طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعديين فعرفناه بتكفيه إذا مشي ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهزظ معهم نحو الشعب فيهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير والحارث ابن الصمة رضي الله تعالى عنهم
وفي خصائص العشرة للزمخشري وثبت يعني الزبير رضي الله تعالى عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت هذا كلامه فليتأمل
وقول بعض الرافضة انهزم الناس كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ممنوع وقوله وتعجبت الملائكة من شأن علي وقول جبريل عليه السلام وهو يعرج إلى السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي قوله وقتل علي كرم الله وجهه أكثر المشركين في هذه الغزوة فكان الفتح فيها على يديه وقال أصابتني يوم أحد ست عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في اربع منهن فجاءني رجل حسن الوجه حسن اللحية طيب الريح وأخذ بضبعي فأقامني ثم قال أقبل عليهم فقاتل في طاعة الله وطاعة رسول الله فإنهما عنك راضيان
ولما أخربت النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا علي أما تعرف الرجل فقلت لا ولكن شبهته بدحية الكلبي فقال صلى الله عليه وسلم يا علي أقر الله عينك فإنه جبريل عليه السلام جميعه رده الإمام أبو العباس بن تيمية بأنه كذب باتفاق الناس وبين ذلك بما يطول


قال وأقبل عثمان بن عبد الله بن المغيرة على فرس أبلق وعليه لامة كاملة قاصدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجه للشعب وهو يقول لا نجوت إن نجا فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعثر بعثمان فرسه في بعض تلك الحفر ومشى إليه الحارث بن الصمة رضي الله تعالى عنه فاصطدما ساعة بسيفهما ثم ضربه الحارث على رجله فبرك ودفف عليه وأخذ درعه ومغفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أحانه أي أهلكه
وأقبل عبيد الله بن جابر العامري يعدو فضرب الحارث على عاتقه فجرحه فاحتمله أصحابه ووثب أبو دجانة رضي الله تعالى عنه إلى عبيد الله فذبحه بالسيف ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حتى ملأ درقته ماء وغسل به صلى الله عليه وسلم عن وجهه الشريف الدم وهو يقول اشتد غضب الله علي من أدمي وجه نبيه أي والسياق يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك ايضا بعد قوله كيف يفلح قوما خضبوا وجه نبيهم ونزول تلك الآية فإن ذلك كان قبل غسل وجهه الشريف
ثم قال اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلو الصخرة التي في الشعب فلما ذهب ينهض لم يستطع أي لأنه صلى الله عليه وسلم ضعف من كثرة ما خرج من دم رأسه الشريف وجهه مع كونه صلى الله عليه وسلم عليه درعان فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب طلحة أي فعل شيئا ستوجب به الجنة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع انتهى
أي وقيل أن طلحة ى رضي الله تعالى عنه كان في مشيه اختلاف لعرج كان به فلما حمل النبي صلى الله عليه وسلم تكلف استقامة المشي لئلا يشق عليه صلى الله عليه وسلم فذهب عرجه ولم يعد إليه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم انطلق حتى أتى اصحاب الصخرة أي الجماعة الذين من الصحابة الذين علوا الصخرة أي التي في الشعب فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه واراد أن يرميه فقال صلى الله عليه وسلم أنا رسول الله ففرحوا بذلك وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وجد في أصحابه من يمنع أي ولعل هذا الذي أراد رميه صلى الله عليه وسلم لم يعرفه ولا من معه من الصحابة لارتفاع الصخرة


قال وعطش صلى الله عليه وسلم عطشا شديدا أي ولم يشرب من الماء الذي جاء به علي كرم الله وجهه في درقته أنه صلى الله عليه وسلم وجدله ريحا فعافه أي كرهه فخرج محمد بن مسلم رضي الله تعالى عنه يطلب له ماء فلم يجد فذهب إلى مياه فأتى منها بماء عذب فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير
وفي بعض الروايات أن نساء المدينة خرجن وفيهن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فلما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته وعلى كرم الله وجهه يسكب الماء فتزايد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير أي معمول من البردى فأحرقته بالنار حتى فصار رمادا فأخذت ذلك الرماد وكمدته حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم انتهى أي لأن البرد له فعل قوي في حبس الدم لأن فيه تجفيفا قويا
وفي حديث غريب أنه صلى الله عليه وسلم داوى جرحه بعظم بال أي محرق
وقد يقال يجوز أن يكون الراوي ظن ذلك البردى المحرق عظما محرقا بناء على صحة تلك الرواية وعن وضع هذا الرماد الحار عبر بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم اكتوى في وجهه وجعله معارضا للحديث الصحيح في وصف السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة من غير حساب بأنهم لا يكتوون
وعارضه أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ مرتين ليرقأ اي ينقطع الدم من جرحه وكوى أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه لمرض الذبحة
ففي كلام بعضهم كان موت أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه بمرض يقال له الذبحة فكواه النبي صلى الله عليه وسلم وقال بئس الميتة لليهود يقولون أفلا دفع عن صاحبه وما أملك له ولا لنفسي شيئا
وأجيب بأن هذا الحديث محمول على من اكتوى خوفا من حدوث الداء أو لأنهم كانوا يعظمون أمره ويرون أنه يقطع الداء وإذا لم يكوى العضو عطب وبطل وهو محمل قوله صلى الله عليه وسلم لم يتوكل من اكتوى أو على من يفعل مع قيام غيره من الأدوية مقامه
ومحمل ما في الخصائص الكبرى أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه وتسلم عليه من جانب بيته ثلاثين سنة حتى اكتوى اي لبواسير كانت به فكان يصبر

على ألمها فلما ترك الكي عادت الملائكة إلى سلامها عليه لأن ذلك قادح في التوكل
وما في البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الشفاء في ثلاثة شربة عسل شرطة محجم وكية نار وأنا أنهى أمتي عن الكي وفي رواية وما أحب أن أكتوي اي النهي للتنزيه لا للتحريم وإلا لم يفعله عمران مع علمه بالنهي
قال في الهدى وأراد صلى الله عليه وسلم بقوله وأنا أنهى إلى آخره أي أنه لا يؤتى بالكي إلا إذا لم ينجع الدواء فلا يأتي به أولا ومن ثم آخره
قيل والفصد داخل في شرطة المحجم والحجامة في البلاد الحارة أنفع من الفصد هذا كلامه
وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب مع اولئك النفر من أصحابه إذا علت طائفة من قريش الجبل معهم خالد بن الوليد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنهم لا ينبغي لهم أن يعلونا اللهم لا قوة لنا إلا بك فقاتلهم عمر بن الخطاب وجماعة من المهاجرين حتى أهبطوا من ا لجبل أي ونزل قوله تعالى { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون } في لا تضعفوا عن الحرب ولا تحزنوا على ما فاتكم من الظفر بالكفار
وللعل هذا كان قبل أن يعلو صلى الله عليه وسلم الصخرة كما تقدم أو لعل الجبل كان اعلى من تلك الصخرة
قال وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد ارددهم قال كيف أردهم وحدي فقال له ارددهم قال سعد رضي الله تعالى عنه فأخذت سهما من كنانتي فرميت به رجلا منهم فقتلته ثم أخذت سهما فإذا هو سهمي الذي رميت به آخر فقتلته ثم أخذت سهما آخر فإذا هو سهمي الذي رميت به فرميت به آخر فقتلته ثم أخذت سهما فإذا هو سهمي الذي رميت به فرميت به آخر فقتلته فهبطوا من مكانهم فقلت هذا سهم مبارك فكان عندي في كنانتي لا يفارق كنانتي وكان بعده عند بنيه انتهى
أي وحينئذ يحتاج إلى الجمع بين هذا أي كون سعد ردهم وحده بهذا السهم وما قبله الدال على أن الراد لهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وجماعة من المهاجرين
روى عنه أنه قال لقد رأيتني أرمي بالسهم يوم أحد فيرده على رجل أبيض حسن

الوجه لا اعرفه حتى كان بعد أي حتى بعد انقضاء الحرب لم أعرفه فظننت أنه ملك أي وفي رواية عنه أنه قال رميت بسهم فرده علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمي أعرفه حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذا سهم دم أي يصيب فجعلته في كنانتي لا يفارقني
أقول ولا منافاة بين هذا وبين قوله ثم أخذت سهما لان قوله المذكور لا ينافي أن يكون أخذه بمناولته صلى الله عليه وسلم لا من كنانته كما قد يتبادر ولا بين قوله فيرده علي رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه لأنه يجوز أن يكون ذلك الرجل كان يرد السهام التي كان يرمى بها حتى لا تفنى سهامه إلا هذا السهم فإنه لم يرده له بل يناوله له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرده عليه ولا منافاة بين قوله حتى وليت بين ثمانية أو تسعة وبين إخباره بقوله ثم أخذت سهما إلى أن عدد خمس مرات لأنه يجوز أن تكون تلك الخمسة قتل فيها وفيما زاد لم يقتل بل جرح فليتأمل والله أعلم
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر ذلك اليوم وهو جالس من الجراحة التي أصابته وصلى المسلمون خلفه قعودا أي ولعل ذلك كان بعد انصراف عدوهم وإنما صلى المسلمون خلفه صلى الله عليه وسلم قعودا موافقة له صلى الله عليه وسلم وقد نسخ ذلك
أو أن من صلى قاعدا إنما هو لما اصابهم من الجراح وكانوا هم الأغلب فقيل صلى المسلمون خلفه قعودا فقد جاء أنه وجد بطلحة رضي الله تعالى عنه نيف وسبعون جراحه من طعنة وضربة ورمية وقطعت أصبعه وفي رواية أنامله وعند ذلك قال حسن فقال له صلى الله عليه وسلم لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة عليهم السلام والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء زاد في لفظ ولرايت بناءك الذي بنى الله لك في الجنة وأنت في الدنيا
وفي البخاري عن قيس ابن أبي حازم قال رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلاء وقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أي من سهم وقيل من حربة ونزف به الدم حتى غشي عليه ونضح أبو بكر رضي الله تعالى عنه الماء في وجهه حتى افاق فقال ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر هو بخير وهو أرسلني إليك فقال الحمد لله كل مصيبة بعده جلل أي قليلة


وكان يقال لطلحة رضي الله تعالى عنه الفياض سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة العشيرة كما تقدم وسماه طلحة الجود في أحد لأنه أنفق في أحد سبعمائة ألف درهم وسماه في أحد ايضا طلحة الخير
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أصيب فوه فهتم وجرح عشرين جراحة قال وفي رواية عشرين جراحة فأكثر وجرح في رجله فكان يعرج منها
وأصاب كعب ابن مالك رضي الله تعالى عنه سبعة عشر جراحه وفي رواية عشرون جراحه قال عاصم ابن عمر ابن قتادة كان عندنا رجل غريب لا ندري ممن هو أي يظهر الإسلام يقال له قزمان وكان ذا بأس وقوة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر يقول إنه لمن أهل النار فلما كان يوم أحد قاتل قزمان قتالا شديدا أي فكان أول من رمى من المسلمين بسهم وكان يرمي النبال كأنها الرمال ثم فعل بالسيف الأفاعيل فكان يكت كتيت الجمل وقتل ثمانية أو تسعة من المشركين ولما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك قال إنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك وأثبتته الجراحه فاحتمل إلى دار بني ظفر لأنه كان حليفا لهم فجعل رجال من المسلمين يقولون والله لقد ابتليت اليوم يا قزمان فأبشر فيقول بماذا ابشر فوالله ما قاتلت إلا على أحساب قومي أي على شرفهم ومفاخرهم أي مناصرة لهم ولولا ذلك ما قاتلت أي فلم يقاتل لإعلاء كلمة الله ورسوله وقهر اعدائهما
أي وفي رواية أن قتادة رضي الله تعالى عنه قال له هنيئا لك الشهادة يا أبا الغيداق فقال إني والله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين ما قاتلت إلا على الحفاظ أن تسير إلينا قريش حتى تطأ أرضنا فلما اشتدت عليه الجراحه أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه أي قطع به عروقا في باطن الذراع يقال لها الزواهق أي وفي رواية فجعل ذباب سيفه في صدره أي بين ثدييه كما في رواية ثم تحامل عليه حتى قتل نفسه قال في النور وهو الصحيح ولا مانع أن يكون فعل كلا من الامرين أي وعند ذلك جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أصحاب النار فعل كذا وكذا
وقد جاء سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقاتل

لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فنص عليه وحينئذ قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة
ففيه اشارة إلى أن باطن الامر قد يكون بخلاف ظاهره وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر أي وقد أشار إلى هذا الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** وقلت لشخص يدعي الدين إنه ** بنار فالقى نفسه للمنية **
هذا وفي كلام ابن الجوزي عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الرجل الذي قلت إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما قال إلى النار ثم قيل إنه لم يمت ولكن به جراحة شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراحة فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله فأمر بلالا فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلم وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وهذا الرجل اسمه قزمان من المنافقين هذا كلامه فليتأمل فإن تعدد الشخص بهذا الاسم فيه بعد ولعل ذكر خيبر بدل أحد اشتباه من الراوي وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر عام فيدخل فيه كل من الملك والعالم الذي جعل تسليكه وتعليمه مصيدة للدنيا وأكل الحرام فإن الله يحيي بهما قلوبا ويهدي بهما إلى سواء السبيل مع أنهما فاجران
وقتل الأصيرم أصيرم بني عبد الأشهل قال بعضهم كان الأصيرم يأبى الإسلام على قومه بني عبد الأشهل فلما كان يوم خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد جاء إلى المدينة فسأل عن قومه فقيل له بأحد فبدا له في الإسلام أي رغب فيه فأسلم ثم أخذ سيفه ورمحه ولأمته وركب فرسه فغدا بالغين المعجمة حتى دخل في عرض الناس أي بضم العين المهملة وبالضاء المعجمة جانبهم وناحيتهم فقاتل حتى أثبتته الجراحة أصابت مقاتله فبينما رجال من بني عبد الاشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا والله إن هذا الأصيرم فسألوه ما جاء بك مناصرة لقومك أم رغبة في الإسلام

فقال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ثم جئت وقاتلت حتى اصابني ما أصابني ثم لم يلبث أن مات في ايديهم فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمن أهل الجنة وكان أبو هريرة يقول حدثني عن رجل دخل الجنة ولم يصل يعني الأصيرم ويصدق على هذا قوله عليه الصلاة والسلام وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار الحديث
أي وممن يدخل الجنة ولم يصل الأسود الراعي لبعض يهود خيبر الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أعرض علي الإسلام فعرضه عليه فأسلم ثم تقدم ليقاتل فأصابه حجر فقتله وما صلى صلاة قط كما سيأتي في غزاة خيبر
وقتل حنظلة بن أبي عامر الفاسق رضي الله تعالى عنه وأبو عامر هذا هو الذي كان يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق كما تقدم وكان هو وعبد الله بن أبي بن سلول من رؤوس أهل المدينة وعظمائها المتوجين للرياسة على أهلها
وكان أبو عامر من الاوس ويقال له ابن صيفي وكان عبد الله من الخزرج فعبد الله بن أبي أظهر الإسلام وأما ابو عامر فأصر على الكفر إلى ان مات طريدا وحيدا إجابة لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دعا عليه بذلك وإلى ذلك أشار الإمام السبكي رحمه الله في تائيته بقوله ** ومات ابن صيفي على الصفة التي ** ذكرت وحيدا بعد طرد وغربة **
وقد كان أبو عامر هذا خرج من المدينة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خمسون غلاما وقيل خمسة عشر من قومه من الأوس فلحق بمكة وكان يعد قريشا أنه لو لقي قومه أي الأوس لم يختلف عليه منهم رجلان فلما جاء مع قريش نادى يا معشر الأوس أنا أبو عامر وقالوا له لا انعم الله بك عينا يا فاسق أي وفي لفظ قالوا له لا مرحبا بك ولا أهلا يا فاسق ولا مانع من صدور الأمرين منهم فلما سمع ردهم عليه قال لعنه الله لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل قتالا شديدا وهو الذي حفر الحفائر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون التي وقع في إحداها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم أي وكان هو أول من اثار الحرب وضرب بأسهم في وجوه المسلمين واستأذن ولده حنظلة رضي الله تعالى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله فنهاه عن قتله

وسبب قتل حنظلة رضي الله تعالى عنه أن حنظلة ضرب فرس أبي سفيان فوقع على الأرض فصاح وعلاه حنظلة رضي الله تعالى عنه يريد ذبحه فرآه شداد بن الأوس كذا في الأصل قيل وصوابه شداد بن الاسود فحمل عليه فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم يعني حنظلة لتغسله الملائكة أي وفي رواية رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة فسئلت صاحبته أي زوجته وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين أخت ولده عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقالت خرج جنبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة فأنه دخل عليها عروسا تلك الليلة التي صبيحتها أحد وقد كان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أي في الدخول بها فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلزمته فكان معها فأجنب منها ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى العدو فعجل عن الغسل إجابة للداعي
وفي رواية أنما قالت خرج وهو جنب حين سمع الهاتفه أي الصياح بالخروج للعدو وفي لفظ الهائعة وفي لفظ الهيعة من الهياع وهو الصياح الذي فيه فزع وقد جاء في الحديث خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه فلما سمع هيعة طار إليها
وفي رواية وقد كان غسل أحد شقيه فخرج ولم يغسل الشق الآخر وقد رأت هي تلك الليلة أن السماء قد فرجت فدخل فيها ثم أطبقت وجاءأنها أشهدت أربعة من قومها عليه بالدخول بها خشية أن يكون في ذلك نزاع قالت لأني رايت السماء فرجت فدخل فيها ثم أطبقت فقلت هذه الشهادة وعلقت منه بعبد الله بن حنظلة رضي الله تعالى عنه في تلك الليلة وعبد الله هذا هو الذي ولاه أهل المدينة عليهم لما خلعوا يزيد بن معاوية وكان ذلك سببا لوقعة الحرة ولم تمثل قريش بحنظلة رضي الله تعالى عنه لكون والده معهم الذي هو أبو عامرالراهب لعنه الله
وفي الإمتاع وجعل أبو قتادة الأنصاري يريد التمثيل من قريش لما رأى من المثلة بالمسلمين فقال له صلى الله عليه وسلم يا أنا قتادة إن قريشا أهل أمانة من بغاهم العواثر أكبه الله تعالى إلى فيه وعسى إن طالت بك مدة أن تحقر عملك مع أعمالهم وفعالك مع فعالهم لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله فقال أبو قتادة والله يا رسول الله ما غضبت إلالله ورسوله فقال صدقت بئس القوم كانوا لنبيهم قال وجاء

أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يدعو عليهم فنزلت الآية المذكورة أي { ليس لك من الأمر شيء } فكف عن الدعاء عليهم أي وفيه أنها نزلت بعد قوله اللهم العن فلانا وفلانا إلى آخرما تقدم عن بعض الروايات إلا أن يقال أراد صلى الله عليه وسلم المداومة على الدعاء عليهم وعن أبي سعيد الساعدي قال ذهبنا إلى حنظلة رضي الله تعالى عنه فإذا رأسه يقطر ماء انتهى
أي فعلم أنه لا منافاة بين كونه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم وبين كونه هم بالدعاء عليهم لأنه يجوز أن يكون المراد هم بتكرير الدعاء عليهم وفي البخاري ومسلم والنسائي عن جاء رضي الله تعالى عنه قال قال رجل يوم أحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن قتلت فاين انا قال في الجنة فألقى تمرات كن في يده فقاتل حتى قتل قال في طرح التثريب قال الخطيب كانت هذه القصة يوم بدر لا يوم أحد فأشار إلى تضعيف رواية الصحيحين التي فيها يوم أحد ولا توجيه لذلك بل التضعيف تفسير هذه بهذه أي جعلهما قصة واحدة وكل منهما صحيحة وهما قصتان لشخصين هذا كلامه وقد تقدم في غزاة بدر الحوالة على هذا فليتأمل أي وأقبل رجل من المشركين مقنعا بالحديد يقول أنا ابن عويف فتلقاه رشيد الأنصاري الفارسي فضربه على عاتقه فقطع الدرع وقال خذها وأنا الغلام الفارسي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرى ذلك ويسمعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا قلت خذها وأنا الغلام الأنصاري فعرض لرشيد أخو ذلك المقتول بعد وكأنه كلب وهو يقول أنا ابن عويف فضربه رشيد على رأسه وعليه المغفر ففلق رأسه وقال خذها وأنا الغلام الأنصاري فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحسنت ] يا أبا عبد الله وكان يومئذ لا ولد له
وقتل عمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه وكان أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الاسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان يوم أحد ارادوا حبسه وقالوا له قد عذرك الله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك فوالله إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد أعذرك الله فلا جهاد عليك وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة فأخذ سلاحه وخرج واقبل على القبلة وقال اللهم ارزقني الشهادة ولا تردني خائبا إلى أهلي فقتل فقال رسول الله صلى الله

عليه وسلم والذي نفسي بيده إن منكم من لو أقسم على الله لأبره منهم عمرو بن الجموح ولقد رأيته يطأ في الجنة بعرجته أي كشف له عن حاله يوم القيامة اي وفي رواية أنه قال يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة
أقول لكن يمكن الجمع بانه في أول دخوله الجنة يطؤها برجله غير صحيحة ثم تصير صحيحة وعمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه كان في الجاهلية على أصنامهم اي سادنا لها وكان في الاسلام يولم عنه صلى الله عليه وسلم إذا تزوج
وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم مثل ذلك لأنس بن النضر عم أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لما كسرت اخته الربيع ثنية جارية من الأنصار فطلب أهلها القصاص وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر ثنية الربيع قال أخوها أنس المذكور والله لا تكسر ثنية الربيع وصار كلما يقول صلى الله عليه وسلم كتاب الله القصاص يقول والله لا تكسر ثنية الربيع فرضي القوم بالأرش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لابره وقال صلى الله عليه وسلم ذلك في حق البراء بن مالك أخي أنس بن مالك رضي الله عنهما فعن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رب أشعث أغبر لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك ومصداق ذلك ما وقع له رضي الله تعالى عنه في مقاتلة الفرس فإن الفرس غلبوا المسلمين فقالوا له يا براء أقسم على ربك فقال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم فحمل رضي الله تعالى عنه وحمل المسلمون معه فقتل عظيم الفرس وانهزم الفرس ثم قتل البراء رضي الله تعالى عنه
ومما وقع أنه كان مع أخيه أنس رضي الله تعالى عنه عند بعض حصون العدو بالعراق وكانوا يلقون كلاليب معلقة في سلاسل محماة يخطفون بها الانسان فكان من جملة من خطف أنس رضي الله تعالى عنه فأقبل البراء رضي الله تعالى عنه وصعد محلا عاليا وأمسك السلسلة بيده ولا زال حتى قطع السلسلة ثم نظر الى يده فإذا عظمها يلوح ليس عليه لحم ونجى الله أنسا رضي الله تعالى عنه بذلك وقال صلى الله عليه وسلم ما تقدم في حق أويس القرني رضي الله تعالى عنه


فعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني فمن لقيه منكم فمروه أن يستغفر لكم وفي رواية خطابا لعمر رضي الله عنه يأتي عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن كان به برص فبرىء منه إلا موضع درهم له أم هو بها بار لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل والله أعلم
وقتل أيضا أحد بني عمرو بن الجموح وهوخلاد رضي الله تعالى عنه وقتل أخو زوجته هند بنت حزام وهو عبد الله والد جابر رضى الله عنه فحملتهم هند على بعير لها تريد أن تدفنهم في المدينة فلقيتها عائشة رضي الله عنها وقد خرجت فى نسوة يستروحن الخبر فقالت لها عائشة رضي الله عنها جاء خبر الجيش فقالت اما رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح وكل مصيبة بعده جلل واتخذ الله من المؤمنين شهداء ثم قالت لها من هؤلاء قالت أخي عبدالله وابني خلاد وزوجي عمرو بن الجموح رضي الله عنهم فبرك بهم البعير وصار كلما توجه إلي المدينة يبرك وإن وجه إلي أرض أحد نزع فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته فقال إن الجمل مأمور فقبرهم بأحد وقال صلى الله عليه وسلم لهند يا هند ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون اين يدفن ولعل هذا كان قبل ان ينادى برد القتلى إلى مضاجعهم قال جابر رضي الله عنه كان ابي أول قتيل للمسلمين قتله ابو الأعور السلمي
وفي الصحيح أن عائشة رضي الله عنها وام سليم كانا يسقيان الناس يفرغان من القرب في أفواه القوم
أى ولا مخالفة لأنه يجوز أن يكون ذلك شان عائشة بعد وصولها لاحد اى وقد كان صلى الله عليه وسلم خلف اليمان والد حذيفة وثابت بن وقس في الاطام مع النساء والصبيان لأنهما كانا شيخين كبيرين فقال احدهما لصاحبه لا أبالك ما ننتظر فوالله إن بقي لواحد منا في عمره إلا ظمء حمار أفلا ناخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا الشهادة فاخذ أسيافهم ثم خرجا حتى دخلا فى الناس من جهة المشركين ولم يعلم المسلمون بهما فأما ثابت فقتله المشركون وأما المان فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه
وذكر السهيلي أن في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما أن الذي قتله خطا هو عتبة

ابن مسعود أخو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وعتبة هو اول من سمي المصحف مصحفا وعند ذلك قال حذيفة أبي فقالوا ما عرفناه فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يديه فتصدق حذيفة رضي الله تعالى عنه بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا واسم اليمان حسيل وقيل له اليمان لأنه نسب إلى جده اليمان بن الحارث وقيل إنما قيل له اليمان لانه أصاب دما في قومه فهرب إلى المدينة فحالف بني الأشهل فسماه قومه اليمان لمحالفته اليمانية ية أى وهم أهل المدينة
ومما يؤثر عن حذيفة رضي الله عنه أنه قيل له من ميت الاحياء قال الذي لا ينكر المنكر بيديه ولا بلسانه ولا بقلبه
وفي الكشاف وعن حذيفة رضي الله عنه أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه وهو في صف المشركين اي قبل ان يسلم فقال صلى الله عليه وسلم له دعه يليه غيرك هذا كلامه ولم أقف على أي غزاة كان ذلك فيها وسياق ما قبله يدل على أنه كان من الأنصار كان حليفا لبني عبد الأشهل ولم يحفظ أن أحدا من الأنصار قاتله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام فليتأمل
ثم إن هندا زوج أبي سفيان والنسوة اللاتي خرجن معها صرن يمثلن بقتلى المسلمين يجدعن أي يقطعن من آذانهم وأنوفهم واتخذن من ذلك قلائد وبقرت أي سقت هند بطن سيدنا حمزة رضي الله عنه أخرجت كبده فلاكتها أي مضغتها فلم تستطع أن تسيغها اي تبتلعها فلفظتها اي القتها من فيها أي لآنها كانت نذرت إن قدرت على حمزة رضي الله عنه لتأكلن من كبده ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أخرجت كبد حمزة قال هل أكلت منه شيئا قالوا لا قال إن الله قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا أي ولو أكلت منه أي استقر في جوفها لم تمسها النار
وفي رواية لو أدخل بطنها لم تمسها النار لأن حمزة أكرم على الله من ان يدخل شيء من جسده النار
أي ورايت في بعض السير أنها شوت منه ثم أكلت
وقد يقال لا منافاة لجواز حمل الأكل على مجرد المضغ من غير إساغة قال وفي رواية أن وحشيا هو الذي بقر بطن حمزة رضي الله تعالى عنه وأخرج كبده وجاء بها إلى هند أي وقال لها ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك قالت سلبى فقال هذه كبد حمزة فأعطته

ثيابها وحليها ووعدته إذا وصلت إلى مكة تدفع له عشرة دنانير وجاء بها إلى مصرع حمزة رضي الله تعالى عنه فجدعت أنفه وأذنيه أي وفي لفظ فقطعت مذاكيره جدعت أنفه وقطعت أذنيه ثم جعلت ذلك كالسوار في يديها وقلائد في عنقها واستمرت كذلك حتى قدمت مكة
وفي النهر لأبي حيان أن وحشيا جعل له على قتل حمزة أن يعتق فلم يوف له بذلك فندم على ما صنع
ثم أن هندا علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها وأنشدت أبياتا ثم إن زوجها أبا سفيان أشرف على الجبل كذا في البخارى أنه اشرف وفي رواية كان بأسفل الجبل
وقد يقال لا مخالفة لجواز وقوع الامرين معا ثم صرخ بأعلى صوته أنعمت فعال إن الحرب سجال أي ومعنى سجال مرة لنا ومرة علينا يوم أحد بيوم بدر وأنعمت بكسر التاء خطابا لنفسه أو للأزلام لأنه استقسم بها عند خروجه إلى أحد فخرج الذي يحب وهو افعل والفاء من فعال مفتوحة وليست من أبنية الكلمة وهي أمر أي ارتفع عن لومها أي النفس أو الأزلام يقال عال عني أي ارتفع عني ودعني أي وزاد في لفظ يوم لنا ويوم علينا ويوم نساء ويوم نسر حنظلة بحنظلة وفلان بفلان
أي وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال الحرب سجال وقد قال تعالى { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس } وقد نزل ذلك في قصة أحد باتفاق
ثم قال أبو سفيان إنكم ستجدون في القوم وفي رواية في قتلاكم مثله لم آمر بها ولم تسرني وفي رواية والله ما رضيت وما سخطت وما امرت وما نهيت وفي لفظ ما أمرت ولا نهيت ولا احببت ولا كرهت ولا ساءني ولا سرني أي وفي لفظ إما أنكم ستجدون في قتلاكم مثلا ولم تكن عن رأي سراتنا ثم أدركته حمية الجاهلية فقال إماأنه إن كان كذلك لم نكرهه ومر الحليس سيد الأحابيش بأبي سفيان وهو يضرب بزج الرمح في شدق حمزة رضي الله تعالى عنه ويقول ذقه عقق أي ذق طعم مخالفتك لنا وتركك الذي كنت عليه يا عاق قومه جعل إسلامه عقوقا فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد

قريش يفعل بابن عمه ما ترون فقال أبو سفيان اكتمها عني فإنها زلة وقال أبو سفيان اعل هبل أي أظهر دينك أو ازدد علو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عمرفأجبه فقل الله أعلى وأجل لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال أبو سفيان إنكم تزعمون ذلك لقد خبنا إذن وخسرنا وهبل هذا تقدم انه صنم وتقدم الكلام عليه
ورايت في كلام الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله تعالى إنه الحجر الذي يطؤه الناس في العتبة السفلى من باب بني شيبة وبلط الملوك فوقه البلاط ثم قال ابو سفيان إن لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله مولانا ولا مولى لكم ثم قال ابو سفيان لعمر أي بعد ان قال له هلم يا عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ائته انظر ما شأنه فجاءه فقال له أبو سفيان أشدك الله يا عمر اقتلنا محمد قال عمر رضي الله تعالى عنه لا وإنه ليسمع كلامك الآن قال انت أصدق عندي من ابن قمئة وابر أي لأنه لما قتل مصعب بن عمير ظنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال قتلت محمد كما تقدم
وفي رواية ان أبا سفيان نادى أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثم قال ذلك ثلاثا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال افي القوم ابن أبي قحافة قالها ثلاثا ثم قال أفي القوم عمر قالها ثلاثا وفي رواية أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة اين ابن الخطاب ثم أقبل على اصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم إذ لو كانوا أحياء لأجابوا فما ملك عمر رضي الله تعالى عنه نفسه أن قال كذبت والله يا عدو الله إن الذي عددت لاحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوؤك ثم نادى ابو سفيان إن موعدكم بدر العام المقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه قل نعم بيننا وبينكم موعد
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقيل سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه فقال اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل أي وجعلوها منقادة بجانبهم وامتطوا لأبل أي ركبوا مطاها أي ظهورها لأن المطا الظهرفإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن إليهم فيها

ثم لأناجزهم قال علي كرم الله وجهه أو سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة أي بعد ان تشاوروا في نهت المدينة فأشار عليهم صفوان بن أمية أن لا تفعلوا اي وقال لهم فإنكم لا تدرون ما يفشاكم وفزع الناس لقتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من رجل ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو ام في الأموات اي زاد في رواية فإني رايت الأسنة قد أشرعت إليه فقال رجل من الأنصار أي وهو أبي بن كعب وقيل محمد بن مسلمة وقيل زيد بن حارثة وقيل غير ذلك ويجوز أن يكون أرسلهم كلهم قال انا أنظر لك يا رسول الله أي وفي رواية قال للمرسل إن رايت سعد بن الربيع فاقره مني السلام وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدك فنظر فوجد جريحا به رمق أي بقية روح فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات فقال أنا في الأموات قد طعنت اثنتي عشرة طعنة واني قد أنفذت مقاتلي فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خيرا ما جزي نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم إن سعدبن الربيع يقول لكم لأعذر لكم عند الله أن يخلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف وفي رواية شفر يطرف أي يتحرك قال ثم لم أبرح حتى مات فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره أي وفي رواية أنه رأى الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور بين القتلى فقال له ما شأنك قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك فاذهب إليه الحديث
وفي رواية ان محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه نادى في القتلى يا سعد بن الربيع مرة بعد أخرى فلم يجبه حتى قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني أنظر ما صنعت فأجابه بصوت ضعيف الحديث اي وفي رواية اقرأ على قومي مني السلام وقل لهم يقول لكم سعد بن الربيع الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فوالله ما لكم عند الله عذر الحديث وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمه الله نصح لله ولرسوله حيا وميتا وخلف بنتين فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من ميراثه الثلثين فكان ذلك بيان المراد من الآية وهي قوله تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك }

وفي ذلك نزلت أي اثنتان فما فوقهما أي وحينئذ إذن لا يحتاج إلى قياس البنتين على الأختين بجامع أن للواحدة منهما النصف
ودخلت بنت له على أبي بكر رضي الله تعالى عنه فألقى لها رداءه لتجلس عليه فدخل عمر رضي الله تعالى عنه فسأله عنها فقال هذه ابنة من هو خير مني ومنك قال ومن هو يا خليفة رسول الله قال رجل تبوأ مقعده من الجنة وبقيت أنا وأنت هذه ابنة سعد ابن الربيع رضي الله تعالى عنه
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه فقال له رجل رايته بتلك الصخرات وهو يقول أنا أسد الله واسد رسوله اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء النفر أبو سفيان وأصحابه واعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم وهذا الدعاء نقل عن انس بن النضر عم انس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه غاب عن بدر فشق عليه ذلك فلما كان يوم أحد ورأى انهزام المسلمين أي وكان قد قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني غبت عن أول قتال وقع قاتلت فيه المشركين والله لأن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما اصنع فقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما فعل هؤلاء يعني المشركين ولما سمع قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما تصنعون بالحياة بعده موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل القوم أي وقال لسعد بن معاذ هذه الجنة ورب الكعبة أجد ريحها دون أحد وقاتل رضي الله تعالى عنه حتى قتل أي ووجدوا فيه بضعا وثمانين جراحة ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ولما قتل مثل به المشركون فما عرفته أخته الربيع إلا ببنانه
قال ابن أخيه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه لما نزل قوله تعالى { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } الآية قلنا ان هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه من المؤمنين رضي الله تعالى عنه
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه ومثل به فجدع أنفه وأذناه أي وقطعت مذاكيره فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه أي وقال لن أصاب بمثلك ما وقفت موقفا إغيظ لي من هذا وقال رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمتك مفعولا للخيرات وصولا

للرحم أما والله لأمثلن بسبعين وفي رواية بثلاثين رجل منهم مكانك وفي رواية لأن ظفرني الله تعالى بقريش في موطن من المواطن لأمثلن بسبعين منهم مكانك ولما رأى المسلمون جذع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه قالوا لأن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن الله تعالى أنزل في ذلك { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله } الآية فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة وكفر عن يمينه وكان نزول هذه الآيات بعد أن مثل صلى الله عليه وسلم بالعرنيين وستأتي قصتهم في السرايا
واعترضه ابن كثير رحمه الله بأن هذه الآيات مكية وقصة أحد في المدينة بعد الهجرة بثلاث سنوات فكيف يلتئم هذا مع هذا هذا كلامه
وقد يقال يجوز أن يكون ذلك مما تكرر نزوله فليتأمل وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ما راينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا أشد من بكائه على حمزة رضي الله تعالى عنه وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق أي شهق حتى بلغ به الغشى يقول يا عم رسول الله واسد الله واسد رسول الله يا حمزة يا فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات يا حمزة يا ذاب أي بالذال المعجمة يا مانع عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قال ذلك لا مع البكاء فلا يقال هذا من الندب المحرم وهو تعديد محاسن الميت لأن ذلك مخصوص بما إذا قارنه البكاء وليس من نعى الجاهلية المكروه وهو النداء بذكر محاسن الميت على ان النداء بذلك محل كراهته إذا كان على وجه التفاخر والتعاظم ولم يكن وصفا لنحو صالح للحث على سلوك طريقته
وقال صلى الله عليه وسلم جاءني جبريل عليه السلام وأخبرني بأن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله واسد رسوله وأمر صلى الله عليه وسلم الزبير رضي الله تعالى عنه أن يرجع أمه صفية أخت حمزة رضي الله تعالى عنها عن رؤيته فقال لها يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي فدفعت في صدره قالت لم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضاني بما كان في الله من ذلك أي أنا أشد رضا بذلك من غيري لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى فجاء الزبير

رضي الله تعالى عنه فأخبره صلى الله عليه وسلم بذلك فقال خلي سبيلها فجاءت واسترجعت واستغفرت له
وفي رواية إن صفية لقيت عليا والزبير رضي الله تعالى عنهما فقالت لهما ما فعل حمزة فارياها أنهمالا يدريان أي رحمة بها فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني اخاف على عقلها فوضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على صدرها ودعا لها فاسترجعت وبكت أي لما راته أي وفي رواية لما منعها علي والزبير رضي الله تعالى عنهما قالت لا ارجع حتى أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأته قالت يا رسول الله أين ابن أمي حمزة قال صلى الله عليه وسلم هو في الناس قالت لا ارجع حتى أنظر إليه فجعل الزبير رضي الله تعالى عنه يحبسها فقال صلى الله عليه وسلم دعها فلما رأته بكت وصارت كلما بكت بكى صلى الله عليه وسلم ثم امر به فسجى ببردة وفي رواية قال الأكفن فقام رجل من الانصار فرمى بثوبه عليه ثم قام آخر فرمى بثوبه عليه فقال صلى الله عليه وسلم يا جابر هذا الثوب لابيك وهذا لعمي وهذا يدل على أن والد جابر رضي الله تعالى عنهما استمر لم يقبر إلى ذلك الوقت وهو خلاف ظاهر سياق ما تقدم
وفي رواية وجاءت صفية معها بثوبين لحمزة فكان أحدهما لحمزة والآخر لرجل من الأنصار ولعله والد جابر رضي الله تعالى عنهما ولعله لما جاءت صفية بالثوبين جعل صلى الله عليه وسلم أحدهما لحمزة والآخر لوالد جاء وترك ثوبي الرجلين
وفي رواية كفن حمزة رضي الله تعالى عنه بنمرة كانوا إذا مدوها على رأسه انكشفت رجلاه وإن مدوها عرى على رجليه انكشفت رأسه فمدوها على رأسه وجعلوا على رجليه الإذخر وفي لفك لفظ الحرمل أي ويحتاج إلى الجمع بين هاتين الروايتين على تقدير صحتهما والمشهور حديث النمرة
وقد يقال إنما اختار صلى الله عليه وسلم النمرة على الثوب لأنه كان بها دم الشهادة أو أراد صلى الله عليه وسلم أن يكون لأحد على حمزة رضي الله تعالى عنه منة ويؤيد الأول ما يأتي ولم يكفنوا إلا في ثيابهم التي قتلوا فيها فليتأمل فإن السياق يقتضي أن ذلك إنما هو عن احتياج وسيأتي ما يصرح به وسيأتي ما يعارضه فليتامل
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال قتل مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه يوم أحد وكفن في وبرة إن غطى بها رأسه بدت رجلاه وإن غطى بها رجلاه بدا رأسه


وفي رواية قتل مصعب بن عمير فلم يترك إلا نمرة إذا غطينا بها رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر
وكان مصعب بن عمير هذا قبل الإسلام فتى مكة شبابا وجمالا ولباسا وعطرا ولما أسلم رضي الله تعالى عنه تشعث
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أنه كان صائما وقد جيء له بطعامه فقال قتل مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه وهو خير مني فلم يوجدله ما يكفن فيه إلا بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه وإن غطيت رجلاه بدا رأسه وقد بسط لنا من الدنيا ما بسط وأعطينا من الدنيا ما أعطينا وخشيت أن أكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا لدنيا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قلت الثياب وكثرت القتلى فكان الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد
وقال صلى الله عليه وسلم في حق حمزة رضي الله تعالى عنه لولا أن تجزع صفية ونساؤنا أي يتطاول جزعهن ويدوم وفي رواية لولا تجد صفية في نفسها أي يطول ذلك وتكون سنة من بعد لتركنا حمزة ولم ندفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع وفي رواية حتى تأكله العافية ويحشر في بطونها ليشتد غضب الله على من فعل به ذلك ثم صلى عليه فكبر أربع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون الى جنب حمزة أي واحدا بعد واحد فيصلى على كل واحد منهم مع حمزة ثم يرفع ويؤتى بأخر فيصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة وفي رواية ثنتين وتسعين صلاة وهذا غريب وسبعين ضعيف
والرواية الأولى تقتضي أن جملة من قتل بأحد أثنان وسبعون والرواية الثانية تقتضي أنهم كانوا اثنين وتسعين
وقوله واحدا بعد واحد قد يخالف ما تقدم عن أنس رضي الله تعالى عنه من جعل الرجلين أو الثلاثة في كفن واحد فليتأمل
وجاء أنه كان يصلي على عشرة عشرة أي يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلى عليهم ثم ترفع التسعة وحمزة مكانه ويؤتى بتسعة أخرى فيوضعون الى جنب حمزة فيصلى عليهم حتى فعل ذلك سبع مرات وحينئذ يكون جملة من قتل ثلاثة

وستين وسيأتي الكلام على عدتهم وقيل كبر عليهم كبر تسعا وسبعا وخمسا أي بعد أن كبر على حمزه وحده أربعا فلا ينافي ما تقدم ولم أقف علي عدد المرات التي كبر فيها ما ذكر
وجاء ان قتلى احد لم يغسلهم ولم يصل عليهم ولم يكفنهم إلا في ثيابهم التي قتلوا فيها أى غير الجلود أخذا مما يأتي أي ولا يضر تتميم ستر بعضهم إلا بالإذخر وحينئذ إذ لا يكون تكفين حمزة بنمرته ومصعب ببردته وتتميم تكفينهما بالإذخر عن إحتياج كما تقدم عن عبد الرحمن بن عوف وعن أنس رضي الله عنهما أى وقال مغلطاى صلى على حمزه والشهداءمن غير غسل وهذا أي دفنهم من غير غسل إجماع إلا ما شذ به بعض التابعين وفيه نظر ظاهر
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد رايت الملائكة تغسل حمزة وتقدم أن هذا السياق يقتضى أن هذه رؤيا نوم وحينئذ يظهر التوقف فيما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قتل حمزة جنبا فقال ما ذكر ولعل الراوي عن ابن عباس ذكر حمزة بدل حنظلة غلطا أما الصلاة عليهم فقال إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد
وما روي انه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لم يصح وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك أي بما روي هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه أي فإن من رواة ذلك الحديث الدالة على أنه صلى عليهم سعيد بن ميسرة عن أنس رضي الله تعالى عنه وقد قال فيه البخاري أنه يروي المناكير وقال ابن حبان يروي الموضوعات ومن جملة رواة أي رواية ذلك الحديث مقسم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد قال فيه البخاري منكر الحديث ومن ثم ذكر ابن كثير أن الذي في البخاري أمر صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء احد بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا وهو أثبت من صلاته عليهم
وأما حديث عتبة بن عامر أي الذي رواه الشيخان وأبو داود والنسائي هو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت أي ادعى لهم كدعائه للميت كالمودع للأحياء والأموات أي حين علم قرب أجله أي فذلك

كان توديعا لهم بذلك قال قال السهيلي رحمه الله لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهيد في شيء من مغازيه إلا في هذه الرواية في أحد وكذلك لم يصل أحد من الأئمة بعده صلى الله عليه وسلم آه
وفي النور أنه صلى الله عليه وسلم صلى على أعرابي في غزوة أخرى وفي البخاري عن جابر رضي الله تعالى عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد دفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم بكسر اللام وفي رواية ولم يصل عليهم بفتح اللام
لا يقال خبر جابر لا يحتج به لأنه نفي وشهادة النفي مردودة مع ما عارضها من خبر الإثبات لأنا نقول شهادة النفي إنما ترد إذا لم يحط بها علم الشاهد ولم تكن بحضوره وإلا فتقبل بالاتفاق وهذه قضية معينة أحاط بها جابر وغيره علما
واستدل أئمتنا علي أن الشهيد لا يغسل ولو كان جنبا بقصة حنظلة رضي الله عنه لأن تغسيل الملائكة لا يكتفى به في إسقاط الحرج عن المكلفين من الإنس لعدم تكليفهم بخلاف تغسيل الجن فإنهم مكلفون ودفنوا بثيابهم ونزع عنهم الحديد والجلود
أى وأسلم وحشى رضي الله عنه بعد ذلك فإنه في يوم فتح مكة فر إلي الطائف ثم وفد مع أهل الطائف لما اوفدوا ليسلموا وقد قيل له بعد ان قاضت ضاقت عليه ويحك والله إنه لا يقتل أحد من الناس دخل دينه قال وحشي فلم يرعه صلى الله عليه وسلم إلا إني قائم على رأسه أشهد شهادة الحق وفقال لي أنت وحشي وسألني كيف قتلت حمزة فأخبرته ثم قال ويحك غيب عني وجهك فلا أراك وفي رواية لا ترني وجهك وفي رواية تفل في وجهي ثلاث تفلات وقيل تفل في الأرض وهو جد مغضب أي وحينئذ لحق بالشام وكان وحشي لا يزال يحد في الخمر في زمن عمر رضي الله تعالى عنه حتى خلع من الديوان قال عمر رضي الله تعالى عنه قد علمت أنه لم يكن الله ليدع قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه أي لم يكن ليتركه من الابتلاء وهذا أي تكرر حده في شرب الخمر وإخراجه من ديوان المجاهدين من اقبح أنواع الابتلاء عافانا الله من ذلك وروى الدار قطني في صحيحه عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه كان يقول عجبت لقاتل حمزة كيف ينجو أي من الابتلاء حتى بلغني إنه مات غريقا في الخمر أي وذلك مع ما تقدم ابتلاء فظيع له رضي الله تعالى عنه
وممن مثل به عبد الله بن جحش بدعوة دعاها على نفسه فقال أي قبل أحد بيوم

اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا ليقتك قلت يا عبد الله فيما جدع أنفك واذنك فاقول فيك وفي رسولك فيقول الله صدقت قال وليس هذا من تمنى الموت المنهى عنه انتهى أي لأن المنهى عنه أن يكون ذلك لضر نزل به فليتأمل
وجاء أن عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجون نخلة فصار في يده سيفا كان يسمى العرجون ودفن هو وخاله حمزة رضي الله تعالى عنهما في قبر واحد أي وإنما كان حمزة خاله لأن أم عبد الله أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان القاتل له أبو الحكم بن الأخنس ابن شريق وأبو الحكم هذا قتل كافرا يوم أحد وقال صلى الله عليه وسلم ادفنوا عبد الله بن عمرو أي وهو والد جابر رضي الله تعالى عنها وعمرو بن الجموح وهو زوج عمة جابر رضي الله تعالى عنهم في قبر واحد لما بينهما من الصفاء وعبد الله بن عمرو هذا قد أصابه جرح في وجهه ومات ويده على جرحه فأميطت يده عن وجهه فانبعث الدم فردت يده إلى مكانها فسكن ويقال أن السيل حفر قبر عبد الله بن عمرو والد جابر رضي الله تعالى عنهما عمرو بن الجموح فوجد لم يتغيرا كأنهما مات بالأمس وأنه أزيلت يد عمرو عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان ذلك بعد الواقعة لست وأربعين سنة وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه قال استصرخنا إلى قتلانا بأحد وذلك حين أجرى معاوية رضي الله تعالى عنه العين في وسط مقبرة شهداء أحد وأمر الناس بنقل موتاهم فأخرجناهم رطابا تنثني أطرافهم وذلك على رأس أربعين سنة ولعله وما قبله لا يخالف قول السهيلي وذلك بعد ثلاثين سنة وأصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله تعالى عنه فأنبعت دما وذكر أنه فاح من قبورهم مثل ريح المسك وفي لفظ نحو خمسين سنة مع أن أرض المدينة سبخة يتغير الميت في قبره من ليلته أي لأن الارض لا تأكل لحوم شهداء المعركة كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام زاد بعضهم قارئ القرآن والعالم ومحتسب الأذان ويدل للأخير ما في الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما المؤذن المحتسب كالمتشحط في دمه لا يدود في قبره أي كشهيد المعركة لا يأكله الدود في القبرر وقد نظم هؤلاء الشيخ التتائي المالكي رحمه الله تعالى فقال

** لا تأكل الأرض جسما للنبي ولا لعالم وشهيدا قتل معترك ** ولا لقارئ قرآن ومحتسب آذانه لإله مجرى الفلك **
ودفن خارجة بن زيد وسعد بن الربيع رضي الله تعالى عنهما في قبر واحد لأنه كان أبن عمه ولده خارجة وهو زيد بن خارجة الذي تكلم بعد الموت
ذكر أن خارجة أخذته الرماح فجرح بضعة عشر جرحا فمر به صفوان بن أمية بن خلف فعرفه فأجهز عليه وقال الآن شفيت نفسي حين قتلت الأماثل من أصحاب محمد قتلت خارجة بن زيد وقتلت أوس بن أرقم وقتلت أبا نوفل ودفن النعمان ابن مالك وعبد بني الحسحاس في قبر واحد وربما دفنوا ثلاثة في قبر وصار صلى الله عليه وسلم يقول احفروا وأوسعوا واعمقوا وكان صلى الله عليه وسلم يقول انظروا أكثر هؤلاء جمعا أي حفظا للقرآن فقدموه في القبر أي في اللحد
واحتمل ناس من المدينة قتلاهم إلى المدينة فردهم صلى الله عليه وسلم ليدفنوا حيث قتلوا وبه استدل ائمتنا رحمهم الله على حرمة نقل الميت قبل دفنه من محل موته إلى محل أبعد من مقبرة موته محل
وفيه أنهم قالوا إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس نص على ذلك إمامنا الشافعي رحمه الله
وقد يجاب بأن هذا مخصوص لغير الشهيد أما هو فالأفضل دفنه بمحل موته ولو بقرب ما ذكر كما بحث ذلك بعض المتأخرين من ائمتنا ويشهد له ما هنا
ولا يشكل دفن اثنين أو ثلاثة في لحد على قول فقهائنا بحرمة جمع اثنين في لحد ولو الوالد وولده لأن محل ذلك حيث لا ضرورة ككثرة الموتى مشقة الحفر لكل واحد كما هنا
ثم رأيت في بعض السير وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين والثلاثة في القبر الواحد وإنما أرخص لهم في ذلك لما بالمسلمين من الجراح التي يشق معها أن يحفروا لكل واحد واحد
وفي رواية فحملوهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها فجاء منادي صلى الله عليه وسلم ردوا القتلى إلى مضاجعهم فأدرك المنادي واحدا لم يكن دفن فردا ومن دفن أبقوه
ولما أشرف صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد قال إنا شهيد على هؤلاء وما من

جرح بجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون الدم والريح ريح المسك وفي رواية أنه ليس مكلوم يكلم في الله تعالى إلا وهو يأتي يوم القيامة لونه أي لون الكلم أي الجرح لون الدم وريحه ريح مسك اي في رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في اجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشروبهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت أخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا أي يمتنعوا عن الحرب فقال الله عز وجل إنا ابلغهم عنكم فأنزل الله عز وجل على رسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء } الآية
وقد بينت في النفخة العلوية إن الأرواح في البرزخ متفاوتة في مستقرها أعظم تفاوت فلا تعارض بين الأدلة الدالة على تلك الأقوال المختلفة وحينئذ تكون أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع كونها في الملأ الأعلى متفاوتة فيه وأرواح المؤمنين غير الشهداء أو غير الاطفال منها ما هو سماوي ومنها ما هو أرضي وأرواح الاطفال في حواصل عصافير الجنة عند جبال المسك وأرواح الشهداء منهم من تكون روحه على باب الجنة ومنهم من تكون داخلها وحينئذ إما أن تكون في جوف طير أخضر أوطير أبيض ومنهم من تكون روحه على صورة الطير
وفي كلام القرطبي رحمه الله قال علماؤنا أرواح الشهداء طبقات مختلفة ومنازل متباينة يجمعها أنهم يرزقون أي وتقدم الكلام على رزقهم
أي ومن جملة من قتل من الصحابة يوم أحد أبو جابر أي كما تقدم فقال صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله تعالى عنه يا جابر إلا أخبرك ما كلم الله تعالى أحدا قط لعل المراد من هؤلاء الشهداء كما يرشد إليه السياق إلا من وراء حجاب إنه كلم أباك كفاحا فقال سلني أعطك فقال أسألك أن أرد إلي الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل إنه سبق مني إنهم لا يرجعون إلى الدنيا قال أي رب فأبلغ من ورائي فانزل الله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } الآية أي ولا مانع من تعدد النزول للآية فلا يخالف ما تقدم قريبا


أي وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهوني و النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهني وقال النبي صلى الله عليه وسلم تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة عليهم السلام مظلة له بأجنحتها حتى رفع اي وسياتي أن جابرا رضي الله تعالى عنه لم يحضر القتال
وعن بشير بن عفراء رضي الله تعالى عنهما قال أصيب أبي يوم أحد فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال أما ترضى أن تكون عائشة أمك وأكون أنا أباك ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار قد اصيب زوجها وأخوها وأبوها وفي رواية وابنها يوم أحد فلما نعوا لها قالت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما فعل به قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر إليه فلما رأته صلى الله عليه وسلم قالت كل مصيبة بعدك جلل تريد صغيرة والجلل كما يقال للشيء الصغير يقال للشيء الكبير فهو من الأضداد وفي لفظ أنها مرت بأخيها وأبيها وزوجها وابنها صرعى وصارت كلما سألت عن واحد وقالت من هذا قيل لها هذا أخوك وابنك وزوجك وأبوك فلم تكترث بذلك بل صارت تقول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون أمامك حتى جاءته أخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول بأبي أنت وامي يا رسول الله لا أبالي إذ سلمت من عطب
وأصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته أي فأرادوا قطعها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا فدعاه فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أي أخذها بيده الشريفة وردها إلى موضعها أي براحته الشريفة وقال اللهم إكسه جمالا فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى
أي وجاءعن قتادة رضي الله تعالى عنه أنه قال كنت يوم أحد أتقي السهام بوجهي عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان آخرها سهما ندرت منه حدقتي فأخذتها أي رفعتها بيدي أي وقلت يا رسول الله إن لي امرأة أحبها واخشى أن تراني تقذرني أي وقال له صلى الله عليه وسلم إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت رددتها ودعوت لله تعالى لك فقال يا رسول الله إن الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل وإني مغرم بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فلا يردنني ولكن تردها وتسأل الله تعالى لي الجنة فردها ودعا لي بالجنة


وجاء عن قتادة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم لما رآها في كفي أي مرفوعة دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم قتادة كما وقي وجه نبيك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه واحدهما نظرا أي بعد أن ردها إلى موضعها براحته الشريفة كما تقدم وإلى ذلك أشار صاحب الهمزية بقوله في وصف راحته الشريفة ** وأعادت على قتادة عينا ** فهي حتى مماته النجلاء **
أي وأعادت تلك الراحة الشريفة على قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه عينا له ذهبت فهي إلى مماته الواسعة أي الكثيرة النظر
قال الشيخ ابن حجرالهيتمي ويجمع بين رواية العين الواحدة ورواية الثنتين أي فقد جاء في حديث غريب أصيبت عيناي فسقطتا على وجنتي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعادهما وبصق فيهما وعادتا تبرقان بأن أحد الرواة ظن أن الساقطة واحدة وبعضهم أن الساقط ثنتان فأخبر كل بحسب علمه
ومن قواعدهم أن زيادة الثقة مقبولة وبها تترجح رواية احدى الثنتين هذا كلامه فليتأمل وكون ذلك كان يوم احد هو المشهور وقيل يوم الخندق
وقد حكى ابو عمر بن عبد البر أن رجلا من ولد قتادة قدم على عمر بن عبدالعزيز رضي الله تعالى عنه فقال له من الرجل فقال
** أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ** فردت بكف المصطفى أحسن الرد ** فعادت كما كانت لأول أمرها ** فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد **
فقال عمر بن عبد العزيز ** تلك المكارم لا قعبان من لبن ** شيبا بماء فعادا بعد أبوالا **
فوصله عمر وأحسن جائزته
ورمى كلثوم بن الحصين بسهم في نحره فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ وحضرت الملائكة عليهم السلام يوم أحد ولم تقاتل
قال ويؤيده قول مجاهد رحمه الله لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر لكن جاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال رايت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال وما رأناهما قبل ولا بعد اي وهما جبريل وميكائيل عليهما السلام ولا منافاة فقد قال البيهقي

رحمه الله لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم أي فلا ينافي أنهم قاتلوا عنه صلى الله عليه وسلم خاصة آه
أقول ويجوز أن يكون المراد بمقاتلتهما دفعهما عنه صلى الله عليه وسلم وفيه أنه جاء عن الحارث بن الصمة رضي الله تعالى عنه قال سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الشعب عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فقلت رأيته في جنب الجبل فقال الملائكة تقاتل معه قال الحارث فرجعت إلى عبد الرحمن فإذا بين يديه سبعة صرعى فقلت ظفرت يمينك أكل هؤلاء قتلت قال أما هذا وهذا فإنا قتلهما وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره فقال صدق الله ورسوله أي ومقاتلة الملائكة عن خصوص عبد الرحم بن عوف رضي الله تعالى عنه لا ينافي مقاتلتهم يوم بدر عن عموم القوم
وفي الامتاع كان قد نزل قبل أن يخرج صلى الله عليه وسلم إلى أحد قوله تعالى { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } فلم يصبروا وانكشفوا فلم يمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بملك واحد يوم أحد بل فليتأمل والله أعلم
ولما قتل مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه وسقط اللواء أخذه ملك في صورة مصعب أي فأنه لما قطعت يده اليمنى أخذ اللواء بيده اليسرى أي وهو يقول { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية فلما قطعت جثى على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهويقول { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية ولم تكن هذه الآية قد نزلت بل قالها لما سمع قول القائل قتل محمد وأنما نزلت أي بعد قوله في ذلك اليوم كما في الدر فهو من القرآن الذي نزل على لسان بعض الصحابة لما قتل أي وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه قاتل دونه صلى الله عليه وسلم فقتله ابن قمئة لعنه الله وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتله أبي بن خلف لعنه الله لأنه يجوز أن يكون قتله وهو على هذه الكيفية المذكورة
ثم رأيت في بعض الروايات أن ابن قمئة فعل به هذه الكيفية أي ثم قتله وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للملك الذي على صورة مصعب تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال لست بمصعب فعرف صلى الله عليه وسلم أنه ملك أيد به


وفي رواية أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول أقدم مصعب قال يا رسول الله ألم يقتل مصعب قال بلى ولكن ملك قام مقامه وتسمى بأسمه أي فلا ينافي ذلك قول الملك له صلى الله عليه وسلم لما قال له تقدم يا مصعب لست بمصعب لأن مراده لست بمصعب الذي هو صاحبكم
ورايت في رواية أنه لما سقط اللواء أخذه أبو الروم أخو مصعب ولم يزل في يده حتى دخل المدينة فليتأمل ووجود هذا الملك يخالف ما تقدم عن الامتاع من أنه صلى الله عليه وسلم لم يمد بملك واحد
ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلى المدينة ركب فرسه وخرج المسلمون حوله عامتهم جرحى أي ومعه أربع عشرة امرأة فلما كانوا بأصل أحد قال صلى الله عليه وسلم اصطفوا حتى أثنى علي ربي عز وجل فاصطف الرجال خلفه صفوفا وخلفهم النساء فقال اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما أبعدت ولا مبعد لما قربت الحديث
ثم توجه صلى الله عليه وسلم من للمدينة فلقيته ممنة بنت جحش بنت عمته صلى الله عليه وسلم أخت زينب بنت فخش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فقال لها صلى الله عليه وسلم احتسبي قالت من يا رسول الله قال خالك حمزة قالت إنا لله وإنا إليه راجعون غفر الله له هنيئا له الشهادة ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله قال أخاك عبد الله بن جحش قالت إنا لله وإنا إليه راجعون غفر الله له هنيئا له الشهادة بما قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله قال زوجك مصعب بن عمير قالت وا حزناه وصاحت وولولت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن زوج المرأة لبمكان ما هو لأحد لما رأى من تثبتها على اخيها وخالها وصياحها على زوجها ثم قال لها لم قلت هذا قالت تذكرت يتم بنيه فراعني فدعا لها صلى الله عليه وسلم ولولدها أن يحسن الله تعالى عليهم الخلف فتزوجت طلحة بن عبيد الله فكان أوصل الناس لولدها وولدت له محمد بن طلحة
قال وجاءت أم سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فرسه وسعد بن معاذ آخذ بلجامها فقال له سعد يا رسول الله أمي فقال صلى الله

عليه وسلم مرحبا بها فوقف لها فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنها عمرو بن معاذ فقالت أما إذا رأيتك سالما فقد اشتويت المصيبة أي استقليتها ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل من قتل بأحد اي بعد أن قال لأم سعد يا أم سعد ابشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا وقد شفعوا في أهلهم جميعا قالت رضينا يا رسول الله ومن يبكي عليهم بعد هذا ثم قالت يا رسول الله ادع لمن خلفوا فقال اللهم أذهب حزن قلوبهم واجبر مصيبتهم وأحسن الخلف على من خلفوا
وسمع صلى الله عليه وسلم نساء الانصار يبكين على أزواجهن أي وأبنائهن وإخوانهن فقال حمزة لا بواكي له أي وبكى صلى الله عليه وسلم ولعله رضي الله تعالى عنه لم يكن له بالمدينة لا زوجة ولا بنت فأمر سعد بن معاذ نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكين حمزة بين المغرب والعشاء أي وكذلك أسسيد بن حضير أمر نساؤه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكين حموزة
أي ولما جاء صلى الله عليه وسلم بيته حمله السعدان وانزلاه عن فرسه ثم اتكأ عليهما حتى دخل بيته ثم أذن بلال لصلاة المغرب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل تلك الحال يتوكأ على السعدين فصلى و صلى الله عليه وسلم فلما رجع من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاءفقال ما هذا فقل نساء الأنصار يبكين حمزة فقال رضي الله تعالى عنكن وعن أولادكن وأمر أن ترد النساء إلى منازلهن
وفي رواية خرج عليهن أي بعد ثلث الليل لصلاة العشاء فإن بلالا أذن بالعشاء حين غاب الشفق فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ذهب ثلث الليل نادى بلال الصلاة يا رسول الله فقام من نومه وخرج وهن على باب المسجد يبكين حمزة رضي الله تعالى عنه ولا يخالف ما سبق لأن بيت عائشة رضي الله تعالى عنها كان ملاصقا للمسجد فقال لهن ارجعن رحمكن الله لقد واسيتن معي رحم الله الأنصار فإن المواساة فيهم كما علمت قديمة
أي ولا منافاة لانه يجوز أن يكون الأمر عند رجوعه من صلاة المغرب كان لطائفة وبعد ثلث الليل كان لطائفة أخرى وصارت الواحدة من نساء الانصار بعد لا تبكي على ميتها إلابدأت بالبكاء على حمزة رضي الله تعالى عنه ثم بكت على ميتها ولعل المراد بالبكاء النوح وباتت وجوه الاوس والخزرج تلك الليلة على بابه صلى الله عليه وسلم بالمسجد يحرسونه خوفا من قريش أن تعود إلى المدينة


وجاء أنه صلى الله عليه وسلم نهى نساء الأنصار عن النوح وقال له الأنصار يا رسول الله بلغنا أنك نهيت عن النوح وإنما هو شيئ نندب به موتانا ونجد فيه بعض الراحة فأئذن لنا فيه فقال صلى الله عليه وسلم إن فعلن فلا يخمشن ولا يلطمن ولا يحلقن شعرا ولا يشقفن جيبا
جاء أنه في يوم أحد دفع علي كرم الله وجهه سيفه لفاطمة رضي الله تعالى عنها وقال لها اغسليه غيرذميم فقال صلى الله عليه وسلم إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان وفلان وعدد جماعة أي منهم سهل بن حنيف وأبو دجانة
وما روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم في يوم أحد دفع سيفه ذا الفقار لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها وقال اغسلي عنه دمه لقد صدقني اليوم وناولها علي كرم الله وجهه سيفه وقال وهذا فاغسلي عنه دمه فوالله لقد صدقني اليوم فقال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه لئن صدقت القتال لقد صدق معك سهيل بن حنيف وابو دجانة
وعن ابن عقبة لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف علي كرم الله وجهه مختضبا دما قال إن تكن أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وكونه صلى الله عليه وسلم دفع سيفه لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها رده الإمام أبو العباس بن تيمية بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقاتل في ذلك اليوم بسيف لكن في النور أن هذا الحديث لم يتعقبه الذهبي قال ففيه رد علي ابن تيمية هذا كلامه فليتأمل
والأكثر على أن الذين قتلوا يوم أحد من المسلمين سبعون أربعة من المهاجرين وهم حمزة ومصعب وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان وقيل ثمانون أربعة وسبعونن من الأنصار وستة من المهاجرين قال الحافظ بن حجر لعل الخامس سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة والسادس ثقيف بن عمرو حليف بن عبد شمس وعدهم في الأصل ستة وتسعين وهذا لا يناسب ما تقدم في بدر من قوله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد منكم سبعون سبعون بعد ذلك وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون وقيل اثنان وعشرون
أقول انظر هذا مع ما تقدم من أن حمزة وحده قتل واحدا وثلاثين ورايت في الطبقات

لمولانا الشيخ عبد الوهاب الشعراني نفعنا الله ببركاته أن أويسا القرني كان مشغولا بخدمة والدته فلذلك لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم
وقد روي أنه اجتمع به مرات وحضر معه وقعة أحد وقال والله ما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم حتى كسرت رباعيتي ولا شج وجهه الشريف حتى شج وجهي ولا وطيء ظهره حتى وطئ ظهري قال هكذا رأيت هذا الكلام في بعض المؤلفات والله أعلم بالحال هذا كلامه ولم اقف على أنه عليه الصلاة والسلام وطئ ظهره في غزو أحد فإن مجموع ما دلت عليه الاخبار أنه صلى الله عليه وسلم شج وجهه وكسرت رباعيته وجرحت وجنتاه وشفته السفلى من باطنها ووهي منكبه وجحشت ركبته
ثم رأيت بعض المؤرخين ذكر أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه سمع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يبكى بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضلك عند ربك أن جعل طاعتك وطاعته فقد قال تعالى { من يطع الرسول فقد أطاع الله } بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند ربك أن أخبرك بالعفو عنك قبل أن يخبرك بذنبك فقال عفا الله عنك لم أذنت لهم إلى أن قال فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت ان تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
ومما يدل على ان أويسا لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم خير التابعين رجل يقال له أويس القرني وما أخرجه البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر وفي رواية أن عمر قال لأويس استغفر لي فقال كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عمر رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس والمراد من خيرالتابعين كما في بعض الروايات فلا ينافي ما نقل عن أحمد بن حنبل وغيره أن أفضل التابعين سعيد بن مسيب
ومما يدل على أن أويسا لم يكن موجودا في زمنه صلى الله عليه وسلم ما جاء في الجامع الصغير سيكون بعدي في أمتي رجل يقال له أويس القرني وأن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر


وفي أسد الغابة أن أويسا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وسكن الكوفة وهو من كبار تابعي الكوفة وكان يسخر به
ووفد رجل ممن كان يسخر به مع جماعة من أهل الكوفة على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال عمر هل ههنا أحد من القرنيين فجاء ذلك الرجل فقال له عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس القرني وقد كان به بياض فدعا الله تعالى فأذهب عنه إلا قدر الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فمروه أن يستغفر لكم فأقبل ذلك الرجل لما قدم الكوفة إلى أويس قبل أن يأتي أهله فقال له أويس ما هذا بعادتك قال سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقول كذا وكذا فاستغفر لي قال لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي ولا تذكر قول عمر لأحد فالتزم له ذلك فاستغفر له وقتل أويس يوم صفين مع علي كرم الله وجهه
ولما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة أظهر المنافقون واليهود الشماتة والسرور وصاروا يظهرون أقبح القول أي ومنه ما محمد إلا طالب ملك ما أصيب بمثل هذا نبي قط أصيب في بدنه واصيب في أصحابه ويقولون لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل
واستأذنه صلى الله عليه وسلم عمر في قتل هؤلاء المنافقين فقال أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال بلى ولكن تعوذا من السيف فقد بان أمرهم وأبدى الله تعالى أضغانهم فقال صلى الله عليه وسلم نهيت عن قتل من أظهر ذلك وصار ابن أبي لعنه الله يوبخ ابنه عبد الله رضي الله تعالى عنه وقد أثبته الجراحة فقال له ابنه الذي صنع الله لرسوله والمسلمين خير
قال وكانت عادة بن عبد الله بن أبي ابن سلول إذا جلس صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر قام فقال أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله تعالى به وأعزكم فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس فبعد أحد أراد أن يفعل كذلك فلما قام أخذ المسلمون بثوبه من نواحيه وقالوا له اجلس عدو الله والله لست لذلك اهل بأهل وقد صنعت ما صنعت فخرج وهو يتخطى رقاب الناس كأني إنما قلت هجرا وقال له بعض الانصار ارجع يتسغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله ما أبتغي أن يستغفر لي وأنزل الله تعالى قصة أحد

في آل عمران وهي قوله تعالى { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } الآية

غزوة حمراء الأسد لما كان صبيحة قدومه صلى الله عليه وسلم من أحد أذن مؤذنه صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا خلف قريش وأن لا يخرج إلا من حضر أحد وذلك ارهابا للعدو وليبلغهم أنه صلى الله عليه وسلم خرج في طلبهم ليظنوا به صلى الله عليه وسلم قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم أي يضعفهم عن عدوهم
قال وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن أبا سفيان يريدأن يرجع بقريش إلى المدينة ليستأصلوا من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدبلغه أن المشركين قالوا له لا محمد قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتة ارجعوا
أي وفي لفظ أنهم لما بلغوا بعض الطريق قدموا فقالوا بئس ما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبقى إلا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا قوة وشوكة فقذف الله في قلوبهم الرعب
ويذكر أن عبد الله بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة قدومه صلى الله عليه وسلم من أحد وأخبره أنه أقبل من أهله حتى إذا كان بمحل كذا إذا قريش قد نزلوا به فسمع أبا سفيان وأصحابه يقولون ما صنعتم شيئا قد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم فارجعوا نستأصل من بقي وصفوان بن أمية يأبى ذلك عليهم ويقول يا قوم لا تفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف عن الخروج فارجعوا والدولة لكم فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم فقال صلى الله عليه وسلم أرشدهم صفوان وما كان يرشد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وذكر لهما الخبر أي مااخبر به عبد الله بن عوف فقالا يا رسول الله اطلب العدو لا يقتحمون على الذرية فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح ندب الناس وأمر بلالا أن ينادي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج إلا من حضر القتال بالأمس انتهى
وعند تهيئه صلى الله عليه وسلم للخروج جاء جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال

يا رسول الله إنما تخلف عن أحد لأن أبي خلفني على أخوات لى سبع أى وقيل وهو الصحيح إنهن تسع وقال يا بني إنه لا ينبغي لى ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ولست بالذي اوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقني الشهادة فتخلف على أخواتك فاستخلفت عليهن واستأثر علي بالشهادة فأئذن لي يا رسول الله معك فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري واستأذنه رجال لم يحضروا القتال أي منهم عبدالله بن ابي قال له أنا راكب معك فأبى ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه وهو معقود لم يحل فدفعه لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ويقال لابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه أى المسمى بالسكب ولم يكن مع اصحابه فرس سواه وعليه الدرع والمغفر وما يرى ألا عيناه وخرج الناس معه اى جميع من كان معه صلى الله عليه وسلم في أحد
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت في قوله تعالى { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } الأية قالت لعروة بن الزبير يا بن أختي كان أبوك الزبير رضي الله تعالى عنه وأبو بكر لما أصاب نبي الله ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف ان يرجعوا فقال من يرجع في اثرهم فانتدب منهم سبعون رجلا قال ابن كثيرا وهذا السياق غريب جدا فإن المشهور عند أصحاب المغازي أن الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد كل من شهد أحد وكانوا سبعمائة كما تقدم قتل منهم سبعون وبقي الباقي هذا كلامه فليتأمل مع ما تقدم
قال والظاهر أنه لا تخالف لأن معنى قولها يعني عائشة أنهم سبقوا غيرهم ثم تلاحق بهم الباقون وخرجوا وبهم الجراحات ولم يعرجوا على دواء جراحاتهم أي لم يلتفتوا لذلك والمراد دواء غيرتكميد جراحهم بالنار وهو أن تسخن خرقة وتوضع على العضو الوجع ويتابع ذلك مرة بعد أخرى ليسكن الوجع فلا يخالف أنهم فعلوا ذلك أي أوقدوا النيران يكمدون بها جراحاتهم تلك الليلة
فمنهم من كان به تسع جراحات وهو أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه ومنهم من كان به عشر جراحات وهو خراش بن الصمة رضي الله تعالى عنه

ومنهم من كان به بضع عشرة جراحة وهو كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه ومنهم من كان به بضع وسبعون جراحة وهو طلحة بن عبيد الله وقطعت أصبعه قيل السبابة وقيل البنصر فشلت بقية اصابع يده وهي اليسرى وفي رواية أنامله كما تقدم ومنهم من كان به عشرون جراحة وهو عبد الرحمن بن عوف كما تقدم أي وجرح من بني سلمة أربعون جريحا فقال صلى الله عليه وسلم لما رآهم اللهم ارحم بني سلمة
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجروح وفي وجهه أثر الحلقتين ومشجوج في وجهه مسكورة رباعيتة وشفته السفلى قد جرحت من باطنها أي وفي المنتقى وشفته العليا قد كلمت من باطنها متوهن منكبه الأيمن لضربة ابن قمئة لعنه الله وركبتاه مجروحتان من وقعته في الحفيرة وتلقاه صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه فقال له يا طلحة أين سلاحك فقال قريب فذهب وأتى بسلاحه وبصدره تسع جراحات من تلك الجراحات التي به وهي كما تقدم بضع وسبعون جراحة يقول طلحة وأنا أهم بجراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مني بجراحي ثم أقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا طلحة أين ترى القوم فقلت بالسفالة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الذي ظننت إما أنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثلها حتى يفتح الله مكة علينا وقال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يا بن الخطاب إن قريشا لن ينالوا منا مثل هذا حتى نستلم الركن آه
وكان دليله صلى الله عليه وسلم في السير ثابت بن الضحاك وليس هو أخا جبير وقيل أخوه ولا زالوا سائرين حتى عسكروا بحمراء الأسد أي وهو محل بينه وبين المدينة ثمانية أميال أي وقيل عشرة اميال
وعن رجل من الأنصار قال شهدت أحد أنا وأخي فرجعنا جريحين فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو فقال لي أخي أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ إن تركنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لفسق والله ما لنا من دابة نركبها فخرجنا وكنت أيسر جراحا منه فكنت إذ غلب حملته عقبة ويمشي عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون من حمراء الأسد أي وذلك عند العشاء وهم يوقدون النيران فجاءتهما الحرس وكان على حرسه تلك الليلة عبادة بن بشر مع طائفة فلما أتى بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما ما حبسكما فأخبراه بغلبتهما فدعا لهما

بخير وقال لهما إي طالت بكما مدة كانت لكما مراكب من خيل وبغال وإبل وذلك ليس بخير لكم إي وهذان الرجلان عبد الله ورافع ابنا سهيل بن رافع والذي ضعف عن المشي رافع والحامل له عبد الله
واقام المسلمون بذلك المحل ثلاث ليال وكانوا يوقدون في كل ليلة من تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت الله تعالى عدوهم قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وكان عامة زادنا التمر
وحمل سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه ثلاثين بعيرا حتى وافت حمراء الأسد وساق جزرا لتنحر فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثة ولقي كفار قرشي معبدا الخزاعي وكان يومئذ مشركا بالروحاء وكان راي خروجه صلى الله عليه وسلم خ خلف قريش فأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلبهم وقد كانوا ارادوا الرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه فتمادوا إلى مكة قال لما كان صلى الله عليه وسلم بحمراء الاسد لقيه معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم تحبه صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد والله لقد عز علينا ما اصابك في نفسك وما أصابك في اصحابك ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك وأن المصيبة كانت لغيرك ثم مضى معبد حتى كان بالروحاء فلما رأى أبو سفيان معبدا قال هذا معبد وعنده الخبر ما وراءك يا معبد فقال تركت محمد وأصحابه قد خرجوا لطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه بالأمس من الاويس والخزرج وتعاهدوا على ان لا يرجعوا حتى يلقوكم فيثأروا أي يأخذوا ثأرهم منكم وغضبوا لقولهم غضبا شديدا وندموا على ما فعلوا فيهم من الحنق شيء لم أر مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما آرى أن ترحل حتى ترى نواصي الخيل فقال والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فإني أنهاك عن ذلك فانصرفوا سراعا آه
أي وعند انصرافهم أرسل أبو سفيان مع نفر يريدون المدينة أن يخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم أجمعوا على الرجعة فلما بلغوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال صلى الله عليه وسلم حسبنا الله نعم الوكيل فأنزل الله تعالى { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } الآية وقال صلى الله عليه وسلم والذي

نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب أي وأرسل معبد الخزاعي رجلا يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بانصراف أبي سفيان ومن معه خائفين فانصرف إلى المدينة وظفر صلى الله عليه وسلم في حمراء الأسد بأبي عزة الشاعر الذي من عليه وقد اسر ببدر من غير فداء لأجل بناته وأخذ عليه عهدا أن لايقاتله ولا يكثر عليه جمعا ولا يظاهر عليه أحدا كما تقدم فنقض العهد وخرج مع قريش لأحد وصار يستنفر الناس ويحرضهم على قتاله صلى الله عليه وسلم بأشعاره كما تقدم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فأسر ثم قيل أن المشركين لما نزلوا بحمراء الاسد تركوه نائما فاستمر حتى ارتفع النهار وكان الذي اخذه عاصم بن ثابت وما أسر أحد من المشركين غيره في تلك الوقعة وقيل أسره عمير بن عبد الله
وفي النور لا استحضر أحدا في الصحابة اسمه عمير بن عبد الله فلما في به إليه صلى الله عليه وسلم قال يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لمثل ما فعلت فقال صلى الله عليه وسلم لا والله لا تمسح عارضيك بمكة وفي لفظ تمسح لحيتك تجلس بالحجر تقول خدعت محمدا وفي لفظ سحرت محمدا مرتين اضرب عنقه يا زيد وفي لفظ يا عاصم بن ثابت وفي لفظ يا زبير وقال صلى الله عليه وسلم لا يلدع بالدال المهملة والغين المعجمة وفي لفظ لا يلسع المؤمن من جحر مرتين فضرب عنقه
وذكر أن رأسه حمل إلى المدينة مشهورا على رمح قال بعضهم وهو أول رأس حمل في الإسلام أي ولا ينافيه ما قيل إن أول رأس حمل في الإسلام رأس كعب بن الأشرف كما سيأتي في السرايا لأمكان أن يراد أن رأس ابي عزة أول رأس حمل إلى المدينة على رمح ولعل هذا لا ينافي ما حكاه بعضهم أن عمرو بن الجموح كان رابع الأربعة الذين دخلوا على سيدنا عثمان الدار وكان مع علي كرم الله وجهه في مشاهده فلما ولى معاوية رضي الله تعالى عنه خر هاربا إلى العراق فنهشته حية فدخل غارا ومات فأخبر بذلك زياد والي العراق فأرسل من حز رأسه وارسل به إلى معاوية فكان أول رأس نقل في الإسلام من بلد إلى بلد
قال بعضهم في معنى هذا المثل أي لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين أي إنه ينبغي للمرء أن يستعمل الحزم وهذا المثل لم يسمع من غيره صلى الله عليه وسلم ومورده أن شخصا

جرد سيفه وقصد النبي صلى الله عليه وسلم فضربه ليقتله فأخطأت الضربة فقال كنت مازحا يا محمد فعفا عنه ثم عاد لمثل ذلك مرة أخرى وقال مثل ذلك فأمر صلى الله عليه وسلم بقتله وقال لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
وأمر صلى الله عليه وسلم في ذلك المحل بقتل معاوية بن المغيرة بن أبي العاص وهو جد عبد الملك بن مروان لأمه وقد كان لجا إلى ابن عمه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أي فإنه لما رجع الكفار من أحد ذهب على وجهه ثم أتى باب عثمان فدقه فقالت ام كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوج عثمان من أنت قال ابن عم عثمان فقالت ليس هو ههنا فقال أرسلي إليه فله عندي ثمن بعير كنت اشتريته منه فجاء عثمان فلما نظر إليه قال أهلكتني وأهلكت نفسك فقال يابن عم لم يكن أحد أمس بي رحما منك فأجرني فأدخله عثمان رضي الله تعالى عنه منزله وصيره في ناحية ثم خرج عثمان ليأخذ له أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن معاوية بالمدينة فاطلبوه فدخلوا منزل عثمان فأشارت إليهم أم كلثوم رضي الله تعالى عنها بأنه في ذلك المكان فاخرجوه وأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتله فقال عثمان رضي الله تعالى عنه والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأخذ له أمانا فهبه لي فوهبه وأجله ثلاثا وأقسم صلى الله عليه وسلم إن وجده بعدها قتله
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فأقام معاوية ثلاث يستعلم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتي بها قريش فلما كان في اليوم الرابع عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فخرج معاوية هاربا فأدركه زيد بن حارثة وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما فرمياه حتى قتلاه وقد كان صلى الله عليه وسلم بعثهما إليه وقال لهما إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا أي بموضع بينه وبين المدينة ثمانية أميال فوجداه به فقتلاه وقيل تبعه علي كرم الله وجهه فقتله وكان صلى الله عليه وسلم بعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم للقوم بحمراء الاسد فقتلوهما فوجدهما النبي صلى الله عليه وسلم قتيلين بحمراء الاسد فدفنهما في قبر واحد ولا يأتي هنا الجواب المتقدم في قتلى أحد
وجاءه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بعد رجوعه إلى المدينة بأن الحارث بن سويد في قباء فانهض إليه واقتص منه بمن قتله من المسلمين غدرا يوم أحد وهو المجذر

وتقدم أنه في بالذال المعجمة مشددة مفتوحة ابن ذياد وتقدم أنه بكسر الذال المعجمة وفتحها وتخفيف المثناة تحت لأن سويدا كان قد قتل ذياد أبا المجذر في الجاهلية فظفر المجذر بسويد والد الحارث فقتله في أبيه وذلك قبل الإسلام وكان ذلك سببا لوقعة بغاث فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد واسلم المجذر بن ذياد وشهدا بدرا فجعل الحارث يطلب مجذرا يقتله بأبيه فلم يقدر عليه كما تقدم فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه قيل وقتل ايضا قيس بن زيد فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه وهو شدة الحر في يوم حار فخرج إليه الأنصار من أهل قباء رضي الله تعالى عنهم ومنهم الحارث بن سويد وعليه ثوب مورس وفي لفظ في ملحفة مورسة وفي لفظ في ثوبين مضرجين وفي لفظ ممرضين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عويمر ابن ساعدة بضرب عنقه أي فقال له قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد واضرب عنقه وقيل أمر عثمان بن عفان بذلك فقدم ليضرب عنقه فقال الحارث لما يا رسول الله فقال بقتلك المجذر بن ذياد وقيس بن زيد فما راجعه الحارث بكلمة فضرب عنقه قال وفي رواية أن الحارث قال والله قتلته أي المجذر وما كان قتلي إياه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه ولكن حمية من الشيطان وإني أتوب إلى الله ورسوله مما عملت وأخرج ديته وأصوم شهرين متتابعين وأعتق رقبة فلم يقبل منه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك انتهى ولم يذكر قتل قيس بن زيد لعله اكتفى بذلك في قتله الحارث ويعلم استحقاقه القتل بقتل قيس بن زيد بطريق أولى
أي وكان في هذه السنة الثالثة مولد الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وسماه حربا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن أي لأنه صلى الله عليه وسلم لما جاء قال أروني ابني ما سميتموه قال علي حربا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم هو حسن وحنكة صلى الله عليه وسلم بتمر
وكان في هذه السنة تحريم الخمر وقيل كان تحريمها في السنة الرابعة محاصر ببني النضير وقيل كان تحريمها بين الحديبية وخيبر وقيل كان بخيبر قال صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة وفي رواية الكرمة والنخلة وفي رواية الكرم والنخل كذا في مسلم ولعل ذكر الكرم كان قبل النهي

عنه وإلاففي مسلم لا يقولن أحدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم وفي رواية فإن الكرم قلب المؤمن أو قيل ذلك بيانا للجواز وإشارة إلى أن النهي للتنزيه
وقد حرمت الخمر ثلاث مرات
الأولى في قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر } أي القمار { قل فيهما إثم كبير } فإنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون القمار فسألوه عن ذلك فنزلت الآية الثانية أن بعض الصحابة صلى بأصحابه صلاة المغرب وهو سكران فخلط في القراءة فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } ثم أنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } فكف الناس عن شربها
وقد جاء أن حمزة رضي الله تعالى عنه لما شربها قال للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه هل أنتم إلاعبيد لأبي أي ففي البخاري أن حمزة رضي الله تعالى عنه لما شرب الخمر خرج فوجد ناقتين لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه فعلاهما بالسيف وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما وجب سناميهما قال علي كرم الله وجهه فنظرت إلى منظر أفظعني فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبرفخرج صلى الله عليه وسلم ومعه زيد فانطلقت معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه فرفع حمزة رضي الله عنه بصره وقال هل أنتم إلا عبيد لابي فرجع النبي صلى الله عليه وسلم يقهقر حتى خرج وذلك قبل تحريم الخمر ولكون السكر كان مباحا لم يرتب على قول حمزة مقتضاه مع أن من قال لنبي أنت عبدي أو عبد أبي كفر
واعترض القول بأنها في السنة الرابعة بأن أنس بن مالك كان ساقيا لها فلما سمع المنادي بتحريمها أراقها
وفي البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا أي ابا ايوب وأبا دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب وأبا عبيدة ابن الجراح رضي الله تعالى عنهم إذ جاء رجل وقال هل بلغكم الخبر قالوا وما ذاك قال حرمت الخمر قالوا أهرق هذه القلال ياأنس فأهريقت وفي لفظ قال أنس رضي الله تعالى عنه فقمت إلى مهراس فضربتها بأسفله حتى تكسرت
وفي مسلم عن أبي طارق رضي الله تعالى عنه أنه قال يا رسول الله إنما أصنعه اي الخمر

للدواء فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء وإراقة الخمر حينئذ إذ مع أنها كانت مباحة فهي محترمة تغليظ وتوكيد للتحريم وفطم للنفوس لأن إراقتها لم تكن بأمر منه صلى الله عليه وسلم
وسئل الحافظ السيوطي رحمه الله عن حكمة رجوعه صلى الله عليه وسلم القهقرى فاجاب بأنه لعله ككان من خوف الوثوب عليه ارشادا لمن يخاف الوثوب أو كان مقصود صلى الله عليه وسلم مداومته لحظة أو أن الروي أراد بالقهقرى مطلق الروع إلى المنزل لا بالظهر
وأنس رضي الله تعالى عنه لم يكن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ أي في السنة الرابعة بل بعدها وحينئذ يكون القول بأن كونه في الثالثة أشكل
واشكل من هذا ما حكاه ابن هشام في قصة الأعشى بن قيس أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الأسلام فلما كان بمكة اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاءيريد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم فقال له يا أبا بصير إنه يحرم الزنا فقال الأعشى والله إن ذلك لأمرمالي فيه من أرب فقال إنه يحرم الخمرفقال الأعشى اما هذه إن في النفس منها لغلالات ولكني منصرف فأتروي منها عامي هذا ثم آته فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا كلامه لما علمت أن الخمر لم تحرم بمكة وإنما حرمت بالمدينة في السنة الثالثة أو الرابعة وأجاب بعضهم أن الأعشى أراد المدينة فاجتاز بمكة فرض له بعض كفار قريش
واعترض بانه قيل إن القائل له ذلك أبو جهل لعنه الله وكان في دار عتبة بن ربيعة وأبو جهل قتل ببدر في السنة الثانية
وأجيب بانه على تسليم صحة ذلك بأنه يجوز أن يكون أبو جهل لعنه الله قصد صد الاعشى عن الإسلام بطريق التقول والافتراء لأنه كان يعرف ميل الأعشى إلى الخمر وعدم صبره على تركها فاختلق هذا القول من عنده ليمنعه بذلك عن الإسلام
أقول لما حرمت الخمر قال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم أي لان جماعة شربوها صبح يوم أحد قتلوا من يومهم شهداء فأنزل الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } وكون أنس رضي الله تعالى عنه لم يكن خادما للنبي صلى

الله عليه وسلم إلا بعد السنة الرابعة يخالف ما سبق أن عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت به أمه ليخدمه صلى الله عليه وسلم
وفي البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم ثم أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك فخدمته صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر وتقدم الجمع بين كون الآتي به أبا طلحة والآتي به أمه
وفي البخاري ايضا عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حين أخرج إلى خيبر فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يأمر أنسا بالخروج معه إلى خيبر لظنه أن أمه لا تسمح له بذلك فلما قال لأبي طلحة ما ذكر جاء إليه بأنس رضي الله تعالى عنه والله أعلم
غزوة بني النضير وهم قوم من اليهود بالمدينة وفي كلام بعضهم بنو النضير هؤلاء حي من يهود خيبر أي وقريتهم كان يقال لها زهرة
كانت تلك الغزاة في ربيع الأول أي من السنة الرابعة وقيل كانت قبل وقعة أحد قال وبه قال البخاري قال ابن كثير والصواب إيرادها بعد أحد كما ذكر ذلك ابن اسحاق وغيره من أئمة المغازي انتهى
أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لحرب بني النضير والسير إليهم
واختلف في سبب ذلك فمن جملة ما قيل أنه ذهب إليهم ليسألهم كيف الدية فيهم أي لأنه كان بينهم وبين بني عامر قبيلة الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري عند رجوعه من بئر معونة غيلة حلف وعقد
وقيل ذهب إليهم ليستعين بهم في دية الرجلين المذكورين أي وكان صلى الله عليه وسلم أخذ العهد على اليهود أن يعاونوه في الديات
وقيل لأخذ دية الرجلين منهم لأن بني النضير كانوا حلفاء لقوم الرجلين المذكورين

وهم بنوا عامر كذا في الأصل فليتأمل فإن فيه أخذ الدية من حلفاء المقتول وسار إليهم صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه أي دون لعشرة فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم فقالوا له نعم يا أبا القاسم حتى ترجع وتطعم بحاجتك وكان صلى الله عليه وسلم جالسا الى جنب جدار من بيوتهم فخلا بعضهم ببعض وقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة فمن رجل يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه فقال أحد ساداتهم انا لذلك أي وهو عمرو بن جحاش وقال لهم سلام بن مشكم لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممهتم به أنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه فلما اصعد ذلك الرجل ليلقي الصخرة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما اراد القوم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مظهرا أنه يقضي حاجته وترك أصحابه في مجالسهم ورجع مسرعا إلى المدينة ولم يعلم من كان معه من الحصابة أصحابه فقاموا في طلبه صلى الله عليه وسلم لما استبطئوه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه فقالوا رايته داخل المدينة فأقبل أصحابه حتى انتهوا إليه فاخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أرادت بنوالنضير وقد اشار إلى ذلك الإمام السبكي في تائيته نقوله ** وجاءك وحي بالذي أضمرت بنو الن ** نضير وقد هموا بالقاء صخرة **
أي وفي رواية لما رأوا قلة أصحابه صلى الله عليه وسلم قالوا نقتله ونأخذ أصحابه أسارى إلى مكة فنبيعهم من قريش أي ولا مانع من وجود الأمرين
وقيل السبب في خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم أنهم أرسلوا إليه أن أخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرا فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فلما غدا عليهم في ثلاثين من أصحابه قال بعضهم لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون كل يحب أن يموت قبله فأرسلوا إليه أن أخرج في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا فإن آمنوا بك اتبعناك ففعل واشتملت اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير لأخ لها مسلم تعلمه بذلك فأعلم أخوها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فرجع ولا مانع من وجود ذلك مع ما تقدم لكن في السيرة الهاشمية أن خبر ذلك بلغه قبل وصوله إليهم فرجع فبينما بنو النضير على ذلك أي على إرادة القاء الحجر والتهيؤ لإلقائه إذ جاء من اليهود من المدينة فقال لهم ما تريدون فذكروا له الأمر فقال لهم أين محمد قالوا هذا محمد فقال لهم والله لقد تركت محمدا

داخل المدينة فأسقط في ايديهم وقالوا قد أخبر بأمرنا فأرسل إليهم محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه أن أخرجوا من بلدي يعني المدينة لأن قريتهم من أعمالها فلا تساكنوني بها فقد هممتم بما هممتم به من الغدر أي وأخبرهم بما هموا به من ظهور عمرو بن جحاش على ظهرالبيت ليطرح الصخرة فسكتوا ولم يوقولا حرثا قال ويقولوا لكم قد أجلتكم عشرا فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ذلك لاينافي ما تقدم من إرادة قتله أيضا قيل وأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } ولاينافي ذلك ما تقدم من نزولها في حق دعثور في غزوة ذي أمر لجواز تكرارالنزول فأرسلوا في إحضار الأبل فأرسل إليهم المنافقون أن لا تخرجوا من دياركم ونحن معكم إن قوتلتم فلكم علينا النصر وإن أخرجتم لن نتخلف عنكم خصوصا عبد الله بن أبي بن سلول لعنه الله فإنه أرسل لهم لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فإن معي الفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون حصونكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع بنو النضيرفيما قال ابن أبي فأرسلوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير وكبر المسلمين لتكبيره وقال حاربت يهود قال والمتولى أمر ذلك سيد بني النضير حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وقد نهاه أحد سادات بني النضير وهو سلام بن مشكم وقال له منتك نفسك والله يا حيي الباطل فإن قول ابن أبي ليس بشيء وإنما يريد أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدا فيجلس في بيته ويتركك الا ترى أنه أرسل إلى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة أن تمدكم بنو قريظة فقال له لا ينقض رجل واحد منا العهد فأيس من بني قريظة وأيضا قد وعد حلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد وحصروا أنفسهم في صياصيهم أي حصونهم وانتظروا ابن أبي فجلس في بيته وسارإليهم محمد حتى نزلوا على حكمة فإذا كان ابن أبي لا ينصر حلفاءه ومن كان يمنعه من الناس ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الأوس في حروبهم أي فإنه إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت بنو النضير وقريظة مع الأوس فكيف يقبل قوله فقال حيي نأبي إلا عداوة محمد وإلا قتاله قال سلام فهو والله جلاؤنا من

أرضنا وذهاب أموالنا وشرفنا وسبي ذرارينا مع قتل مقاتلينا فأبى حيي إلامحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له بنو النضير أمرنا لأمرك تبع لن نخالفك فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكراه فتهيأ الناس لحربهم فلما اجتمع الناس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وحمل رايته علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وسار بالناس حتى نزل وصلى بهم العصر بفنائهم وقد تحصنوا وقاموا على حصنهم يرمون بالنبل والحجارة
أي وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه رضي الله تعالى عنهم بالمسير إلى بني النضير فسار بهم إليهم فوجدهم ينحن ينوحون على كعب بن الأشرف أي الآتي قتله في السرايا قالوا يا محمد داعية إثر داعية وباكية إثر باكية ذرنا نبكي شجونا ثم أئتمر أمرك فقال صلى الله عليه وسلم لهم اخرجوا من المدينة قالوا الموت أهون من ذلك ثم تبادروا بالحرب هذا كلامه
قال ولما جاء وقت العشاء رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته في عشرة من أصحابه عليه الدرع وهو على فرس واستعمل على العسكر علي بن أبي طالب ويقال ابا بكر وبات المسلمون يحاصرونهم ويكبرون حتى أصبحوا ثم اذن بلال بالفجر فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس وأمر بلالا فضرب القبة وهي قبة من خشب عليها مسوح فدخل صلى الله عليه وسلم فيها وكان رجل من يهود يقال له غزول وكان أحسن راميا يبلغ نبله مالا يبلغه نبل غيره فوصل نبله تلك القبة فأمر بها فحولت وفي ليلة من الليالي فقد علي رضي الله تعالى عنه قرب العشاء فقال الناس يا رسول الله ما نرى عليا فقال دعوه أي اتركوه فإنه في بعض شأنكم فعن قليل جاء برأس الرجل الذي يقال له غزول الذي وصل نبله قبتة صلى الله عليه وسلم كمن له علي حين خرج يطلب غزوة من المسلمين ومعه جماعة فشد عليه فقتله وفر من كان معه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة فأدركوا أولالئك الجماعة الذين كانوا مع غزول وفروا من علي فقتلوهم انتهى
وذكر بعضهم إن اولئك الجماعة كانوا عشرة وإنهم أتوا برؤوسهم فطرحت في بعض الآبار وفي هذا رد على بعض الرافضة حيث وادعى إن عليا هو القاتل لاولئك العشرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل أي وبحرقها بعد أن حاصرهم ست ليال

وقيل خمسة عشر يوما أي وقيل عشرين ليلة وقيل ثلاثا وعشرون ليلة وقيل خمسا وعشرين ليلة وكان سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه في تلك المدة يحمل التمر للمسلمين أي يجاء به من عنده قال واستعمل رسول الله على قطع النخل أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام وكان أبو ليلى يقطع العجوة وعبد الله يقطع اللين ويقال له اللون وهو ما عدا العجوة والبرني من أنواع التمر بالمدينة ومن أنواع تمر المدينة الصيحاني
وجاء عن علي كرم الله تعالى وجهه قال خرجت مع رسول الله فصاحت نخلة بأخري هذا النبي المصطفى وعلي المرتضى فقال صلى الله عليه وسلم يا علي إنما سمي نخل المدينة إي هذا النوع صيحانيا لأنه صاح بفضلي وهو حديث مطعون فيه قيل أنه كذب والبرن بالفارسية حمل مبارك أو جيد
وفي شرح مسلم للنووي انها مائة وعشرون نوعا أي وفي تاريخ المدينة الكبير للسيد السمهودي إن أنواع التمر بالمدينة التي أمكن جمعها بلغت مائة وبضعا وثلاثين نوعا ويوافقه قول بعضهم اختبرناها فوجدناها أكثر مما ذكره النووي قال ولعل ما زاد علي ما ذكره حدث بعد ذلك
أي وأما أنواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر فقد نقل إن عالم فاس محمد بن غازي أرسل إلى عالم سلجمامسة إبراهيم بن هلال يساله عن حصر أنواع التمر بتلك البلده فأرسل إليه حملا أو حملين من كل نوع تمر تمرة واحدة وكتب إليه هذا ما تعلق به علم الفقير وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
ثم رأيت في نشق الأزهار إن بهذه البلدة رطبا يسمى البتوني وهو أخضراللون وأحلى من عسل النحل ونواة في غاية الصغر وكانت العجوة خير أموال بني النضير أي لأنهم كانوا يقات يقتاتونها
وفي الحديث العجوة من الجنة وثمرها يغذي أحسن غذاء اي وتقدم أن آدم نزل بالعجوة من الجنة
وفي البخاري من تصبح كل يوم على سبع تمرات عجوة لم يصبه في ذلك اليوم سم ولا سحر أي قد جاء وقال في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر

أي وفي كلام بعضهم العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني تضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة بالمدينة أي وقد علمت إنها في نخل بني النضير
وفي العرائس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هبط آدم من الجنة بثلاثة اشياء بالآسة وهي سيدة ريحان الدنيا والسنبلة وهي سيدة طعام الدنيا والعجوة وهي سيدة ثمارالدنيا
وروي عن ابن عباس وعائشة وابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إن العجوة من غرس الجنة وفيها شفاء وإنها ترياق أول البكرة وعليكم بالتمرالبرني فكلوه فإنه يسبح في شجرة ويستغفر لآكله هذا كلام العرائس وفي حديث وفد عند ابن القيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ذلك وذكر البرني أنه من خيرتمركم وأنه دواء وليس بداء وجاء بيت لا تمر فيه جياع أهله قال ذلك مرتين
ولما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الخدود ودعون بالويل أي وذلك البعض الذي حرق كان بمحل يعرف بالبويرة أه أي والبويرة تصغير بورة وهي هنا الحفرة ويقال لها البولة باللام بدل الراء وعند ذلك نادوه أي يا محمد وفي رواية يا ابا القاسم قد كنت تنهي عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخل وتحريقها أي وفي رواية ما هذا الفساد وفي لفظ قالوا يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وهل وجدت فيما زعمت أنه انزل عليك بالفساد في الارض وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون وحينئذ وقع في نفوس بعض المسلمين من ذلك شيء فأنزل الله تعالى { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } أي في قولهم إن ذلك من الفساد
قال بعضهم جميع ما قطعوا وحرقوا ست نخلات ولا زال عبدالله بن أبي بن سلوم يبعث بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإنكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن اخرجتم خرجنا معكم أي ومعه على ذلك جمع من قومه فانتظروا ذلك فخذلهم ولم يحصل لهم منه شيء أي وجعل سلام بن مشكم وكنانة بن صوريا يقولان لحيي أين نصر بن أبي الذي زعمت فيقول حيي ما اصنع هي ملحمة كتبت علينا ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم

حصارهم وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على ان لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة اي آلة الحرب ففعل فاحتملوا النساء والصبيان وحملوه من أموالهم غيرالحلقة مااستقلت به الأبل وكانت ستمائة بعير كان الرجل يهدم بيته عما استحسن من خشبة كبابه وكنجاف به أي اسكفته فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به
أي وفي لفظ صاروا ينقضون العمد والسقوف وينزعون الخشب حتى على الاوتاد وينقضون الجدران حتى لا يسكنها المسلمون حسدا وبغضا
وفي رواية جعل المسلمون يهدمون ما يليهم من حصنهم ويهدم الآخرون ما يليهم قال وفي رواية أنهم خرجوا مظهرين التجلد خرجت النساء على الهوادج وعليهن الديباج والحرير وقطف الخز الأخضر والأحمر وحلي الذهب والفضة وخلفهم القيان بالدفوف والمزامير ومنهم سلمى أم وهب
وقال ابن اسحاق أم عمرو صاحبة عروة بن الورد الذي قيل فيه من قال أن حاتما أسمح العرب فقدظلمة عروة بن الورد أغار عروة على قومها فسباها ثم اتخذها حليلة له فجاءت منه بأولاد
ثم ان بعض بني النضير اشتراها من عروة بعد أن سقاه الخمر ثم لما افاق ندم ثم اتقق هو ومن اشتراها على أن تكون عند من تختاره فخيرها فاختارت من اشتراها
وقيل إن قومها جاءوا إليه بفدائها فخيرها وكان لا يظن أن تختارعليه أحدا فاختارت قومها فندم
وعند مفارقتها له قالت له والله ما أعلم امراة من العرب أرخت سترا على بعل مثلك أغض طرفا ولا اندى كفا ولا اغنى غناء وإنك لرفيع العماد كثيرالرماد خفيف على ظهور الخيل ثقيل على متون الأعداء وأحنى على الأهل والجار وما كنت لأوثر عليك أهلي لولا إني كنت أسمع بنات عمك يقلن قالت أم عروة وفعلت أم عروة فأجد من ذلك الموت والله لا يجامع وهي وجه أحد من أهلك فاستوص ببنيك خيرا ثم تزوجت في بني النضير وشقوا سوق المدينة وصف لهم الناس فجعلوا يمرون قطارا في أثر قطار وإن سلام بن ابي الحقيق رافع جلد جمل أي أو ثور أو حمار مملوء

حليا وينادي بأعلى صوته هذا أعددناه لرفع الأرض وخفضها وإن كنا تركنا نخلا ففي خيبرأنخل وحزن المنافقون لخروجهم أشد الحزن انتهى
وهذا الحلى كانوا يعيرونه مللعرب من أهل مكة وغيرهم وكان يكون عند آل أبي الحقيق وسياتي في غزوة خيبر أنه صلى الله عليه وسلم عبر عن هذا الحلي بالآنية والكنز وأنه كان سبب القتل ولدي أبي الحقيق لما كتماه عنه صلى الله عليه وسلم
فمنهم من سار إلى خيبر أي ومن جملة هؤلاء أكابرهم حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وكنانة بن أبي الربيع بن أبي الحقيق فلما نزلوا خيبر دان لهم أهلها
ومنهم من سار إلى الشام أي إلى أذرعات وكان فيهم جماعة من أبناء الأنصار لأن المراة من الأنصار كان إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها إن عاش لها ولد تهوده فلما أجليت بنو النضير قال آباء أولئك لا ندع أبناءنا وأنزل الله تعالى { لا إكراه في الدين } وهي مخصوصة بهؤلاء الذين تهودوا قبل الإسلام وإلا فأكراه الكفار الحربيين على الإسلام سائغ ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان وهما يامين بن عمير وأبو سعد بن وهب قال أحدهما لصاحبه والله إنك لتعلم أنه رسول الله فما ننتظر أن نسلم فنامن على دمائنا وأموالنا فنزلا من الليل واسلما فأحرزا أموالهما أي وجعل يامين لرجل من قيس جعلا أي وهو عشرة دنانير وقيل خمسة اوثق من تمر على قتل عمرو بن جحاش الذي أراد أن يلقي الحجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله عيلة أي بعد أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليامين ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل في أمر بني النضير صورة الحشر ولذلك كان يسميها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صورة بني النضير كما في البخاري
وفي كلام السبكي رحمه الله لم يختلف ان سورة الحشر نزلت في بني النضير وقد اشار لقصتهم صاحب الهمزية بقوله ** خدعوا بالمنافقين وهل ين ** فق إلاعلى السفيه الشقاء ** ونهيتم وما انتهت عنه قوم ** فأبيد الأمار والنهاء ** أسلموهم لأول الحشر لأمير ** عادهم صادق ولا الإيلاء ** سكن الرعب والخراب قلوبا وبيوتا ** منهم نعاهاالجلاء **


أي وخدعهم قول المنافقين أنهم يكونون معهم وينصرونهم على النبي صل صلى الله عليه وسلم وما يروج الشقاء إلا على السفيه والمراد بالمنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول ومن كان معه على النفاق لأنه كما تقدم لا زال يرسل لهم أن اثبتوا وتمنعوا فإنكم إن قوتلتم قاتلن معكم وإن خرجتم خرجنا معكم ونهاهم عن موافقته سلام بن مشكم فلم ينتهوا وأسلمهم اولئك المنافقون لأول الحشر وهو أي الحشر جلاؤهم وخروجهم من ديارهم فميعادهم لهم بأن ينصرونهم على النبي صلى الله عليه وسلم غير صادق وكذا حلفهم لهم على ذلك غيرصادق أيضا
ذكر موسى بن عقبة أنهم كانوا من سبط لم يصبهم جلاء قبلها لذلك قال لأول الحشر والحشر الجلاء
وقيل المراد بالمحشر أرض المحر فإنهم قالوا إلى اين نخرج يا محمد قال إلى الحشر يعني أرض المحشر والحشر الثاني هو حشر النار التي تخرج من قعر عدن فتحشر الناس إلى الموقف
وقيل الحشر الثاني لهم كان على يد سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أجلاهم من خيبر إلى تيمياء وأريحاء وسيأتي ذكره وسكن الرعب وهو خشية انتقامه صلى الله عليه وسلم منهم قلوبهم وسكن الخراب بيوتهم وقد أخبر تلك البيوت بموت أهلها خروجهم وجلاؤهم من أرضهم وأنزل الله تعالى { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب } وهم بنو النضير { لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم } أي في خذلانكم { أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم } مثلهم { كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين } ووجد صلى الله عليه وسلم من الحلقة أي آلة السلاح خمسين درعا وخمسين بيضة وثلثمائة وأربعين سيفا ولم يخمس ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كما خمس أموال بني قينقاع قال وقد قال له عمر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله ألا تخمس ما أصبت أي كما فعلت في بني قينقاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول لا اجعل شيئا جعله الله لي دون المؤمنين بقوله تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية كهيأة ما وقع فيه السهمان أي فكان أموال بني النضير وعقارهم فيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم

فاصة وتقدم التنبيه على ذلك في غزوة بني قينقاع وفسرت القرى بالصفراء ووادي القرى أي ثلث ذلك كما في الإمتاع وينبع وفسرت القرى ببني النضير وخيبر أي بثلاث حصون منها وهي الكتيبة والوطيح وسلالم كما في الإمتاع وفدك أي نصفها كما في الإمتاع ذكره الرافعي في شرح مسند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه
أقول قال بعضهم وهذا أول فيء حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويرده ماتقدم في غزوة بني قينقاع إلا ان يقال المراد أول فيء اختص به صلى الله عليه وسلم ولم يقسمه قسمة الغنيمة على ما تقدم
ثم دعا الأنصار الاوس والخزرج فحمد الله وأثنى عليه بما هو اهله ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين من إنزالهم في منازله وإيثارهم على أنفسهم بأموالهم ثم قال لهم إن أخوانكم المهاجرين ليس لهم اموال فإن شئتم قسمت هذه الأموال أي التي افاء الله علي وخصني بها مع اموالكم بينكم جميعا وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة فقالوا بل اقسم هذه فيهم وأقسم لهم من أموالنا ما شئت
وفي رواية إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله على من بني النضير وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم أي الأرض والنخل لانه لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة قدموا وليس بأيديهم شييء وكان الانصار أهل الأرض والعقار أي النخل فآثروهم بمتاع من اشجارهم فمنهم من قبلها منيحة محضة ويكفونه العمل ومنهم من قبلها بشرط ان يعمل في الشجر والأرض وله نصف الثمار ولم تطب نفسه أن يقبلها محضة لحظة لشرف نفوسهم وكراهتهم أن يكونوا كلا وإن احببتم أعطيتهم أي وخرجوا من دوركم أي وأموالكم فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا يا رسول الله بل تقسم بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا بل نحب أن تقسم ديارنا واموالنا على المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وعشائرهم وخرجوا حبا لله ولرسوله ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها ونادت الأنصار رضينا وسلمنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار زاد في رواية وأبناء أبناء الانصار وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا أي وأنزل الله تعالى فيهم { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } أي ولو كان بهم فاقة وحاجة إلى ما يؤثرون به فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم

ذلك بين المهاجرين أي وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يعم المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار إلا رجلين كانا محتاجين أي وهما سهل بن حنيف وابو دجانة رضي الله تعالى عنهما وبعضهم ضم إليهما ثالثا وهو الحارث بن الصمة ونظر فيه بعضهم بأنه قتل في بئر معونة
وأعطى صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق أحد سادات بني النضير وكان سيفا له ذكر عندهم وكان صلى الله عليه وسلم يزرع أرضهم التي تحت النخل فيدخر من ذلك قوت أهله سنة وما فضل يجعله في الكراع أي الخيل والسلاح عدة في سبيل الله تعالى
أقول فيه تصريح بأنه لم يقسم الأرض ويحتمل ان المراد بقوله كان يزرع أرضهم التي تحت النخل أي بعض أرضهم ويدل له ما يأتي ولم اقف على كيفية زرعه صلى الله عليه وسلم للأرض من مزارعة أو غيرها
وفي الخصائص الكبرى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان نخل بني النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة اعطاه الله إياه وخصه بها فاعطى أكثرها المهاجرين وقسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار
وهذا السياق يدل على ان مراده بنخل بني النضير أموالهم كما تقدم في الروايات خصوص النخل
ثم رايت في عبارة بعضهم وأكثر الروايات على أن اموال بني النضير أي من مواشيهم كالخيل ومزارعهم وعقارهم حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة له خصه الله تعالى بها لم يخمسها ولم يسهم منها لاحد وأعطى منها مااراد ووهب العقار للناس وأعطى ابا بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وصهيبا وأبا سلمة بن عبد الأسد ضياعا معروفة من ضياع بني النضير
ولعل المراد بالضياع الاراضي ويدل لي لذلك ما في البخاري اقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير ارضا من اراضي بني النضير كما ان ذلك هو المراد بقول الإمتاع وكانت بنو النضير من صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها حبسا لنوائبه وكان صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله منها وكانت صدقاته منها
وقد يقال لا منافاة لانه يجوز أن يكون أعطى بعض أراض وابقى بعضها يزرع

له صلى الله عليه وسلم ولما أعطى المهاجرين امرهم برد ما كان للأنصار للاستفنائهم عنهم ولأنهم لم يكونواملكوهم ذلك وإنما كانوا دفعوا لهم تلك النخيل لينتفعوا بثمرها وظنت أم أيمن أن ذلك ملك لها فامتنعت من رده أي لأن أم أنس كانت أعطته صلى الله عليه وسلم نخلات فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ايمن ولم ينكر عليها ذلك تطييبا لقلبها لكونها حاضنته وصار يعطيها وهي تمتنع من رده إلى ان أعطاها عشرة امثاله أو قريبا من ذلك
وذكر هذا في بني النضير يخالف ما في مسلم أن ذلك كان عند فتح خيبر حيث ذكر أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المندينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارها وذكر قصة أم أيمن فليتأمل والله أعلم
غزوة ذات الرقاع أي وتسمى غزوة الأعاجيب أي لما وقع فيها من الأمور العجيبة وغزوة محارب وغزوة بني ثعلبة وغزوة بني أنمار
عن ابن ا سحاق رحمه الله ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الاول وقال غيره شهري ربيع وبعض جمادي ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة حين بلغه صلى الله عليه 2 وسلم انهم جمعوا الجموع أي من غطفان لمحاربته فخرج صلى الله عليه وسلم في أربعمائة من أصحابه رضي الله عنهم اي وقيل سبعمائة وقيل ثمانمائة
أي واحتج البخاري رحمه الله علي أن هذه الغزاة كانت بعد خيبر بما رواه عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه مما يدل على أن أبا موسى شهد غزاة ذات الرقاع وهو خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر بيننا بعير فنقبت أقدامنا وسقطت أظفاري فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزاة ذات الرقاع
وإذ ثبت أن ابو موسى شهد غزاة ذات الرقاع وثبت أنه لم يجئ إليه صلى الله عليه وسلم من الحبشة إلا بخيبر لزم أن تكون غزوة ذات الرقاع بعد خيبر إلا أن يدعى تعدد غزوة ذات الرقاع مرتين وإنها كانت قبل خيبر وبعدها والتي وجدت فيها صلاة

الخوف هي الثانية أي والسبب في تسميتها ذات الرقاع ما تقدم عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه وحيث كانت بعد خيبر يلزم أن تكون بعد الخندق لقول الحافظ ابن حجر رحمه الله صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت اي أها لو كانت شرت لصلاها صلى الله عليه وسلم ولم يؤخرالصلاة كما سيأتي وسيأتي الجواب عن ذلك
وقد ذكرها الشمس الشامي رحمه الله تعالى بعد خيبر والأصل لم يذكر ما تقدم عن البخاري بل رواه بالمعنى فقال روينا في صحيح البخاري للحديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه أنهم نقبت أقدامهم فلفوا عليها الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع قال وجعله أي البخاري حديث أبي موسى هذا حجة على أن غزوة ذا ت الرقاع متاخرة عن خيبر أبا موسى إنما تقدم في خيبر لا دلالة فيه على ذلك أي لأنه يجوز أن يكون قول ابي موسى رضي الله تعالى عنه إنهم نقبت اقدامهم يعني الصحابة فيكون هذا مما رواه أبو موسى عمن شاهد الوقعة من الصحابة وفيه أن هذا لا يأتي مع قول البخاري عن أبي موسى فنقبت قدماي وسقطت أظفاري إذ هو صريح في أن أبا موسى رضي الله تعالى عنه حضرها والأصل تبع في تقديمها على خيبر شيخه الديمياطي وتابعه أيضا في رواية ما تقدم ما تقدم عن البخاري بالمعنى ونظر الديمياطي في رواية أبي موسى أي التي في البخاري التي رواها عنه بالمعنى بأنها مخالفة لما عليه أهل المغازي من تقديمها على خيبر
قال الحافظ بن حجر وإدعى الدمياطي غلط الحديث الصحيح وأن جميع أهل السير على خلافه والاعتماد على مافي الصحيح أي من تاخأيرها أولى لأن أصحاب المغازي مختلفون في زمانها قال والبخاري مع روايتة عن ابي موسى الصريحة في تاخر غزوة ذات الرقاع عن غزوة خيبر قدم غزوة ذات الرقاع على خيبر قال ولا أدري هل تعمد ذلك تسليم لأصحاب المغازي أنها كانت قبل خيبراو ان ذلك من الرواة عنه او إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين أي واحدة قبل خيبر والثانية بعدها كما قدمناه أي وقدمنا أن سبب التسمية في الثانية ما ذكر عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه وأما في الأولى فأحد الاسباب الآتية
قال في الامتاع وقد قال بعض من أرخ إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة فواحدة كانت قبل الخندق وأخرى بعدها أي وبعد خيبر
ولما غزا صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل عثمان بن

عفان رضي الله تعالى عنه قال ابن عبدالبر وعليه الأكثر أي وقد نظر في الأولى بأن أبا ذر رضي الله تعالى عنه لما اسلم بمكة رجع إلى بلاد قومه فلم يجيء حتى مضت بدرا وأحد والخندق
أقول وهذا النظر بناء على أنها كانت قبل الخندق وأما على انها كانت بعد لخندق وبعد خيبر فلا يتأتى هذا النظر واللهأعلم
وسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ نجد فلم يجدبها أحد ووجد نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة ثم لقي جمعا فتقارب الجمعان ولم يكن بينهما حرب
وقد خاف بعضهم بعضا أي خاف المسلمون أن تغير المشركون عليهم وهم غارون أي غافلون حتى صلى رسول الله صلى اللع عليه عليه وسلم بالناس صلاة الخوف وكانت أول صلاة للخوف صلاها
قال وفي رواية حانت صلاة الظهر فصلاها صلى الله عليه وسلم باصحابه فهم بهم المشركون فقال قائلهم دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أبنائهم أي وهي صلاة العصر فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فصلى صلاة العصر صلاة الخوف آه
أقول سيأتي هذا كله بعينه في غزوة الحديبية التي هي صلاة الخوف بعسفان ولا مانع من تعدد ذلك ويحتمل أنه من الاشتباه على بعض الرواة والله أعلم
وكان العدو في غير جهة القبلة ففرقهم فرقتين فرقة وقفت في وجه العدو وفرقة صلى بها ركعة ثم عند قيامه للثانية فارقته وأتمت بقية صلاتها ثم جاءت ووقفت في وجه العدو وجاءت تلك الغرقة التي كانت في وجه العدو واقتدت به في ثانيته فصلى بها ركعة ثم قامت وهو في جلوس التشهد وأتمت بقية صلاتها ولحقته في جلوس التشهد وسلم بها وهذه الكيفية في ذات الرقاع رواها الشيخان ونزل بها القرآن وهو قوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية
اي وفي كلام بعضهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف صلى بطائفة ركعتين وبالأخرى أخريين وسيأتي ان هذه صلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل


وفي الخصائص الصغرى وخص صلى الله عليه وسلم بصلاة الخوف فلم تشرع لأحد من الأمم من قبلنا وبصلاة شدة الخوف عند التحام القتال
أي وفي هذه الغزوة نزل صلى الله عليه وسلم ليلا وكانت تلك اليلة ذات ريح وكان نزوله صلى الله عليه وسلم في شعب استقبله فقال من رجل يكلؤنا أي يحفظنا هذه الليلة فقام عباد بن بشر رضي الله تعالى عنه وعمار بن يا سر رضي الله تعالى عنهما فقالا نحن يا رسول الله نكلؤكم فجلسا على فم الشعب فقال عباد بن بشر لعمار بن ياسر أنا أكفيك أول الليل وتكفيني أخره فنام عمار رضي الله تعالى عنه وقام عباد رضي الله تعالى عنه يصلي وكان زوج بعض النسوة التي أصابهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غائبا فلما جاء أخبر الخبر فتبع الجيش وحلف لا ينثني حتى يصيب محمدا أويهريق في أصحاب محمد دما فلما رأى سواد عباد قال هذا ربيئة القوم ففوق سهما فوضعه فيه فانتزعه عباد فرماه باخر فوضعه فيه فانتزعه فرماه بأخر فانتزعه فلما غلبه الدم قال لعمار اجلس فقد اثبت فلما راى ذلك الرجل عمار أجلس علم أنه قد نذر به فهرب فقال عمار اي أخي ما منعك أن توقظني له في أول سهم رمى به فقال كنت أقرأ في سورة أي في سورة الكهف فكرهت ان أقطعها
وفي لفظ جعل صلى الله عليه وسلم شخصين من اصحابه يقال هما عباد بن بشر من الانصار وعمار بن ياسر من المهاجرين في مقابلة العدو فرمى أحدهما بسهم فأصابه ونزفه الدم وهو يصلي ولم يقطع صلاته بل ركع وسجد ومضى في صلاته ثم رماه بثان وثالث وهو يصيبه ولم يقطع صلاته أى وهو عباد بن بشر كما تقدم وقد قال عباد اعتذارا اعن إيقاظ صاحبه لولا اني خشيت ان أضيع ثغرا أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انصرفت ولو أتى على نفسي
أقول وبهذه الواقعة استدل أئمتنا على أن النجاسة الحادثة من غير السبيلين لا تنقض الوضوء لأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك ولم ينكره
وأما كونه صلى مع الدم فلعل ما أصاب ثوبه وبدنه منه قليل ولاينافي ذلك ما تقدم في الرواية قبل هذه فلما غلبه الدم إذ يجوز مع كونه كثيرا انه لم يصب ثوبه ولا بدنه إلا القليل منه والله أعلم
ويقال إن رجلا من القوم اي وهو غورث بالغين المعجمة مكبرا على الأشهر

وقيل غويرث بالتصغير والمهملة ابن الحارث قال لهم ألا أقتل لكم محمدا قالوا بلى وكيف تقتله قال أفتك به أى أجيء إليه على غفلة فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وسيفه في حجره فقال يا محمد أرني أنظر إلى سيفك هذا فأخذه من حجره فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكبته الله أي يخزيه ثم قال يا محمد ما تخافني قال لا بل يمنعني الله تعالى منك ثم دفع السيف إليه صلى الله عليه وسلم فأخذه صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك مني فقال كن خير أخذ قال تشهدا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال أعاهدك علي اني لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك قال فخلي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس واسلم هذا بعد وكانت له صحبة
وفي رواية جاء إليه صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال يا محمد انظر إلى سيفك هذا قال نعم فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ثم قال يا محمد أما تخافني وما أخاف منك قال وفي يدي السيف قال لا يمنعني الله تعالى منك ثم غمد سيفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه فقال
وهذه واقعة غير واقعة دعثور المتقدمة في غزوة ذي أمر فهما واقعتان احداهما مع دعثور والثاني ة مع غورث فقول أصله والظاهر أن الخبرين واحد فيه نظر ظاهر فليتأمل
قال وفي رواية لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة ادركته القائلة يوما بواد كثير العضاة أي الأشجار العظيمة التي لها شوك وتفرق الناس في العضاة أي الاشجار يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة أي ظليله قال جابر رضي الله تعالى عنه تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم فعلق صلى الله عليه وسلم سيفه فيها فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئنا إليه فوجدنا عنده أعرابيا جالسا فقال إن هذا قد اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده مصلتا أي مسلولا فقال لي من يمنعك مني قلت الله قال ذلك ثلاث مرات ولم يعاقبه صلى الله عليه وسلم
وهذه الرواية مع ما قبلها يقتضي سياقهما أنهما واقعتان لا واقعة واحدة ويبعد أن يكون ذلك الأعرابي هو غورث صاحب الواقعة الأولى فيكون تعدد منه هذا الفعل

مرتين أي وأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } ** وتقدم أن سبب نزولها إرادة ألقاء الحجر عليه من بعض أهل بني النضير لعنهم الله وتقدم أنه لا مانع من تعدد النزول لتعدد الأسباب
وفي الشفاء قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف قريشا فلما نزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم } الآية استلقى ثم قال من شاء فليخذلني
اي وفيه أن هذا لا يحسن إلا عند نزول آية { والله يعصمك من الناس } إلا أن يقال هو صلى الله عليه وسلم علم من ذلك أن الله مانع له ممن يريده بسوء وإن كان يجوز أن يمنعه من شخص دون آخر فليتأمل
وإنما لم يعاقب صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي حرصا على استئلاف قلوب الكفار ليدخلوا في الإسلام
وكانت مدة غيبته صلى الله عليه وسلم خمسة عشرة ليلة وبعث صلى الله عليه وسلم جعال بن سراقة إلى المدينة مبشرا بسلامته وسلامة المسلمين أي وكان رضي الله تعالى عنه من أهل الصفة وهو الذي يتمثل به أبليس لعنه الله يوم أحد حين نادى إن محمدا قد قتل كما تقدم
وأبطأ جمل جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه فنخسه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ انه حجنه بمحجنه فانطلق متقدما بين يدي الركب وفي رواية فلقد رأيتني أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لا يسبقه أي وهو ينازعني خطامه مع أني كنت أرجو أن يستاق معنا ثم قال له صلى الله عليه وسلم أتبيعنيه فابتاعه منه أي بأوقية وقيل بأربع اواق وقيل بخمس أواق وقيل بخمسة دنانير وقيل بأربعة دنانير بعد ان أعطعاه فيه أولا درهما ممازحا له فقال له جابر رضي الله تعالى عنه تبيعني يا رسول الله وفي رواية لا زال صلى الله عليه وسلم يزيده درهما درهما فيقول جابر أخذته بكذا والله يغفر لك يا رسول الله قال بعضهم كأنه صلى الله عليه وسلم أراد بأعطائه درهما درهما أن يكثر استغفاره له وقال له لك ظهره إلى المدينة وفي رواية وشرط لي ظهره إلى المدينة أي واستغفر لجابر رضي الله تعالى عنه في تلك الليلة خمسا اوعشرين مرة وقيل سبعين مرة فلما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة أعطاه الثمن ووهب له الجمل

أي وقيل إن هذه القصة أي ابطاء جمل جابر رضي الله تعالى عنه إنما اكان في رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وقيل كانت في رجوعه من غزوة تبوك
أي والذي في البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكمنت على جمل ثقال إنما هو في آخر القوم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذا فقلت جابر بن عبد الله قال فمالك قلت إني على جمل ثقال قال أمعك قضيب قلت نعم قال أعطنيه فضربه فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم قال بعنيه قل بل هو لك يا رسول الله قال بل بعنيه فقد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره غلى المدينة لفما قدمت المدينة قاليابلال اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا قال جابر رضي الله عنه أعطاني الجمل وسهمي مع القوم
وفي لفظ عن جابر قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فدخلت إليه فلفت الجمل في ناحية البلاط فقلت يا رسول الله هذا جملك فخرج صلى الله عليه وسلم فجعل يطوف بالجمل قال الثمن والجمل لك وفي لفظ إنما باعه له بوقية اي ذهب وأنه استثنى حملانه إلى أهله فلما قدم المدينة وانقره الثمن وانصرف أرسل على اثره وقال له ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك
وعن جابر رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه بطريق تبوك بأربع أواق وفي لفظ بعشرين دينار فليتأمل الجمع بين هذه هذه الروايات على تقدير صحتها فإن التعدد بعددها بعيد
قيل سميت ذات الرقاع باسم شجرة كانت في ذلك المحل يقال لها ذات الرقاع أو لأنهم رقعوا راياتهم او لأنهم لفوا على أقدامهم الخرق لما حصل لهم الحفاء كما تقدم أو لأن الصلاة رقعت فيها او لأن الجبل الذي نزلوا به كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقاع فيه بقع حمر وسود وبيض واستغربه الحافظ ابن حجر
قال الإمام النووي رحمه الله ويحتمل أنها سميت بالمجموع قال وفي هذه الغزوة جاءته صلى الله عليه وسلم امرأة بدوية باني لها فقالت يا رسول الله هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان ففتح فاه فبزق فيه وقال اخسأ عدو الله أنا رسول الله ثم قال صلى الله عليه وسلم شأنك بابنك لن يعود إليه شيئ مما كان يصيبه أي فكان كذلك


وفيها أيضا جاء رجل بفرخ طائر فأقبل أحد أبويه حتى طرح نفسه بين يدي الذي أخذ فرخه فعجب الناس من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون من هذا الطائر أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه ولله لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه
وفيها ايضا جيء له صلى الله عليه وسلم بثلاث بيضات من بيض النعام فقال لجابر دونك يا جابر قال جابر فاعمل هذه البيضات رضي الله تعالى عنه فعملتهن ثم جئت بهن في قصعة فجعلنا نطلب خبزا فلم نجد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه يأكلون من ذلك البيض من بغير خبز حتى انتهى كل إلى حاجته أي إلى الشبع والبيض في القصعة كما هو
وفيها ايضا جاء جمل يرفل أي حتى وقف عنده صلى الله عليه وسلم وأرغى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ماقال هذا الجمل هذا جمل يستعيذ بي على سيده يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين وانه أراد أن ينحره اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به قال جابر رضي الله تعالى عنه فقلت لاأعرفه قال أنه سيدلك عليه قال جابر فخرج بين يدي حتى وقف على صاحبه فجئته به فكلمه صلى الله عليه وسلم في شان الجمل آه
وعن عبدالله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائط رجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عليه فسكن ثم قال من رب هذا الجمل فجاء فتى من الانصار فقال هذا لي يا رسول الله فقال ألا تتقي الله عز وجل في هذ البهيمة التي ملكك الله فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه
وفي رواية كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعير أقبل حتى وقف على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ايها البعيراسكن فان تك صادقا فلك صدقك وأن تك كاذبا فعليك كذبك إن الله تعالى قد امن عائدنا ولن يخيب لأئذنا فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال يريد أهله نحره وأكل لحمه فهرب منهم واستغاث بنبيكم فبينما نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتقعادون فلما ظر إليهم البعير عاد إلى هامة الرسول صلى الله عليه وسلم فلاذ بها فقالوا يا رسول الله

بعيرنا هرب منذ ثلاثة ايام فلم نجده إلابين يديك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أنه يشكو فقالوا يا رسول الله ما يقول قال إنه ربي فيكم سنين وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكلأفإذا كان الشتاء حملتم عليه إلى موضع الدفيء فلما كبر استفحلتموه فرزقكم الله إبلا سليمة فلما أدركت هذه السنة الجذبة هممتم بنحره وأكل لحمه فقالوا والله يا رسول الله قد كا ن ذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا جزاء المملوك الصالح من مواليه فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نتعبه ولاننحره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم قد استغاث بكم فلم تغيثوه وأناأولى بالرحمة منكم لأن الله قد نزع الرحمة من قولب المنافقين وأسكنها في قولوب المؤمنين فاشتراه الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بمائة درهم منهم وقال ايها البعير انطلق حيث شئت فرغا البعير على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له آمين ثم رغا الثانية فقال له آمين ثم رغا الثالثة فقال له آمين ثم رغا الرابعة فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال قال جزاك الله خيرا أيها النبي عن الإسلام والقرآن قلت آمين قال سكن الله رعب أمتك كما سكنت قلبي قلت آمن قال حقنت الله دماء أمتك كما حنت دمي قلت آمين قال لا جعل الله بأسهم بينهم شديد فبكيت لأني سألت الله ربي فيها أي في هذه الرابعة فمنعني إعطاءها وقوله صلى الله عليه وسلم للجمل اذهب كيف شئت لا يناسب ما عليه ائمتنا من عدم جواز إرسال الدواب تقربا إلى الله تعالى لأنه في معنى سوائب الجاهلية إلا أن يقال المراد بقوله صلى الله عليه وسلم له إذهب كيف شئت أي أنت آمن في سائر أحوالك مما شكوت منه
ورايت في كلام ابن الجوزي رحمه الله ما يؤيد ذلك وهو أن رسول الله لى الله عليه وسلم وسمه سمة نعم الصدقة ثم بعث به وعليه لا اشكال وإلى قصة الجمل اشار الإمام السبكي رحمه الله في تائيته بقوله ** ورب بعير قد شكى لك حاله ** فأذهبت عنه كل كل وثقلة **
وفي هذه أعني السنة الرابعة تزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة هند رضي الله تعالى عنها بعد موت أبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله تعالى عنه وما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما انه قال تزوجها سنة اثنتين ليس بشيء قيل وفيها شرع التيمم
غزوة بدر الآخرة ويقال لها بدر الموعد أي لموعد أبي سفيان رضي الله تعالى عنه حيث قال حين منصرفه من أحد موعد ما بيننا وبينكم بدر أي موسمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قل نعم أن شاء الله تعالى كما تقدم
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة ذا الرقاع أقام بقية جمادى الأولى إلى آخر رجب ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان وعليه اقتصر الأصل وقيل خرج في شوال وقيل في مستهل ذي القعدة كل ذلك في سنة اربع ومن الوهم قول موسى بن عقبة رحمه الله أنها كانت في شعبان سنة ثلاث لما علمت أنها بعداحد وأحد كانت في شوال سنة ثلاث والحافظ الدمياطي قدم هذه الغزوة على غزوة ذات الرقاع وتبعه الشمس الشامي وصاحب الأمتاع
وكان وصوله صلى الله عليه وسلم إلى بدر هلال ذي القعدة وهذا لايناسب إلاالقول بأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في شوال وكان ذلك موسم لبدر في كل سنة يحضره الناس ويقيمون به ثمانية ايام كما تقدمت الحوالة عليه وحين خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة استخلف عليها عبد الله بن عبدالله بن أبي ابن سلول رضي الله تعالى عنه وقيل عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وخرج في ألف وخمسمائة من اصحابه وكان الخيل عشرة افراس
وعند تهيؤ المسلمين للخروج قدم نعيم بن مسعود الاشجعي أي وكان ذلك قبل إسلامه رضي الله تعالى عنه وأخبر قريش أن المسلمين تهيأوا للخروج لقتالهم ببدر فكره أبو سفيان الخروج لذلك وجعل لنعيم أن رجع إلى المدينة وخذل المسلمين عن الخروج لبدر عشرين بعيرا وفي لفظ عشرة من الأبل وحمله على بعير أي وقال له أبو سفيان إنه بدا لي أن لا أخرج وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة يكون الخلف منة لهم أحب إلي من ان يكون من قبلي فالحق بالمدينة واعلمهم أنا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندي من الأبل كذا وكذا أدفعها لك على يد سهيل بن عمر فجاء نعيم إلى سهيل بن عمرو فقال له يا ابا يزيد تضمن لي هذه الإبل وانطلق إلى محمد وأثبطه قال نعم فقدم نعيم المدينة وأرجف بكثرة المجموع

أبي سفيان أي وصار يقول فيهم حتى قذف الرعب في قولوب المسليمن ولم يبقى لهم نية في الخروج واستبشر المنافقون أي واليهود وقالو محمد لايفلت من هذا الجمع فجاء أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعا ما ارجف به المسلمون وقالا له يا رسول الله إن الله مظهر نبيه ومعز دينه وقد وعدنا القوم موعط لا نحب ان نتخلف عنه فيرون ان هذا جبن فسر لموعدهم فوالله إن في ذلك لخيرة فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ثم قال والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فأذهب الله عنهم ما كانوا يجدون وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وخرج المسلمون معهم بتجارات إلى بدر فربحت الضعف
ثم أن أبا سفيان قال لقريش لقد بعثنا نعيما ليخذل أصحاب محمد عن الخروج ولكن نخرج نحن فنسيرليلة أو ليلتين ثم نرجع فإن كان محمد لم يخرج وبلغه انا خرجنا فرجعنا لأنه إن لم يخرج كان هذا لنا عليه وإن خرج أظهرنا أن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام عشب قالوا نعم ما رأيت فخرج أبو سفيان في قريش اي وهم الفان ومعهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مجنة أي بفتح الميم والجيم وتشديد النون وهو سوق معروف من ناحية مر الظهران وقيل إلى عفان ثم قال يا معشر قريش لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه الماء وإن عامكم هذا عام جدب وإني راجع فارجعوا فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق يقولون إنما خرجتم لتشربوا السويق
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده مدة الموسم التي هي ثمانية ايام أي فإنه صلى الله عليه وسلم انتهى إلى بدر هلال ذي القعدة كما تقدم وقام السوق صبيحة الهلال فاقاموا ثمانية أيام والسوق قائمة اي وصار المسلمون كلما سألوا عن قريش وقيل لهم قد جمعوا لكم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى قيل لهم لما قربوا من بدر إنها قد امتلأت من الذين جمعهم أبو سفيان يرعبونهم ويرهبونهم فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل فلما قدموا بدرا وجدوا أسواقا لا ينازعهم فيها أحد فأنزل الله تعالى { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فالمراد بالناس الأول نعيم نزل منزلة الجماعة


وعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أن القائلين ذلك كانوا أربعة ولا مانع أن يكون هؤلاء الأربعة من المنافقين لعنهم الله وافقوا نعيما على ما قال حتى أن قائلهم قال للمسلمين إنما أنتم لهم أكلة رأس وإن ذهبتم إليهم لا يرجع منكم أحد
وقيل القائلون ركب من عبد القيس كانوا قاصدين المدينة للميرة فجعل لهم أبو سفيان حمل أبعرتهم زبيبا إن هم خذلوا المسلمون وأرجفوهم ولا مانع من وجود ذلك كله
هذا وقد نقل ابن عطية رحمه الله عن الجمهور أن هذه الآية الواقعة المذكورة إنما كانت بحراء الأسد عند انصرافه من أحد فليتأمل
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة اي وبلغ قريشا خروج المسلمين لبدر وكثرتهم وأنهم كانوا أصحاب الموسم أي والمخبر لهم بذلك معبد بن أبي معبد الخزاعي فإنه بعد انقضاء الموسم خرج سريعا إلى مكة واخبرهم بذلك فقال صفوان ابن أمية لابي سفيان قد والله نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترأوا علينا ورأوا انا أخلفناهم وإنما خلفنا الضعف
غزوة دومة الجندل بضم الدال ويجوز فتحها واقتصر الحافظ الدمياطي على الأول أي وأما دومة بالفتح ا غير فموضع آخر ومن ثم قال الجوهري الصواب الضم وأخطا المحدثون في الفتح سميت بدومى بن اسماعيل عليه السلام بأنه كان نزلها وهي بلدة بينها وبين دمشق خمس ليال وهي اقرب بلاد الشام إلى المدينة وبينها وبين المدينة خمس أوست عشرة ليلة أي وهي بقرب تبوك بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا كثيرا يظلمون من مر بهم وانهم يريدون أن يدنوا من المدينة فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لذلك فخرج في الف من المسلمين أي وذلك في أواخر السنة الرابعة
وذكر بعضهم أنها كانت في ربيع الاول من السنة الخامسة ويوافقه قول الحافظ الدمياطي أنها كانت على رأس تسعة واربعين شهرا من مهاجرته صلى الله عليه وسلم أي واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فكان يسير الليل ويكمن النهار ومعه

دليل له من بين عذرة أي يقال له مذكور رضي الله تعالى عنه فلما دنا منهم جاء إليهم الخبر فتفرقوا فهجم على ماشيتهم رعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يلق بها أحدا وبعث السرايا فرجعت ولم تلق منهم أحدا أي ورجعت كل سرية بأبل واخذ محمد بن مسلمة رجلا منهم وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه السلام فأسلم رسول الله عليه وسلم رجع المدينة
وفي رجوعه وادع أي صالح عيينة بن حصن واسمه حذيفة الفزاري أن يرعى بمحل بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلا اي لأن أرضه كانت أجدبت ولما سمن حافره وخفه وانتقل إلى أرضه غزا على لحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة كما سيأتي وقيل له بئس ما جزيت به محمد صلى الله عليه وسلم احلك أرضه حتى سمن حافرك وخفك وتفعل معه ذلك فقال هو حافري وقيل له عيينة لأنه أصابته لقوة فجحظت عيناه وسمي عيينة وعيينة هذا أسلم بعد الفتح وشهد حنينا والطائف وكان من المؤلفة كما سياتي وكان يقال له الأحمق المطاع كان يتبعه عشرة آلاف فتى
ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم بغيرأذن واساء الادب فصبر النبي صلى الله عليه وسلم على جفوته وقال فيه صلى الله عليه وسلم إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه وقيل إن ذلك إنما قيل في مخرمة بن نوفل أي ولامانع من تعدد ذلك وقد ارتد عيينة بعد ذلك في زمن الصديق رضي الله تعالى عنه فإنه لحق بطليحة بن خويلد حين تنبأ وآمن به فلما هرب طليحة أسره خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وأرسل به إلى الصديق في وثاق فلما دخل المدينة صار أولاد المدينة ينفسونه بالحديد ويضربونه ويقولون اي عدو الله كفرت بالله بعد ايمانك فيقول والله ما كنت ى من فمن عليه الصديق فأسلم ولم يزل مظهر للإسلام
وفي سنة أربع نزلت آية الحجاب لأزواجه صلى الله عليه وسلم وكان فيها قصر الصلاة وولادة الحسين رضي الله تعالى عنه ووقع أنه لما ولد سماه علي كرم الله وجهه حربا فلما جاء صلى الله عليه وسلم قال أروني أبني ما سميتموه قالوا حربا قال بل اسمه حسين أي كما فعل ذلك بالحسن كما مر فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم

فقال أروني ابني ما سميتموه قال علي كرم الله وجهه سميته حربا فقال بل هو محسن ثم قال صلى الله عليه وسلم إن سميتهم بأسماء ولل هارون شبر وشبير ومشبر
ومن المستظرف ما حكاه بعضهم قال وقع بين الحسن والسحين كلام فتهاجرا فلما كان بعد ذلك أقبل الحسن على الحسين وأكب على رأسه يقبله فقال له الحسين إن الذي منعني ابتدائك بهذا أنك أحق بالفضل مني فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به ورجم اليهوديين الزانيين وفرض الحج وقيل فرض في الخامسة وقيل في السادسة وقيل في السابعة وقيل في الثامنة وقيل في التاسعة وقيل في العاشرة
قيل وفيها أي الرابعة شرع التيمم أي كما تقدم وقيل شرع في الغزوة التي تلي هذه وهي
غزوة بني المصطلق وقيل كان في غزوة أخرى اي وفي غيبته صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة ماتت أم سعد بن عبادة وكان ابنها رضي الله تعالى عنه معه صلى الله عليه وسلم ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صلى على قبرها وذلك بعد شهر وقال له سعد يا رسول الله أتصدق عنها قال نعم قال أي الصدقة افضل قال الماء فحفر بئرا وقال هذه لأم سعد رضي الله تعالى عنها غزوة بني المصطلق
ويقال لها غزوة الريسيع ويقال لها غزوة محارب وقيل محارب غيرها ويقال لها غزوة الأعاجيب لما وقع فيها من الأمور العجيبة أي كما قيل بذلك كذلك في غزوة ذات الرقاع كما تقدم
وبنو المصطلق بطن من خزاعة وهم بنو جذيمة وجذيمة هو الصطلق من الصلق وهو رفع الصوت والمريسع اسم ماء من مياههم أي من ماء خزاعة مأخوذة من قولهم رسعت عين الرجل إذا دمعت من فساد وذلك الماء في ناحية قديد
وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن الحارث بن ضرار سيد بني المصطلق رضي الله تعالى عنه فإنه اسلم بعد ذلك كما سيأتي جمع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر عليه من قومه ومن العرب فأرسل صلى الله عليه وسلم بريدة بالتصغير ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين في آخره موحده كما تقدم أي ليعلم علم ذلك
قال واستأذن بريدة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما يتخلص به من به من

شرهم أي وإن كان خلاف الواقع فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى ورد عليهم ورأى جمعهم فقالوا له من الرجل قال رجل منكم قدمت لما بلغني من جمعكم لهذا الرجل فأسير في قومي ومن أطاعني فنكون يدا واحدة حتى نستاصلهم فقال له الحارث فنحن على ذلك فعجل علينا قال بريدة اركب الآن فآتيكم بجمع كثير من قومي فسروا بذلك منه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر القوم انتهى فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا لخروج وكان في شعبان لليلتين خلتا منه سنة خمس من الهجرة وقيل اربع كما في البخاري نقلا عن ابن عقبة وعليه جرى الإمام النووي في الروضة قال الحافظ ابن حجر وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس من الهجرة فكتب سنة أربع لأن الذي في مغازي ابن عقبة من عدة طرق سنة خمس وقيل سنة ست وأن عليه أكثر المحدثين وقادوا الخيل هي ثلاثون فرسا عشرة للمهاجرين منها فرسان له صلى الله عليه وسلم اللزاز والظرب وعشرون للانصار رضي الله تعالى عنهم واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما وقيل ابا ذر الغفاري رضي الله عنه وقيل نميلة تصغير نملة بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه وخرج معه صلى الله عليه وسلم من نسائه عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما أي وخرج معه صلى الله عليه وسلم ناس كثير من المنافقين لم يخرجو في غزوة قط مثلها منهم عبد الله بن أبي سلول وزيد بن الصلط ليس لهم رغبة في لاجهاد وإنم اغربضهم أن يصيبوا من عرض الدنيا مع قرب المسافة وسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ محلا نزل به فأتى برجل بن عبد القيس فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أين اهلك قال بالرواحاء قال أين تريد قال إياك جئت لامن بك أشهد أن ما جئت به حق وأقاتل معك عدوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداك للإسلام وسال رسول الله صلى الله عليه وسلم اي الأعمال أحب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأول وقتها فكان بعد ذلك يصلي الصلاة لأول وقتها
واصاب صلى الله عليه وسلم عينا للمشركين كان وجهه الحارث ليأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يذكر من شانهم شيئا فعرض عليه الإسلام فأبى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب

رضي الله تعالى عنه ان يضرب عنقه فضرب عنقه فلما بلغ الحارث مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه قتل عينه سيء بذلك ومن معه وخافوا خوفا شديداوتفرق عنه جمع كثير ممن كان معه وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع فضربت له صلى الله عليه وسلم قبة من ادم وكان معه فيها عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما فتهيأ المسلمون للقتال ودفع صلى الله عليه وسلم راية المهاجرين إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه وقيل لعمار بن ياسر وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه أي وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يقول لهم قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم ففعل عمر ذلك فأبو فترامسوا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم أنسان وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم الرجال والنساء والذرية واستاق ابلهم وشياههم فكانت الابل ألفي بعير والشاة خمسة آلاف شاة واستعمل صلى الله عليه وسلم على ذلك مولاه شقران أي بضم الشين المعجمة واسمه صالح وكان رضي الله عنه حبشيا وكان السبي مائة اهل بيت وفي كلام بعضهم كانوا أكثر من سبعمائة وكانت برة بنت الحارث الذي هو سيد بني المصطلق في السبي
وقيل أغار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم غافلون فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم أي وهذا القول هو الذي في صحيح البخاري ومسلم والأول هو الذي في السيرة الهشامية
وجمع بأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لما أغار عليهم ثبتوا وصفوا للقتال ثم انهزوموا ووقعت الغلبة عليهم أي وقتل منهم من قاتل ولم يستأسر وكان شعار المسلمين أي علامتهم التي يعرفون بها في ظلمة الليل أو عند الاختلاط يا منصور أمت تفاؤلا بأن يحصل لهم النصر بعد موت عدوهم
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة رضي الله تعالى عنه ثم فرق صلى الله عليه وسلم السبي فصار في ايدي الناس
أي وفي هذا دليل لقول إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في الجديد يجوز استرقاق العرب لان بني المصطلق عرب من خزاعة خلافا لقوله في القديم إنخ م لا يسترقون

لشرفهم وقد قال في الأم لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هكذا أي لا يجري الرق على عربي
وبعث صلى الله عليه وسلم أبا ثعلبة الطائي إلى المدينة بشيرا من المريسيع أي وجمع صلى الله عليه وسلم المتاع الذي وجده في رحالهم واللاح والنعم والشاء وعدلت الجزور بعشرة من الغنم ووقعت برة بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس وابن عم له فجعل ثابت لابن عمه نخلات له بالمدينة في حصته من برة وكاتبها أي على تسع أواق من ذهب فدخلت عليه صلى الله عليه وسلم فقالت له يا رسول الله إني ارم امرأة مسلمة أسلمت لأني أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله وإني برة بنت الحارث سيد قومه أصابنا من الأمر ما قد علمت ووقعت في سهم ثابت بن قيس وابن عم له وخلصني ثابت من ابن عمه بنخلات في المدينة وكاتبني على مال مالا طاقة لي به وإني رجوتك فأعني في مكاتبتي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خير من ذلك قالت ما هو قال اؤدي عنك كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول الله قد فعلت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت بن قيس فطلبها منه فقال ثابت رضي الله تعالى عنه هي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان كاتبها عليه وأعتقها وتزوجها أي وهي ابنة عشرين سنة وسماها جويرية أي وكان اسمها برة وكذلك ميمونة وزينب بنت جحش كان اسم كل منهما برة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا كان اسم بنت أم سلمة برة فسماها زينب ويذكر أن علي كرم الله وجهه هو الذي أسرها
أقول ولا مانع أن يكون علي كرم الله وجهه أسرها ثم وقعت في سهم ثابت وابن عمه رضي الله تعالى عنهما عند القسمة لأنه لم يثبت في هذه الغزوة أنه صلى الله عليه وسلم جعل الاسرى لمن أسرهم كما وقع في بدر إلا مايأتي من قول أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ورغبنا في الفداء وقد يقال رغبوا في الغداء بعد القسمة والله اعلم
قال وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كانت جويرية امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عدي ونحن على الماء أي الذي هو المريسع إذ دخلت جويرية تسأله في كتابتها فوالله ما هو إلاأن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت

يا رسول الله إني امرأة مسلمة الحديث آه وإنما كرهت ذلك لما جبلت عليه النساء من الغيرة ومن ثم جاء انه صلى الله عليه وسلم خطب امرأة فأرسل عائشة رضي الله تعالى عنها لتنظر إليها فلما رجعت إليه قالت ما رأيت طائلا فقال بلى رايت خالا في خدها فاقشعرت منه كل شعرة في جسدك أي وفي لفظ آخر عن عائشة رضي الله تعالى عنها فما هو إلا أن وقفت جويرية بباب الخباء لتستعين رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتابتها فنظرت إليها فرايت على وجهها ملاحة وحسنا فأيقنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآها أعجبته علما منها بموقع الجمال منه فما هو إلاأن كلمته صلى الله عليه وسلم فقال لها صلى الله عليه وسلم خير من ذلك أنا أؤدي كتابتك وأتزوجك فقضى عنها كتابتها وتزوجها والملاح أبلغ المليح والمليح مستعار من قولهم طعام مليح إذا كان فيه الملح بمقدار ما يصلحه
قال الأصمعي رحمه الله الحسن في العنين والجمال في الأنف والملاحة في الفم وهذا السياق يدل على انه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهم على الماء الذي هو المريسع ويؤيده ما يأتي عنها رضي الله تعالى عنها قال
الشمس الشامي رحمه الله ونظر رسول الله لجويرية حتى عرف من حسنها ما دعاه لتزوجها لأنها كانت أمة مملوكة أي لانها مكاتبة ولو كانت غيرمملوكة أي حرة ما ملأ صلى الله عليه وسلم عينه منها أو أنه صلى الله عليه وسلم نوى نكاحها أو أن ذلك كان قبل لآية الحجاب
أقول تبع في هذا السهيلي رحمه الله وقد قدمنا أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز نظر الأجنبية والخلوة بها لامنه صلى الله عليه وسلم من الفتنة فلا يحسن قوله ولو كانت حرة ما ملأ صلى الله عليه وسلم عينه منها
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم حرمة نكاح الامة وفلا يحسن قوله أو أنه نوى نكاحها وأن نزول آية الحجاب كان في سنة ثلاث على الراجح
ومذهب الشافعي رضي الله عنه حرمة نظر سائر الأمة لاأجنبية كالحرة على الراجح عند الشافعية ومنهم الشمس الشامي فلا يحسن قوله لأنها كانت امة مملوكة والله أعلم
روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب أي واقتسمناها وملكناها فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء وفأردنا نستمع ونعزل فقلنا نفعل ذلك وفي لفظ فأصبنا سبايا وفينا شهوة للنساء واشتدت علينا العزوبة وأجبنا الفداء وأردنا أن نستمتع ونعزل وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فسألناه عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة أي نفسا قدرها هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون وفي لفظ ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة وفي رواية لا عليكم ان لا تفعلوا ذلك فإنما هو القدر وفي رواية ما من كل الماء يكون الولد وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه أي ما عليكم حرج في عدم فعل العزل وهو الإنزال في الفرج لأن العزل الإنزال خارج الفرج فيجامع حتى إذا قارب الإنزال نزع فأنزل خارج الفرج ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة أي عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم لأن الماء قد يسبق العزل إلى الرحم فيجيء الولد وقد ينزل في الفرج ولا يجيء الولد
وكون ذلك كان في بني المطلق هو الصحيح خلافا لما نقل عن موسى بن عقبة رحمه الله تعالى ان ذلك كان في غزوة اوطاس وقول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه طالت علينا العزبة واشتهينا النساء أي لعل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه ومن تكلم على لسانه كان في المدينة أعرب وإلا فأيام تلك الغزوة لم تطل فإنها كانت ثمانية وعشرين يوما قال أبو سعيد رضي الله تعالى عنه فقدم علينا وحدهم أي بالمدينة ففي الإمتاع وكانوا قدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوا الذرية والنساء كل واحد بست فرائض ورجعوا إلى بلادهم
قال أبو سعيد رضي الله تعالى عنه وخرجت بجارية أبيعها في السوق أي قبل ان يقدم وفدهم في فدائهم فقال لي يهودي يا أبا سعيد تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة هي في الأصل ولد الغنم فقلت كلا إني كنت أعزل عنها فقال تلك الوأدة الصغرى أي المرة من الوأد وهو أن يدفن الرجل بنته حيا فالموءدودة البنت تدفن في القبر وهي حية كانت الجاهلية خصوصا كندة تفعل ذلك فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال كذبت يهود كذبت يهود زاد في رواية لو أراد الله عز وجل أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه وبهذا مع ماتقدم من نفي الحرج استدل ائمتنا رحمهم

الله على جواز العزل مع الكراهة في كل امرأة سرية أو حرة في كل حال سواء رضيت أم لا وقال جمع بحرمته قالوا لأنه طريق إلى قطع النسل وفي مسلم ما يوافق ماقالته يهود ففي مسلم سألوه صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي أي بمثابة دفن البنت حية الذي كان يفعله الجاهلية خوف الإملاق أو خوف حصول العار
إلاأن يقال هذا كان منه صلى الله عليه وسلم قبل ان يوحي إليه بحل ذلك ثم نسخ فلا مخالفة ويدل لذلك ما في مسلم أيضا عن جابر رضي الله عنه كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل فلم ينهنا وفي رواية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمنا وساقيتنا في النخل وانا اكره أن تحمل فقال صلى الله عليه وسلم اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث الرجل ثم أتاه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الجارية قد حبلت فقال قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها افقد أرشده إلى العزل الذي لا يكون معه الولد غالبا وأخبر بأن ذلك لا يمنع وجود ما قدر لها من حصول الولد
وعن عبد الله بن زياد رضي الله تعالى عنه قال أفاء اي غثم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق جويرية بنت الحارث وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأقبل أبوها في فدائها فلما كان العقيق نظر إلى ابله التى يغدي بها ابنته فرغب في بعيرين منها كان من أفضلها فعقبها في شعب من شعاب العقيق ثم اقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أصبتم ابنتي وفي رواية قال يا رسول الله كريمة لا تسبى وهذا فداؤها فقال له رسول الله فأين البعير إن اللذان عقبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا فقال الحارث أشهد أنك رسول الله ما اطلع على ذلك إلا الله وأسلم ولعله دخل بالأمان إلى المدينة وفي رواية أنه أسلم قبل ذلك وأسلم معه ابنان وناس من قومه وعليه فيكون قوله فأسلم أي أظهر اسلامه وعند ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بأن يخيرها فقالت أحسنت وأجملت فقال لها ابوها يا بنية لا تفضحي قومك قالت اخترت الله ورسوله وفيه كيف يأمره صلى الله عليه وسلم بتخييرها بعد أن تزوجها كما تقدم أن مقتضى السياق أنه تزوجها وهم على الماء
ثم رايت الأمام ابا العباس بن تيمية انكر مجيء ابيها وتخييرها فليتأمل

وفي الإستيعاب أن عبدالله بن الحارث أخا جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بني المصطلق وعيب في الطيرق ذودا وجارية سوداء فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء الأسارى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فما جئت به قال ما جئت بشيء قال فاين الذود والجارية السوداء الذي غيبت في موضع كذا قال أشهد أن لا إله إلاالله وإنك محمد رسول الله والله ما كان معي أحد ولاسبقني إليك أحد فأسلم وفيه ما تقدم في ابيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك الهجرة حتى تبلغ برك الغماد والذود من الابل ما بين الثلاث إلى العشر
والمتبادر من هذا السياق انه جاء بذلك الذود وتلك الجارية للفداء فعن له أن يسأل في الفداء من غير شيء فغيب ذلك الذود وتلك الجارية طمعا في أنه صلى الله عليه وسلم يجيبه لذلك لمكان أخته عنده ويحتمل أن العبارة فيها اختصار وحينئذ يكون الاصل في قوله صلى الله عليه وسلم فما جئت به المال الزائد على هذا الذي جئت به فيكون الذود والجارية بعض ما جاء به للفداء فقال ما جئت بشيء اي زائد على هذا الذي جئت به لانه يبعد أن يطلب الفداء من غير شيء فليتامل
وفي لفظ أنه لما جاء أبوها في فدائها دفعت إليه ابنته جويرية وأسلمت وحسن اسلامها فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فزوجه إياها واصدقها أربعمائة درهم
وفي الإمتاع يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل صداقها عتق كل اسير من بني المصطلق ويقال جعل صداقها عتق أربعين من قومها ولايخفى أن مجيئ أبيها في فدائها وتزويجها للنبي صلى الله عليه وسلم مخالف لسياق ما تقدم أنه تزوجها وهم على الماء ويحتاج للجمع بين ما ذكروبين ما روي أنه ما لما رأى المسلمون أنه صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية قال في حق بني امصطلق أصها ر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما بايديهم منهم ط
وعبارة الإمتاع ولما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الخبر إلى الناس وقد اقتسموا رجال بني المصطلق وملكوهم ووطئوا نسائهم فقالوا اصهار النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي
وعن جويرية رضي الله تعالى عنها قالت لما أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم

وتزوجني والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين ارسلوهم وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر فحمدت الله سبحانه وتعالى
أقول وذكر بعضهم أن ليلة دخوله صلى الله عليه وسلم بها طلبتهم منه فوهبهم لها ويحتاج للجمع ويقال في الجمع بين ما تقدم من فدائهم وأطلاقهم من غير فداء بأنه يجوز أن يكون الفداء وقع لبعضهم قبل عتق جويرية والتزويه بها فلما تزوجها صلى الله عليه وسلم أطلق بعضهم والإعتاق وقع لبعضهم الآخرالباقي فالفداء وقع لبعضهم الآخر فإن السبي كان لأهل مائتي بيت ويؤيد ذلك قول بعضهم كان السبي منهم من من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء ومنهم من افتدى ويؤيد ذلك ما يأتي في كلام عائشة رضي الله تعالى عنها أن الاعتاق كان لأهل مائة بيت أي يكون الفداء لاهل مائة بيت والإطلاق في الففداء لاهل المائة الاخرى ويكون مراد جويرية رضي الله تعالى عنها بقولها ما كلمته في قومي أي فيمن بقي مهم
ثم لايخفى ان مجيء ابيها او أخيها ومجيء وفدهم لفدائهم مخالف لما تقدم من انه أسرسائرهم الرجال والنساء والذرية ولم يفلت منهم احد ويبعد غياب هؤلاء خصوصا أباها الذي كان يجمع القوم فعليك ان تتنبه للجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها والله أعلم ثم بعد ذلك اسلم بنو المصطلق وبعدها بعامين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط لاخذ الصدقة أي وكان بينهم وبينه شحناء في الجاهلية فخرجوا للقائه وهم متقلدون السيوف فرحا وسرورا بقدومه فتوهم أنهم خرجوا لقتاله ففر راجعا وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ارتدوا فهم عليه الصلاة والسلام بقتالهم أي واكثر المسلمون ذكر غزوهم فعند ذلك قدم وفدهم وأخبروا بأنهم خرجوا إليه ليكرموه ويؤدوا ما عليهم من الصدقة
أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم خالد بن الوليد فأخبروه الخبر وعند إرساله قال له صلى الله عليه وسلم أرمقهم عند الصلاة فإن كان القوم تركوا الصلاة فشأنك بهم فدنا منهم عند غروب الشمس فكمن حيث يسمع الصلاة فإذا هو بالمؤذن قد قام حين غربت الشمس فأذن ثم اقام الصلاة فصلوا المغرب ثم لما غاب الشفق أذن مؤذنهم ثم اقام الصلاة فصلو العشاء ثم لما كان جوف الليل فإذا هم يتهجدون ثم عند طلوع الفجر أذن مؤذنهم وأقام الصلاة فصلوا فلما انصرفو اوأضاء النهار فإذا

هم بنواصي الخيل في ديارهم فقالوا ما هذا قيل خالد بن الوليد فقالوا يا خالد ما شأنك قال أنتم والله شاني أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له إنكم تركتم الصلاة وكفرتم بالله فجثوا يبكون وقالوا ما عاذ الله وهذا الوليد بيننا وبينه شحناء في الجاهلية وإنما خرجنا بالسيوف خشية أن يكافئنا بالذي كان بيننا وبينه فرد الخيل عنهم ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة } الآيتين
قال ابن عبد البر رحمه الله لاخلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله { إن جاءكم فاسق بنبأ } نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق لأخذ صدقاتهم أي ونزل فيه وفي علي بن ابي طالب كرم الله وجهه { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } أي فكان يدعى الفاسق وبعثه لأخذ صدقات بني المصطلق يرد قول من قال أنه ممن أسلم يوم الفتح وكان قد ناهز الحلم
أي ويرد ما روى بعضهم أنه قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصيانهم فيمسح على رءوسهم ويدعو لهم بالبركة فأتى بي إليه وأنا مضخ بالخلوق فلم يمسح على رأسي ولم يمنعه من ذلك إلا وجو الخلوق ويرد ذلك ايضا ما سيأتي أنه خرج هو واخوه عمارة ليردا أختها أم كلثوم عن الهجرة وكانت هجرتها في الهدنة هدنة الحديبية والوليد هذا كان أخا عثمان بن عفان لأمه ووالاه الكوفة أي وعزل عنها سعد بن أبي وقاص فلما قدم الوليد الكوفة على سعد رضي الله عنه قال له والله ما أدري أصرت كيسا بعدنا أم حمقنا بعدك فقال له لا تجزعن أبا اسحاق وإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون فقال سعد أراكم يعني أبا أمية ستجعلونها والله يعني الخلافة ملكا ملكا وعند ذلك قال الناس بئسما فعل عثمان رضي الله عنه عزل سعدا الهين اللين الورع المستجاب الدعوة وولى أخاه الخائن الفاسق كما تقدم
ولق الوليد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال له ما جاء بك فقال جئت أمير فقال له ابن معسود ما أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس وكان الوليد شاعرا ظريفا حليما شجاعا كريما شرب الخمر ليلة من أول الليل إلى الفجر فلما أذن المؤذن لصلاة الفجر

خرج إلى المسجد وصلى باهل الكوفة الصبح اربع ركعات وصار يقول في ركوعه وسجوده اشرب واسقني ثم قال في المحراب ثم سلم وقال هل اسزيدكم فقال له ابن مسعود لرضي الله عنه لا زادك الله خيرا ولا من بعثك إلينا وأخذ فرده خفه وضرببه وجه الوليد وحصبه الناس فدخل القصر والحصباء تأخذه وهو مترنح وإلى ذلك يشير الحطيئة بقوله ** شهد الخطيئة يوم لقى ربه ** أن الوليج أحق بالعذر ** ** نادى وقد تمت صلاتهم ** أأزيدكم سكرا وما يدرى **
ولما شهدوا عليه بشرب الخمر عند عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه استقدمه وأمربه فجلد أي أمر عليا كرم الله وجهه أن يقيم عليه الحد فجلده وقيل فقال علي كرم الله وجهه لأبن أخيه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أقم عليه الحد أي بعد أن أمر ابنه الحسن رضي الله تعالى عنه بذلك فامتنع فأخذ عبد الله رضي الله تعالى عنه السوط وجلده وعلي كرم الله وجهه يعد عليه حتى بلغ أربعين فقال لعبد الله أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين أبو بكر رضي الله تعالى عنه أربعين وجلد وعمر رضي الله عنه ثمانين وكل سنة وهذا أي مافعلته من جلد أربعين أحب إلى من جلد عمر ثمانين
هذا وفي البحاري ان عبد الله جلده ثمانين واجيب عنه بأن السوت كان له رأسان وحينئذ يكون قوله وكل سنة أي طريقه فاربعون طريقته صلى الله عليه وسلم وطريقة الصديق رضي الله تعالى عنه ولثمانون طريقة عمر رضي الله تعالى عنه رآه اجتهادا مع استشارته لبعض الصحابة لما رآها من كثرة شرب الناس للخمر
وبعد أن جلده وعزله عن الكوفة أعاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ولما اراد سعد أن يصعد المنبر قال لا أصعد عليه حتى تغسلوه من آثار الوليد الفاسق فإنه نجس فغسلوه كما تقدم
وإرسال الوليد بن عقبة لبني المصطلق كان ينبغي ان يذكر في وكذا إرسال السرايا وخالد رضي الله تعالى عنه لهم
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لاأعلم امرأة أعظم بركة على قومها من جويرية أعتق بتزويجها لرسول صلى الله عليه وسلم أهل مائة بيت أي ومن المعلوم أن هذا

كان قبل سبايا اوطاس الذين أطلقوا بسبب اخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على ما سيأتي في بعض الروايات وقيل في حقها ما عرفت امرأة هي أيمن على قومها منها
وذكرت جويرية رضي الله تعالى عنها أنها قبل قدومه صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال رأت كأن القمريسير من يثرب حتى وقع في حجرها أي وعنها رضي الله تعالى عنها قالت فكرهت أن اخبربها احد من الناس فلما سبينا رجوت الرؤيا
قال وعنها رضي الله تعالى عنها قالت لما أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسع فأسمع ابي يقول أتانا مالا قبل لنا به فلبثت أرى من الناس والخيل والسلاح أصف من الكثرة فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا حعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى فعلمت أنه رعب من الله تعالى يلقيه في قلوب المشركين أي وهذا مما يؤيد ما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهم على الماء الذي هو المريسع وكان رجل مهم ممن أسلم وحسن أسلامه يقول لقد كنا نرى رجلا بيضا على خيل بلق ما كنا نراهم قبل ولابعد انتهى وهو يدل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام كانت مددا لهم في هذه الغزوة
ولم يقتل في غزوة بني المصطلق من المسلمين إلا رجل واحد قتله رجل من الأنصار خطا يظنه من العدو والمقتول هشام بن صبابة رضي الله تعالى عنه
أقوال وهذا مجمل القول الحافظ الدمياطي رحمه الله في سيرته أنه لم يقتل من المسلمين إلا جل واحد فاعتراض صاحب الهدى عليه بأن هذا وهم لأنهم لم يكن بينهم قتال ليس في محله لأنه فهم أن الرجل قتله الكفار وقد علمت أنه إنما قتله شخص من الأنصار يظنه من العدو والله أعلم وقدم أخو هذا المقتول من مكة على رسول الله عليه وسلم مظهر الإسلام على رسول الله عليه وسلم مظهر الإسلام بدية أخيه فأخذها مائة من الأبل وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا قاتل اخيه فقتله ثم خرج إلى مكة على رسول الله عليه وسلم مظهر الإسلام مردتد ويوم فتح مكة أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه فقتل في ذلك اليوم كما سيأتي
وما هنا هوالصحيح خلافا لما يأتي عن الاصل في فتح مكة أن قتل أخيه كان في غزوة ذي قرد ثم بعد انقضاءالحرب وهم على الماء اختصم أجير لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي كان يقود له فرسه يقال له جهجاه رضي الله عنه مع رجل من حلفاء الخزرج قيل

حليف عمرو بن عمرو وقيل حليف عبد الله بن أبي سلول وهوسنان بن فروة رضي الله تعالى عنه أي فضرب أجير عمر رضي الله تعالى عنه حليف الخزرج فسال الدم وفي لفظ كسعة أي دفعة فنادى حليف الخزرج يا معشر الانصار أي وقيل قال يا للخزرج ونادى أجير عمر يا معشر المهاجرين وقيل قال يا لكنانة يا لقريش فأقبل جمع من الجيشين وشهروا السلاح حتى كاد أن تكون فتنة عظيمة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال دعوى الجاهلية فأخبر بالحال أي فقالوا رجل من المهاجرين ضرب رجل من الانصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها أي تلك الكلمة التي هي يا لفلان فإنها منتنة أي مذمومة لانها من دعوى الجاهلية وجاء من دعا دعوى الجاهلية كان من محشى جهنم أي مما يرمي بها فيها قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ام وإن صلى وزعم أنه مسلم قال وإن صام وان صلى وزعم أنه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم لينصرالرجل أخه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه ناصر أي له وإن كان مظلوما فلينصره أي يزيل ظلامته ثم كلمو اذلك المضروب فترك حقه فكسنت الفتنة وانطفت ثائرة الحرب
وجهجاه هذا روى عنه عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكافر ياكل في سبعة امعاء والمؤمن يأكل في معى واحد وهو المراد في بهذا الحديث في كفره وإسلامه لأنه شرب حلاب سبع شياه قبل أن يسلم ثم اسلم فلم يستتم حلاب شاه واحدة اي وسيأتي نظير ذلك لثمامة الحنفي ونقل أبو عبيد ان الرجل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة هو أبو بصرة العقاري أي ولامانع أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك في حق الرجل المذكور ايضا فقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات لرجال ثلاث أكل كل واحد منهم في الكفر أكثر مما كل في الإسلام
قال ابن عبد البر رحمه الله وجهجاه هذا هو الذي تناول عصر الرسول صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله تعالى عنه وهو يخطب فكسرها على ركبته فأخذته أكله في ركبته فمات منها هذا كلامه
وفي كلام السهيلي رحمه الله أنه انتزع تلك العصا من عثمان حين اخرج من المسجد ومنع من الصلاة فيه وكان هو أحد من المعينين عليه هذا الكلام

وقد يقال لا مخالفة بين كونه أخذ العصا منه وهو يخطب وبين كونه أخذها حين أخرج من المسجد لانه يجوز أن يكون أخرج من المسجد في أثناء الخطبة وأخذت العصا منه حينئذ
وعند تخاصم الرجلين غضب عبد الله بن ابي ابن سلول وكان عنده رهط من قومه من الخزرج من المنافقين وكان عندهم زيد بن ارقم رضي الله تعالى عنه وهو غلام حديث السن فقال عبد الله بن ابي لعنه الله والله ما رايت كاليوم مذلة اوقد فعلوها نافرونا أي غلبونا وكاثرونا في بلادنا أي وأنكرون ملتنا والله ما أعدنا أي ظننا يعني معاشر الأنصار وقريش وفي رواية وجلابيب قريش هؤلاء يعني معاشر المهاجرين إلا كما قال الأول اي الاقدمون في أمثالهم سمن كلبك يأكلك أي ويقولون أجع كلبك يتبعك والله لقد ظننت أني سأموت قبل أن اسمع هاتفا يهتف بما سمعت أما والله لأن رجعنا إلى لامجدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعني الأعز نفسا وبالأذل النبي صلى الله عليه وسلم
وفي الاستيعاب ان عبد الله بن أبي قال ذلك في غزوة تبوك هذا كلامه وفيه نظرة ظاهر
والجلابيب جمع جلبيب وما يجلب من بلد إلى غيره يعني إغراب وقيل شبهوا بالجلابيب التي هي الأزر الغلاظ أو القليلة القيمة
ثم اقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو امسكتم عنهم ما بايديكم لتحول إلى غير داركم أي ثم لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا فقلتم دونه يعني النبي صلى الله عليه وسلم فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من عند محمد صلى الله عليه وسلم فسمع ذلك زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه على ما هو الصحيح وقيل سفيان بن تيم مفمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر وعنده عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي ونفر من المهاجرين والنصار
وفي البخاري عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه فذكرت ذلك لعمه أو لعمر فذكره النبي صلى الله عليه وسلم فجعاني فحدثته فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات وتغير وجهه وقال له يا غلام لعلك غضبت عليه قال

سمعته منه قال لعله أخطأ سمعك ولامه من حضر من الأنصار وقالوا عمدت إلى سيد قومك تقول عليه ما لم يقل
أي وفي البخاري فكذبني رسول الله وأصابنى هم لم يصبنى مثله قط وجلست في البيت أي الخباء فقال لي عمى ما أردت إلا أن كذبك رسول الله ومقتك فقال زيد والله لقد سمعت ما قال ولو سمعت هذه المقالة من أبي لنقلتها إلى رسول الله وإني لأرجو أن ينزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ما يصدق حديثي
أي وقيل إن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال لابن أبي لما قال أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل أنت والله الذليل المنقص في قومك ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال له ابن أبي لعنة الله اسكت فإنما كتب ألعب فعند تغير وجه رسول الله استأذنه عمر رضي الله عنه في أن يقتل ابن أبي والتمس منه أن يأمره غيره بقتله إذا لم يأذن له في ذلك
أي فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان من أمر ابن أبي ما كان جئت رسول الله وهو في فيء شجرة أي ظلها عنده غليم أسود يغمز ظهره أي يكبسه فقلت يا رسول الله كأنك تشتكى ظهرك فقال تقحمت بي الناقة أي ألقتنى الليلة فقلت يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عتق ابن أبي أو مر محمد بن مسلمة بقتله أي وفي رواية مر به عباد بن بشر فيلقتله فقال له رسول الله كيف يا عمر إذا اتحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه
وفي لفظ أن عمر رضي الله عنه قال له رسول الله إن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصاريا فقال ترعد له أذن وأنف كثيرة بيثرب يعنى المدينة ولعل تسميته لها بذلك إن كان بعد النهى لبيان الجواز ويبعد أن يكون ذلك كان قبل النهى عن ذلك ولكن أذن بالرحيل وكان ذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها
أي وفي رواية لما شاع الخبر ولم يكن الناس حديث في ذلك اليوم أي الوقت إلا ذلك أذن بالرحيل وكانت ساعة لم يكن رسول الله يرحل فيها أي لشدة الحر فارتحل الناس وسار رسول الله فجاءه أسيد بن حضير

رضي الله عنه فحياه بتحية النبوة وسلم عليه أي قال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقال يا نبي الله لقد رحلت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها أي فإنه كان لا يرحل إلا إن برد الوقت فقال له رسول الله أما بلغك ما قال صاحبكم فقال أي صاحب يا رسول الله قال عبدالله بن أبي ابن سلول قال وما قال قال زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل قال فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وفي رواية لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي فإنه ليرى أنك استلبته ملكا وقد تقدم الاعتذار عنه بذلك في غير ما مرة
ثم سار رسول الله بالناس سيرا حثيثا أي صار يضرب راحلته بالسوط في مراقها أي مارق من جلد أسفل بطنها وسار يومهم ذلك وليلتهم وصدر ذلك اليوم الثاني حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما وإنما فعل ذلك ليشتغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبدالله بن أبي ابن سلول
قال وذهب بعض الأنصار الذين سمعوا قول النبي ورده على الغلام إلى ابن أبي لعنه الله فقال له يا أبا الحباب إن كنت قلت ما نقل عنك فأخبر به النبي فليستغفر لك ولا تجحده فينزل فيك ما يكذبك وإن كنت لم تقله فائت رسول الله فاعتذر له واحلف له ما قتله فحلف بالله العظيم ما قال من ذلك شيئا ثم مشى إلى رسول الله فقال له رسول الله يا ابن أبي إن كانت سبقت منك مقالة فتب فجعل يحلف بالله ما قلت ما قال زيد وما تكلمت به انتهى
أي وفي لفظ أنه أرسل إلى ابن أبي فأتاه فقال له أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك فقال والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وإن زيدا لكاذب فقال من حضر رسول الله من الأنصار يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل أي وفي لفظ أنهم قالوا يا رسول الله شيخنا وكبرنا لا يصدق عليه كلام غلام


ثم أن عبد الله رضي الله تعالى عنه ولد عبد الله بن أبي بن سلول أي وكان اسمه الحباب فسماه صلى الله عليه وسلم يوم موت ابيه عبدالله لما بلغه مقالة عمر رضي الله تعالى عنه من قتل أبيه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي يعني والده فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني أن أحمل لك راسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل بر بوالده مني إني أخشى أن تامر به غيري فيقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا
قال وفي رواية فمرني فوالله لأحملن إليك راسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا وأني لاخشى يا رسول الله أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل ابي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النارر فعفوك أفضل ومنتك أعظم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اردت قتله ولا أمرت به ولنحسنن صحبته ما كان بين أظهرنا فقال عبد الله يا رسول الله إن أبي كانت أهل هذه البحيرة أي المدينة اتفقوا على ان يتوجوه عليهم فجاء الله عز وجل بك فوضعه ورفعا بك أي زاد في رواية ومعه قوم أي من المنافقين يطيفون به ويذكرونه أمورا قد غلب الله عليها وتقدم أنه وقع لعبد الله رضي الله تعالى عنه مثل ذلك مع أبيه
روى الدارقطني مسندا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على جماعة فيهم عبد الله بن أبي فسلم عليهم ثم ولى وفقال عبد الله لقد عثا ابن أبي كبشة في هذه البلاد فسمعها ابنه عبد الله فاستاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ان يأتيه برأس أبيه فقال لا ولكن بر اباك ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرب المدينة هاجت ريح شديدة تخوفوها كادت تدفن الراكب أي خافوا أن تكون لأمر حدث في بالمدينة على أهلهم فإن مدة الموادعة التي كانت بينه صلى الله عليه وسلم وبين عيينة بن حصن كان ذلك حين انقضائها فخافوا على المدينة منه فقال صلى الله عليه وسلم ليس عليكم منه يعني من عيينه بن حصن بأس ما بالمدينة من نقب أي باب إلا وملك يحرسه وما كان ليدخلها اعدو حتى تاتوها ولكن تعصف هذه الريح لموت عظيم من الكفار وفي رواية لموت منافق وفي لفظ مات اليوم منافق عظيم النفاق في المدينة فكان كما قال عليه الصلاة والسلام مات في ذلك اليوم زيد بن رفاعة بن التابوت وكان كهفا للمنافقين

كان من عظماءيهود بني قينقاع وكان ممن أسلم ظاهرا وإلى ذلك أشار الإمام السبكى رحمه الله تعالى في تأئيته بقوله ** وقد عصفت ريح فأخبرت أنها ** لموت عظيم في اليهود بطيبه **
قال وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بموته فقد جاء أن عبادة بن الصامت قال لابن أبي يا ابا حباب مات خليلك قال اي خليل قال من موته فتح للإسلام وأهله قال من قال زيد بن رفاعة قال واويلاه من أخبرك يا أبا الوليد بموته قال قلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه مات هذه الساعة فحزن حزنا شديدا انتهى وذكر أهل المدينة ان هذه الريح وجدت في المدينة وأنه لما دفن عدو الله سكنت
أقول لكن في كلام ابن الجوزي رفاعة بن زيد بن التابوت وهو عم وقتادة بن النعمان قد ذكر عنه قتادة رضي الله تعالى عنه ما يدل على صحة إسلامه
أي وقد يقال جاز أن يكون أظهر ذلك لقتادة ليظن به ما ظنه من صحة إسلامه
قال ابن الجوزي ولهم رفاعة بن التابوت في الصحابة ذكره في الإصابة قال جاء ذكره في حديث مرسل كانوا في الجاهلية إذا أحرموا لم يأتوا بيتا من قبل بابه ولكن من قبل ظهره إلا الحمس فإنها كانت تأتي البيوت من أبوابها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا ثم خرج من بابه فاتبعه رجل يقال له رفاعة بن التابوت ولم يكن من الحمس فقالوا يا رسول الله نافق رفاعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما صنعت ولم تكن من الحمس قال فإن ديننا واحد فنزلت { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } وسيأتي نحو هذه القصة لقطبة بن عامر ولعلها وقعت لهما
وأما لحديث الذي أخرجه مسلم أن ريحا عظيما هبت فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها هبت لموت منافق عظيم النفاق وهو رفاعة بن التابوت فهو آخر غير هذا فقد جاء من وجه آخر رافع بن التابو أي فذكر رفاعة بدل رافع من تصرف بعض الرواة
وذكر في الأصابة أن رفاعة بن زيد عم قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه لم يوصف بأنه ابن التابوت كما ذكره ابن الجوزى اي فوصفه بابن التابوت من تصرف بعض الرواة فليتأمل الله أعلم


وعن جابر رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله عليه في سفر فهاجت ريح منتنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن ناسا من المنافقين اغتابوا ناسا من المؤمنين فلذلك هاجت هذه الريح ولم يعين جابر السفرة فيحتمل أن تكون هى هذه الغزوة وهو ظاهر سياقها فيها
ويحتمل أن تكون غيرها وفقدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء من بين الإبل أى ليلا فجعل المسلمون يطلبونها من كل وجه فقال زيد بن الصلت وكان منافقا كما علمت من بني قينقاع وكان بمجمع من الأنصار نصار أين يذهب هؤلاء في كل وجه قالوا يطلبون ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضلت قال أ فلا يخبره الله بمكانها أ ي وفى لفظ كيف يدعى أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ولا يخبره الذي يأ تيه بالوحى فأ نكر عليه القوم وقالوا قاتلك الله يا عدو الله نافقت وأرادوا قتله فعمدهاربا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متعوذا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وذلك الرجل يسمع إ ن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إلا يخبره الله بمكانها والله قد أخبرني بمكانها ولا يعلم الغيب إلا الله وإ نها في الشعب مقابلكم قد مسك زمامها بشجرة فاعمدوا نحوها فذهبوا فأ توا بها من حيث قال صلى الله عليه وسلم فقام ذلك الرجل سريعا إلى رفقائه فقالوا له حين دنا لاتدن منا فقال لهم أنشدكم الله هل أتى أحد منكم محمدا فأخبره خبرى قالوا لا والله ولا قمنا من مجلسنا فقال إني وجدت ما تكلمت به عنده فأشهد أن محمدا رسول الله كأنى لم أسلم إلا اليوم فقالوا له فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فذهب إليه واعترف بذنبه واستغفر له قال ويقال إنه لم يزل فشلا أى جبانا حتى مات ووقع مثل هذا أى هبوب الريح وإضلال ناقته صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم فى غزوة تبوك
وأوقع صلى الله عليه وسلم الله السباق بين الإبل فسابق بلال رضى الله عنه على ناقته صلى الله عليه وسلم القصواء فسبقت غيرها من الإبل وسابق أبو سعيد الساعدى رضى الله عنه على فرسه صلى الله عليه وسلم الذى يقال له الظراب فسبق غيره من الخيل اه
أى وجاء أن ناقته صلى الله عليه وسلم العضباء كانت لا تسبق فجاء أعرابى على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم الله حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه اه

أقول في الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة تسابق مع عائشة رضي الله عنها فتحزمت بقبائها وفعل كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استبقا فسبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها هذه بتلك التي كنت سبقتني يشير صلى الله عليه وسلم إلى أنه جاء إلى بيت ابي بكر رضي الله عنه فوجد مع عائشة شيئا فطلبه منها فأبت وسعت وسعى صلى الله عليه وسلم خلفها فسبقته
هذا وفي كلام ابن الجوزي عن عائشة رضي الله عنهاأنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى حملت اللحم وخرجت معه في سفره اخرى فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك فليتأمل
قال ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي العقيق تقدم عبد الله رضي الله عنه ابن عبد الله بن ابى سلول وجعل يتصفح الركاب حتى مر أبوه فأناخ به ثم وطئ عل يد راحلته فقال أبوه ما تريد يالكع فقال والله لا تدخل حتى تقر أنك الذليل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز حتى ياذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعلم ايضا الأعز من الأذل أنت او رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار يقول لأنا أزل من الصبيان لأنا ازل من النساء حتى جا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خل عن أبيك فخلى عنه
أي وفي لفظ أنه لما جاء قال له ابنه وراءك قال مالك ويلك قال والله لا تدخلها يعني المدينة حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلم اليوم من الأعز من الأذل وفي لفظ حتى تقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز وانت الأذل فقال له أنت من بين الناس فقال نعم أنا من بين الناس وانصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا له ما صنع ابنه رضي الله عنه فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى ابنه أن خل عنه وفي لفظ قال له ابنه رضي الله عنه لئن لم تقر لله ولرسوله بالعزة لأضربن عنقك فقال ويحك افاعل أنت قال نعم ولما رأى منه الجد قال أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبنه جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا وانزل الله تعالى سورة المنافقين قال زيد بن ارقم رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

تأخذه البرحاء ويعرق جبينه الشريف وتثقل يدا راحلته فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورجوت أن ينزل الله تصديقي فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بأذني وأنا على راحلتي يرفعها إلى السماء حتى ارتفعت عن مقعدي وهو يقول وعت اذنك يا غلام وصدق الله حديثك وكذب المنافقين وفي رواية هذا الذي أوفى الله بأذنه ونزل { وتعيها أذن واعية } فكان يقال لزيد بن أرقم رضي الله عنه ذو الأذن الواعية
وذكر بعض الرافضة أن قوله تعالى وتعيها أذن واعية جاء في الحديث أنها نزلت في علي كرم الله وجهه قال الإمام ابن تيمية وهذا حديث موضوع باتفاق اهل العلم أي وعلى تقدير صحته لا مانع من التعدد
وصار قوم عبد الله بن أبي عند نزول سورة المنافقين يعاتبونه ويعنفونه ولما بلغه صلى الله عليه وسلم أي بغض قومه له ومعاتبتهم له قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه كيف ترى يا عمر إني والله لو قتلته يوم قلت لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته فقال عمر رضي الله عنه قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري آه
وجاء أنه لما نزلت سورة المنافقين وفيها تكذيب ابن أبي قال له أصحابه اذهب إلى رسول الله صى يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمرتموني أن أومن فآمنت وأمرتموني ان أعطي زكاة أموالي فأعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } الآية
وفي تفسير القرطبي عند قول تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر } قال السدى نزلت في عبد الله ابن أبي جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بالله يارسول الله أما أبقيت فضله من شرابك أسقها أبي لعل الله يطهر بها قلبه فأفضل له فأتاه بها فقال له عبد الله ما هذا فقال هي فضلة من شراب النبي صلى الله عليه وسلم جئتك بها تشربها لعل الله يطهر قلبك بها فقال له أبوه فهلا جئتني ببول أمك فإنه أطهر منها فغضب وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال

يا رسول الله بالله أما أذنت لي في قتل أبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل ترفق به وتحسن إليه
وقد جاء أن ابنه رضي الله عنه قال يا رسول الله ذرني أسقي والدي من وضوئك لعل قلبه أن يلين فتوضأ صلى الله عليه وسلم وأعطاه فذهب به إلى أبيه فسقاه وقال له هل تدري ما سقيتك قال نعم سقيتني بول أمك قال لا والله لكن سقيتك بول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة هلال رمضان فكانت غيبته ثمانية وعشرين ليلة
قال وفي هذه الغزوة جاءت امرأة بابن لها وقالت يا رسول الله هذا ابني غلبني عليه الشيطان ففتح صلى الله عليه وسلم فم الولد وبزق فيه وقال اخسأ عدو الله أنا رسول الله قال ذلك ثلاثا ثم قال للمرأة شأنك بابنك لن يعود إليه شيء مما كان يصيبه
وفي هذه العزوة جاء شخص بثلاث بيضات له صلى الله عليه وسلم من بيض النعام فقال صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه دونك يا جابر فاعمل هذه البيضات قال جابر فعملتهن ثم جئت بهن فجعلنا نطلب خبزا فلم نجد فجعل كل من رسول اله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكل من ذلك بغير خبز حتى انتهى كل إلى حاجته والبيض كما هو
وفي الغزوة جاء جمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفل أي يختال في مشيه وصوت فقال صلى الله عليه وسلم تدرون ما يقول هذا الجمل هذا يستعيذني على سيده يقول إنه كان يحرث عليه وإنه أراد أن ينحره اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به فقلت لا أعرفه قال سيدلك فخرج بين يدي حتى وقف على صاحبه فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه في شأن الجمل 1 هـ
أقول قد تقدمت هذه الأمور الثلاثة التي هي قصة ابن المراة وقصة البيض وقصة الجمل في ذات الرقاع والتعدد فيهما حتى لأجل هذه الأمور سميت كل منهما بغزة الأعاجيب بعيد والذي أراه أنه اشتباه من بعض الرواة فليتأمل
وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك أي الكذب على عائشة الصديقة المبراة المطهرة رضي الله عنها قالت لما دنونا من المدينة قافلين أي راجعين أذن ليلة بالرحيل فقمت

وذهبت لأقضي حاجتي حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع أظفار كذا بالألف عند البخاري وفي رواية ظفار بغير ألف قال القرطبي ومن قيده بالألف فقد أخطأ أي ولعل المراد خالف الرواية وفي لفظ ظفاري أي بياء النسبة وفي لفظ الجزع الظفري
وقد يقال لا مانع من وقوع هذه الألفاظ من الصديقة في أوقات مختلفة قال بعضهم الجزع بفتح الجيم وإسكان الزاي وآخره عين مهملة خرز وظفار بالظاء المعجمة كوبار مبنية على الكسر قرية من قرى اليمن كان ثمنه يسيرا وفي كلام بعضهم كان يساوي اثني عشر درهما قد انقطع فالتمست عقدي أي ذهبت إلى التماسة في المحل الذي قضيت فيه حاجتي وحبسني التماسه اقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي هو بتخفيف الحاء أي يجعلون هودجها على الرحل فاحتملوا ودجى فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون اني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لفلة اكلهن أي لأن السمن وكثرة اللحم غالبا تنشأ عن كثرة الأكل وساورا أي وعن عائشة رضي الله عنها أن الذي كان يرحل هودجها ويقود بعيرها أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا ولا يخالف هذا قولها وأقبل الرهط إلى آخره وقولها في بعض الروايات ولم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه لأنه يجوز أن جماعة كانوا يعاونون أبا مويهبة في ذلك فوجدت عقدي فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب وأقمت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان السلمى خلف الجيش أي لأنه كان على ساقة الجيش يتخلف عن الجيش ليلتقط ما يسقط من المتاع وقيل كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس
وقد جاء أن زوجته شكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له إنه لا يصلي الصبح فقال يا رسول الله إني امرؤ ثقيل النوم لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظت فصل أي وفي رواية شكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يضربها فقال إنها تصوم بغير إذني فقال لها لا تصومي إلا بإذنه قالت إنه ينام عن الصلاة أي صلاة الصبح قال إنه شيء ابتلاه الله به فإذا استيقظ فليصل وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم من حاله أنه ينام عن الصلاة

الصبح قالت إنه إذا سمعني أقرأ يضربني فقال إن معي سورة ليس معي غيرها هي تقرؤها قال لا تضربها فإن هذه السورة لو قسمت في الناس لو سعتهم أي وهذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم يدل على أن صفوان ظن أن امرأته إذا قرأت تلك السورة شاركته في ثوابها فليتأمل
فأدلج أي سار ليلا فأصبح عند منزلي أي على خلاف عادته فرأى سوادا أي شخص إنسان نائم فأتاني فعرفني فاستيقظت باسترجاعه أي بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون أي لأن تخلف أم المؤمنين عن الرفقة في مضيعة مصيبة أي مصيبة قالت فخمرت وجهي بجلبابي وهو ثوب أقصر من الخمار ويقال له المقنعة تغطي بها المرأة رأسها أي لأن ذلك كان بعد نزول لآية الحجاب أي { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي } الآية أي لأنه تقدم أن ذلك كان في سنة ثلاث على الراجح عند الأصل
وفي الإمتاع وذكر بعض علماء الأخبار ان تزوجه صلى الله عليه وسلم زينب التي نزلت آية الحجاب بسببها كان في ذي القعدة سنة خمس ولا يخفى أن هذا القول ينافيه ما يأتي عن عائشة رضي الله عنها من قولها إن زينب هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو صريح في أنها كانت زوجة له صلى الله عليه وسلم قبل هذه العزوة بناء على أن هذه الغزوة كانت سنة ست
قالت والله ما كلمني وفي لفظ والله ما يكلمني كلمة وما سمعت منه كلمة أي فلاكلمها ولا كلم نفسه قيل استعمل الصمت أدبا لهول هذا الأمر الذي هو فيه فلم يقع منه غير الاسترجاع حين أناخ ناقته فوطئ على يدها فركبتها وفي رواية ثم قرب البعير فقال اركبي أي وفي لفظ قال أمه قومي فاركبي واخذ براس البعير وجاء أنه لما ركبت قالت حسبي الله ونعم الوكيل
وفي سيرة ابن هشام انه لما قال لها ما خلفك يرحمك الله قالت فما كلمته أي ويحتاج إلى الجمع بين هذه الروايات الثلاث وما قبلها على تقدير صحتها
وقد يقال إنها لم تسمع منه غير استرجاعه ولا كلمها ولا تكلم قبل أن يقرب إليها البعير كما علمت فلما قرب البعير إليها قال لها يا أمه قومي فاركبي لأن إناخة البعير وتقريبه ليس صريحا في الإذن لها في الركوب فأتى بذلك اللفظ الدال على مزيدا من احترامها وإجلالها وتعظيمها وبعض الرواة اقتصر على قولها اركبي وبعد ان ركبت أي

وحصلت الطمأنينة واندفعت الريبة قال لها متعجبا لا مستفهما ما خلفك قالت فانطلق يقود بي الراحلة أتينا الجيش بعد ما نزلوا وذلك في نحر الظهيرة أي وسطها وهو بلوغ الشمس منتهاها من الإرتفاع
وبهذه الواقعة استدل فقهاؤنا على أنه يجوز الخلوة بالمرأة الأجنبية إذا وجدها منقطعة ببرية أو نحوها بل يجب استصحابها إذا خاف عليها لو تركها
هذا وفي الخصائص الصغرى وفي معاني الآثار للطحاوي رحمه الله قال أبو حنيفة كان الناس لعائشة رضي الله عنها محرما فمع أيهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك
أي وقوله وليس غيرها من النساء كذلك يشمل بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وحينئذ فليتأمل الفرق بينها وبين بقية أمهات المؤمنين فيما ذكر وفيما سيأتي عن بعضهم أن من قذف عائشة يقتل ويحد في غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم حدين
قالت عائشة رضي الله عنها فلما نزلنا هلك من هلك بقول البهتان والإفتراء والذي تولى كبره أي معظمه عبد الله بن أبي ابن سلول أي فإنه كان أول من أشاعه في العسكر أي فإنه كان ينزل مع جماعة المنافقين مبتعدين من الناس فمرت عليهم فقال من هذه قالوا عائشة وصفوان فقال فجربها رب الكعبة وفي لفظ ما برئت منه وما برئ منها وفي لفظ والله ما نجت منه ولا نجا منها وصار يقول امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم أشاع ذلك في المدينة بعد دخولهم له لشدة عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي والذي في البخاري كان يتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه أي يستخرجه بالبحث عنه
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون هو أول من أشاعه عند دخول المدينة ثم صار يستخرجه بالبحث عنه ليكثر إشاعته قالت فقدمنا المدينة فاشتكيت أي مرضت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك أي ووصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي ولا أشعر بشيء من ذلك وكان يريبني أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي أي حين أمرض واللطف بضم اللام وسكون الطاء وقيل بفتح اللام والطاء وهو من

الإنسان الرفق ومن الله التوفيق إنما يدخل على فيسلم أي وعندي أمي تمرضني ثم يقول كيف تيكم أي لا يزيد على ذلك ثم ينصرف فذاك الذي يريبني حتى خرجت بعد ما نقهت بكسرالقاف وفتحها أي أول ما افقت من المرض فخرجت معي ام مسطح وهي بنت خالة أبي بكر أي وما في لفظ وكان مسطح ابن خالة أبي بكر هو عل ضرب من التجوز والمسامحة وكان مسطح يتيما في حجر أبي بكر وكان فقيرا ينفق عليه أبو بكر قالت وخروجنا كان إلى المحل الذي تخرج إليه النساء ليلا أي لقضاء حاجة الإنسان وذلك قبل أن تتخذ الكنف أي فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن نحو المنصع وهو محل متسع قالت فلما فرغنا من شأننا وأقبلت عثرت أم مسطح في مرطها أي إزارها فقالت تعس مسطح بفتح العين وكسرها هلك مسطح تعني ولدها ومسطح في الأصل عمود الخيمة قلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت يا هنتاه بفتح الهاء الأولى وسكون النون وضم الهاء الثانية أي يا هذه أو لم تسمعي ما قال قلت وما قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا على مرضي أي عاودني المرض وازددت عليه أي وفي لفظ مخرن مغشيا عليها
وفي رواية خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح قد حملت السطل وفيه ماء فعثرت ووقع السطل منها فقالت تعس مسطح فقلت أي أم تسبين ابنك فسكتت ثم عثرت الثانية فقالت تعس مسطح فقلت أي أم تسبين ابنك ثم عثرت الثالثة فقالت تعس مسطح فنهرتها فقالت والله م أشبه إلا فيك فقلت في أي شأني فبقرت أي كشفت لي الحديث فقلت وقد كان هذا قالت نعم فأخذتني حمى نافضة ورجعت إلى بيتي فلما رجعت إلى بيتي مكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ إلى دمع ولا اكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعد أن سلم كيف تيكم فقلت أتأذن لي أن آتي بيت أبوي وأنا أريد أن اتثبت الخير من قبلهما أي لأن أمها فارقتها لما نفهت من المرض وذهبت إلى بيتها فلا ينافي ما سبق من قولها وعندي أمي تمرضني قالت فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي أي وأرسل معي الغلام فدخلت الدار فوجدت أم رومان في أسفل وأبا بكر فوق يقرأ فقالت أمي ما جاء بك فأخبرتها فذهابها إلى أبويها كما علمت كان بعد أن صحت من المرض وبعد إخبار أم مسطح لها بالقصة
والذي في السيرة الهشامية يفيد أنه كان قبل ذلك وهو أنها رضي الله عنها قالت كان صلى الله عليه وسلم كلما يدخل يقول كيف تيكم لا يزيد على ذلك حتى وجدته في نفسي فقلت يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لو أذنت لي قال لا عليك قالت فانتقلت إلى امي تمرضني ولا علم لي بشيء مما كان حتى نفهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة وكنا قوما عربا لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم أي بيوت الأخلية نعافها ونكرهها إنما نذهب في فسح المدينة فخرجت ليلة ومعي أم مسطح بنت خالة أبي بكر إذ عثرت في مرطها فقالت تعس مسطح قلت بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين وقد شهد بدرا قالت أو ما بلغك الخبر يا ابنة ابى بكر قلت وما الخبر فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك قلت أو قد كان هذا قالت نعم والله لقد كان فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ورجعت فوالله ما وزلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي فليتأمل الجمع بين ما في السيرة الهشامية وما في غيرها على تقدير صحتهما
قالت وقلت لأمي يغفر الله لك تحدث الناس بما تحدثوا به لا تذكرين لي من ذلك شيئا الحديث وفي رواية فقلت لأمي يا أماه ما يتحدث الناس وفي لفظ قلت لأمي يغفر الله لك تحث الناس بما تحدثوا الآ تذكرين لي من ذلك شيئا قالت يا بنية هوني عليك وفي لفظ خفضي عليك الشأن فوالله لقلما ما كانت امراة قط وضيئة أي جميلة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها أي القول في تنقيصها
وفيه أن ضرائرها أمهات المؤمنين لم يكن السبب في إشاعة ذلك ولم ينقصها به إلا أن يقال ظنت أمها ذلك على ما هو العادة في ذلك وعند ذلك قالت فقلت سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا أي وقلت قد علم به أبي قالت نعم قلت ورسول الله قالت نعم فاستعبرت وبكيت فسمع أبو بكر صوتي فنزل فقال لأمي ما شأنها فقالت بلغها الذي ذكر من شأنها فقاضت عيناه فبكيت تلك الليلة حت اصبحت لا يرفأ لي دمع أي يرتفع ولا اكتحلت بنوم في الليلة الثانية كذلك ولما أصبحت أصبح أبواي عندي يظنان أن البكاء فالق كبدي فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي أي وهما
=========================
ج10. كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي



يبكيان وأهل الدار يبكون فاستأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي وسمعت من بعض الشيوخ أن هرة كانت بالبيت جالسة تبكي أيضا فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل وقد لبث صلى الله عليه وسلم شهرا لا يوحى إليه في شأني فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تعالى تاب الله عليه
قال بعضهم دعاها إلى الإعتراف ولم يأمرها بالستر أي مع أنه المطلوب ممن أتى ذنبا لم يطلع عليه
وفي لفظ قال يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتق الله فإن كنت قارفت أي اكتسبت سوءا مما يقول الناس فتوبي إلى الله تعالى فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عبادة قالت فلما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي أي ارتفع حتى ما أحسن منه بقطرة فقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال فوالله لا أدري ما قول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ قلت لأبوي ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا والله لا ندري بماذا نجيبه فقلت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في نفوسكم فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني فوالله لا أجد لي ولكم وفي لفظ لا أجد لي مثلا إلا أقول أبى يوسف عليهما السلام أي والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إذ يقول { فصبر جميل والله المستعان }
أي وفي رواية كما في البخاري مثل ومثلكم كيعقوب وبنيه { والله المستعان على ما تصفون } وفي لفظ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وبذلك أستدل على جواز ضرب المثل من القرآن أيضا ثم تحولت فاضحجعت على فراشي ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى وفي لفظ قرآنا يقرأ به في المسجد ويصلي به ولشأني في نفسي

كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى وكنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في النوم يبرئني الله بها أي وعند ذلك قال ابو بكر رضي الله عنه ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل علي والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية حيث لا يعبد الله فيقال لنا في الإسلام وأقبل على عائشة مغضبا فأحذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يأخذه عند نزول الوحي أي من شدة الكرب فسجى أي غطى بثوبه ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه وفي لفظ قالت عائشة رضي الله عنها فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت فوالله ما فزعت لأني قد عرفت أني بريئة وأن الله غير ظالمي وأما ابواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وأخبر بما أخبر حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقا أي خوفا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سرى عنه وهو يضحك وإنه لينحدر منه العرق كالجمان وهي حبوب مد حرجة تجعل من الفضة أمثال اللؤلؤ فجعل يمسح العرق عن وجهه الكريم فكان أول كلمة تكلم بها يا عائشة أما إن الله قد براك فقالت أمي قومي إليه صلى الله عليه وسلم فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله وفي لفظ قال أبشري يا عائشة فقد أنزل الله تعالى براءتك قلت نحمد الله لا نحمد أحدا قالت عائشة رضي الله عنها نزلت تلك الآيات في يوم شات قالت وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم درعي فقلت بيده هكذا أي أدفع يده عن درعي فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها فمنعته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له أقسمت عليك لا تفعل وفي رواية لما أنزل الله براءتها قام إليها أبو بكر رضي الله عنه فقبل رأسها فقالت له هلا كنت عذرتني فقال أي بينة أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت بما لا أعلم ولا مخالفة بين هذه الرواية وما قبلها لجواز أن يكون ما قبلها بعدها وأنزل الله تعالى إن الذين جاءوا بالإفك الآيات العشر أي وفي تفسير البيضاوي الثمانية عشر
قال السهيلي وكان نزل براءة عائشة رضي الله عنها بعد قدومهم المدينة أي من الغزوة المذكورة لسبع وثلاثين ليلة في قول بعض المفسرين فمن نشبها رضي الله عنها إلى الزنا كغلاة الرافضة كان كافرا لأن في ذلك تكذيبا للنصوص القرآنية ومكذبها كافر
وفي حياة الحيوان عن عائشة رضي الله عنها لما تكلم الناس في الإفك رأيت في منامي

فتى فقال لي مالك قلت حزينة مما ذكر الناس فقال ادعي بهذه يفرج الله عنك قلت وما هي قال قول يا سابغ النعم ويا دافع النقم ويا فارج الغمم ويا كاشف الظلم ويا أعدل من حكم ويا حسيب من ظلم ويا أول بلا بداية ويا آخر بلا نهاية اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا قالت فقلت ذلك فانتبهت وقد أنزل الله فرجى
قال بعضهم برأ الله تعالى أربعة بأربعة برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهل زليخة وبرأ موسى عليه السلام من قول اليهود فيه إن له ادرة بالحجر الذي فر بثوبه وبرأ مريم بإنطاق ولدها وبرأ عائشة بهذه الآيات
وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق على مسطح لقرابته منه أي كما تقدم ولفقره فحلف لا ينفق عليه أي فإنه قال والله لاأنفق على مسطح أبدا ولا انفعه بنفع أبدا بعد ما قال لعائشة وأدخل علينا
وفي لفظ أخرجه من منزله وقال له لا وصلتك بدرهم أبدا ولا عطفت عليك بخير أبدا فأنزل الله تعالى { ولا يأتل أولوا الفضل } أي الفضيلة والإفضال منكم والسعة أي في الرزق أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم وعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه أما تحب أن يغفر الله لك قال أبو بكر رضي الله عنه والله إني لأحب أن يغفر لي فرجع إلى مسطح بالنفقة التي كان ينفق عليه وقال والله إني لا انزعها عنه أبدا
وفي معجم الطبراني الكبير والنسائي أنه أضعف له في النفقة التي كان يعطيه إياها قبل القذف أي أعطاه ضعف ما كان يعطيه قبل ذلك أي وكفر عن يمينه
وبهذا وبما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم من حلف علي يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه
استدل فقهاؤنا على أن الأفضل في حق من حلف على ترك مندوب أو فعل مكروه أن يحنث ويكفر عن يمينه
وهنا لطيفة وهي أن ابن المقرى رحمه الله منع عن ولده النفقة تاديبا له على أمر وقع منه فكتب إلى والده رحمه الله تعالى هذه الأبيات

** لا تقطعن عادة بر ولا تجعل عقاب المرء في رزقه ** ** فان أمر الإفك من مسطح يحط قدر النجم من أفقه ** ** وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه ** فكتب إليه والده رحمه الله تعالى هذه الأبيات ** قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى بالسير في طرقه ** ** لأنه يقوى على توبة تكون أيصالا إلى رزقه ** ** لولم يتب مسطح من ذنبه ما عوتب الصديق في حقه ** ووصف الله تعالى الصديق بأولى الفضل موافق لوصفه صلى الله عليه وسلم له بذلك فقد جاء أن عليا كرم الله وجهه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه جالس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحى أبو بكر عن مكانه وأجلس عليا كرم الله وجهه بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فتهلل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فرحا وسرورا وقال لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل
وعنها رضي الله عنها أنها قالت لما استلبث الوحي عنه صلى الله عليه وسلم أي أبطأ عليه ولم ينزل استشار الصحابة فقال له عمر رضي الله عنه من زوجها لك يا رسول الله قال الله تعالى قال أفتظن أن الله دلس عليك فيها سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت ودعا على بن أبي طالب كرم الله وجهه وأسامة بن زيد رضي الله عنهما ليستأمرهما في فراق أهله أي تعنى نفسها فأما أسامة بن زيد فقال أهلك أي الزم أهلك يا رسول الله ولا نعلم إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإنك لتقدر أن تستخلف وفي لفظ قد أحل الله لك فطلقها وانكح غيرها وإن تسأل الجارية تصدقك يعني بريرة رضي الله عنها أي لأنها كانت تخدم عائشة إما قبل شرائها لها أو بعده وقبل عتقهالها كان بعد الفتح فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك قالت بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا أغمصه بالغين المعجمة والصاد المهملة بينهما ميم مكسورة أي أعيبه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن وهي الدابة التي تألف البيوت ولا تخرج للمرعى وهي هنا الشاة فتأكله

وفي لفظ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فسألها فقام إليها علي كرم الله وجهه فضربها ضربا شديدا وجعل يقول لها أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول والله ما أعلم إلا خيرا وما كنت أعيب على عائشة شيئا إلا أني كنت أعجن عجيني فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي الشاة فتأكله أي وضربها كما قال السهيلي ولم تستوجب ضربا ولا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربها لأنه اتهمها في أنها خانت الله ورسوله فكتمت من الحديث ما لا يسعها كتمه هذا كلامه
والذي في البخاري وانتهرها بعض الصحابة فقال أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصانع عل تبر الذهب الأحمر
وفي الإمتاع جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريرة وسألها فقالت هي اطيب من طيب الذهب والله أعلم عليها إلا خيرا والله يا رسول الله لئن كانت على غير ذلك ليخبرك الله بذلك
أي برير هذه روى عنها عبد الملك بن مروان فقد ذكر أنه قال كنت أجالس بريرة رضي الله عنها بالمدينة قبل أن آني إلى هذا الأمر يعني الخلافة فكانت تقول لي يا عبد الملك إني أرى فيك خصالا وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر يعني الخلافة فإن وليته فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق
قالت عائشة رضي الله عنها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش أم المؤمنين عن أمري يقول ماذا علمت أو رأيت فتقول يا رسول الله أحمى سمعي وبصري أي أصون سمعى من أقول سمعت ولم أسمع وأصون بصري من أن أقول أبصرت ولم أبصر ما علمت إلاخيرا أي وفي رواية حاشا سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا والله ما أكملها وإني لمهاجرتها وما كنت أقول إلا الحق قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ تناصيني أي تعادلني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة والمحبة عنده صلى الله عليه وسلم فعصمها الله تعالى أي ولهذا جعلها في النور أفضل نسائه صلى الله عليه وسلم

بعد عائشة وخديجة حيث قال والذي يظهر أن أفضلهن أي زوجاته صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وعائشة زينب بنت جحش
وقالت عائشة رضي الله عنها في وصفها لم أر أمرأة قط خيرا من زينب في الدين وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم واعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي يتقرب به إلى الله ما عدا سورة أي حدة تسرع فيها ألفيئة أي ترجع عنها سريعا قالت عائشة رضي الله عنها وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عند استلباث الوحي وتأخره في الناس وخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ما بال رجال يؤذوني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق وفي رواية فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال وهو على المنبر من يعذرني أن ينصفني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا يعني صفوان ما علمت عليه إلاخيرا أي وزاد في رواية ولا يدخل بيتي وفي لفظ بيتا من بيوتي إلا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلا غاب معي يقولون عليه غير الحق فقام سعد بن معاذ أي سيد الأوس فقال يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخرزج أمرتنا ففعلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وقد احتملته الحمية وفي لفظ أجهلته الحمية وكان قبل ذلك رجلا صالحا أي لما ذكر سعد بن معاذ الحزرج الذين هم قوم سعد بن عبادة غضب سعد بن عبادة لأجلهم وحملته الحمية لهم على أن يجهل أي قال قول الجهل فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لاتقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ كما تقدم فقال لسعد ابن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه وأنفك راغم فانك منافق تجادل عن المنافقين أي والمراد بكونه منافقا انه يفعل فعل المنافقين ومن ثم لم ينكر صلى الله عليه وسلم ذلك إن كان سمعه فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا لأنه كان بين الحيين قبل الإسلام مشاحنة ومحاربة كما تقدم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا قالت وأنا لا أعلم بشي من ذلك
أقول فيه أن سعد بن معاذ لم يقل إنه كان من الخزرج نقتله بل قال نفعل فيه ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحسن رد سعد بن عبادة عليه بما ذكر


ثم رأيت بعضهم ذكر أن الأظهر عندي أن ابن عبادة لم يقل ذلك حمية لقومه وإنما أراد الانكار على ابن معاذ في كونه يقتل شخصا من قومه الذين هم الأوس مع أنه يظهر الإسلام لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل من يظهر الإسلام فكأنه قال لا تقل ما لا تفعل ولا تقدر على فعله حيث لم يأمرك بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وإنما انتصر أسيد بن حضير لسعد بن معاذ نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم في مثل الحالة العظيمة التي طلب النبي صلى الله عليه وسلم فيها من يعذره من ذلك القائل وإنكاره على سعد ابن عبادة إنما هو إنكار ظاهر لفظه وإن كان لباطنه مخلص حسن وكم من لفظ ينكر إطلاقه على قائله وإن كان في الباطن له مخلص هذا كلامه
ثم رأيت في السيرة الهشامية أن المتكلم أسيد بن حضير وأنه قال يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم وإن يكونوا من إخواننا الخرزج فمرنا أمرك فوالله إنهم لأهل لأن نضرب أعناقهم فقام سعد بن عبادة فقال كذبت لعمر الله والله ما تضرب أعناقهم أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخرزج ولو كانوا من قومك يعني الأوس ما قلت هذا أي لأن عبد الله بن أبي ابن سلول من الخزرج وكذا حسان بن ثابت رضي الله عنه بناء على أنه كان من أصحاب الإفك
وفي البخاري أن سعد بن معاذ قال ائذن لي يا رسول الله أن اضرب أعناقهم فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان من رهط ذلك الرجل أي من الخزرج فقال كذبت أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم وعلى هذه الرواية فلا إشكال
وقول البخاري وكانت أم حسان إلى آخره يشعر بأن حسان لم يكن من الخزرج وهو يخالف ما تقدم وما سيأتي أنه من الخزرج إلى أن يقال وصفه بذلك على المسامحة لكون أمه منهم فليتأمل ولا يخفى أن ذكر المنبر يخالف ما في الأصل من أن اتخاذ المنبر كان في السنة الثامنة وقصة الإفك كانت في السنة الخامسة أو السادسة وفي النور المراد بالمنبر شيء مرتفع قال وإلا فالمنبر إنما اتخذ في السنة الثامنة أي فيكون المراد المنبر الذي أتخذ في السنة الثانية كان من الطين والذي كان من الخشب إنما اتخذ في السنة الثامنة وقد بينا ذلك مبسوطا والله أعلم
ثم بعد نزول آيات الإفك أي وهي { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة } إلى قوله { أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } خرج صلى الله عليه وسلم إلى الناس

وخطبهم وتلا عليهم تلك الآيات وأمر بجلد أصحاب الإفك أي وهم عبد الله بن أبي ومسطح وحمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين وأخوها عبيدالله بالتصغير ابن جحش ويقال له أبو أحمد كان ضريرا أي وكان يدور مكة أعلاها وأدناها في أي محل من غير قائد وكان شاعرا وهو ابن عمة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأما أخوها عبد الله مكبرا فقد قتل يوم أحد كما تقدم وزاد بعضهم خامسا وهو زيد بن رفاعة وفيه أن تقدم أنهم لما قدموا المدينة وجدوه قد مات إلا أن يقال إن لهم زيد بن رفاعة غيره فيجوز أن يكون هو ذلك ويقال وحسان بن ثابت فجلدوا الحد وهو ثمانون
وقال بعضهم وذكر سعد بن معاذ في هذه الرواية أي أنه القائل أنا أعذرك وهم من بعض الرواة وإنما المتكلم بذلك أسيد بن حضير أي كما تقدم عن السيرة الهشامية لأن سعد بن معاذ مات بعد بني قريظة
قال في الأصل لو اتفق اهل المغاز على أن غزوة الخندق وبني قريظة متقدمة على عزوة بني المصطلق لكان الوهم لازما ولكنهم مختلفون
أقول أي فالوهم لا يلزم إلا من جعل هذه الغزوة التي هي غزوة بني المصطلق متأخرة عن بني قريظة ويذكر فيها سعد بن معاذ كالأصل ومن ثم قال ابن اسحاق بانها بعد بني قريظة روى عن عائشة بدل سعد بن معاذ اسيد بن حضير قال في الإمتاع وهذا هو الصحيح والوهم لم يسلم منه أحد من بني ادم
وفيه أن مما يدل على تقدمها وأ ذكر سعد بن معاذ ليس من الوهم في شيء ما ذكره في الكتاب المذكور الذي هو في الإمتاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث أياما ثم أخذ بيد سعد بن معاذ في نفر حتى دخل على سعد بن عبادة فتحدثوا ساعة وقرب لهم سعد بن عبادة طعاما فأصابوا منه ثم انصرفوا فمكث أياما ثم أخذ بيد سعد بن عبادة في نفر فانطلقوا حتى دخلوا منزل سعد بن معاذ فتحدثوا ساعة وقرب لهم سعد بن معاذ طعاما فأصابوا منه ثم خرجوا فذهب من أنفسهم ما كان وأن ذكر سعد بن معاذ وقع في الصحيحين وغيرهما والله أعلم
وذكر أن صفوان بن المعطل رضي الله عنه كان الإفك بسببه ظهر أنه كان حصورا لا يأتي النساء أي انما معه مثل الهدبة أي عنين


وقد قال الشيخ محيي الدين الحصور عندنا العنين أي ويدل له ما في البخاري أنه رضي الله عنه ما كشف كنيف امرأه قط أي سترها لأن الكنيف الساتر
وقد جاء في تفسير وصف يحيى بن زكريا بحصورا أنه صلى الله عليه وسلم أهوى إلى الأرض وأخذ قذاة وقال كان ذكره يعني يحيى عليه السلام مثل هذه القذاة ولعل المراد التشبيه في الارتخاء وعدم الشدة فلا يخالف ما قبله لكن في النهر الحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك أي وربما يؤيد ذلك ما جاء أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة رجل جعله الله ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء وامرأه جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال والذي يضل الأعمى ورجل حصور ولم يجعل الله حصورا إلا يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام فالحصور وصف مذموم إلا في يحيى عليه السلام خصوصية له دون غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإلا فقد امتن سبحانه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقوله { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } قيل وهذا الوصف جاء ليحيى من أثر همة والده زكريا عليهما السلام فإنه لما شهد مريم منقطعة عن الأزواج أحب أن يرزقه الله ولدا مثلها أي منقطعا عن الزوجات فجاء يحيى عليه السلام حصورا ويؤيد ذلك ما في أنس الجليل وكان يحيى عليه السلام لا يأتي النساء لأنه لم يكن له ما للرجال كذا قيل وهو غير مرضى
وقد تكلم القاضي عياض رحمه الله في الشفاء على معنى كون يحيى حصورا بما حاصله أن هذا الذي قيل نقيصة وعيب لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة و السلام وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب لا يأتيها فكأنه حصر عنها وأنه حصر نفسه عن الشهوات قمعا لها هذا كلامه فليتأمل
أي وعلى الأول لا ينافي ذلك كون صفوان كان متزوجا لما تقدم أن زوجته شكته للنبي صلى الله عليه وسلم أي على أن ابن الجوزي نقل عن شيخه ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى أن صفوان رضي الله عنه إنما تزوج بعد حديث الإفك
ومما يدل على أن حسان رضي الله لم يكن من أصحاب الإفك تبرؤه مما نسب إليه في ابيات مدح بها عائشة رضي الله عنها منها ** مهذبة قد طيب الله خيمها ** وطهرها من كل سوء وباطل ** ** فإن كنت قلت الذي قد زعمتم ** فلا رفعت سوطي إلي أناملي **

** وكيف وودي ما حييت ونصرتي ** لآل رسول الله زين المحافل **
ومن ثم قال ابن عبد البر وقد أنكر قوم كون حسان رضي الله عنه خاض في الإفك وأنه جلد
وجاء أن عائشة رضي الله عنها براته من ذلك أي فقد ذكر الزبير بن بكار أنه قيل لعائشة رضي الله عنها وقد قالت في حق حسان رضي الله عنه إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بذبه بلسانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هو ممن لعنه الله في الدنيا والآخرة بما قال فيك قالت لم يقل شيئا ولكنه القائل ** فإن كان ما قد قيل عني قلته ** فلا رفعت سوطي إلي أناملي **
وقد قال مثل هذا البيت أنس بن زنيم وقد بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه لما بلغه صلى الله عليه وسلم أنه هجاه فجاء إليه صلى الله عليه وسلم معتذرا وأنشده ابياتا منها ** ونبي رسول الله إني هجوته ** فلا رفعت سوطي إلي إذن يدي **
ولكن في رواية أنها كانت تأذن لحسان بن ثابت وتلقي له الوسادة وتقول لا تقولوا لحسان إلا خيرا فإنه كان يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه وقد قال تعالى { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } وقد عمي والعمى عذاب عظيم والله قادر على أن يحيل ذلك ويغفر لحسان ويدخله الجنة
وفيه أنه سيأتي عن عائشة وغيرها ان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول كما تقدم إلا أن يقال كبره مقول بالتشكيك والذي بلغ فيه الغاية عبد الله بن أبي ابن سلول فليتأمل
وعن الزهري قال كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا على سريره فلما بلغ { والذي تولى كبره } جلس ثم قال يا أبا بكر من تولى كبره أليس علي بن ابي طالب قال الزهري فقلت في نفسي ماذا اقول إن قلت لا لا آمن أن ألقي منه شرا وإن قلت نعم جئت بأمر عظيم ثم قلت لنفسي لقد عودني الله على الصدق خيرا فقلت لا فضرب بقضيبة السرير قال فمن يكرر ذلك مرارا قلت لكن عبد الله بن أبي ابن سلول
ووقع سليمان بن يسار مع هشام بن عبد الملك نحو ذلك فان سليمان بن يسار رحمه الله

دخل على هشام بن عبد الملك فقال له يا ابا سليمان الذي تولى كبره من هو قال عبد الله بن أبي قال كذبت هو علي قال أنا أكذب لا أبالك لو نادى مناد من السماء إن الله أحل الكذب ما كذبت حدثني عروة وسعيد وعبد الله وعلقمة رحمهم الله عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت الذي تولى كبره عبد الله بن أبي
وعن عائشة رضي الله عنها أنه ذكر عندها حسان بسوء فنهتهم وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحبه إلى مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وفي البخاري كانت عائشة رضي الله عنها تنكر أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال ** فإن أبي ووالدتي وعرضي ** لعرض محمد منكم وقاء **
فبهذا البيت يغر الله تعالى له
وذكر بعضهم أن الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشركي قريش عبد الله بن الزبعري وأبو سفيان ابن عمه صلى الله عليه وسلم وعمرو بن العاص وضرار بن الحارث
ولما أراد حسان رضي الله عنه أني يهجوهم قال له رسول الله كيف تهجوهم وأنا منهم وكيف تهجوا أبا سفيان ابن عمي فقال له والله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين فقال له صلى الله عليه وسلم ائت أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك فكان يجيئ إلى أبي بكر ليوقفه على أنسابهم فجعل حسان يهجوهم فلما سمعوا هجوه قالوا إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة وعاش حسان رضي الله عنه مائة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام وعاش والده مائة وعشرين سنة وكذا جده ووالده جده
قال بعضهم ولا يعرف اربعة تناسلوا وتساوت أعمارهم غيرهم ولم يشهد حسان مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا لأنه كان يخشى الموت فكان ينسب للجبن ومن ثم جعل يوم الخندق مع النساء والذرارى في الآطام وما وقع له مع صفية عمته صلى الله عليه وسلم في أمر اليهودي الذي قتلته في ذلك المكان وما قاله لها يدل على أنه كان جبانا شديد الجبن ويرد إنكار بعض العلماء كونه جبانا قال إذ لو صح ذلك لهجى به فإنه كان

يهاجي الشعراء وكانوا يردون عليه فما عيره أحد منهم به ولا وسمه به ولعله كان به علة اقتضت جعله مع الذرارى في الآطام منعته من شهود القتال هذا كلامه
وقد يقال على تسليم أنه لم يهج بالجبن يجوز أن يكون لكونه كان لا يتأثر بوصفه بذلك
وذكر بعضهم أن حسان رضي الله عنه شلت يداه بضربة ضربها له صفوان بسيف لما هجاه فذكر ذلك حسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا حسان وصفوان أي وأظهر التغيظ على صفوان بسبب إظهاره السلاح على حسان وضربه به فقال صفوان يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني الغضب فضربته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان يا حسان أحسن فيما اصابك قال هي لك وفي رواية قال كل حق لي قبل صفوان فهو لك فقال له صلى الله عليه وسلم قد أحسنت وقبلت ذلك منك وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضا منها حديقة له يقال لها بئرحا بفتح الراء في الأحوال الثلاثة مع قصر حا قيل لها ذلك لأن الإبل يقال لها إذا وردت وزجرت عن الماء حا حا
وفيه أنه كان القياس أن يقال بئر حا بضم الراء في حالة ارفع وحدها إلا أن يقال المجموع اسم مركب وكانت هذه البئر لأبي طلحة رضي الله عنه فتصدق بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضعها حيث شاء ثم باعها حسان من معاوية بمال عظيم
أقول الذي في البخاري كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بئر حا وهي حديقة كانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويستظل بها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قام أبو طلحة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله يقول في كتابه { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب أموالي إلي بئر حا وإنه صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث شئت فقال صلى الله عليه وسلم بخ بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح قد سمعت ما قلت فيها قد قبلناها منك ورددناها عليك وأرى أن تجعلها في الأقربين قال أفعل يا رسول الله فقسمها ابو طلحة في أقاربه وبنى عمه وفي لفظ آخر في البخاري قال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة اجلعه لفقراء أقاربك فجعلها لحسان وأبي بن كعب


وفيه أن أبي بن كعب كان غنيا وبين في البخاري وجه قرابتهما من أبي طلحة فذكر أن حسان يجتمع مع ابي طلحة في الأب السادس وأبي يجتمع معه في الأب السادس وذكر بعضهم أن أبي بن كعب كان ابن عمة ابي طلحة
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم أعطى حسان تلك الحديقة وأعطاه سيرين جاريته أخت مارية أم ولده صلى الله عليه وسلم إبراهيم فجاءت منه بابنه عبد الرحمن وكان يفتخر بأنه ابن خالة ابراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روت سيرين هذه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا قالت رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خللا في قبر أبنه ابراهيم فأصلحه وقال إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه واعطاه سعد بن عبادة رضي الله عنه بستانا كان يتحصل منه مال كثير
وحاصل ما في الامتاع فيما وقع بين حسان وصفوان أن حسان رضي الله عنه لما قال ** أمسي الجلابيب قد عزوا وقد كبروا ** وابن القريعة امسى بيضة البلد **
قال صفوان ما أراه إلا عناني أي بالجلابيب وتقدم أن ابن أبي ابن سلول قد قالها في حق المهاجرين والقريعة بالقاف جدة حسان رضي الله عنه وقيل أمه وقريعة الشيء خياره وقريعة القبيلة لسيدها واستعمل بيضة البلد في الذم بقرينة المقام وإلا فكما تستعمل في الذم تستعمل في المدح ويقال فلان بيضة البلد أي واحد في قومه عظيم فيهم فعند ذلك خرج صفوان مصلتا السيف وجاء إلى حسان وهو في نادي قومه الخزرج وضربه فلقى بيده فوقع السيف فيها فقام قومه وأوثقوا صفوان رباطاثم إنه حل وجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حسان رضي الله عنه يا رسول الله شهر علي السيف في نادي قومي ثم ضربني ولا أراني إلا ميتا من جراحتي فقال صلى الله عليه وسلم لصفوان ولم ضربته وحملت السلاح عليه وتغيظ لحسان فقال صفوان ما تقدم ثم قال لقوم حسان احبسوا صفوان فان مات حسان فاقتلوه به فحبسوه فبلغ ذلك سيد الخزرج سعد بن عبادة فأقبل على قومه ولامهم على حبسه فقالوا أمرنا رسول الله بحبسبه وقال لغا إن مات صاحبكم فاقتلوه فقال سعد والله إن أحب الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو عنه ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالحق والله لا أبرح حتى يطلق فاستحيا القوم

وأطلقوه وأخذه سعد وانطلق به إلى منزله وكساه حلة وجاء به إلى المسجد فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال صفوان قالوا نعم يا رسول الله قال من كساه قالوا سعد بن عبادة قال كساه الله من ثياب الجنة ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم حسان رضي الله عنه في العفو عن صفوان فقال يا رسول الله كل حق لي قبل صفوان فهو لك فقال صلى الله عليه وسلم قد أحسنت وقبلت ذلك ثم أعطاه صلى الله عليه وسلم أرضا له وسيرين جاريته أخت مارية أم ولده ابراهيم وأعطاه أيضا سعد ابن عبادة رضي الله عنه حائطا كان يتحصل منه مال كبير بما عفا عن حقه
وقيل إنما أعطاه سيرين لذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره فقد قال ابن عبد البر رحمه الله إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرين أخت مارية لحسان ابن ثابت يروى من وجوه أكثرها أن ذلك ليس بسبب ضرب صفوان له بل لذبه بلسانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل وكان لسان حسان يصل لجبهته وإلى نحره وكذلك كان أبوه وجده وكان حسان رضي الله عنه يقول على لسانه والله لو وضعته على صخر لفلقه أو شعر لحلقه وقد عمي مسطح أيضا
أي وقد روى أصحاب السنن الاربعة عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم قال الترمذي حسن غريب أي والمرأة حمنة بنت جحش والرجلان أخوها عبيد الله أبو أحمد بن جحش ومسطح
ولم يحد الخبيث عبد الله بن أبي بن سلول لأن الحد كفارة وليس من أهلها وقيل لانه لم تقم عليه البينة بذلك بخلاف أولئك وقيل لانه كان لا يأتى بذلك على أنه من عنده بل على لسان غيره
وفي الطبراي ومعجم النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن أبي ابن سلول جلد مائة وستين أي حدين قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهكذا يفعل بكل من قذف زوجة نبي أي ولعل المراد أنه يجوز أن يفعل به ذلك فلا ينافي ما تقدم من أن الحد كان ثمانين جلدة
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما زنت وفي لفظ لما تبغ امرأة نبي قط وأما

قوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط { فخانتاهما } فالمراد آذاتاهما قالت امرأة نوح عليه السلام في حقه إنه المجنون وامرأة لوط عليه السلام دلت على أضيافه
قيل إنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط عليهما السلام ولم يجزأن تكون فاجرة أي زانية لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه منقص ينفرهم عنه والكفر غير منقص عندهم وأما الفجور فمن أعظم النقصان
وفي الخصائص الصغرى ومن قذف أزواجه صلى الله عليه وسلم فلا توبة له البتة كما قال ابن عباس وغيره ويقتل كما نقله القاضي عياض وغيره وقيل يختص القتل بمن قذف عائشة ويحد في غيرها حدين
وقد وقع أن الحسن بن يزيد الراعي من أهل طبرستان وكان من العظماء كان يلبس الصوف ويأمر بالمعروف وكان يرسل في كل سنة إلى بغداد عشرين الف دينار تفرق على أولاد الصحابة فخضر عنده رجل من اشياع العلويين فذكر عائشة رضي الله عنها بالقبيح فقال الحسن لغلامه يا غلام اضرب عنق هذا فنهض إليه العلويون وقالوا هذا رجل من شيعتنا فقال معاذ الله هذا طعن على رسول الله قال الله تعالى { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } فإن كانت عائشة رضي الله عنها خبيثة فإن زوجها يكون خبيثا وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك بل هو الطيب الطاهر وهي الطيبة الطاهرة المبرأة من السماء يا غلام اضرب عنق هذا الكافر فضرب عنقه
وفي كتاب الإشارات للفخر الرازي أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الايام التي كلم فيها بالإفك كان أكثر أوقاته في البيت فدخل عليه عمر رضي الله عنه فاستشاره صلى الله عليه وسلم في تلك الواقعة فقال يا رسول الله أنا أقطع بكذب المنافقين وأخذت براءة عائشة رضي الله عنها من الذباب لا يقرب بدنك فإذا كان الله تعالى صان بدنك أن يخالطه الذباب لمخالطته للقاذورات فكيف أهلك
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه فاستشاره فقال له عثمان يا رسول الله أخذت براءة عائشة رضي الله عنها من ظلك إني رأيت الله تعالى صان ظلك أن يقع على الأرض أي لأن شخصه الشريف كان لا يظهر في شمس ولا قمر لئلا يوطأ

بالأقدام فإذا صان الله ظلك فكيف بأهلك أي وقد اشار إلى ذلك الإمام السبكي رحمه الله في تائيه بقوله ** لقد نزه الرحمن ظلك أن يرى ** على الأرض ملقى فانطوى لمزية **
وهنا لطيفة لا بأس بها وهي ان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان مسافرا وكان يسايره يهودي فلما اراد المفارقة قال عبد الله رضي الله عنه لليهودي بلغني أنكم تدينون بإيذاء المسلمين فهلا قدرت على شيء من ذلك معي وأقسم عليه فقال إن أمنتني أخبرتك فأمنه فقال لم أقدر عليك في شيء أكثر من أني كنت إذا رأيت ظل له وطئته بقدمي وفاء بأمر ديننا
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم علي كرم الله وجهه فاستشاره فقال له علي كرم الله وجهه أخذت براءة عائشة من شيء هو أنا صلينا خلفك وأنت تصلي بنعليك ثم إنك خلعت إحدى نعليك فقلنا ليكون ذلك سنة لنا قلت لا إن جبريل عليه السلام أخبرني أن في تلك النعل نجاسة فإذا كان لا تكون النجاسة بنعليك فكيف تكون بأهلك فسر صلى الله عليه وسلم بذلك أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن خلع احدى نعليه في أثناء الصلاة لنجاسة بها واستمر في الصلاة
وعن ابي أيوب الأنصاري رضي الله عنه انه قال لزوجته أم أيوب ألا ترين ما يقال أي من الإفك فقالت له لو كنت بدل صفوان أكنت تهم بسوء لمحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قالت ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعائشة خير مني وصفوان خير منك
وفي السيرة الشامية أن أبا أيوب رضي الله عنه قالت له زوجته أم أيوب ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة قال بلى وذلك الكذب أكنت يا أم ايوب فاعلة قالت لا والله ما كنت لأفعله قال فعائشة والله خير منك
وجاء أن ابن عباس رضي الله عنه عنهما دخل على عائشة رضي الله عنها في مرض موتها فوجدها وجلة من القدوم على الله فقال لها لا تخاف فانك لا تقدمين إلى على مغفرة ورزق كريم فغشي عليها من الفرح بذلك لأنها كانت تقول متحدثة بنعمة الله عليها لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله ان يتزوجني ولقد تزوجني بكرا وما تزوج بكرا غيري ولقد توفي وإن رأسه

في حجري ولقد قبر في بيتي وإن الوحي ينزل عليه في اهله فيفرقون منه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحاف واحد وأبي رضي الله عنه خليفته وصديقه ولقد نزلت براءتي من السماء ولقد خلقت طيبة عن طيب ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما
قيل وفي هذه الغزوة فقدت عائشة رضي الله عنها عقدها أيضا فاحتبسوا على طلبه أي فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه رجلين من المسلمين أي أحدهما أسيد ابن حضير فحضرت الصلاة أي صلاة الصبح وكانوا على غير ماء زاد في رواية وليس معهم ماء فنزلت آية التيمم وهذا القيل نقله إمامنا الشافعي رضي الله عنه عن عدة من أهل المغازي أي وعليه يكون سقط عقدها في تلك الغزوة مرتين لاختلاف القضيتين باختلاف سياقهما
والصحيح أن ذلك كان في غزوة أخرى أي متأخرة عن هذه الغزوة فعن عائشة رضي الله عنها قالت لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس التماسه الناس أي فإنه صلى الله عليه وسلم بعث رجالا في طلبه وهو لا يخالف ما سبق انه صلى الله عليه وسلم ارسل في طلبه رجلين وطلع الفجر فلقيت من أبي بكر رضي الله عنه ما شاء الله أي لأن الناس جاءوا لأبي بكر رضي الله عنه وشكوا اليه ما نزل بهم فجاء اليها ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه الشريف على فخذها قد نام فقال لها حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء فجعل يطعن بيد في خاصرتها ويقول يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء وليس مع الناس ماء قالت فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام لا يوقظه أحد حتى يكون هو يستيقظ لأنهم لا يدرون ما يحدث له في نومه فقال حين أصبح وفي لفظ فاستيقظ وحضرت الصلاة فالتمس الماء فلم يجد فأنزل الله تعالى الرخصة بالتيمم وفي لفظ فأنزل الله تعالى آية التيمم أي التي في المائدة ففي بعض الروايات فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } الآية
وقيل المراد بالآية آية النساء لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها فيتجه تسميتها بآية التيمم وكلام الواحدي رحمه الله في اسباب النزول يدل

عليه فقال ابو بكر عند ذلك والله يا بنية إنك كما علمت مباركة أي وقال لها صلى الله عليه وسلم ما أعظم بركة قلادتك وقال أسيد بن حضير ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر أي وفي رواية إنه قا لها جزاك الله خيرا فما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله منه مخرجا وللمسلمين فيه خير أي وهذا ربما يفيد تكرر وقوع ما تكرهه وأن في ذلك خيرا للمسلمين فليتأمل
وفي لفظ أسيد بن حضير لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله وإنما قال أسيد بن حضير ما قال دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد أي بل تقدم في بعض الروايات الاقتصار على بعثه لطلب ذلك قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه أي أقمناه من مبركة فوجدنا العقد تحته
أقول في النور اعلم أن العقد سقط مرتين مرة كان لها ومرة كان لأختها أسماء استعارته وبهذا يجمع بين الأحاديث التي في المسألة هذا كلامه فليتأمل وينظر تلك الأحاديث وما هي أي وكون هذا العقد لأسماء اختها لا يخالف ذلك قولها عقدي لأن الإضافة تأتي لأدنى ملابسة أي فعقد أسماء كان في المرة الثانية وفي البخاري أيضا أن آية التيمم نزلت بعد أن صلوا بلا وضوء
فعن عاشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء رضي الله عنها قلادة فهلكت أي ضاعت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى آية التيمم وقد ترجم البخاري عن تلك بقوله باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا وقوله فبعث رجلا فوجدها يجوز أن يكون هذا الرجل هو الذي أقام البعير أو من جملة من أقامه فلا يخالف ما اسبق مما يدل أن الذين بعثهم في طلبه لم يجدوه
ثم رأيت الحافظ أبن حجر رحمه الله قال وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث ذلك فلذلك سمي في بعض الروايات دون غيره ولذا أسند الفعل إلى واحد منهم وكأنهم لم يجدوا العقد أولا فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد رضي الله عنه هذا كلامه


قيل وفي هذه الغزوة خرجوا عن الطريق وأدركهم الليل بقرب واد وعر فهبط جبريل عليه السلام واخبره صلى الله عليه وسلم أن طائفة من كفار الجن بهذا الوادي يريدون كيده صلى الله عليه وسلم وإيقاع الشر بأصحابه فدعا صلى الله عليه وسلم بعلي كرم الله وجهه وعوذه وأمره بنزول الوادي فقتلهم
قال الإمام ابن تيمية وهذا من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علي كرم الله وجهه قال ابن تيمية ومن هذا ما روى في عام الحديبية قاتل الجن في بئر ذات العلم وهي بئر في الجحفة وهو حديث موضوع عند أهل المغازي
أي وجاء في سبب مشروعية التيمم غير ما ذكر ففي الطبراني عن أسلع قال كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرحل له ناقته فقال لي ذات يوم يا أسلع قوم فارحل فقلت يا رسول الله أصابتني جنابة أي ولا ماء فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بآية الصعيد أي التراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا أسلع فيتمم فأراني التيمم ضربة للوجه وضربه لليدين إلى المرفقين فقمت فتيمم ثم رحلت له حتى مر بماء فقال يا أسلع أمس هذا جلدك
وفي الإمتاع نزلت آية التيمم طلوع الفجر فمسح المسلمون أيديهم بالأرض ثم مسحوا بأيديهم إلى المناكب أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن هذه الرواية
وفي هذه السنة الخامسة خسف القمر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخسوف حتى انجلى القمر وصارت اليهود تضرب بالطساس ويقولون سحر القمر
غزوة الخندق ويقال لها غزوة الأحزاب أي وهي الغزوة التي ابتلى الله تعالى فيها عباده المؤمنين وثبت الإيمان في قلوب أوليائه المتقين أي وأظهر ما كان يبطنه أهل النفاق والشقاق والمعاندين
وسببها أنه لما وقع اجلاء بني النضير من أماكنهم كما تقدم سار منهم جمع من كبرائهم منهم سيدهم حيي بن أخطب أبو صفية أم المؤمنين رضي الله عنها وعظيمهم سلام ابن مشكم ورئيسهم كنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس وابو عامر الفاسق إلى

أن قدموا مكة على قريش يدعونهم ويحرصونهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله أي ونكون معكم على عداوته فقال أبو سفيان مرحبا وأهلا وأحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد
زاد في رواية فقال لهم لكن لا نأمنكم إلا إن سجدتم لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فقالت قريش لأولئك اليهود يا معشر يهود انكم أهل الكتاب الأول والعلم أخبرونا عما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دين محمد قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه وفي رواية نحن أهدى سبيلا أم محمد فقالوا أنتم أهدى سبيلا أي لأنكم تعظمون هذا البيت وتقومون على السقاية وتنحرون البدن وتعبدون ما كان يعبد آباؤكم أي فأنتم أولى بالحق منه فأنزل الله تعالى فيهم { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } الآيات فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطهم لما دعوهم اليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعند ذلك خرج من بطون قريش خمسون رجلا وتحالفوا وقد الصقوا أكبادهم بالكعبة متعلقين بأستارها أن لا يخذل بعضهم بعضا ويكونون كلهم يدا واحدة على محمد صلى الله عليه وسلم ما بقي منهم رجل وقد اشار إلى ذلك صاحب الهمزية رحمه الله بأبيات ذم فيها اليهود لعنهم الله بأمور بقوله ** لا تكذب أن اليهود وقد زا ** غوا عن الحق معشر لؤماء ** ** جحدوا المطصفى وآمن بالطا ** غوت قوم هم عنده شرفاء ** ** قتلوا الانبياء واتخذوا العج ** ل ألا إنهم هم السفهاء ** ** وسفيه من ساءه المن والسل ** وى وأرضاه الفوم القثاء ** ** ملئت بالخبيث منهم بطون ** فهي نار طباقها الأمعاء ** ** لو أريدوا في حال سبت بخير ** كان سبتا لديهم الأربعاء ** ** هو يوم مبارك قيل للتصر ** يف فيه من اليهود اعتداء ** ** فبظلم منهم وكفر عدتهم ** طيبات في تركهن ابتلاء **
أي لا تكذب أن اليهود والحال أنهم قد مالوا عن الحق قوم لؤماء واللئيم الدني الأصل الشحيح النفس ومن عظيم لؤمهم أنهم جحدوا نبوته صلى الله عليه وسلم ورسالته

والحال أنه قد آمن بالطاغوت وهو كل ما عبد من دون الله مأخوذ من الطغيان قوم هم عندهم شرفاء وهم كفار قريش
ورد ان اليهود قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا ومن جملة من قتلوا زكريا ويحي واتخذوا العجل إلها يعبدونه ومن يفعل ذلك لاسفيه غيره ومن ارضاء القوم والقثاء بدل المن وهو نوع من الحلواء والسلوى نوع من الطير سفيه بلا شك ملئت بالحرام كالربا بطون منهم فبطونهم نار لاشتمالها على مايؤدي الى تلك النار طباق تلك النار المصارين ولو اراد الله لليهود في حال سبتهم الذي اختاروا تعظيمه على ما تقدم خيرا لكان يوم الاربعاء يوم سبتهم لانه يوم خلق فيه النور فاختيار يوم السبت دون يوم الاربعاء لسبتهم أي سكوتهم عما عدا العبادة دليل على انه تعالى لم يرد بهم الخير ويوم السبت ابتدا الله فيه خلق العالم خلافا لهم حيث قالوا ان ذلك أي ابتداء الخلق كان يوم الاحد وفرغ من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت قالوا فنحن نستريح فيه كما استراح الرب تعالى فيه قالوا فان الله لا يقضي يوم السبت شيئا من خلق ولا رزق ولارحمة ولاعذاب ولا احياء ولااماتة ومن مات يوم السبت يكون محى اسمه من اللوح المحفوظ قبل ذلك وقد كذبهم الله تعالى بقوله { كل يوم هو في شأن } فكان فيه منهم ظلم وعدوان لاجل التصريف فيه بغبر العبادة فبسبب ظلم وكفر حاصل منهم فيه فاتتهم طيبات كانت حلالا لهم فحرمها الله تعالى عليهم فكان في ذلك ابتلاء لهم
ونقل عن ابن حجر الهيتمي رحمه الله انه بحث استحباب صوم يوم الاربعاء لما ذكر من انه خلق فيه النور فليتامل
ثم جاء اولئك الى غطفان ودعوهم وحرضوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وقالوا لهم انا سنكون معكم وان قريشا قد بايعوهم على ذلك وجعلوا لهم تمر خيبر سنة إن هم نصروهم عليه فتجهزت قريش أي واتباعها من القبائل وغطفان أي وأتباعها وقائد قريش ابو سفيان بن حرب وكانوا أربعة آلاف ومعهم ثلثمائة فرس أي وألف أو خمسمائة بعر وعقد اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة المقتول ولده الذي هو طلحة يوم أحد وكذا عماه أي عما عثمان بن طلحة وهما عثمان ابن أبي طلحة وأبو سعيد بن ابي طلحة وعمثان بن أبي طلحة هو أبو شيبة كما تقدم فشيبة ابن عم عثمان بن طلحة وقتل يوم أحد أخوه عثمان بن طلحة الأربعة وهم مسافع

ابن طلحة والحارث بن طلحة وكلاب بن طلحة والجلاس بن طلحة وعثمان ابن طلحة وهذا أي الحامل لواء قريش أسلم بعد ذلك ويقال له الحجبي لأنه كان من بني عبدالدار وهم سدنة الكعبة وبنو عبد الدار كان لهم ولأبيهم حمل لواء قريش عند الحرب دون غيرهم كما تقدم
وقائد غطفان عيينة بن حصن الفزازي في بني فزارة أي وهم ألف وتقدم أن عيينة اسلم بعد ذلك ثم ارتد بعد إسلامه وأخذ اسيرا في زمن خلافة الصديق رضي الله عنه ثم اسلم وكان قبل إسلامه يتبعه عشرة آلاف قناة وكان عنده جفوة وغلظة ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم في حقه إنه الأحمق المطاع وقال فيه إن شر الناس من ودعه الناس اتقاه شره
وقائد بني مرة أي وهم أربعمائة الحارث بن عوف المري وأسلم بعد ذلك أي وقيل لم تحضر بنو مرة
وقائد بني أشجع أبو مسعود بن رخيلة بضم الراء وفتح الخاء المعجمة وأسلم بعد ذلك
أي وقائد بني سليم وهم سبعمائة سفيان بن عبد شمس لا يعلم إسلامه
اي وقائد بني أسد طليحة بن خويلد الأسدي وأسلم بعد ذلك أي بعد أن كان ارتد بعد إسلامه ثم حسن إسلامه وكان اشجع وبنو اسد تتمة العشر آلاف فقد مال بعضهم كانت الأحزاب عشرة آلاف وهم ثلاثا عساكر وملاك أمرها لأبي سفيان أي المدبر لأمرها والقائم بشأنها
ولما تهيأت قريش للخروج أتى ركب من خزاعة في أربع ليال حتى أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع رسول الله بما أجمعوا عليه ندب الناس أي دعاهم واخبرهم خبر عدوهم وشاورهم في أمرهم أي قال لهم هل نبرز من المدينة أو نكون فيها فاشير عليه بالخندق أي اشار عليه بذلك سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال يا رسول الله إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا أي فإن ذلك كان من مكايد الفرس وأول من فعله من ملوك الفرس ملك كان في زمن موسى ابن عمران صلوات الله وسلامه عليه فأعجبهم ذلك فضرب على المدينة الخندق
أي وعند ذلك ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا له ومعه عدة من المهاجرين

والأنصار فارتاد موضعا ينزل له وجعل سلعا خلف ظهره وأمرهم بالجد ووعدهم بالنصر إن هم صبروا فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين أي وحمل التراب على ظهره الشريف ودأب المسلمون يبادرون قدوم العدو قال واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرارين ومكاتل وكان من جملة من يعمل في الخندق جعال أو جعيل بن سراقة وكان رجلا دميما قبيح الوجه صالحا من أصحاب الصفة وهو الذي تمثل به الشيطان يوم احد وقال إن محمدا قد قتل كما تقدم فغير صلى الله عليه وسلم أسمه وسماه عمرا فجعل المسلمون يرتجزون ويقولون ** سماه من بعد جعبل عمرا ** وكان للبائس يوما ظهرا **
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قالوا عمرا قال عمرا وإذا قالوا ظهرا قال ظهرا انتهى أي وسياق أسد الغابة يدل على أن هذا الذي غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عمرا غير جعيل المذكور وحصل للصحابة رضي الله عنهم تعب وجوع لأنه كان في زمن عسرة وعام مجاعة
ولما رأى رسول الله ما بأصحابه من النصب والجوع قال متمثلا بقول ابن رواحة رضي الله عنه ** اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ** فارحم الأنصار والمهاجره **
قيل وإنما قال ابن رواحة لاهم إن العيش من غير الف ولام فقد غيره صلى الله عليه وسلم على ما هو عادته كما تقدم وفي لفظ ** اللهم لا خير إلى خير الآخرة ** فبارك في الأنصار والمهاجره **
وفي لفظ فأكرم الأنصار والمهاجرة وتقدم في بناء المسجد ** اللهم إن الأجر أجر الآخره ** فارحم الأنصار والمهاجره **
زاد في الإمتاع ** اللهم العن عضلا والقاره ** هم كلفوني أنقل الحجارة **
وفي لفظ هم كلفونا ننقل الحجارة قال الحافظ ابن حجر ولعله كان والعن إلهي عضلا والقارة أي والتغيير منه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ **
اللهم العن عضلا والقاره ** هم كلفوني أنقل الحجاره **
وفي لفظ هم كلفونا ننقل الحجارة قال الحافظ ابن حجر ولعله كان والعن إلهى عضلا والقارة أي والتغيير منه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ ** اللهم لا خير إلى خير الآخره ** فارحم المهاجرين والأناصره **
وفي لفظ فانصر الأنصار والمهاجرة واجابوه رضي الله عنه تعالى عنهم بقولهم

** نحن الذين بايعوا محمدا ** على الجهاد ما بقينا أبدا **
وقال صلى الله عليه وسلم متمثلا بقول ابن رواحة وهو ينقل التراب وقد وارى الغبار جلد بطنه الشريف ** اللهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا ** ** فأنزلن سكينة علينا ** وثبت الأقدام إذ لاقينا ** ** والمشركون قد بغوا علينا ** وإن أرادوا فتنة أبينا **
يمد بها صوته مكررا لها أبينا أبينا ولما بدأ صلى الله عليه وسلم بالحفر في الخندق قال بسم الإله وبه يدينا بكسر الدال ** ولو عبدنا غيره شقينا ** يا حبذا ربا وحب دينا **
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال ما تقدم عنه في بناء المسجد وهو ** هذا الحمال لا حمال خيبر ** هذا أبر ربنا وأطهر **
وتقدم الكلام عليه وعلى إنشاده الشعر في الكلام على بناء المسجد
أي ورأيت أن عمار بن ياسر رضي الله عنه حين كان يحفر في الخندق جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه ويقول ابن سمية تقتلك الفئة الباغية أي كما تقدم له في بناء المسجد وصار الشخص منهم إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها يذكر كذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق بها فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان عليه من عمله رغبة في الخير وتباطأ رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعف وصار الواحد منهم يتسلل إلى أهله من غير استئذان له صلى الله عليه وسلم أي وكان زيد بن ثابت ممن ينقل التراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه أما إنه نعم الغلام وغلبته عينه فنام في الخندق فأخذ عمارة بن حزم سلاحه وهو نائم فلما قام فزع على سلاحه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بار قد نمت حتى ذهب سلاحك ثم قال من له علم بسلاح هذا الغلام فقال عمارة أنا يا رسول الله وهو عندي فقال رده عليه ونهى أن يروع المسلم ويؤخذ متاعه لاعبا وإليه استند أئمتنا في تحريم أخذ متاع الغير مع عدم علمه بذلك
واشتد على الصحابة رضي الله عنهم في حفر الخندق كدية أي محل صلب فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول وضرب فصارت كثيبا أهيل أو أهيم

أي رملا سائلا وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دعا بماء ثم تفل عليه ثم دعا بما شاء الله ان يدعو به ثم نضح ذلك الماء أي رشه على تلك الكدية قال بعض الحاضرين فوالذي بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب أي الرمل ماترد فأسا ولا مسحاة وهي المجرفة من الحديد
أي وكان ابو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التراب في ثيابهما إذا لم يجدا مكاتل من العجلة
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال ضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني فلما رآني اضرب ورأى شدة المكان علي نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربه لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب قال أوقد رأيت ذلك يا سليمان قال قلت نعم قال أما الأولى فإن الله تعالى فتح علي بها اليمن وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق
قال وقد ذكر أن سلمان الفارسي رضي الله عنه تنافس فيه المهاجرون والأنصار فقال المهاجرون سلمان منا وقالت الأنصار سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت ولذلك يشير بعضهم بقوله ** لقد رقى سلمان بعد رقه ** منزلة شامخة البنيان ** ** وكيف لا المصطفى قد عده ** من أهل بيته العظيم الشان **
وإنما وقع التنافس في سلمان رضي الله عنه لأنه كان رجلا قويا يعمل عمل عشرة رجال في الخندق أي فكان يحفر في كل يوم خمسة أذرع في عمق خمسة أذرع حتى اصيب بالعين أصابه بالعين قيس بن صعصة فلبط به أي بلام مضمومة فموحدة مكسورة فطاء مهملة صرع فجأة وتعطل عن العمل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صلى الله عليه وسلم مروه فليتوضأ وليغتسل ويكفئ الإناء خلفه ففعل فكأنما نشط أي حل من عقال وفي لفظ فأمر أن يتوضأ قيس لسلمان ويجمع وضوءه في ظرف ويغتسل سلمان بتلك الغسالة ويكفئ الإناء خلف ظهره
وذكر أنه لما اشتدت تلك الكدية على سلمان أخذ صلى الله عليه وسلم المعول من

سلمان وقال بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها وبرقت برقة فخرج نور من قبل اليمن كالمصباح في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أعطيت مفاتيح اليمن إني لابصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة كأنها أنياب الكلاب ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فخرج نور من قبل الروم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها أي زاد في رواية الحمر ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق برقة فكبر وقال أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها انياب الكلاب في مكاني هذا أي وفي رواية إني لأبصر قصر المدائن الابيض الآن وجعل صلى الله عليه وسلم يصف لسلمان أماكن فارس ويقول سلمان صدقت يا رسول الله هذه صفتها أشهد أنك رسول الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان ا هـ
أي وعند ذلك قال جمع من المنافقين منهم معتب بن قشير ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق أي الخوف لا تستطيعون ان تبرزوا فأنزل الله تعالى { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } الآية
وقيل في سبب نزولها أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون واليهود هيهات هيهات من اين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفر الخندق أقبلت قريش ومن معها وكانوا عشرة آلاف كما تقدم فنزلت قريش بمجمع الأسيال وغطفان ومن معهم إلى جانب أحد وكان المسلمون ثلاثة آلاف
اي وقد قال ابن اسحاق سبعمائة ووهم في ذلك وقال ابن حزم إنه الصحيح الذي لا شك في فيه ولا وهم وعسكر بهم صلى الله عليه وسلم إلى سفح سلع وهو جبل فوق المدينة أي فجعل ظهر عسكره إلى سلع كما تقدم والخندق بينه وبين القوم أي وضربت له صلى الله عليه وسلم قبة من أدم
قال وكان صلى الله عليه وسلم يعقب فيها بين ثلاثة من نسائه عائشة وأم سلمة وزينب

بنت جحش فتكون عائشة عنده أياما أي فانه مكث في عمل الخندق بضع عشرة ليلة وقيل اربعة وعشرين ليلة أي وقيل عشرين ليلة وقيل تقريبا من شهر وقيل شهرا
قال بعضهم وكونه قريبا من شهر هو اثبت الاقاويل وقيل اثبت الأقاويل أنها كانت خمسة عشر يوما وبه جزم النووي رحمه الله في الروضة وسائر نسائه صلى الله عليه وسلم في بني حارثة وجعل النساء والذراري في الآطام وعرض الغلمان وهو يحفر الخندق وكانوا بأجمعهم من بلغ ومن لم يبلغ يعملون فيه فلما التحم الأمر أمر من لم يبلغ خمس عشرة سنة أن يرجع إلى أهله وأجاز من بلغ خمسة عشرة سنة
فمن أجازه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب رضي الله تعالى عنهم آه وشبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فصارت كالحصن
وفي كلام بعضهم كان أحد جوانب المدينة عورة وسائر جوانبها مشتبكة بالبنيان والنخيل لا يتمكن العدو منه فاختار ذلك الجانب للخندق
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه وارسل سليطا وسفيان بن عوف طليعة للأحزاب فقتلوهما فأتى بهما رسول الله لى فدفنهما في قبر واحد فهما الشهيدان القرينان وأعطى لواء المهاجرين لزيد بن حارثة ولواء الانصار لسعد بن عبادة وبعث مسلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير تخوفا على الذراري من بني قريظة أي لما بلغه صلى الله عليه وسلم أنهم نقضوا ما بينه وبينهم من العهد كما سيأتي أي وأنهم يريدون الإغارة على المدينة فإن حي بن أخطب أرسل إلى قريش أن يأتيه منهم ألف رجل وإلى غطفان ان يأتيه منهم ألف رجل أخرى ليغيروا على المدينة وجاء الخير بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم البلاء وصار الخوف على الذراري أشد من الخوف على أهل الخندق
ولما نظر المشركون إلى الخندق قالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها وصار المشركون يتناوبون فيغدوا ابو سفيان في أصحابه يوما ويغدو خالد أبن الوليد يوما ويغدو عمرو بن العاص يوما ويغدو جبيرة بن وهب وما ويغدو عكرمة بن ابي جهل يوما ويغدو باضرار بن الخطاب يوما فلا يزالون يجيلون خيلهم

ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يقربون منهم ويقدمون رجالهم فيرمون ومكثوا على ذلك المدة المتقدمة ولم يكن بينهم حرب إلى الرمي بالنبل والحصى
وفي تلك المدة أقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فقتله الله أي اندقت عنقه أي وفي لفظ وأما نوفل بن عبد الله فضرب فرسه ليدخل الخندق فوقع فيه مع فرسه فتحطما جميعا وقيل رمى بالحجارة فجعل يقول قتله أحسن من هذه يا معشر العرب فنزل إليه علي كرم الله وجهه فقتله أي ضربه بالسيف فقطعه نصفين وكبر ذلك على المشركين فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نعطيك الدية على أن تدفعه إلينا فندفنه فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خبيث الدية فلعنه الله ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوه ولا أرب أي غرض لنا في ديته
وقيل أعطوا في جثته عشرة آلاف أي وفي رواية أنهم أرسلوا اليه صلى الله عليه وسلم أن أرسل إلينا بجسده ونعطيك اثني عشرة الفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في جثته ولا في ثمنه ادفعوه اليهم فانه خبيث الجسد خبيث الدية وفي لفظ إنما هي جيفة حمار
ثم إن عدو الله حي بن أخطب سيد بني النضير كان يقول لقريش في مسيره معهم إن قومي بني قريظة معكم وهم أهل حلقة وافرة وهم سبعمائة مقاتل وخمسون مقاتلا فقال له ابو سفيان ائت قومك حتى ينقضوا العهد الذي بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم فعند ذلك خرج حي لعنه الله حتى أتى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة وولى عهدهم الذي عاهدهم الذي عاهدهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المتقدم ذكره فدق عليه باب حصنه فأبى أن يفتح له وألح عليه في ذلك فقال له ويحك يا حي إنك امرؤ مشئوم وإني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم ار منه إلى وفاء وصدقا فقال له ويحك افتح لي أكلمك فقال ما أنا بفاعل فغاظه فقال له والله ما أغلقت دوني إلا تخوفا على جشيشتك أي بالجيم المفتوحة والشين المعجمة وهي البر يطحن غليظا ويقال له الدشيش أن آكل معك منها ففتح له فقال له ويحك يا كعب جئت بعز الدهر جئتك بقريش حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال وبغطفان حتى

أنزلتهم بجانب أحد قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب حئتني والله بذل الدهر وكل ما يخشى فإني لم أر في محمد إلى صدقا ووفاء وفي لفظ جئتني بجهام أي سحاب قد هراق ماء أي لا ماء فيه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ويحك يا حيى دعنى وما أنا عليه فلم يزل حي بكعب حتى أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يقتلوا محمدا أن يكون معه في حصنه ويصيبه ما أصابه فعند ذلك نقض كعب العهد وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد وجمع رؤساء قومه وهم الزبير بن مطا وشاس بن قيس وعزال بن ميمون وعقبة بن زيد واعلمهم بما صنع من نقض العهد وشق الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وسلم فلجم الأمر لما أراد من هلاكهم وكان حي بن أخطب في اليهود يشبه بأبي جهل في قريش
فلما أنتهى الخبر بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخبره بذلك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله بلغني ان بني قريظة قد نقضت العهد وحاربت فاشتد الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه ذلك وأرسل سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج وأرسل معهما ابن رواحة وخوات بن جبير وأسقطهما في الإمتاع وذكر بدلهما اسيد بن خضير وقال لهم انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم فإن كان حقا فالحنوا إلي لحنا أعرفه دون القوم أي وروا وكنوا في كلامكم بما لم يفهمه القوم أي لئلا يحصل لهم الوهن والضعف والا فاجهروا بذلك بين الناس فان اللحن العدول بالكلام عن الوجه المعروف عند الناس إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه كما أن اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب المعروف ومنه قول القائل وخير الحديث ما كان لحنا فخرجوا حتى أتوا بني قريظة فوجدوهم قد نقضوا العهد ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قالوا من رسول الله وتبرءوا من عقده وعهده وقالوا لا عهد بيننا وبين محمد فشتمهم سعد بن معاذ وهم حلفاؤء أي وقيل سعد بن عبادة أي وكان في حدة وشاتموه أي ولا مانع من وجود الأمرين وقال سعد معاذ لسعد بن عبادة أو بالعكس دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم اربى أي اقوى من المشاتمة ثم اقبل السعدان ومن

معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنوا له عن نقضهم العهد أي قالوا عضل والقارة غدروا كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع وسيأتي خبر ذلك في السرايا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر أي وقال ابشروا يا معاشر المسلمين نصرة الله تعالى وعونه وتقنع صلى الله عليه وسلم بثوبه واضطجع ومكث طويلا فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه صلى الله عليه وسلم اضطجع ثم رفع رأسه فقال أبشروا بفتح الله ونصره أي ولعل هذا أي إرسال السعدين ومن معهما كان بعد إرساله صلى الله عليه وسلم الزبير إليهم ليأتي بخبرهم هل نقضوا العهد استثباتا للأمر
فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال كنت يوم الأحزاب أنا عمرو بن ابي سلمة مع النساء في أطم حسان بن ثابت أي وكان حسان مع النساء ومن جملتهم صفية بنت عبد المطلب واتفق أن يهوديا جعل يطوف بذلك الحصن فقالت صفية لحسان يا حسان لا آمن هذا اليهودي أن يدلهم على عورة الحصن فيأتوا إلينا فانزل فاقتله قال حسان رضي الله عنه يا بنت عبد المطلب قد عرفت ما أنا بصاحب هذا قالت فلما أيست منه أخذت عمودا ونزلت ففتحت باب الحصن وأتيته من خلفه فضربته بالعمود حتى قتلته وصعدت الحصن فقلت يا حسان انزل اليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل فقال يا ابنة عبد المطلب مالي بسلبه حاجة أي وهذا يدل على ما قيل إن حسان بن ثابت كان من أجبن الناس كما تقدم قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فنظرت فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا فلما رجعت قلت يا ابت رأيتك تختلف إلى بني قريظة قال رأيتني يا بني قلت نعم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يأتي بني قريظة فياتيني بخبرهم فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك أبي وأمي أخرجه الشيخان
أي وفي كلام ابن عبد البر رحمه الله ثبت عن الزبير رضي الله عنه أنه قال جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه مرتين يوم أحد ويوم بني قريظة فقال ارم فذاك أبي وأمي وقال ولعل ذلك كان في أحد إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير وقال الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي ويذكر ان الزبير رضي الله عنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج وكان يتصدق بذلك كله ولا يدخل بيته من ذلك درهما واحدا

وذلك من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم فقد جاء أنه لما نزل قوله تعالى { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } قال له الزبير يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء قال اما إنه سيكون وقد جعله سبعة من الصحابة وصيا على اولادهم فكان يحفظ على أولادهم مالهم وينفق عليهم من ماله وهؤلاء السعة منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والمقداد وابن مسعود
وعظم عند ذلك البلاء على المسلمين لما وصل إليهم الخبر أي خبر نقض بني قريظة العهد ولا منافاة بين بلوغهم الخبر ما تقدم من عدم الإفصاح به لأنهم جاءهم عدوهم من فوقهم ومن اسفل منهم حتى ظن المسلمون كل الظن وأنزل الله تعالى { إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } وظهر النفاق من المنافقين حتى قال بعضهم كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا فأنزل الله تعالى { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا }
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الأمر بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف المري في أن يقطعهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه فجاآ مستخفيين من أبي سفيان فوافقاه على ذلك أي بعد أن طلبا النصف فأبى عليهما إلا الثلث فرضيا وكتبا بذلك صحيفة
أي وفي رواية أحضرت الصحيفة والدواة ليكتب عثمان بن عفان رضي الله عنه الصلح فلما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقع صلح على ذلك بعث إلى سعد ابن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أمرا تحبه فتصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا أي وفي لفظ إن كان أمرا من السماء فامض له وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فسمع وطاعة وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أمرني الله ما شاورتكما والله ما اصنع ذلك إلا لأني رايت العرب قدرمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر شوكتهم إلى أمر ما فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم أي غطفان على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا ثمرة

إلا قرى أو بيعا وإن كانوا ليأكلون العلهز في الجاهلية من الجهد أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نقطعهم أموالنا أي وفي لفظ نعطي الدنية مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك فأخذ سعد الصحيفة فمحى ما فيها من الكتابة أي وهذا إنما يناسب الرواية الأولى وكذا ما جاء في لفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شق الكتاب فشقه سعد وقال لعيينة والحارث ارجعابيننا وبينكم السيف رافعا صوته ثم قال سعد ليجهدوا علينا
ثم إن طائفة من المشركين أقبلوا أي وأكرهوا خيولهم على اقتحام الخندق من مضيق به وفيهم عكرمة بن ابي جهل رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وفيهم هبيرة بن أبي وهب أي وهو زوج ام هانئ أخت علي كرم الله وجهه رضي الله عنها وأبو أولادها مات على كفره وضرار بن الخطاب وعمرو بن عبد ود أي قيل ونوفل بن عبد الله وكان عمرو بن عبدود عمره إذ ذاك تسعين سنة فقال من يبارز فقام علي كرم الله وجهه وقال أنا له يا نبي الله فقال صلى الله عليه وسلم له اجلس إنه عمرو بن عبدود ثم كرر عمرو النداء وجعل يوبخ المسلمين ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها افلا تبرزون لي رجلا وأنشد أبياتا منها ** ولقد بححت من الندا ** ء يجمعكم هل من مبارز ** ** إن الشجاعة في الفتى ** والجود من خير الغرائز **
فقام علي كرم الله وجهه فقال أنا له يا رسول الله فقال اجلس إنه عمرو بن عبدود ثم نادى الثالثة فقام علي كرم الله وجهه فقال أنا له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه عمرو فقال وإن كان عمرا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشد سيدنا علي ابياتا منها ** لا تعجلن فقد أتا ** ك مجيب قولك غير عاجز ** ** ذونية وبصيرة ** والصدق منجي كل فائز **
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه الحديد وعممه بعمامته وقال اللهم أعنه عليه أي وفي لفظ اللهم هذا أخي وابن عمي فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين
زاد في رواية أنه صلى الله عليه وسلم رفع عمامته إلى السماء وقال إلهي أخذت عبيدة

مني يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي أخي وأبن عمي الحديث فمشى إليه علي كرم الله وجهه فقال له يا عمرو إنك كنت قد عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين أي خصلتين إلا أخذتها منه قال له أجل أي نعم فقال له علي كرم الله وجهه فأنا أدعوك إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام فقال لا حاجة لي بذلك قال له علي فإني أدعوك إلى البراز
قال وفي رواية إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلى قبلتها قال أجل فقال علي فإني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتسلم لرب العالمين فقال يا أبن أخي أخر عني هذه قال وأخرى ترجع إلى بلادك فان يك محمد صلى الله عليه وسلم صادقا كنت أسعد الناس به وإن يك كاذبا كان الذي تريد قال هذا مالا تتحدث به نساء قريش أبدا كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت أي فإنه نذر لما أفلت هاربا يوم بدر وقد جرح أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا صلى الله عليه وسلم قال فالثالثة ما هي قال البراز فضحك عمرو وقال إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرو عني بها ا هـثم قال له عند طلب المبارزة لم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك فقال علي كرم الله وجهه ولكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو عند ذلك أي أخذته الحمية
وفي رواية أن عمرا قال له من أنت أي لأن عليا كرم الله وجهه كان مقنعا بالحديد قال علي قال ابن عبد مناف قال أنا علي بن أبي طالب فقال غيرك يا أبن أخي من أعماك من هو أشد منك فإني أكره أن أهريق أي اسيل دمك أي وزاد في رواية فإن أباك كان لي صديقا أي وفي لفظ كنت له نديما فقال علي وأنا والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب فقال له علي كرم الله وجهه كيف أقاتلك وأنت على فرسك ولكن انزل معي فاقتحم عن فرسه وسل سيفه كأنه شعلة نار فعقر فرسه وضرب وجهه وأقبل على علي كرم الله وجهه فاستقبله على بدرقته فضرب عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي كرم الله وجهه على حبل عاتثه أي وهو موضع الرداء من العنق فسقط وكبر المسلمون فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير عرف أن عليا كرم الله وجهه قتل عمرا لعنه الله
أي وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك قال قتل علي لعمرو بن عبدود

أفضل من عبادة الثقلين قال الإمام أبو العباس بن تيمية وهذا من الأحاديث الموضوعة التي لم ترد في شيء من الكتب التي يعتمد عليها ولا بسند ضعيف وكيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين الإنس والجن ومنهم الأنبياء قال بل إن عمرو بن عبدود هذا لم يعرف له ذكر إلى في هذه الغزوة
أقول ويرد قوله إن عمرو بن عبدود هذا لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة قول الأصل وكان مرو بن عبدود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلما أي جعل له علامة يعرف بها ليرى مكانه أي ويرده أيضا ما تقدم من أنه نذر ان لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا صلى الله عليه وسلم واستدلاله بقوله وكيف يكون إلي آخره فيه نظر لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين
وفي تفسير الفخر أنه صلى الله عليه وسلم قال لعي كرم الله وجهه بعد قتله لعمرو بن عبدود كيف وجدت نفسك معه يا علي قال وجدته لو كن أهل المدينة كلهم في جانب وانا في جانب لقدرت عليهم
وفي كلام السهيلي رحمه اله ولما أقبل علي كرم الله وجهه بعد قتله لعمر بن عبدود علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متهلل قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه هلا سلبته درعه فإنه ليس في العرب درع خير منها قال إني حين ضربته استقبلني بسوءته فاستحيت يا ابن عمي أن أسلبه هذا كلامه
وعندي أن هذا اشتباه من بعض الرواة لأن هذه الواقعة لعلي كرم الله وجهه إنما كانت في يوم أحد مع طلحة بن أبي طلحة كما تقدم وعمرو بن عبدود ولم يشهد أحدا كما تقدم عن الأصل فليتأمل
قال وذكر ابن اسحق ان المشركين بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لكم ولا نأكل ثمن الموتى وحين قتل عمرو رجع من وصل الخندق من المشركين بخيلهم هاربين فتبعهم الزبير رضي الله عنه وضرب نوفل بن عبد الله بالسيف فشقه نصفين ووصلت الضربة إلى كاهل فرسه فقيل له يا ابا عبد الله ما رأينا مثل سيفك فقال والله ما هو السيف ولكنها الساعد أي وفيه أنه تقدم أن نوفل بن عبدالله وقع في الخندق فاندقت عنقه إلى آخر

ما تقدم لكني رأيت بعضهم قال إن وقوع نوفل في الخندق ورميه بالحجارة وقتل علي كرم الله وجهه له في الخندق غريب من وجهين فليتأمل
وحمل الزبير رضي الله عنه على هبيرة بن ابي وهب وهو زوج أم هانئ أخت علي بن أبي طالب كما تقدم فضرب ثغر فرسه فقطعه وسقطت درع كان محقبها الفرس أي جعلها على مؤخر ظهرها فأخذها الزبير وألقى عكرمة بن ابي جهل رمحه وهو منهزم أنتهى
أي وفي رواية ثم حمل ضرار بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهبيرة ابن أبي وهب على علي كرم الله وجهه فأقبل علي عليهما فأما ضرار فولى هاربا ولم يثبت وأما هبير فثبت ثم ألقى درعه وهرب وكان فارس قريش وشاعرها
وذكر أن ضرار بن الخطاب لما هرب تبعه أخوه عمر بن الخطاب وصار يشتد في أثره فكر ضرار راجعا وحمل على عمر رضي الله عنه بالرمح ليطعنه ثم أمسك قال يا عمر هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك ويدلي عندك غير مجزي بها فاحفظها
أي ووقع له مع عمر رضي الله عنه مثل ذلك في أحد فانه التقى معه فضرب عمر رضي الله عنه بالقناة ثم رفعها عنه وقال له ما كنت لأقتلك يا ابن الخطاب ثم من الله على ضرار فأسلم وحسن إسلامه وكان شعار المسلمين حم لا ينصرون أي ولعل المراد بالمسلمين الأنصار فلا يخالف ما في الامتاع وكان شعار المهاجرين يا خيل الله
وفيه خرجت طائفتان للمسلمين ليلا لا يشعر بعضهم ببعض ولا يظنون إلا أنهم العدو فكانت بينهم جراحة وقتل ثم نادوا بشعار الإسلام حم لا ينصرون فكف بعضهم عن بعض
وقد يقال يجوز ان تكون الطائفتان كانت من الأنصار وجاءوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جراحكم في سبيل الله ومن قتل فهو شهيد وبهذا استدل أئمتنا على أن من قتله مسلم خطأ في الحرب يكون شهيدا
ورمى سعد بن معاذ بسهم قطع أكحله وهو عرق في الذراع تتشعب منه عروق البدن ولعله محل الفصد الذي يقال له المشترك أي ويقال لهذا العرق عرق الحياة أي رماه ابن العرقة أسم جدته سميت بذلك لطيب عرقها وقال خذها وأنا ابن العرقة فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال عرق الله وجهه في النار وقيل قائل ذلك سعد

رضي الله عنه وعند ذلك قال سعد اللهم إن كانت وضعت الحرب بيننا وبينهم يعني قريشا فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني وفي لفظ حتى تشفيني من بني قريظة وفي لفظ اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وأخرجوه وكذبوه
وفي يوم استمرت المقالتة قيل من سائر جوانب الخندق إلى الليل ولم يصل صلى الله عليه وسلم ولا أحد من المسلمين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أي وصار المسلمون يقولون ما صلينا فيقول صلى الله عليه وسلم ولا أنا فلما انكشف القتال جاء صلى الله عليه وسلم إلى قبته وأمر بلالا فأذن وأقام الظهر فصلى ثم أقام بعد كل صلاة إقامة وصلى هو وأصحابه ما فاتهم من الصلوات
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء
أقول في الرواية الأولى ما يشهد لقول إمامنا الشافعي يندب أن يؤذن للأولى من الفوائت ويقيم لما عداها إذا قضاها متوالية وكونه يؤذن للأولى من الفوائت هو ما ذهب إليه في القديم وهو المتفي به
وفي الرواية الثانية دليل على أنه يؤذن لكل من الفوائت إذا قضاها متوالية ولم يقل به إمامنا فإنه جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه مرسلا لأنه رواه عنه ابنه أبو عبيدة ولم يسمع منه لصغر سنه
وروى إمامنا الشافعي رضي الله عنه باسناد صحيح عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوى أي طائفة من الليل حتى كفينا القتال وذلك قوله تعالى { وكفى الله المؤمنين القتال } فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها كما كان يصلى ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أي وفي لفظ فصلى كل صلاة كأحسن ما كان يصليها في وقتها وهو دليل لعدم ندب الأذان للفائتة وهو ما ذهب إليه إمامنا الشافعي رضي الله عنه في الجديد وهم مرجوح
وجمع الإمام النووي في شرح المهذب بين ورواية إلى الليل حتى ذهب هوى

من الليل بأنهما قضيتان جرتا في ايام الخندق قال فإنا كانت خمسة عشر يوما أي على ما تقدم
وفيه أن كونهما قضيتين أمر واضح لا خفاء فه لأن في الأولى وفي يوم استمرت المقاتلة إلى الليل وفي الثانية حتى كفينا القتال فمع ذلك كيف يظن انهما قضية واحدة حتى يحتاج إلى الجمع وظاهر سياق هذه الروايات أنه صلى الأربع صلوات بوضوء واحد وبه صرح البغوي في تفسير سورة المائدة وحينئذ يحتاج للجمع بينه وبين ما يأتي في فتح مكة
وروى الطحاوي استدل به مكحول والأوزاعي على جواز تأخير الصلاة لعذر القتال أن الشمس ردت له صلى الله عليه وسلم بعد ما غربت حين شغل عن صلاة العصر حتى صلى الله عليه وسلم العصر وذكر الإمام النووي في شرح مسلم أن رواته ثقات
وفي البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء يوم الخندق بعد ما كادت الشمس تغرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها يعني العصر فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى الله عليه وسلم بعدها المغرب وهذه الرواية تقتضي أنه لم يفته إلى العصر وأنه صلاها بعد الغروب
قال الإمام النووي رحمه الله وطريق الجمع أنه هذا كان في بعض أيام الخندق وكون صلاة العصر هي الوسطى قد جاء في بعض الروايات شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس ملأ الله أجوافهم وفي لفظ بطونهم وقبورهم نارا والذي في البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس وكون الوسطى هي صلاة العصر هو قول من تسعة عشر قولا ذكرها الحافظ الدمياطي في مؤلف له سماه كشف الغطا عن الصلاة الوسطى وفي الينبوع ان كون الصلاة الوسطى هي العصر هو الذي أعتقده والله اعلم
قال وجاء أنه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب فلما فرغ قال أحد منكم علم أني صليت العصر قالوا يا رسول الله ما صلينا أي لا نحن ولا انت فأمر المؤذن فأقام

الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب قيل وكان ذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا }
أقول يحتاج إلى الجواب عن إعادة المغرب وقد يقال أعادها مع الجماعة وأن قوله { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } يرشد إلى أن المراد بصلاة الخوف صلاة شدته لا صلاة ذات الرقاع التي نزل فيها قوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية كما تقدم فلا ينافي ما تقدم من صلاته في الرقاع بناء على تقدمها على هذه الغزوة التي هي غزوة الخندق
وحينئذ يندفع الاستدلال على أن ذات الرقاع متأخرة عن الخندق بقولهم ولم تكن شرعت صلاة الخوف أي صلاة ذات الرقاع وإلا لصلاها في الخندق ولم يخرج الصلاة عن وقتها لما علمت أن المراد بصلاة الخوف التي لم تشرع زمن الخندق صلاة شدته لا صلاة ذات الرقاع وسقط القول بان الآية التي نزلت في صلاة ذات الرقاع منسوخة فتركه صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة في الخندق لأن الخندق وإن لم يلتحم فيه القتال إلا أنهم لا يأمنون هجوم العدو عليهم فلو صلوها لكانت تلك الصلاة صلاة شدة الخوف لا صلاة ذات الرقاع لأنه شرطها أمن هجوم العدو وصلاة شدة الخوف إما أن يلتحم فيها القتال أو يخافوا هجوم العدو
وقول بعضم أن ابن اسحاق وهو إمام أهل المغاز ذكر أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بعسفان وذكر انها قبل الخندق فتكون صلاة عسفان منسوخة أيضا فيه نظر ظاهر لأن صلاة عسفان إنما كانت في الحديبية كما سيأتي وعلى تسليم أن صلاة عسفان كانت قبل الخندق فتلك يشترط فيها الأمن من هجوم العدو والله أعلم
قال ثم إن طائفة من الأنصار خرجوا ليدفنوا ميتا منهم بالمدينة فصادفوا عشرين بعيرا لقريش محملة شعيرا وتمرا وتبنا حملها ذلك حي بن أخطب شدادا وتقوية لقرش فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوسع بها أهل الخندق
ولما بلغ أبا سفيان ذلك قال إن حييا لمشئوم فلع بنا ما نجد ما نحمل عليه إذا رجعنا
ثم إن خالد بن الوليد كر بطائفة من المشركين يطلب غرة للمسلمين أي غفلتهم فصادف أسيد بن حضير على الخندق ي مائتين من المسلمين فناوشوهم أي تقاربوا منهم

ساعة وكان في أولئك المشركين وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه فزرق الطفيل بن النعمان فقتله ثم بعد ذلك صاروا يرسلون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة أي الإغارة فأقام المسلمون في شدة من الخوف
أي وفي الصحيحين ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم وزلزلهم أي وقام في الناس فقال يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافيه فإن لقيتم العدو فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف أي السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله تعالى ودعا صلى الله عليه وسلم بقوله يا صريخ المكروبين يا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فإنك ترى ما نزل بي وباصحابي وقال له المسلمون رضي الله عنهم هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال نعم قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا فاتاه جبريل عليه السلام فبشره أن الله يرسل علهم ريحا وجنودا وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وصار يرفع يديه قائلا شكرا شكرا
وجاء أن دعاءه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء واستجيب له ذلك اليوم الذي هو يوم الأربعاء بين الظهر والعصر فعرف السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم أي ومن ثم كان جابر رضي الله عنه يدعو في مهماته في ذلك اليوم في ذلك الوقت ويتحرى ذلك
والاحاديث والآثار التي جاءت بذم يوم الأربعاء محمولة على آخر اربعاء في الشهر فإن ذلك ذلك اليوم ولد فرعون وادعى الربوبية وأهلكه الله فيه وهو اليوم الذي أصيب فيه أيوب عليه الصلاة و السلام بالبلاء
قال وكان صلى الله عليه وسلم يختلف إلى ثلمة في الخندق والثلمة الخلل في الحائط فعن عائشة رضي الله عنها قالت وكان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى تلك الثلمة فإذا أخذه البرد جاء فأدفأته في حضني فإذا دفئ خرج إلى تلك الثلمة ويقول ما أخشى أن تؤتى المسلمون إلا منها فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضني صار يقول ليت رجلا صالحا يحرس هذه الثلمة الليلة فسمع صوت السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هذا فقال سعد بن أبي وقاص سعد يا رسول الله أتيتك أحرسك

فقال عليك هذه الثلمة فاحرسها ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غط وقام صلى الله عليه وسلم في قبته يصلي لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ومن ثم لما نعي لابن عباس أخوه قثم وهو في سفر اسرجع وتنحى عن الطريق وصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس وتلا { واستعينوا بالصبر والصلاة }
ثم خرج صلى الله عليه وسلم من قبته فقال هذه خيل المشركين تطيف بالخندق ثم نادى يا عباد بن بشر قال لبيك قال هل معك أحد قال نعم انا في نفر حوق قبتك يا رسول الله وكان ألزم الناس لقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسها فبعثه صلى الله عليه وسلم يطيف بالخندق وأعلمه بأن خيل المشركين تطيف بهم ثم قال اللهم ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم واغلبهم لا يغلبهم غيرك وإذا أبو سفيان في خيل يطوفون بمضيق من الخندق فرماهم المسلمون حتى رجعوا
ثم إن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ليلا فقال يا رسول الله إني أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت قال وفي رواية أن نعيما لما سارت الاحزاب سار مع قومه أي غطفان وهو على دينهم فقذف الله في قلبه الإسلام فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء فوجده يصلي فلما رآه جلس ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء بك يا نعيم قال جئت أصدقك وأشهد أن ما جئت به حق فأسلم انتهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة بتفح الخاء وسكون الدال المهملة أي ينقضي أمرها بالمخادعة فقال له نعيم يا رسول الله إني أقول أي ما يقتضيه الحال وإن كان خلاف الواقع قال قل ما بدا لك فأنت في حل
فخرج نعيم رضي الله عنه حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما قال فلما رأوني رحبوا بي وعرضوا علي الطعام والشراب فقلت إني لم آت لشئ من هذا إنما جئتكم تخوفا عليكم لأشير عليكم برأي يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم اكتموا عني قالوا نفعل قال لقد رأيتم ما وقع لبني قينقاع ولبني النضير من إجلائهم وأخذ أموالهم وإن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم وبها أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم لا تقدرون على أن ترحلوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتمهوهم أي عاونتموهم عليه

وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أي فرصة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين بلدكم والرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم أي سبعين رجلا يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى يناجزوه أي يقاتلوه قالوا له لقد أشرت بالرأي والنصح ودعوا له وشكروا وقالوا نحن فاعلون قال ولكن اكتموا عني قالوا نفعل
ثم خرج رضي الله عنه حتى أتى قريشا فقال لابي سفيان ومن معه سن أشراف قريش قد عرفتم ودي لكم وفراقي لمحمد وإنه قد بلغني أمر قد رأيت أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا قالوا نفعل قال تعلمون أن معشر يهود يعني بني قريظة قد ندموا على ما صنعا فيما بينهم وبين محمد أي من نقض عهده وقد أرسلوا اليه أي وأنا عندهم أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجالا من أشرافهم أي سبعين رجلا فنعطيكهم فتضرب أعناقهم أي وترد جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم يعنون بني النضير ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم فأرسل إليهم نعم فإن بعث إليكم يهود يطلبون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا اليهم رجلا واحدا واحذروهم على أسراركم ولكن اكتموا عني ولا تذكروا من هذا حرفا قالوا لا نذكر
ثم خرج رضي الله عنه حتى اتى غطفان فقال يا معشر غفطان إنكم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهمونني قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال فاكتموا علي قالوا نعم فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم
فلما كان ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش غطفان فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام وقد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى ننجاز أي نقاتل محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم إن اليوم أي الذي يلي هذه الليلية يوم السبت وقد علمتم ما نال منا من تعدي في السبت ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا أي سبعين رجلا فقالوا صدق والله نعيم
وفي رواية أن بني قريظة ارسلت لقريش مجيء رسل قريش إليهم رسولا يقول لهم ما هذا التواني والرأي أن تتواعدوا على يوم يكونون معكم فيه لكنهم لا يخرجون

حتى ترسلوا اليهم رهنا سبعين رجلا من أشرافكم فإنهم يخافون إن أصابكم ما تكرهون رجعتم وتركتموهم فلم ترد لهم قريش جوابا وجاءهم نعيم وقال له كنت عند أبي سفيان وقد جاءه رسولكم فقال لو طلبوا مني عناقا ما دفعتها لهم فاختلفت كلمتهم أي وجاء حي بن أخطب لبني قريظة فلم يجد منهم موافقة له وقالوا لا نقاتل معهم حتى يدفعوا الينا سبعين رجلا من قريش وغطفان رهنا عندنا وبعث الله تعالى ريحا عاصفا أي وهي ريح الصبا في ليال شديدة البرد فنقلت بيوتهم وقطعت أطنابها وكفأت قدورهم على أفواهها وصارت الريح تلقي الرجال على امتعتهم
وفي رواية دنفت الرجال وأطفأت نيرانهم أي وأرسل الله اليهم الملائكة زلزلتهم قال تعالى { فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } ولم تقاتل الملائكة بكل نفثت في روعهم الرعب وقال صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبات وأهلكت عاد بالدبور وفي لفظ نصر الله المسلمين بالريح وكانت ريحا صفراء ملأت عيونهم ودامت عليهم
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه اختلاف كلمتهم وكانت تلك الليللة شديدة البرد والريح في أصوات ريحها أمثال الصواعق وسيأتي أنها لم تجاوز عسكر المشركين وشديدة الظلمة بحيث لا يرى الشخص أصبعة إذا مدها
فجعل المنافقون يستأذنون ويقولون إن بيوتنا عورة أي من العدو لأنها خارج المدينة وحيطانها قصيرة يخشى عليها السرقة فائذن لنا أن نرجع إلى نسائنا وابنائنا وذرارينا فيأذن صلى الله عليه وسلم لهم
قيل ولم يبق معه صلى الله عليه وسلم تلك الليلة إلا ثلثمائة وقال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير رضي الله عنه أنا قال صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاثا والزبير يجبيه بما ذكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري أي ناصر وإن حواري الزبير اي وهذا قاله صلى الله عليه وسلم له ايضا عند إرساله لكشف خبر بني قريظة هل نقضوا العهد أو لا كما تقدم وسيأتي قول ذلك له أيضا في خيبر وفي الحديث حواري الزبير من الرجال وحواري من النساء عائشة وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال ألا رجل يقم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة وفي لفظ يكون معي يقوم القيامة وفي لفظ يكون رفيق ابراهيم يوم القيامة قال ذلك ثلاثا فما قام أحد من شدة الخوف والجوع والبرد فدعا صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان قال فلم أجد بدا من القيام حيث فوه باسمي

فجئته صلى الله عليه وسلم فقال تسمع كلامي منذ الليلة ولا نقوم فقلت لا والذي بعثك بالحق إن قدرت أي ما قدرت على ما بي من الجوع والبرد والخوف فقال اذهب حفظك الله من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترجع إلينا قال حذيفة فلم يكن لي بد من ا القيام حين دعاني وقال يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فقمت مستبشرا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني احتملت احتمالا وذهب عني ما كنت أجد من الخوف والبرد وعهد صلى الله عليه وسلم إلي أن لا أحدث حدثا وفي رواية أما سمعت صوتي قلت نعم قال فما منعك ان تجيبني قلت البرد قال لا برد عليك حت ترجع كما يدل على ذلك الرواية الآتية فقال له إن في القوم خبرا فائتني بخبر القوم قال وفي رواية إنه صلى الله عليه وسلم لما كرر قوله ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة ولم يجبه أحد قال ابو بكر رضي الله عنه يا رسول الله حذيفة قال حذيفة فمر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علي جنة من العدو والبرد إلا مرطا لامرأتي ما يجاوز ركبتي وأنا جاث على ركبتي فقال من هذا قلت حذيفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة قال حذيفة رضي الله عنه فتقاصرت بالأرض قلت بلى يا رسول الله قال قم فقمت فقال إنه كائن في القوم خبر فائتني بخبر القوم فقلت والذي بعثك بالحق ما قمت إلا حياء منك من البرد قال لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي فقلت والله ما بي أن اقتل ولكن أخشى أن أوسر فقال إنك لن تؤسر اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فمضيت كأني أمشي في حمام مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار وهو عربي قال حذيفة فلما وليت دعاني فقال لي لا تحدثن شيئا وفي رواية لا ترم بسهم ولا حجر ولا تضربن بسيف حتى تأتيني فجئت إليهم ودخلت في غمارهم فسمعت ابا سفيان يقول يا معشر قريش ليتعرف كل امرئ منكم جليسه واحذروا الجواسيس والعيون فأخذت بيد جليسي على يميني وقلت من أنت فقال معاوية بن ابي سفيان وقبضت يد من علي يساري وقلت من أنت قال عمرو بن العاص فعلت ذلك خشية أين يفطن بي فقال أبو سفيان يا معشر قريش والله إنكم لستم بدار مقام ولقد هلك الكراع والخف واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل ووثب علي جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم أي فإنه لما ركبه كان معقولا

فلما ضربه وثب على ثلاثة قوائم ثم حل عقاله فقال له عكرمة بن أبي جهل إنك رأس القوم وقائدهم تذهب وتترك الناس فاستحيا أبو سفيان وأناخ جمله وأخذ بزمامه وهو يقوده وقال ارحلوا فجعل الناس يرحلون وهو قائم ثم قال لعمرو بن العاص يا أبا عبدالله نقيم في جريدة من الخيل بإزاء محمد وأصحابه فإنا لا نأمن أن نطلب فقال عمرو أنا أقيم وقال لخالد بن الوليد ما ترى أبا سليمان فقال أنا أيضا أقيم فأقام عمرو وخالد في مائتي فارس وسار جميع العسكر قال حذيفة رضي الله عنه ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي حين بعثني أن لا أحدث شيئا لقتله يعني أبا سفيان بسهم وسمعت غطفان بما فعلت قريش فاشتدوا راجعين إلى بلادهم
وفي رواية فدخلت العسكر فإذا الناس في عسكرهم يقولون الرحيل الرحيل لا مقام لكم والريح تقلبهم على بعض امتعتهم وتضربهم بالحجارة والريح لا تجاوز عسكرهم فلما انتصفت الطريق إذا أنا بنحو عشرين فارسا معتمين فخرج إلي منهم فارسان وقالا أخبر صاحبك ان الله كفاه القوم قال حذيفة ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قائما يصلي فخبرته فحمد الله تعالى وأثنى عليه أي وفي رواية فأخبرته الخبر فضحك حتى بدت ثناياه في سواد الليل وعاودني البرد فجعلت أقرقف فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فدنوت منه فسدل علي من فضل شلمته فنمت ولم أزل نائما حتى الصبح أي طلوع الفجر فلما أن أصبحت أي دخل وقت صلاة الصبح وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا نومان أي يا كثير النوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قاله له لا بأس عليك من برد حتى ترجع إلي
أي ومن هذا أي إرسال حذيفة رضي الله عنه وما تقدم أي من إرسال الزبير رضي الله عنه تعلم أن ذلك كان في الخندق ولا مانع منه لأن يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم عدل عن ارسال الزبير واختار حذيفة لأمر قام عنده صلى الله عليه وسلم من جملة ذلك كون الزبير رضي الله عنه حدة وشدة لا يملك نفسه أن يحدث بالقوم ما نهى عنه حذيفة رضي الله عنه وحينئذ يرد قول بعضهم إن الزبير انما أرسل لكشف أمر بني قريظة هل نقضوا العهد أم لا لا لكشف أمر قريش وحذيفة رضي الله عنه ذهب لكشف أمر قريش هل ارتحلوا أولا وقد اشتبه الأمر على بعض الناس فظنهما قضية واحدة فليتأمل ذلك

وكان يقال لحذيفة رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه غيره فقد قال حذيفة رضي الله عنه لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان وبما يكون حتى تقوم الساعة أي وتقدم أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقال له ايضا صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد ذكر ابن ظفر في ينبوع الحياة في تفسير قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } وهبت ريح الصبا ليلا فقلعت الأوتاد وألقت عليهم الابنية وكفأت القدور وسفت عليهم التراب ورمتهم بالحصا وسمعوا في ارجاء أي نواحي معسكرهم التكبير وقعقعة السلاح أي من الملائكة فصار سيد كل حي يقول لقومه يا بني فلان هلموا إلي فإذا اجتمعوا قال النجاء النجاء فارتحلوا هرابا في ليلتهم وتركوا ما استتقلوه من متاعهم أي والصبا هي الريح الشرقية
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال الصبا للشمال اذهبي بنا ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيما ويقال لها الدبور فكان نصره صلى الله عليه وسلم بالصبا وكان إهلاك عاد بالدبور وهي الريح العربية وحين انجلاء الأحزاب قال صلى الله عليه وسلم الآن نغزوهم ولا يغزونا وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع ليال من ذي القعدة أي بناء على أنها كانت في القعدة وهو قول ابن سعد وقيل كانت في شوال وكان ذلك سنة خمس أي كا قاله الجمهور قال الذهبي وهو المقطوع به وقال ابن القيم إنه الاصح وقال الحافظ ابن حجر هو المعتمد وقيل سنة أربع وصححه الإمام النوي في الروضة قال بعضهم وهو عجيب فإنه صحح أن غزوة بني قريظة كانت في الخامسة ومعلوم أنها كانت عقب الخندق
أي وفيه أنه يجوز أن تكون بنو قريظ أوائل الخامسة والخندق أواخر الرابعة فتكون في ذي الحجة واستدل من قال إن الخندق كانت سنة أربع بما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض رسول الله يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه فيكون بينهما سنة واحدة أي وكانت سن ثلاث فيكون الخندق سنة أربع
قال الحافظ ابن حجر ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون ابن عمر رضي الله عنهما

في أحد كان أول ما طعن في الرابعة عشرة وكا في الأحزاب قد استكمل الخمسة عشرة وسبقه إلى ذلك البيهقي وحينئذ يكون بين أحد والخندق سنتان كما هو الواقع لاسنة واحدة
ومما وقع من الآيات في هذه الغزوة في مدة حفر الخندق غير ما تقدم ان بنت بشير بن سعد جاءت لأبيها وخالها أي عبد الله بن رواحة بجفنة من التمر ليتغذيا بها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتيه فصبته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأهما ثم أمر بثوب فبسطت له ثم قال لإنسان عنده اصرخ في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب أي فإن أهل الخندق أصابهم مجاعة قال بعض الصحابة لبثنا ثلاثة أيام لا نذوق زادا وربط صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه من الجوع
أقول أورد ابن حبان في صحيحه لما أورد الحديث الذي فيه نهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال وقالوا ما مالك تواصل يا رسول الله قال إني لست مثلكم إني ابيت يطعمني ربي ويسقيني
قال يستدل بهذا الحديث على بطلان ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع الحجر على بطنه من الجوع لأنه كان يطعم ويسقي من ربه إذا واصل فكيف يترك جائعا مع عدم الوصال حتى يحتاج إلى شد الحجر على بطنه وإنما لفظ الحديث الحجز بالزاي وهو طرف الإزار فصفحوا وزادوا لفظ من الجوع
وأجيب أنه لا منافاة كان صلى الله عليه وسلم يطعم ويسقي إذا واصل في الصوم أي يصير كالطاعم والساقي تكرمة له ولا يحصل له ذلك دائما بل يحصل له الجوع في بعض الأحايين على وجه الابتلاء الذي يحصل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام تعظيما لثوابهم والله اعلم
وإن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لما علم ما به صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع صنع شويهة وصاعا من شعير قال جابر وإنما أريد ان ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فلما قلت له أمر صارخا فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبدالله قال جابر فقلت { إنا لله وإنا إليه راجعون } فأقبل الناس معه أي بعضهم فجلس صلى الله عليه وسلم فأخرجناها إليه فبرك ثم سمى الله تعالى ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا أي وذهبوا إلى الخندق وجاء

آخرون حتى صدر أهل الخندق عنها وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانصرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو
قال وفي رواية أن جابرا رضي الله تعالى عنه لما رأى ما به صلى الله عليه وسلم من الجوع استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانصراف إلى بيته فأذن له قال جابر فجئت لامرأتي وقلت لها إني رأيت رسول الله خمصا شديدا افعندك شيء قالت عندي صاع من شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير وجعلت اللحم في برمة فلما أمسينا جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساورته وقلت له طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان فشبك صلى الله عليه وسلم أصابعه في اصابعي وقال كم هو فذكرت له قال كثيرا طيب لا تنزلن برمتكم لا تخبزن عجينكم حتى أجئ وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سؤارا أي ضيافة فحيهلا بكم أي سيروا مسرعين وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس قال جابر رضي الله عنه فلقيت من الحياء مالا يعلمه إلا الله والله إنها لفضيحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخلوا عشرة عشرة أي بعد أن اخرجت له عجيننا فبصق فيه وبارك ثم عمد صلى الله عليه وسلم إلى برمتنا وبصق فيها وبارك الحديث أي ومجئ القوم كان على الوجه المتقدم وإن أم عامر الأشهلية أرسلت بقصعة فيها حيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في القبة عنده أم سلمة رضي الله تعالى عنها فأكلت أم سلمة حاجتها ثم خرج بالقصعة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم هلموا إلى عشائه فأكل أهل الخندق حتى نهلوا منها وهي كما هي
وقد ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله ونفعنا ببركاته أنه قدم لأربعة عشرة رجلا من الفلاحين رغيفا واحدا فأكلوا منه كلهم وشبعوا قال وقدمت مرة الطاجن الذي نعمله في الفرن إلى سبعة عشر نفسا فأكلوا منه وشبعوا وذكر أنه شاهد شيخه الشيخ محمدا الشناوي رحمه الله ونفعنا ببركاته وقد جاء من الريف ومعه نحو خمسين رجلا ونزل بزاوية شيخه الشيخ محمد السروي فتسامع مجاورو الجامع الأزهر بمجيئه فأتوا لزيارته فامتلأت الزاوية وفرشوا الحصر في الزقاق ثم قال لنقيب شيخه هل عندك طبيخ قال نعم الطبيخ الذي أفعله لي ولزوجتي فقال له لا تغرف شيئا حتى

أحضر ثم غطى الشيخ الدست بردائه وأخذ المغرفة وصار يغرف إلى ان كفى من في الزاوية ومن في الزقاق وهذا شيء رأيته يعيني هذا كلامه
ولا يدع فقد ذكر غير واحد من العلماء كالحافظ ابن كثير ان كرامات الأولياء معجزات للأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن الولي إنما نال ذلك ببركة متابعته لنبيه وثواب إيمانه به وهذا كلامه
قال وأرسل أبو سفيان كتابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه باسمك اللهم فإني أحلف باللات والعزى أي وأساف ونائلة وهبل كما في لفظ لقد سرت إليك في جمع وأنا أريد أن لا أعود اليك أبدا حتى أستأصلكم فرأيتك قد كرهت لقاءنا واعتصمت بالخندق أي وفي لفظ قد اعتصمت بمكيدة ما كانت العرب تعرفها وإنما تعرف ظل رماحها وشباب سيوفها وما فعلت هذا إلا فرارا من سيوفنا ولقائنا ولك مني يوم كيوم أحد فأرسل له صلى الله عليه وسلم جوابه فيه أما بعد أي بعد بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى صخر بن حرب كذا في كلام سبط بن الجوزي فقد أتاني كتابك وقديما غرك بالله الغرور أما ما ذكرت أنك سرت إلينا وأنت لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا فذلك أمر يحول الله بينك وبينه ويجعل لنا العاقبة وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وأسافا ونائلة وهبل حتى أذكرك ذلك يا سفيه بني غالب انتهى
غزوة بني قريظة وهم قوم من اليهود بالمدينة من حلفاء الأوس وسيد الأوس حينئذ سعد بن معاذ رضي الله عنه كما تقدم
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وكان وقت الظهيرة أي وقد صلى الظهر ودخل بيت عائشة رضي الله عنها وقيل زينب بنت جحش رضي الله عنها ودعا بماء فبينما هو صلى الله عليه وسلم يغتسل أي غسل شق رأسه الشريف وفي رواية بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل برجل رأسه قد رجل أحد شقيه أي وفي رواية غسل رأسه واغتسل ودعا بالمحمرة ليتبخر أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم معتجرا بعمامة أي سوداء من استبرق وهو نوع من الديباج مرخيا منها بين كتفيه وفي رواية عليه لامته

ولا معارضة لأنه يجوز أن يكون الاعتجار بالعمامة على تلك اللامة وهو على بغلة أي شهباء عليها قطيفة وهي كساء له وبر من ديباج أي احمر
وفي رواية جاءه على فرس أبلق فقال أو قد وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم قال جبريل عليه السلام ما وضعت السلاح وفي روايه ما وضعت ملائكة الله السلاح بعد قال وفي رواية أنه قال يا رسول الله ما أسرع ما حللتم عذيرك من محارب عفا الله عنك أي من يعذرك وفي لفظ غفر الله لك أو قد وضعم السلاح قبل أن تضعه الملائكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال فوالله ما وضعناه وفي لفظ ما وضعت الملائكة السلاح منذ نزل بك العدو وما رجعنا الآن إلا من طلب القوم يعني الأحزاب حتى بلغنا الأسد انتهى أي جراء الأسد إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد اليهم زاد في رواية بمن معي من الملائكة فمزلزل بهم الحصون زاد في رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في أصحاب جهدا فلو نظرتهم أياما فقال جبريل عليه السلام إنهض إليهم فو الله لأذقنهم كدق البيض على الصفا ولأدخلن فرسي هذا عليهم في حصونهم ثم لأضعضعنها فأدبر جبريل عليه السلام ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم وهم طائفة من الأنصار
وفي البخاري عن أنس قال كأني انظر على الغابر ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل عليه السلام حين سار لبني قريظة والموكب بكسر الكاف اسم لنوع من السير
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بينا هو عندي إذ دق الباب أي وفي رواية نادى مناد أي في موضع الجنائز عذيرك من محارب أي من يعذرك فارتاع لذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي فزع ووثب وثبة منكرة وخرج فخرجت في أثره فإذا رجل على دابة والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما دخل قلت من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه قال ورأيته قلت نعم قال بمن تشبهينه قلت بدحية الكلبي قال ذاك بكسر الكاف جبريل عليه السلام أمرني أن أمضي إلى بني قريظة أي وهذا يؤيد أنه صلى الله عليه وسلم كان عند منصرفه من الخندق

في بيت عائشة وأبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا أي وهو بلال كما في سيرة الحافظ الدمياطي فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر أي وفي رواية الظهر إلا ببني قريظة
قال في النور والجمع بينهما أن الأمر بعد دخول وقت الظهر بالمدينة وقد صلى بعضهم دون بعض فقيل للذين لم يصلوا الظهر لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة وقيل للذين صلوها لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة
وفي رواية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مناديا يا خيل الله أي يا فرسان خيل الله اركبي ثم سار اليهم قال وقد لبس صلى الله عليه وسلم السلاح والدرع والمغفر والبيضة وأخذ قناة بيده الشريفة وتقلد السيف وركب فرسه اللجيف بالضم وقيل ركب حمارا وهو اليعفور عريانا والناس حوله قد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون فرسا له صلى الله عليه وسلم منها ثلاثة واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه برايته إلى بني قريظة
أي وفي رواية دفع إليه لواءه وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق ومر صلى الله عليه وسلم بنفر من بني النجار قد لبسوا السلاح فقال هل مر بكم أحد قالوا نعم دحية الكلبي مر على بغلة بيضاء
أي وفي رواية على فرس أبيض عليه اللامة وأمرنا بحمل السلاح وقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم الآن فلبسنا سلاحنا وصففنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك جبريل عليه السلام بعث إلى بني قريظة ليزلزل حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم
فلما دنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من الحصن أي ومعه نفر من المهاجرين والانصار وغرز اللواء عند أصل الحصن سمع من بني قريظة مقالة قبيحة في حقه صلى الله عليه وسلم أي وحق ازواجه أي فسكت المسلمون وقالوا السيف بيننا وبينكم فلما رأى علي كرم الله وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا أمر أبا قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن يلزم اللواء ورجع إليه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنوا من هؤلاء الأخابث قال لعلك سمعت منهم لي أذى قال نعم يا رسول الله قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا


فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا أخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته قال وفي رواية نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم حتى أسمعهم وقال اجيبوا يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت أي وهو ما عبد من دون الله كما تقدم هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته أتشتموني فجعلوا يحلفون ويقولون ما قلنا ويقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولا أي وفي لفظ ما كنت فاحشا وفي رواية تقدمه صلى الله عليه وسلم إلى يهود أسيد بن حضير رضي الله عنه فقال لهم يا أعداء الله لا تبرحوا من حصنكم حتى تموتوا جوعا إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر فقالوا يا ابن الحضير نحن مواليكم وخاروا أي خافوا قال لا عهد بين وبينكم وتقدم أسيد إلى بني قريظة يجوز أن يكون قبل مقدم علي عليهم ويجوز أن يكون بعده
وإنما قال لهم يا اخوان القردة والخنازير لان اليهود مسخ شبانهم قردة وشيوخهم خنازير عند اعتدائهم يوم السبت بصيد السمك وقد حرم عليهم ذلك كسائر الأعمال وقد أمرهم أن يتفرغوا لعبادة ربهم في ذلك اليوم وكان ذلك في زمن داود عليه السلام فلما مسخوا خرجوا من تلك القرية هائمين على وجوههم متحيرين فمشوا ثلاثة أيام لا يأكلون ولا يشربون ثم ماتوا وهذا دليل لمن يقول إن المسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثا أيام ولم يحصل منه توالد ولا تناسل
وفي الكشاف قيل إن أهل أيلة أي وهي قربة بين مصر ومدين لما اعتدوا في السبت قال داود عليه الصلاة والسلام اللهم العنهم واجعلهم للناس آية فمسخوا قردة
ولما كفر اصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام بعد المائدة قال عيسى اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل مافيهم امرأة ولا صبي هذا كلامه فليتأمل فمكثو ثلاثة ايام لا يأكلون ولا يشربون فماتوا
ثم إن جماعة من الصحابة شغلهم ما لم يكن لهم منه بد عن المسير لبني قريظة ليصلوا بها العصر فأخروا صلاة العصر إلى أن جاءوا بعد عشاء الآخرة امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم لا يصلين العصر إلا في بني قريظة فصلوا العصر بها بعد عشاء الآخرة أي وبعضهم قال نصلي ما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أن ندع الصلاة ونخرجها عن وقتها وإنما أراد الحث على الإسراع فصلوها في أماكنهم ثم ساروا فما عابهم الله في كتابه ولا عنفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأن كلا من الفريقين تأول


قال في الهدى كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضيلتين ولم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر وهو دليل على أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب
وادعى ابن التين رحمه الله أن الذين صلوا العصر صلوها على ظهور دوابهم قال لأنهم لو صلوا نزولا لكان مضادة لما أمروا به من الإسراع ولا يظن ذلك مع تقرب أفهامهم قال الحافظ ابن حجر رحمة الله وفيه نظر لأنه لم يأمرهم بترك النزول ولم أر أنهم صلوا ركبانا في شيء من طرق القصة والتعليل بالإسراع يقتضي أنهم صلوا على ظهور دوابهم سائرة ولا واقفة
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة خمسا وعشرين ليلة وقيل خمسة عشرة يوما أي وقيل شهرا وكان طعام الصحابة التمر يرسل به إليهم سعد بن عبادة رضي الله عنه أي يجاء به من عنده وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ نعم الطعام التمر حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حي بن أخطب دخل مع بني قريظة حصنهم حين رجعت الاحزاب وفاء لكعب بما كان عاهده عليه أي كما تقدم فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم أي يقاتلهم قال كبيرهم كعب بن أسيد يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا أيها شئتم قالوا وما هي قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم ونسائكم وأبنائكم قال وزاد في لفظ آخر وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب حيث لم يكن من بني اسرائيل ولقد كنت كارها لنقض العهد ولم يكن البلاء والشؤم إلا من هذا الجالس يعني حي بن أخطب أتذكرون ما قال لكم ابن خراش حين قدم عليكم إنه يخرج بهذه القرية نبي فاتبعوه وكونوا له انصارا وتكونوا آمنتم بالكتابين الأول والآخر ا هـأي التوراة والقرآن
أي وكانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم ويعلمون الولدان صفته وأن مهاجره المدينة
وفيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت يهود بني قريظة وبني النضير وفدك

وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة ولما قال لهم كعب ذلك قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال كعب فإذا أبيتم على هذه فهلم فانقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد واصحابه رجالا مصلتين السيوف ولم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بييننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا وراءنا نسلا أي ولدا يخشى عليه وإن نظفر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت وأن عسى أن يكون محمد واصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة أي غفلة فقالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت وأصابه مالم يخف عليك من المسخ قال وقال لهم عمرو بن سعد قد خالفتم محمدا فيما حالفتموه أي عاهدتموه عليه ولم أشكركم في غدركم فإن أبيتم أن تدخلوا معه فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فوالله ما أدري يقبلها أم لا قالوا نحن لا نقر للعرب بخراج في رقابنا يأخذونه القتل خير من ذلك قال فإني بريء منكم وخرج في تلك الليلة فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فقال محمد بن مسلمة من هذا قال عمرو بن سعدي قال مر اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام وخلى سبيله وبعد ذلك لم يدر أين هو وقل وجدت رمته وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره فقال ذلك رجل نجاه الله بوفاته
وفي لفظ أنه قال لهم قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم لحصارهم يا بني قريظة لقد رأيت عبرا رأيت دار إخواننا يعني بني النضير خالية بعد ذلك العز والخلد والشرف والرأي الفاضل والعقل تركوا أموالهم قد تملكها غيرهم وخرجوا خروج ذل لا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط ولله بهم حاجة وقد أوقع ببني قينقاع وكانوا أهل عدة وسلاح ونخوة فلم يخرج أحد منهم رأسه حتى سباهم فكلم فيهم فتركهم على إجلائهم من يثرب يا قوم قد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبع محمدا فوالله إنكم لتعلمون أنه نبي وقد بشرنا به علماؤنا ثم لا زال يخوفهم بالحرب والسبي والجلاء ثم أقبل على كعب بن أسيد وقال والتوراة التي انزلت على موسى عليه السلام يوم طور سيناء إنه للعز والشرف في الدنيا
فبينما هم على ذلك لم يرعهم إلا مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم قد حلت بساحتهم

فقال هذا الذي قلت لكم أي وبعد الحصار قيل أرساوا بنباش بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير من أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسلم لهم نساءهم والذرية فارسلوه ثانيا بأنه لا حاجة لهم بشيء من الأموال لا من الحلقة ولا من غيرها فابى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد نباش إليهم بذلك ا هـثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة أي وهو رفاعة بن المنذر لنستشيره في أمرنا أي لأنه كان من حلفاء الأوس وبني قريظة منهم
وفي لفظ وكان ابو لبابة مناصحا لهم لأن ماله وولده وعياله كانت في بني قريظة فارسله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش أي أسرع اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه من شدة المحاصرة وتشتيت ما لهم فرق لهم وقال يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح
أي وفي لفظ ما ترى إن محمدا قد أبى أن لا ينزل إلا على حكمه قال فانزلوا وأومأ إلى حلقه
ويروى انهم قالوا له ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأومأ أبو لبابة بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا قال ابو لبابة رضي الله عنه فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله أي لأن في ذلك تنفيرا لهم عن الانقياد له صلى الله عليه وسلم ومن ثم أنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول } الآية أي وقيل نزل { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم } الآية وهذ أثبت من الأول وقد يقال كلاهما نزل فيه تلك الآية في توجه اللوم عليه وهذه في توبته
لا يقال هي ليست نصا في توبة الله عليه لأنا نقول الترجي في حقه تعالى أمر محقق
وعن ابي لبابة رضي الله عنه لما ارسلت بنو قريظة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يرسلني إليهم دعاني قال اذهب إلى حلفائك فانهم ارسلوا اليكم من بين

الأوس فذهبت إليهم فقام كعب بن اسيد فقال يا ابا بشير قد عرفت ما بيننا وقد اشتد علينا الحصار وهلكنا ومحمد لا يفارق حصننا حتى ننزل على حكمه فلوا زال عنا لحقنا بأرض الشام أو خيبر ولم نطأ له أرضا ولم نكثر عليه جمعا أبدا أما ترى قد اخترناك على غيرك أننزل على حكم محمد قال ابو لبابة نعم فانزلوا وأومأ إلى حلقه بالذبح قال فندمت واسترجعت فقال لي كعب مالك يا ابا لبابة فقلت خنت الله ورسوله فنزلت وإن عيني لتسيل من الدموع ثم انطلق ابو لبابة على وجهه فلم يات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتبط بالمسجد إلى عمود من عمده أي وهي السارية ويقال لها الاسطوانة وهي التي كانت عند باب ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد وقيل الأسطوانة المخلقة التى يقال لها أسطوانة التوبة والأول أثبت وكانت تلك الأسطوانة أكثر تنقله صلى الله عليه وسلم عندها وكان ينصرف إليها من صلاة الصبح فكان يستبق إليها الفقراء والمساكين ومن لا بيت له إلا المسجد فيجئ اليهم صلى الله عليه وسلم ويتلوا عليهم ما أنزل من ليلته ويحدثهم ويحدثونه وكان ارتباطه بسلسلة ريوض أي ثقيلة وقال والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب اله علي مما صنعت وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا ولا يرى في بلد خان الله ورسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره كان استبطأه قال اما لو جاءني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه
هذا وفي كلام البيهقي وأورده في الدر أن ارتباطه إنما كان لتخلفه عن تبوك فقد ذكر أنه لما أشار بيده إلى حلقه وأخبر عنه صلى الله عليه وسلم بذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبت أن الله غفل عن يدك حيث تشير إليهم بها إلى حلقك فلبث حينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عاتب عليه ثم لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك كان ابو لبابة فيمن تخلف فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رجع جاءه أبو لبابة يسلم عليه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع أبو لبابة وارتبط بالسارية
واستغرب ذلك بعضهم فقال وأغرب من ادعى أن أبا لبابة إنما فعل ذلك لتخلفه عن غزوة تبوك
ثم إن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر بهم فكتفوا

وجعلوا ناحية وكانوا ستمائة وقيل سبعمائة وخمسين مقاتلا وهو الذي تقدم عن حيي ابن خطب
ولا يخالف هذا ما قيل إنهم كانوا بين الثمانمائة والسبعمائة وقيل كانوا أربعمائة مقاتل
ولا يخالف ما قبله لأنه يجوز أن يكون ما زاد على ذلك كانوا أتباعا لا يعدون واخرج النساء والذراري من الحصون وجعلوا ناحية أي وكانوا ألفا واستعمل عليهم عبد الله بن سلان فتواثب الأوس وقالوا يا رسول الله موالينا وحلفاؤنا وقد فعلت في موالي إخواننا بالامس ما قد فعلت يعنون بني قينقاع لأنهم كانوا حلفاء الخزرج ومن الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول وقد نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وقد كلمه فيهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له على أن يجلوا كما تقدم أي فظنت الأوس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهب لهم بني قريظة كما وهب بني قينقاع للخزرج فلما كلمته الأوس أبى أن يفعل ببني قريظة ما فعل ببني قينقاع ثم قال لهم أما ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى فقال فذلك إلى سعد بن معاذ أي وقيل إنه صلى الله عليه وسلم قال لهم اختاروا من شئتم من اصحابي فاختاروا سعد بن معاذ أي وهو رضي الله عنه سيد الأوس حينئذ كما تقدم وقيل إنهم قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فرضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة رضي الله عنها وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لقوم سعد بن معاذ حين أصابه السهم بالخندق اجلعوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قرب أي لأن رفيدة رضي الله عنها كان لها خيمة في المسجد تداوي فيها الجرحى من الصحابة ممن لم يكن له من يقوم عليه فأتاه قومه فحملوه على حمار ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون له يا أبا عمرو أحسن في مواليك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم بأحسن فيهم فقد رأيت ابن أبي وما صنع في حلفائه وهو ساكت فلما اكثروا عليه قال رضي الله عنه لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فقال بعضهم واقوماه
فلما انتهى سعد رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين وهم حوله جلوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم أي زاد في رواية

فانزلوه فقال عمرو رضي الله عنه السيد هو الله وفي رواية إلى خيركم أي معاشر المسلمين من المهاجرين والأنصار أو معاشر الانصار فقاموا اليه فقالوا يا ابا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم وفي رواية فقمنا صفين يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم فيهمي يا سعد فقال الله ورسوله أحق بالحكم قال قد أمرك الله أن تحكم فيهم فقال سعد أي لمن في الناحية التي ليس فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم كما حكمت قالوا نعم قال وعلى من ههنا مثل ذلك وأشار إلى الناحية التى فيها رسول الله وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أي وفي لفظ فقال سعد لبني قريظة أترضون بحكمي قالوا نعم فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن الحكم ما حكم به قال سعد فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وفي لفظ أن يقتل كل من جرت عليه الموسى وتغنم الاموال وتسبى الذراري والنساء زاد بعضهم وتكون الديار للمهاجرين دون الانصار فقالت الأنصار إخواننا يعنون المهاجرين لنا معهم فقال إني أحببت ان يستغنوا عنكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ارقعة أي السموات السبع قيل سميت بذلك لانها رقعت بالنجوم
وجاء في الصحيح من فوق سبع سموات والمراد أن شأن هذا الحكم العلو والرفعة قد طرقني بذلك الملك سحرا
ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن يجمع ما وجد في حصونهم من الحلقة والسلاح وغير ذلك فجمع فوجد فيها ألف وخمسائمة سيف وثلثمائة درع وألفى رمح وخمسمائة ترس وحجفة ووجد أثاثا كثيرا وآنية كثيرة وأجمالا نواضح أي يسقى عليها الماء وماشية وشياها كثيرة وخمس ذلك أي مع النخل والسبي حتى الرثة وهو السقط من امتعة البيت خمسة أجزاء ففض أربعة أسهم على الناس فجعل الفارس ثلاثة أسهم أي سهم له وسهمان لفرسه والراجل سهما قال بعضهم وهو أول فيء وقعت فيه السهام ورضخ للنساء اللاتي حضرن القتال وهن صفية عمته صلى الله عليه وسلم وأم عمارة وأم سليط وأم العلاء والسميراء بنت قيس وأم سعد بن معاذ وكبشة بنت رافع

ولم يسهم لهن وأخذ هو صلى الله عليه وسلم جزءا وهو الخمس وعبارة بعضهم وهو اول فيء وقعت فيه السهمان وخمس أي جزئ خمسة أجزاء وكتب في سهم لله ثم أخذ ذلك السهم الذي خرج عليه وعلى سنته مضت قسمة الغنائم
وفي كون هذا أول في جرت فيه السهمان نظر إنما كان ذلك في بني قينقاع فان الفيء الحاصل منهم خمس خمسة أخماس أخذ صلى الله عليه وسلم واحدا والأربعة لأصحابه أي ووجد جرار خمر فأهريق ولم يخمس وهذ يدل على أن الخمر كانت محرمة قبل ذلك
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأسارى أن يكونوا في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما والنساء والذرية في دار ابنة الحارث النجارية أي لأن تلك الدار كانت معدودوة لنزول الوفود من العرب
وقيل في دار كبشة بنت الحرث بن كريز كانت تحت مسيلمة الكذاب ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز وهذه إنما نزل في دارها وفد بني حنيفة كما سيأتي وبالمتاع أن يحمل وترك المواشي هناك ترعى الشجر
ثم غدا صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم خرج إلى سوق المدينة فخندق فيها خنادق أي حفر فيها حفائر ثم أمر بقتل كل من أنبت فبعث اليهم فجاءوا إليه أرسالا تضرب أعناقهم ويلقون في تلك الخنادق وقد قال بعضهم لسيدهم كعب بن أسيد يا كعب ما تراه يصنع بنا قال في كل موطن لا تعقلون أما ترون أن من ذهب منكم لا يرجع هو والله القتل قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم علي قالوا ليس حين عتاب فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله لى أي وذلك ليلا على شعل السعف
ثم رد عليهم التراب في تلك الخنادق وعند قتلهم صاحت نساؤهم وشقت جيوبها ونشرت شعورها وضربت خدودها وملأت المدينة نواحا
وكن من جملة من أتى معهم عدو الله حيي بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم يمكن الله منك يا عدو الله قال بلى أبي الله إلا تمكينك مني أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل


وفي كلام السهيلي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم لما قال له ألم يكن الله منك فقال بلى ولقد قلقنا كل مقلقل ولكنه من يخذلك يخذل فقوله يخذلك كقول الآخر في البيت ولكنه من يخذل الله يخذل لأنه إنما نظم في البيت كلام حي
ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا با س بأمر الله كتاب وقدر وملحمة أي قتال كتب الله على بني اسرائيل ثم جلس فضربت عنقه قال ولما أت بكعب ابن اسيد سيد بني قريظة قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا كعب قال نعم يا ابا القاسم قال ما انتفعتم بنصح بن خراش لكم وكان مصدقا بي أما امركم باتباعي وأن رأيتموني تقرءوني منه السلام قال بلى والتوراة يا أبا القاسم ولولا ان تعيرني يهود بالجزع من السيف لاتبعتك ولكنه على دين يهود فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدم فيضرب عنقه ففعل به ذلك أي وكان المتولي لقتلهم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه والزبير بن العوام رضي الله عنه
أقول في الإمتاع وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر فقالا يا رسول الله إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه ما كرهه أحد من الأوس فيه خير فمن كرهه فلا أرضاه الله فقام أسيد بن حضير فقال يا رسول الله لا تبق دارا من دور الاوس إلا فرقتهم فيها ففرقهم في دور الانصار فقتلوهم هذا كلامه والضمير في قتلوهم ظاهر في رجوعه للأوس وأنهم المراد بالانصار
وقد يقال لا مخالة لانه يجوز أن يكون المراد بالأوس الذين كرهوا ذلك طائفة منهم وأن تلك الطائفة قتلوا من بعث به إلى دورهم وما عدا ذلك تعاطى قتله علي والزبير والله اعلم
ولم يقتل من نسائهم إلا امراة واحد أخرجت من بين النساء يقال لها نباتة وقيل مزنة كانت طرحت رحى على خلاد بن سويد رضي الله عنه فقتلته بارشاد زوجها لأنه أحب أن لا تبقى بعده فيتزوجها غيره
وقد أسهم صلى الله عليه وسلم لخلاد بن سويد هذا وقال إن له أجر شهيدين وأسهم لسنان بن محصن وقد مات في زمن الحصار
وعن عائشة رضي الله عنها قالت لم يقتل من نسائهم يعني بني قريظة إلا امرأة

واحدة قالت والله إنها لعندي تتحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا أي وكانت جارية حلوة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجلها في السوق أي لأنها دخلت على عائشة وبنو قريظة يقتلون إذ هتف هاتف باسمها أين نباته قالت انا والله قالت عائشة فقلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت لحدث أحدثته أي وفي لفظ قتلني زوجي فقالت لها عائشة كيف قتك زوجك قالت أمرني أن ألقي رحى على أصحاب محمد كانوا تحت الحصن مستظلين في فيئة فأدركت خلاد بن سويد فشدخت رأسه فمات وأنا قتل به
وفي لفظ آخر إني كنت زوجة رجل من بني قريظة وكان بيني وبينه كاشد ما يتحاب الزوجان فلما اشتد امر المحاصرة قلت لزوجي يا حسرتي على أيام الوصال كادت أن تنقضي وتتبدل بليالي الفراق وما أصنع بالحياة بعدك فقال زوجي إنك صادقة في دعوة المحبة تعالي فإن جماعة من المسلمين جالسون في ظل حصن قال الزبير بن بطا وهو بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة فألقى عليهم حجر الرحا لعله يصيب واحدا منهم فيقتله فإن ظفروا بنا فإنهم يقتلونك بذلك ففعلت قالت فانطلق بها فضرب عنقها فكانت عائشة رضي الله عنها تقول والله ما ألقى عجبا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل
وكان في بني قريظة الزبير بن بطا وهو جد الزبير بن ابنه عبد الرحمن وهو بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة كإسم جده وقيل بضم الزاي وفتح المثناة وهو قول البخاري في التاريخ وكان شيخا كبيرا وكان قد من على ثابت بن قيس في الجاهلية يم بغاث وهي حرب التي كانت بين الأوس والخزرج قبل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة وكان الظفر فيها للأوس على الخزرج آخرا كما تقدم أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاء ثابت رضي الله عنه للزبير فقال له يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني قال فهل يجهل مثلي مثلك قال إني أردت أن اجزيك بيدك عندي إن الكريم يجزي الكريم وأحوج ما كنت إليك اليوم وعبد الرحمن هذا هو الذي تزوج امرأة رفاعة وشكته للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي معه كهدية الثوب وأحبت طلاقه لها
ثم أتى ثابت رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه كان للزبير علي منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم هو لك فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهولك فقال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة قال ثابت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله بابي أنت وأمي امرأته وولده فقال هم لك قال فأتيته فقلت قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك فهم لك فقال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ماله قال هو لك فاتيته فقلت له قد اعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك فهو لك فقال أي ثابت أما أنت فقد كافأتني وقد قضيت الذي عليك ما فعل بالذي كان وجهه مرآة مضيئة تتراءى منها عذارى الحي كعب بن اسد أي سيد بني قريظة قلت قتل قال فما فعل بسيد الحاضر والبادي أي من يحملهم في الجدب ويطعمهم في المحل حي بن أخطب قلت قتل قال فما فعل بمقدمتنا بكسر الدال مشددة إذا شددنا وحامينا إذا فررنا عزال بالعين المهملة وتشديد الزاي ابن سمؤال بالسين المهملة مفتوحة ومكسورة قلت قتل قال فما فعل المجلسان بكسر اللام محل الجلوس وبفتحها المصدر يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قلت قتلا وفي لفظ قتلوا قال فإني أسألك يا ثابت بيدك عندي إلا ألحقني بالقوم فوالله ما بالعيش بعد هؤلاء من خير أأرجع إلي دار قد كانوا حلولا فيها فأخلد فيها بعدهم لا حاجة لي فما أنا صابر لله إفراغة لدو ناضح أي مقدار الزمن الذي يفرغ فيه ماء الدلو وفي رواية فتلة دلو ناضح بالفاء والتاء مثناة فوق وقيل بالقاف والباء الموحدة أي مقدار ما يتناول المستسقى للدلو حتى ألقى الأحبة قال ثابت فقدمته فضربت عنقه
أي وقيل إن ثابتا رضي الله عنه قال له ما كنت لاقتلك فقال لا أبالي من قتلني فقتله الزبير بن العوام رضي الله عنه
ولما بلغ أبي بكر رضي الله عنه مقالته ألقى الأحبة قال يلقاهم والله في نار جهنم خالد فيها مخلدا
قال في الأصل وذكر أبو عبيدة هذ الخبر وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أهله وماله إن أسلم أي ولم يسلم فكان أهله وماله من جملة الفيء وكان القتل لكل من أنبت ولم ينبت يكون في السبي
قال عطية القرظي رضي الله عنه كنت غلاما فوجدني لم أنبت فخلا سبيلي أي عن

القتل وكان رفاعة قد أنبت فأرادوا قتله فلاد بسلمى بنت قيس أم المنذر وكانت إحدى خالاته صلى الله عليه وسلم أي خالات جده عبد المطلب لأنها من بني النجار فقالت بأبي وأمي يا رسول الله هب لي رفاعة فوهبه لها أي فأسلم
وقرت عين سعد بن معاذ رضي الله عنه بقتل بني قريظة حيث استجاب الله دعوته فإنه سأل الله تعالى لما اصيب بالسهم في الخندق وقال لا تمتنى حتى تقر عيني من بني قريظة كما تقدم
أي وفي بعض الروايات أن دعاءه رضي الله عنه بذلك كان في الليلة التي في صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقدم عن بعض الروايات
أي ويجوز أن يكون رضي الله عنه دعا بذلك مرتين وفي لفظ فدعا الله أن لا يميته حتى يشفى صدره من بني قريظة
ويمكن أن يكون صاحب الهمزية رحمه الله أشار إليه سب بني قريظة له صلى الله عليه وسلم ونهى بعض اشرافهم لهم عن نقضهم العهد الذي كان بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم الذي سببه حي بن خطب لعنه الله واغترارهم بالأحزاب بقوله ** وتعدوا إلى النبي حدودا ** كان فيها عليم العدواء ** ** واطمأنوا بقول الأحزاب إخوا ** نهم إننا لكم أولياء ** ** وبيوم الأحزاب إذ زاغت ال ** أبصار فيه وضلت الأراء ** ** وتعاطوا في أحمد منكر القو ** ل ونطق الأراذل العوراء ** ** كل رجس يزيده الخلق السو ** ء سفاها والملة العوجاء ** ** فانظروا كيف كان عاقبة القو ** م وما ساق للبذي البذاء ** ** وجد السب فيه سما ولم يد ** ر إذ الميم في مواضع باء ** ** كان من فيه قتله بيديه ** فهو من سوء فعله الزباء ** ** أو هو النحل قرصها يجلب الح ** تف إليها وماله إنكاء **
أي ولما انقضى شأن بني قريظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم فكان كذل وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد انقضاء الأحزاب وانفجر جرح سعد بن معاذ أي الذي في يده وسال الدم واحتضنه صلى الله عليه وسلم فجعلت الدماء تسيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم

فمات منه وحمل إلى منزله ولم يعلم صلى الله عليه وسلم بموته فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم من الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال يا محمد من هذا العبد الصالح وفي لفظ من هذا الميت التي فتحت له ابوب السماء واهتز له العرش وفي رواية عرش الرحمن أي فتحت أبواب السماء لصعود روجه واهتز العرش أي تحرك فرحا بذلك وقال النووي اهتزاز العرش هو فرح الملائكة بقدوم روحه
وفيه أنه هذا لا يحتاج اليه إلا لو كان تحرك العرش مستحيلا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد بن معاذ فوجده قد مات
وعن سلمة بن أسلم بن حريش رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في البيت أحد إلا سعدا مسجي فرأيته يتخطى وأومأ صلى الله عليه وسلم إلى قف فوقفت ورددت من ورائي وجلس صلى الله عليه وسلم ساعة ثم خرج فقلت يا رسول الله ما رأيت أحدا ورأيتك تتخطى فقال ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه
أقول قد وقع له صلى الله عليه وسلم نظير ذلك عند تشييعه لجنازة ثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاري رضي الله عنه فإنه صار يمشي على أطراف أنامله فلم ادفن قيل يا رسول الله رأيناك تمشي على أطراف أناملك قال والذي بعثني بالحق ما قدرت أن أضع قدمي من كثرة ما نزل من الملائكة لتشييعه وقصته مذكوة في السيرة الشامية
ولما حملوا نعش سعد رضي الله عنه وكان جسيما وجدوا له خفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن له حملة غيركم أي من الملائكة لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا أي جنازته ومنهم جملة ماوطئوا الأرض إلا يومهم هذا وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنت ممن حفر لسعد رضي الله عنه قبره فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا قبره من تراب
وجاء لو كان أحد ناجيا من ضمة القبر لنجا منا سعد ضم ضمة ثم فرج الله عنه وعن جابر بن عبد اله رضي الله عنهما قال لما دفن سعد رضي الله عنه ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه ثم كبر فكبر الناس معه فقالوا يا رسول لم سبحت أي وكبرت قال لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرجه الله عنه


وجاء إن بعض أهل سعد رضي الله عنه سئل ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في سبب تضايق القبر على سعد كما يرشد إليه جوابهم بقولهم فقالوا ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال كان يقصر في بعض الطهور من البول بعض التقصير وهذا قد يخالف ما في الخصائص الصغرى وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يضغط في قبره وكذلك الانبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يسلم من الضغطة صالح ولا غيره سواهم وكذا ما في التذكرة للقرطبي إلا فاطمة بنت أسد ببركته صلى الله عليه وسلم أي حيث اضطجع صلى الله عليه وسلم في قبرها ويحتاج للجمع بينه وبين ما في الخصائص
وجاء عن عائشة رضي الله عنها رضي الله عنه أنها قالت يا رسول الله ما انتفعت بشيء منذ سمعتك تذكر ضغطة القبر وضمته فقال يا عائشة إن ضغطة القبر على المؤمن كضمة الأم الشفيقة يديها على رأس ابنها يشكو إليها الصداع وضرب منكر ونكير عليه كالكحل في العين ولكن يا عائشة ويل للشاكين الكافرين أولئك الذين يضغطون في قبورهم ضغطا يقبض على الصخر أي وحينئذ يكون المراد بالمؤمن الذي هذا شأنه الذي لم يحصل منه تقصير فلا ينافي ما تقدم عن سعد فليتأمل وقد روى البيهقي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ رضي الله عنه بين العمودين وبه استدل أئمتنا على أن ذلك أفضل من حمل الجنازة بالتربيع الذي اعتاده الناس الآن
ومشى صلى الله عليه وسلم أمام جنازته ثم صلى عليه وجاءت أمه رضي الله عنها ونظرت إليه في اللحد وقالت أحتسبك عند الله وعزاها رسول الله وهو واقف على قدميه على القبر فلما سوى التراب على قبره رش عليه الماء ثم وقف صلى الله عليه وسلم ودعا ثم انصرف وناحت عليه امه فقال صلى الله عليه وسلم كل ناحئة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ رضي الله عنه أي فإنه رضي الله عنه موصوف بكل ما يقال فيه من الأوصاف الحسنة بخلاف غيره
وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة من سندس كما سيأتي فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم يعجبون من تكل الجبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن يعني من هذا ومن المعلوم أن المنديل أدنى الثياب لأنه معد للامتهان فثيابه رضي الله عنه في الجنة أعلى وأغلى وقد

وهب صلى الله عليه وسلم تلك الجبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ونزلت توبة أبي لبابة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة رضي الله عنها قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر يضحك قالت فقلت مم تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك قال تيب علي أبي لبابة قالت قلت أفل أبشره يا رسول الله قال بلى إن شئت فقامت على باب حجرتها قيل وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب وهو لا يناسب ما تقدم في قصة الإفك فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قال فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده الشريفة
وقيل المبشر له عائشة رضي الله تعالى عنها فلما مر صلى الله عليه وسلم على ابي لبابة خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه
وجاء ان فاطمة رضي الله عنها أرادت إطلاقه فأبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاطمة بضعة مني أي وظاهر هذا أنه رضي الله عنه كان يبر بإطلاق سيدتنا فاطمة رضي الله عنها له فليتأمل
وقد أقام مربوطا ست ليالي أي أو سبع ليال وقيل سبع عشرة ليلة وقيل خمس عشرة ليلة وعليه اقتصر في الامتاع وكان تأتيه امرأته أو بنته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة وكذا إذا أراد حاجة الإنسان ثم يعود فيربط بالعمود حتى كاد يذهب سمعه وبصره ولا مانع أن امرأته وبنته كانتا تتناوبان في ذلك
أي وجاء أنه رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم من تمام توبتي أن أهجر دار قوم أصبت فيها الذنب وفيه أنه تقدم أنه عاهد الله على ذلك قال وأن أنخلع من مالي فقال له عليه الصلاة والسلام يجزيك الثلث أي تتصدق به أي ولم يأمره صلى الله عليه وسلم أن يهجر تلك الدار والجمع بينه وبين ما تقدم من أنه عاهد الله أن لا يطأ تلك الدار ممكن
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري بسبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بهم خيلا وسلاحا قال وفي لفظ بعث سعد بن عبادة إلى الشام بسبايا يبيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا أي فاشترى بذلك خيلا كثيرا قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما

جملة من السبايا فجعلت تلك الجملة من السبايا قسمين جعلت الشواب على حدة وجعلت العجائز على حدة ثم خير عبد الرحمن بن عوف عثمان بن عفان فأخذ العجائز وأخذ عبد الرحمن الشواب وجعل عثمان رضي الله عنه على كل واحدة منهن شيئا إن أتت به عتقت فكان المال يوجد عند العجائز ولا يوجد عند الشواب فربح عثمان مالا كثيرا أقول ويحتاج إلى الجمع
وقد يقال إن كان المراد بالسبايا في قصة سعد بن عبادة وعثمان وعبد الرحمن سبايا بني قريظة فيكون قسموا ثلاثة أقسام قسم أعطى لسعد بن زيد وقسم أعطى لسعد بن عبادة وقسم اشتراه عثمان وعبد الرحمن ووقع الفداء في سبايا بني قريظة وحينئذ يكون المراد بقول القائل وبعث سعد بن زيد بسبايا بني قريظة أي بجملة منهم وبعث سعد بن عبادة بسبايا أي بسبايا بني قريظة أي بجملة منهم وإن كان المراد بالسبايا في قصة سعد بن عبادة غير سبايا بني قريظة فالأمر ظاهر ويدل لهذا الثاني إسقاط بني قريظة منه
ثم رأيته في الإمتاع أسقط قصة سعد بن زيد الأنصاري واقتصر على سعد بن عبادة حيث قال ولما سبيت السبايا والذرية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة رضي الله عنه يبيعهم ويشتري سلاحا هذا كلامه والله أعلم
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين الأم وولدها أي في السبايا الأعم من قريظة وقال لا يفرق بين أم وولدها حتى يبلغ قيل يا رسول الله وما بلوغه قال تحيض الجارية ويحتلم الغلام وكان إذا وجد الولد الصغسير ليس له أم لم يبع من المشركين أي مشركي العرب ولا من يهود وإنما يباع من المسلمين أي وكانت أم الولد الصغير تباع المشركين هي وولدها من العرب ومن يهود المدينة
قال في الإمتاع وكان يفرق بين الأختين إذا بلغتا ومقتضاه انهما إذا لم يبلغا لا يفرق بينهما وأئمتنا معاشر الشافعية لم يحرموا الا التفرقة بين الأصول والفروع إذا لم يميزوا وهو محمل قوله صلى الله عليه وسلم من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ولعله لم تصح تلك الرواية عند إمامنا الشافعي رضي الله عنه
واصطفى صلى الله عليه وسلم لنفسه منهم ريحانة بنت عمرو وهو شمعون مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني النضير وكانت متزوجة في بني قريظة ولعله مراد من

قال إنها كانت من بني قريظة أي وكانت جميلة وأسلمت بعد أن أبت الإسلام ووجد صلى الله عليه وسلم في نفسه أي غضب بسبب ذلك أي بسبب عدم إسلامها ولم يظهر ذلك ثم لما أسلمت سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
فقد جاء لما أبت ريحانة الإسلام عزا لها صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه لذلك وأرسل إلى ثعلبة بن شعبة وكان ممن نزل من حصون بني قريظة في الليلة التي صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ أي علي ما في بعض الروايات وأسلم هو وإخوته أسيد وأسيد وأسد وابن عمه واحرزوا دماءهم وأموالهم وليسوا من بني قريظة وإنما هم من بني هذيل فذكر له صلى الله عليه وسلم ذلك فقال سعد فداك ابي وأمي هي مسلمة أي ظنا منها أنها تسلم فخرج حتى جاءها ولا زال يقول لها أسلمى يصطفيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فاجابت إلى ذلك وأسلمت فبينما هو صلى الله عليه وسلم في مجلس من أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال إن هاتين لنعلا مبشري بإسلام ريحانه فكان كذلك واخبره أنها أسلمت فسر صلى الله عليه وسلم بذلك واستمرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في ملكه اختارت بقاءها في ملكه على العتق والنكاح أي فقد خيرها صلى الله عليه وسلم يين أن يعنقها ويتزوجها أو تكون في ملكه يطؤها بالملك فاختارت أن تكون في ملكه
قال بعضهم والأثبت عند أه لالعلم أنه أعتقها وتزوجها وأصدقها عشرة أوقية ونشا وأعرس بها في المحرم سنة ست بعد أن حاضت حيضة وضرب عليها الحجاب فغارت عليه فطلقها تطليقة فأكثرت من البكاء فراجعها ولم تزل عنده صلى الله عليه وسلم حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع سنة عشر فدفنها بالبقيع ووجوب استبرائها بحيضة يدل لما قاله فقهاؤنا ان من ملك أمه وطئها غيرها وطئا غير محرم لا يحل تزوجها قبل استبرائها وإن أعتقها
وتقدم أن قريظة والنضير أخوان من أولاد هرون على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام
غزوة بني الحيان بناحية عسفان ولحيان بكسر اللام وفتحها قبيلة من هذيل
لا يخفى أن بعد مضى ستة أشهر من غزوة بني قريظة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني لحيان يطلبهم بأصحاب الرجيع أي وهم خبيب واصحابه رضي الله عنهم الذين قتلوا ببئر معونة كما سيأتي ذكر ذكر في السرايا أي لأنه صلى الله عليه وسلم وجد أي حزن وجدا شديدا على اصحابه المقتولين بالرجيع وأراد أن ينتقم من هذيل فأمر اصحابه بالتهيؤ وأظهر أنه يريد الشام أي ليدرك من القوم غرة أي غفلة واستعمل على المدينة أبن ام مكتوم رضي الله عنه وخرج في مائتي رجل ومعهم عشرون فرسا ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى المحل الذي قتل فيه أهل الرجيع ترحم عليهم ودعا لهم بالمغفرة فسمعت به بنو لحيان فهربوا إلى رءوس الجبال أي وأرسل السرايا في كل ناحية فلم يجدوا أحدا أي وأقام على ذلك يومين فلما رأى صلى الله عليه وسلم أنه فاته ما أراده من غرتهم قال لو أنا هبطنا عسفان لرأي أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج في مائتي راكب من اصحابه حتى نزل عسفان وهذا يدل على أن اصحابه كانوا أكثر من مائتين وهو يخالف ما تقدم أنه خرج في مائتي رجل إلا أن يقال زادوا على المائتين بعد خروجه
ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا راجعين وفي لفظ آخر فبعث أبا بكر رضي الله عنه في عشرة فوارس القصة أي وقد يقال لا منافاة بين اللفظين
ثم توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قال جابر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه أي توجه إلى المدينة آيبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون أي وفي رواية لربنا عابدون أعوذ بالله من وعثاء السفر أي مشقة السفر وكآبة أي حزن المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال قال وزاد بعضهم اللهم بلغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير مغفرتك ورضوانك قيل ولم يسمع هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وكانت غيبته عن المدينة أربع عشرة ليلة ا هـ
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من بني لحيان وقف على الأبواء فنظر

يمينا وشمالا فرأى قبر أمه آمنة فتوضأ ثم صلى ركعتين فبكى وبك الناس لبكائه ثم قام فصلى ركعتين ثم انصرف إل الناس وقال لهم صلى الله عليه وسلم ما الذي أبكاكم قالوا بكيت فبكينا يا رسول الله قال ما ظننتم قالوا ظننا أن العذاب نازل علينا قال لم يكن من ذلك شئ قالوا ظننا أن أمتك كلفت من الأعمل مالا تطيق قال لم يكن من ذلك شيء ولكني مررت بقبر أمي فصليت ركعتين ثم استأذنت ربي عز وجل أن أستغفر لها فزجرت زجرا أي منعت عن ذلك منعا شديدا فأبكاني وفي لفظ فعلى بكائي هذا أي فعلى هذا بكائي
والذي في الوفاء أنه صلى الله عليه وسلم وقف على عسفان فنظر يمينا وشمالا فأبصر قبر أمه فورد الماء فتوضأ ثم صلى ركعتين قال بريدة فلم يفجأنا إلا ببكائه فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فقال ما الذي أبكاكم الحديث
ثم دعا براحلته فركبها فسار يسيرا فأنزل الله تعالى { ما كان للنبي } صلى الله عليه وسلم { والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } إلى آخر الأيتين فلما سرى عنه الوحي قال أشهدكم أني برى من آمنة كما تبرأ إبراهيم من أبيه
أي وهذا السياق يدل على أن هاتين الآيتين غير ما زجر به عن الاستغفار لها المتقدم في قوله فزجرت زجرا فليتأمل
وفي مسلم عن أبي ايوب رضي الله عنه قال زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزورها أي بعد ذلك فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت
وسيأتي عن عائشة رضي الله عنها أن في حجة الوداع مر صلى الله عليه وسلم على عقبة الحجون فنزل وقال لها وقفت على قبر أمي وسيأتي أن ذلك يدل على أن قبر أمه بمكة لا بالأبواء وتقدم الجمع بين كونه بالأبواء وكونه بمكة وسيأتي بالحديبية أنه صلى الله عليه وسلم زار قبرها وفي فتح مكة أيضا وسيأتي الكلام على ذلك وأن ذلك كان قبل إحيائها له وإيمانها به صلى الله عليه وسلم
غزوة ذي قرد بفتح القاف والراء وقيل بضمهما أي وقيل بضم الأول وفتح الثاني اسم ماء والقرد في الأصل الصوف الردئ ويقال لها غزوة الغابة والغابة الشجر الملتف
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة بني لحيان لم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن في خيل من غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة أي وكانت اللقاح عشرين لقحة وهي ذات اللبن القريبة من الولادة أي لها ثلاثة أشهر ثم هي لبون وفيها رجل من بني غفار هو ولد أبي ذر الغفاري وزوجة لأبي ذر فقوله وامرأة له أي لأبي ذر رضي الله عنه لا لولده كما يعلم مما يأتي وكان راعيها يئوب أي يرجع بلبنها كل ليلة عند المغرب إلى المدينة أي فإن المسافة بينها وبين المدينة يوم أو نحو يوم فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة مع اللقاح
وعند ابن سعد كان فيها أبو ذر وولده أي وزوجة أي ذر فقتلوا ولده أي واحتملوا المرأة قال جاء أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون في اللقاح فقال له صلى الله عليه وسلم لا تأمن عيينة بن حصين وذويه أن يغيروا عليك فألح عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأني بك قد قتل ابنك وأخذت امرأتك وجئت تتوكأ على عصاك فكان أبو ذر رضي الله عنه يقول عجبا لي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكأني بك وأنا الح عليه فكان والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني والله لف منزلنا ولقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روحت وحلبت عتمتها ونمنا فلما كان الليل أحدق بنا عيينة بن حصن في اربعين فارسا فصاحوا بنا وهم قيام على رءوسنا فاشرف لهم ابني فقتلوه وكان معه ثلاثة نفر فنجوا وتنحيت عنهم وشغلهم عني إطلاق عقل اللقاح ثم صاحوا في أدبارها فكان آخر العهد بها ولما قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته تبسم آه أي وروى بدل عيينة بن حصن ابنه عبد الرحمن بن عيينة بن حصن قال بعضهم ولا منافاة لأن كلا من عيينة بن حصن وعبد الرحمن بن عيينة كانا في القوم وكان أول من علم بهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فإنه غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ومعه غلام

لطلحة بن عبيد الله معه فرس له أي لطلحة يقوده فلقي غلاما لعبد الرحمن بن عوف فأخبره أن عيينة بن حصن قد أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعين فارسا من غطفان قال سلمة فقلت يا رباح اقعد على هذا الفرس فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أغير على سرحه
أي وهذا السياق يدل على ان رباحا غلامه صلى الله عليه وسلم كان مع سلمة أسقط الراوي ذكره ولم يقل ومعه رباح غلامه صلى الله عليه وسلم
ويحتمل أن رباحا هذا هو غلام عبد الرحمن الذي أخبر سلمة خبر اللقاح ولا منافاة بين كون رباح غلامه صلى الله عليه وسلم وغلام عبد الرحمن لجواز أن يكون كان لعبد الرحمن ثم وهبه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو غلام عبد الرحمن بحسب ما كان ثم رأيت ما يؤيد الأول وهو ما في بعض الروايات عن سلمة قال خرجت أنا ورباح عبد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أين يؤذن بالأولى يعني لصلاة الصبح نحو الغابة وأنا راكب على فرس أبي طلحة الأنصاري فلقيني عبد الرحمن بن عوف قال أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من أخذها قال غطفان وفزارة وقد طوى في هذه الرواية ذكر غلام طلحة
ثم رأيت الحافظ ابن حجر ذكر أنه لم يقف على اسم غلام عبد الرحمن بن عوف هذا أي الذي أخبر سلمة بأمر اللقاح
قال ويحتمل أن يكون هو رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا هذا كلامه ولا يخفى بعده للتصريح بأن رباحا غير غلام عبد الرحمن وأن رباحا كان مع سلمة وأن غلام عبد الرحمن هو الذي أخبر سلمة خبر اللقاح ولا منافاة بين كون الفرس لطلحة ولا بين كونها لأبي طلحة ولا بين كون عبد طلحة كان قائدا لها وبين كون سلمة راكبا لها لأنه يجوز أن يكون ركبها أثناء الطريق فليتأمل
وفي تسمية غلامه صلى الله عليه وسلم رباحا مع نهيه صلى الله عليه وسلم أن الشخص يسمى رقيقه بأحد أربعة أسماء أفلح ورباح ويسار ونافع وزاد في رواية خامسا وهو نجيح فهلا غير صلى الله عليه وسلم اسمه إن كانت وقعت التسمية من غيره صلى الله عليه وسلم ويقال لم يغير صلى الله عليه وسلم ذلك الاسم إشارة إلى أن النهي للتنزيه

ثم إن سلمة رجع إلى المدينة وعلا ئنية الوداع فنظر إلى بعض خيولهم فصرخ بأعلى صوته واصباحاه أي قال ذلك ثلاث مرات أي وقيل نادى الفزع الفزع ثلاثا ولا مانع أن يكون جمع بين ذلك وفي لفظ وقمت على تل بناحية سلع أي وفي لفظ على أكمة وفي لفظ آخر فصعدت في سلع ولا مخالفة كما لا يخفى فجعلت وجهي من قبل المدينة ثم ناديت ثلاث مرات يا صباحاه أسمع ما بين لابتيها أي لسعة صوته أو أن ذلك وقع خرقا للعادة ويا صباحاه كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه لأنهم يسمون يو م الغارة يوم الصباح
ثم خرج يشتد في أثر القوم كالسبع وقد كان يسبق الفرس جريا حتى لحق بهم فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع أي يوم هلاك اللئام فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا وهكذا يفعل قال كنت ألحق الرجل منهم فأرميه بسهم في رجله فيعقره فإذا رجع إلي فارس منم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم أرميه فأعقره فيولى عني فإذا دخلت الخيل في بعض مضايق الجبل علوت الجبل ورميتهم بالحجارة قال ولم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون بها ولا يلقون شيئا من ذلك إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله تعالى من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري وخلوا بينهم وبينه
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الأكوع صرخ بالمدينة الفزع يا خيل اله اركبي قيل وكان اول ما نودي بها وفيه كماء في الأصل أنه نودي بها في بني قريظة كما تقدم
وأول من أنتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو ويقال له ابن الأسود وتقدم أنه قيل له ذلك لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث وتبناه فنسب اليه ثم عباد بن بشر وسعيد بن زيد ثم تلاحقت به الفرسان وأمر عليهم سعيد ابن زيد وقيل المقداد وجزم به الدمياطي رحمه الله أي ويدل له قول حسان رضي الله عنه في وصف هذا الغزوة غداة فوارس المقداد
لكن في السيرة الشامية أن سعيد بن زيد رضي الله عنه غضب على حسان وحلف

لا يكلمه أبدا وقال انطلق إلى خيلي فجعلها للمقداد وإن حسان رضي الله عنه اعتذر إلى سعد بأن الروي وافق في اسم المقداد وذكر ابياتا يرضى بها سعيد بن زيد فلم يقبل منه سعيد ذلك وهذا يدل للأول
وعقد صلى الله عليه وسلم لذلك الأمير لواء في رمحه ثم قال له اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس فخرج لفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا بهم وكان شعارهم يومئذ أمت أمت وأول فارس لحق بهم محرز بن نضلة ويقال له الأخرم الأسدي ووقف لهم بين أيديهم وقال لهم يا معشر بني اللكيعة أي اللئيمة قفوا حتى يلحق بكم من وراءكم من المهاجرين والأنصار فحمل عليه شخص من المشركين فقتله
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال ثم إن القوم جلسوا يتغدون وجلست على رأس قرن جبل فقال لهم رجل أتاهم من هذا قالوا لقينا من هذا البرح حتى انتزع كل شيء في أيدينا قال فليقم إلى منكم أربعة فتوجهوا إلي فهددتهم أي فقد جاء عنه رضي الله عنه أنه ال لهم هل تعرفونني قالوا لا ومن أنت قلت أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم إلا أدركته ولا يطلبني فيدركني قال بعضهم إنا نظن ذلك فرجعوا
قال فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمهم الأخرم الأسدي فلما رأيت الأخرم الأسدي وأول الفرسان نزلت من الجبل وأخذت بعنان فرسه وقلت له احذر القوم لا يقتطفوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق وأن النار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة فخليت عنه فالتقى هو عبد الرحمن بن عيينة فعقر فرس عبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه فلحق عبد الرحمن ابو قتادة رضي الله عنه فعقر عبد الرحمن فرس أبي قتادة فقتله أبو قتادة وتحول أبو قتادة رضي الله عنه إلى فرس
أقول ولعل عبد الرحمن هذا هو حبيب بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة ابن عيينة فإني لم أقف على ذكر عبدالرحمن هذا فيمن قتل من المشركين في هذه الغزوة وإن أبا قتادة رضي الله عنه قتل حبيبا وغشاه ببرده كما سيأتي إلا أن يقال جاز أن يكون له اسمان عبد الرحمن وحبيب ثم رأيت الحافظ ابن حجر اشار إلى ذلك وقيل قاتل محرز مسعدة

الفزاري وبه جزم الحافظ الدمياطي وذكر أن قاتل حبيب المقداد بن عمرو فقال وقتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وسلاحه وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن والله اعلم ولم يقتل من المسلمين إلا محرز بن نضلة الذي هو الأخرم الأسدي وكان رأى قبل ذلك بيوم أن سماء الدنيا فرجت وما بعدها حتى انتهى إلى السماء السابعة ثم انتهى إلى سدرة المنتهى فقيل له هذا منزلك فعرضها على أبي بكر رضي الله عنه وكان من أعلم الناس بالتعبير كما تقدم فقال له ابشر بالشهاة وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين وقد استعمل على المدينة ابن ام مكتوم رضى الله عنه اى واستعمل على حرس المدينه سعد بن عباده رضى الله عنه فى ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينه فاذا حبيب بفتح الحاء المهمله وكسر الموحده مسجى أي مغطى ببرد ابى قتاده فاسترجع المسلمون اى قالوا انا لله وانا اليه راجعون وقالوا قتل ابو قتاده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بابى قتاده ولكنه قتيل لابى قتاده وضع عليه برده ليعرف انه صاحبه اى القاتل له
قال وفى روايه انه صلى الله عليه وسلم قال والذى اكرمنى بما اكرمنى به ان ابا قتاده على اثارالقوم يرتجز فخرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه حتى كشف البرد عن وجهه المسجى فاذا وجه حبيب فقال الله اكبر صدق الله ورسوله يا رسول الله غير ابى قتاده
وفي لفظ فخرج ابى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى كشفا البرد الحديث وقيل الذى قتله أبو قتادة وغشاه ببرده هو مسعدة قاتل محرز رضى الله عنه لا حبيب على ما تقدم
ففي روايه ان ابا قتاده رضى عنه اشترى فرسا فلقيه مسعده الفزاري فتفاوض معه فقال ابو قتاده اما انى اسال الله ان القاك وانا عليها قال امين فلما اخذت اللقاح ركب تلك الفرس وسار فلقى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له النبى صلى الله عليه وسلم امض يا ابا قتاده صحبك الله قال فسرت حتى هجمت على القوم فرميت بسهم فى جبهتي فنزعت قدحه وانا اظن اني نزعت الحيديده فطلع على فارس وقال لقد القانيك الله يا ابا قتاده وكشف عن وجهه فاذا هو مسعده الفزارى فقال ايما احب اليك مجالدة او مطاعنة او مصارعه فقلت ذاك اليك فقال صراع فنزل وعلق بسيفه فى شجره ونزلت وعلقت سيفى فى شجره وتواثبنا فرزقنى الله الظفر

عليه فإذا أنا على صدره واذا شيء مس رأسي فاذا سيف مسعده قد وصلت اليه فى المعالجه فضربت بيدى الى سيفه وجردت السيف فلما رأى أن السيف وقع بيدي قال قتاده استحيني قلت لا والله قال فمن للصبيه قلت النار ثم فتلته وادرجته فى بردى ثم اخذت ثيابه فلبستها ثم استويت على فرسه فان فرسي نفرت حيث تعالجنا وذهبت للقوم فعرقبوها ثم ذهبت خلف القوم فحملت على ابن اخيه فدققت صلبه فانكشف من معه عن اللقاح فحبست اللقاح برمحي وجئت أحرسها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افلح وجهك يا ابا قتاده اى فقلت ووجهك يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو قتاده سيد الفرسان بارك الله فيك يا ابا قتاده وفى ولدك وولد ولدك وفى لفظ وفى ولد ولدك اه اى وقال له صلى الله عليه وسلم ما هذا الذى بوجهك قلت سهم اصابني فقال ادن مني فنزع السهم نزعا رفيقا ثم بزق فيه ووضع راحته عليه فوالذى اكرمه بالنبوه ما ضرب على ساعه قط ولا قرح على وفى روايه ولاقاح وفى لفظ قال لي قتلت مسعده قلت نعم ثم قال صلى الله عليه وسلم يدعو لابي قتاده اللهم بارك له فى شعره وبشره فمات ابو قتاده رضى الله عنه وهو ابن سبعين سنه وكانه ابن خمس عشرة سنه اى وأعطاه صلى الله عليه وسلم فرس مسعده وسلاحه اى كما تقدم وقال بارك الله لك فيه وهذا السياق يدل على أن ابا قتاده رضى الله عنه انفرد عن الصحابه وتقدمهم وتخلف مسعده عن قومه مده مصارعه ابى قتاده له وقتله ولا مانع من ذلك وقيل استنفذوا نصف اللقح اى عشرة وما فيها جمل ابي جهل الذى غنمه صلى الله عليه وسلم يوم بدر وافلت القوم بالعشره الاخرى أي ولا ينافيه ما تقدم من قول ابي قتادة فانكشفوا عن اللقاح وجئت احرسها لان المراد جمله من اللقاح لكنه مخالف لما تقدم عن سلمه رضى الله عنه من قوله ما زلت ارشقهم يعني القوم حتى ما خلق الله من بعير من ظهررسول الله صلى الله عليه وسلم الا خلفته وراء ظهري وخلوا بينهم وبينه فليتامل وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد بناحيه خيبر وتلاحق به الناس اى وقال له سلمه بن الاكوع يا رسول الله ان القوم عطاش فلو بعثني فى مائة رجل استنفذت ما بقى فى ايديهم من السرح واخذت باعناق القوم
اى وقد يقال لا يخالف هذا ما تقدم من قوله حتى ما خلق الله من بعير من ظهر

رسول الله صلى الله عليه وسلم الا خلفته وراء ظهري وخلوا بينهم وبينه لجواز ان يكون صدر عنه ما تقدم لظنه ان ذلك هو جميع اللقاح التى اخذت ثم تحقق ان الذى استنفذه هو وابو قتاده جمله منها وما فى البخاري من قوله استنفذوا القاح كلها يجوز ان يكون قائل ذلك ظن ان الذى استنفذ من ايدي القوم هو جميع ما اخذوه من اللقاح كما ان سلمة رضى الله عنه اعتقد ان جميع اللقاح التى اخذت هي التى جعلها خلف ظهره كما تقدم فكل من سلمه وابي قتاده خلف نصف اللقاح التى هي العشره التى خلصت من ايدي القوم
وفى روايه عن سلمه قال قلت يا رسول الله ابعث معى فوارس لندرك القوم فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان ضحك صلى الله عليه وسلم ملكت فاسجح أي فارفق والمعنى قدرت فاعف وانما كانوا عطاشا لان سلمه رضى الله عنه ذكر انه تبعهم الى قبيل غروب الشمس الى ان عدلوا الى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد فنحاهم اى طردهم عنه ومنعهم الشرب منه وتركوا فرسين وجاء بهما سلمه رضى الله عنه يسوقهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل هذا كان من سلمه رضى الله عنه بعد ان رجعت الصحابه عنهم و استمر يتبعهم وقال له صلى الله عليه وسلم شخص يا رسول الله القوم الان يغبقون بارض غطفان اى يشربون اللبن بالعشي الذى هو الغبوق فجاء رجل من غطفان وفقال مروا على فلان الغطفانى فنحر لهم جرورا فلما اخذوا يكشطون جلدها رأوا غبره فتركوها وخرجوا هرابا ولما نزل صلى الله عليه وسلم بالمحل المذكور لم تزل الخيل تاتي والرجال على اقدامهم وعلى الابل حتى انتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكث يوما وليله اى وعن سلمه رضى الله عنه واتاني عمى عامر بن الاكوع بسطيحه فيها لبن فتوضات وشربت ثم اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماء الذى اجليتهم عنه فاذا هو صلى الله عليه وسلم قد اخذ كل شيء استنقذته منهم ونحر لهم بلال رضى الله عنه ناقته
ولا مخالفه لانه يجوز ان يكون صلى الله عليه وسلم ذهب الى الماء بعد ان كان مكثه بالجبل المذكور وصلى صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ان العدو يجيء اليهم ولعل هذه هى صلاة بطن نخل وهى على ما رواه الشيخان انه جعل القوم فرقتين و صلاها مرتين كل مره بفرقه والاخرى تحرس اى تكون فى وجه العدواي

فى المحل الذى يظن مجيئهم منه وذلك كان لغير جهه القبله والا فالعدو لم يكن يمر اى منهم وهذه الصلاة لم ينزل بها القران
اقول لكن رأيت في الامتاع وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صلاة الخوف فقام الى القبله وصف طائفه مواجهة العدو وصلى بالطائفه التى خلفه ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا فقاموا مقام اصحابهم واقبل الاخرون فصلى بهم ركعة وسجد سجديتن وسلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعه ولا يخفي ان هذه الكيفيه هى صلاة عسفان والله اعلم
ولما اصبح صلى الله عليه وسلم قال
خير فرساننا ابو قتاده وخير رجالاتنا سلمه رضى الله عنه
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم وتلاحق بعض الفرسان به قال لأبي عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك للحق بالناس قال أبو عياش فقلت يا رسول الله إني أفرس الناس قال أبو عياش فو الله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت لذلك وقسم صلى الله عليه وسلم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها وكانوا خمسمائة وقيل سبعمائة وبعث سعد بن عبادة رضي الله عنه بأحمال تمر وبعشر جزائر فوافت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد أي وقال صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم سعدا وآل سعد نعم المرء سعد بن عبادة فقالت الأنصار هو سيدنا وابن سيدنا من بيت يطعمون في المحل ويحملون الكل ويحملون عن العشيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدين وأقبلت امرأة أبي ذر رضي الله عنهما على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من جملة اللقاح وهي القصوى أفلتت من القوم فطلبوها فأعجزتهم وفي لفظ وانفلتت المرأة من الوثاق ليلا فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى انتهت إلى العضباء فلم ترغ فقعدت على عجزها ثم زجرتها وعلموا بها فطلبوها فاعجزتهم ونذرت إن نجاها الله عز وجل لتنحرنها فلما اخبرت النبي صلى الله عليه وسلم الخبر قالت يا رسول الله قد نذرت أن انحرها إن نجاني الله عليها أي وآكل من كبدها وسنامها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بئسما جزينها

أن حملك أي لأجل أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها لانذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين وفي لفظ لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم إنما هي ناقة من إبلي ارجعي إلى أهلك على بركة الله تعالى ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أي وهذا السياق يدل على أن المراة قدمت عليه صلى الله عليه وسلم بتلك الناقة قبل قدومه المدينة
وفي السيرة الهشامية أنها قدمت عليه صلى الله عليه وسلم المدينة فأخبرته الخبر ثم قالت يا رسول الله إني نذرت الله الحديث وهو يخالف ما يأتي من قوله ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته العضباء
أي ولعل ما في الأوسط للطبراني بسند ضعيف عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقت فقال لئن ردها الله علي لأشكرن ربي وقد وقعت في حي من أحياء العرب فيهم امرأة مسلمة فرأت من ا لقوم غفلة فقعدت عليها فصبحت المدينة إلى آخره لا ينافي ما هنا لجواز تعدد الواقعة
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته العضباء مردفا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وقد غاب عنها خمس ليال وأعطى صلى الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع سهم الراجل والفارس جميعا أي مع كونه كان راجلا
وهذا استدل به من يقول إن للإمام أن يفاضل في الغنيمة وهو مذهب ابي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد وعند مالك وإمامنا الشافعي رضي الله عنهما لا يجوز ولعله لعله لعدم صحة ذلك عندهما وتبعت في تقديم هذه الغزوة على غزوة الحديبية الأصل وهو الموافق لقول بعضهم أجمع أهل السير على أن غزوة الغابة قبل الحديبية ولقول ابي العباس شيخ القرطبي صاحب التذكرة والتفسير لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية والشمس الشامي ذكرها بعد الحديبية تبعا لما في صحيح البخاري أنها بعد الحديبية وقبل خيبر بثلاثة أيام وفي مسلم نحوه ففيه عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فرجعنا أي من غزوة ذي قرد إلى المدينة فلم نلبث إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر ويؤيده قول الحافظ شمس الدين بن إمام الجوزية قد وهم جماعة من أصحاب المغازي

والسير فذكروا غزوة الغابة قبل الحديبية قال الحافظ ابن حجر ما في البخاري أصح مما ذكره أهل السير
قال ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح أي في الغابة وقعت مرتين مرة قبل الحديبية ومرة بعد الحديبيبة قبل الخروج إلى خيبر أي ويلزم أن يكون في كل كان خروجه صلى الله عليه وسلم وأن أول من علم بأخذ اللقاح سلمة بن الأكوع ووقع له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ما تقدم هذا حقيقة التكرار وإلا فهل الذي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع فيها لسلمة ولغيره من الصحابة ما وقع كانت أولا أو ثانيا فليتأمل ثم رأيت عن الحاكم رحمه الله تعالى أنه ذكر في الإكليل أن الخروج إلى ذي قرد تكرر أي ثلاث مرات ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد وفي الثانية خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة خمس والثالثة هي المختلف فيها أي ومعلوم أن هذه المختلف فيها خرج إليها صلى الله عليه وسلم فليتأمل والله تعالى أعلم
غزوة الحديبية بالتخفيف تصغير حدباء وعلى التشديد عامة الفقهاء والمحدثين واشار بعضهم إلى أنه لم يسمع من فصيح ومن ثم قال النحاس سألت كل من لقيت ممن أثق بعلمه عن الحديبية فلم يختلفوا في أنها بالتخفيف
وفي كلام بعضهم أهل الحديث يشددون وأهل العربية يخففون وفي كلام بعض آخر أهل العراق يشددون وأهل الحجاز يخففون وهي بئر وقيل شجرة سمى المكان باسمها وقيل قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم
قال وسببها أنه صلى الله عليه وسلم رأي في النوم أنه دخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين أي بعضهم محلق وبعضهم مقصر وأنه دخل البيت وأخذ مفتاحه وعرف مع المعرفين انتهى أي وطاف هو واصحابه واعتمر وأخبر بذلك أصحابه ففرحوا ثم اخبر اصحابه أنه يريد الخروج للعمرة فتجهزوا للسفر فخرج صلى الله عليه وسلم معتمرا ليأمن الناس أي أهل مكة ومن حولهم من حربه وليعلموا أنه صلى الله عليه وسلم إنما خرج زائرا للبيت ومعظما له


وكان إحرامه صلى الله عليه وسلم بالعمرة من ذي الحليفة أي بعد أن صلى بالمسجد الذي بها ركعتين وركب من باب المسجد وانبعثت به راحلته مستقبل القبلة أحرم وأحرم معه غالب أصحابه ومنهم من لم يحرم إلا بالجحفة أي وكان خروجه في ذي القعدة وقيل كان خروجه في رمضان وهو غريب ولفظ تلبيته صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة الشريفة نميلة بن عبد الله الليثي أي وقيل ابن ام مكتوم وقيل أبا رهم كلثوم بن الحصين أي وقيل استخلف أبا رهم مع ابن ام مكتوم جميعا فكان ابن ام مكتوم على الصلاة وكان أبو رهم حافظا للمدينة وكان خروجه صلى الله عليه وسلم بعد أن استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ممن أسلم غفار ومزينة وجهينة وأسلم القبيلة المعروفة خشية من قريش أن يحاربوه وأن يصدوه عن البيت كما صنعوا فتثاقل كثير منهم وقالوا أنذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم واعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم وأنه ليس لهم من يقوم بذلك فأنزل الله تعالى تكذيبهم في اعتذارهم بقوله { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم }
وخرج صلى الله عليه وسلم بعد أن اغتسل ببيته ولبس ثوبين وركب راحلته القصوى من عند بابه وخرج معه ام سلمة وأم عمارة وام منيع وام عامر الأشهلية رضي الله عنهن ومعه المهاجرون والأنصار ومن لحق بهم من العرب وأبطأ عليه كثير منهم كما تقدم وساق معه الهدى سبعين بدنة أي وقد جللها أي في ذي الحليفة بعد أن صلى بها الظهر ثم أشعر منها عدة وهي موجهات للقبلة في الشق الأيمن أي من سنامها ثم أمر صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب وكان اسمه ذكوان فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه ناجية لما أنه نجا من قريش فأشعر ما بقي وقلدهن نعلا نعلا وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها والإشعار جرح بصفحة سنامها والتقليد أن تقلد في عنقها قطعة جلد أو نعل بالية ليعلم أنه هدى فيكف الناس عنه وكان الناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة من عشرة وقيل كانوا اربع عشرة مائة وقيل خمسة عشرة وقيل ست عشرة وقيل كانوا ألفا وثلاثمائة وقيل اربعمائة وقيل خمسمائة وخمسة وعشرين أي وقيل ألف وسبعمائة أي وليس معهم سلاح إلا السيوف في القرب وقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتخشى يا رسول الله من

ولم تأخذ للحرب عدتها فقال لست أحب أن أحمل السلاح معتمرا وكان معهم مائتا فرس فأقبلوا نحوه صلى الله عليه وسلم أي في بعض المحال وكان بين يديه صلى الله عليه وسلم ركوة يتوضأ منها فقال مالكم قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نشربه ولا ماء نتوضأ منه إلا ما في ركوتك فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه الشريفة أمثال العيون أي وفي لفظ فجعل الماء ينبع من بين أصابعه الشريفة وفي لفظ آخر فرأيت الماء يخرج من بين اصابعه وفي لفظ آخر فرأيت الماء ينبع من بين اصابعه واستدل به بعضهم على أن الماء خرج من نفس بشرته الشريفة صلى الله عليه وسلم قال ابو نعيم في الحلية وهو أعجب من نبع الماء لموسى عليه الصلاة والسلام من الحجر فإن نبعه من الحجر متعارف معهود وأما من بين اللحم والدم فلم يعهد قال بعضهم وإنما لم يخرجه صلى الله عليه وسلم بغير ملابسة ماء في إناء تأدبا مع الله تعالى لأنه المنفرد بابتداع المعدومات من غير اصل قال جابر رضي الله عنه فشربنا وتوضأنا ولو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة
فلما كانوا بعسفان جاء اليه صلى الله عليه وسلم بشر بن سفيان العتكي أي وقد كان صلى الله عليه وسلم أرسله إلى مكة عينا له فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بخروجك واستنفروا من اطاعهم من الاحابيش وأجلبت ثقيف معهم ومعهم النساء والصبيان وفي لفظ يخرجون ومعهم العوذ المطافيل أي النياق ذوات اللبن التي معها أولادها ليتزودوا بذلك ولا يرجعون خوف الجوع
قال السهيلي أو العوذ جمع عائذ وهي الناقة التي معها ولدها وإنما قيل للناقة عائذ وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها عاطف عليه كما قالوا تجارة رابحة وإن كانت مربوحا فيها لانها في معنى نامية وزاكية هذا كلامه أو العوذ المطافيل النساء معهن أطفالهن أي انهم خرجوا النساء معهن اطفالهن أي انهم خرجوا بنسائهم معهن أولادهن ليكون أدعى لعدم الفرارا
أي ويجوز أن يكونوا خرجوا بذلك جميعه وقد لبسوا جلود النمر أي أظهر العداوة والحقد وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله أن لا يدخلها عليهم عنوة أبدا وهذا خالد ابن الوليد أي رضي الله عنه لأنه أسلم بعد ذلك في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم أي وكانت مائتي فرس أي وقد صفت إلى جهة القبلة فأمر صلى الله عليه وسلم عباد ابن بشر رضي الله عنه فتقدم في خيله فقام بازاء خالد وصف أصحابه رضي الله عنهم أي وحانت صلاة الظهر فأذن بلال رضي الله عنه وأقام فاستقبل رسول الله صلى الله

عليه وسلم القبلة وصف الناس خلفه فركع بهم وسجد ثم سلم فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم
وفي لفظ قال خالد بن الوليد رضي الله عنه قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن تأتي الساعة صلاة أخرى هي أحب اليهم من أنفسهم وأبنائهم أي التي هي صلاة العصر وبهذا استدل على أنها الصلاة الوسطى واستدل له أيضا بأنه كان في أول ما أنزل / < حافظوا على الصوات وصلاه العصر > / ثم نسخ ذلك أي تلاوته بقوله تعالى والصلاة الوسطى فنزل جبريل عليه السلام بين الظهر والعصر لقوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك } الآيات وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بهم جميعا حتى عباد بن بشر واصحابه جميعا الذين قاموا بازاء خالد رضي الله عنهم وحانت صلاة العصر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف أي على ما ذكره الله تعالى فلما جعل المسلمون يسجد بعضهم وبعضهم قائم ينظر اليهم قال المشركون لقد أخبروا بما أردناه بهم ولعل الصلاة هي صلاة عسفان لأن كراع الغميم بالقرب منه كما تقدم وهي على ما رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صفهم صفين وأنه أحرم بهم وركع واعتدل بهم جميعا ثم لما سجد سجد معه الصف الأول سجدتيه وتخلف الصف الثاني في اعتداله للحراسة فلما قام وقام معه من سجد سجد الصف الثاني ولحقه في القيام وتقدم الصف الثاني وتأخر الصف الأول ثم ركع واعتدل بهم جميعا ثم سجد وسجد معه الصف الثاني الذي تقدم واستمر الصف الأول الذي تأخر على الحراسة في اعتداله فلما جلس للتشهد اتموا بقية صلاتهم وجلسوا معه للتشهد فتشهد وسلم بهم جميعا وعلى هذه الصلاة حمل أئمتنا ما جاء فرضت الصلاة في الخوف ركعة أي أنها ركعة مع الإمام ويضم إليها أخرى
ثم رأيت في الدر المنثور الصريح بأن هذه الصلاة هي صلاة عسفان عن ابن عياش الزرقي قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد ابن الوليد رضي الله عنه وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقالوا قد كانوا على حال غرة الحديث المتقدم
واشترط أئمتنا في هذه الصلاة وهي إذا كان العدو في جهة القبلة ولا ساتر أن يكون كل صف مقاوما للعدو وأن كل واحد لاثنين وإلا لم تصح الصلاة لما فيه من التغرير بالمسلمين ولعل صلاته صلى الله عليه وسلم بالصفين كانت كذلك وهذه الصلاة لم ينزل بها القرآن

كصلاة بطن نخل فعلم أن القرآن لم ينزل إلا بصلاة ذات الرقاع وبصلاة شدة الخوف ولم أقف على انه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة شدة الخوف وهي ان يلتحم القتال أو لم يأمنوا هجوم العدو
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قريشا تريد منعه عن البيت قال اشيروا على أيها الناس أتريدون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه أي وفي الإمتاع فقال المقداد رضي الله عنه يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون والله يا رسول لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك ما بقي منا رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فامضوا على اسم الله فساروا ثم قال يا ويح قريش نهكتهم الحرب أي أضعفتهم وفي لفظ أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين أي كاملين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفر هذه السالفة أي وهي صفحة العنق فهو كناية عن القتل ثم قال صلى الله عليه وسلم هل من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها فقال رجل من أسلم أنا يا رسول الله أي ويقال إنه ناجية بن جندب رضي الله عنه فسلك بهم طريقا وعرا فلما خرجوا منه وقد شق عليهم ذلك وأفضوا إلى أرض سهلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس قولوا نستغفر الله ونتوب اليه فقالوا ذلك فقال والله إنها أي قول استغفر الله للحطة التي عرضت على بني اسرائيل فلم يقولوها
ثم إن خالدا رضي الله عنه لم يشعر بهم الا وقد نزلوا بذلك المحل فانطلق نذيرا لقرش وقد جاء في تفسر الحطة أنها المغفرة أي طلب المغفرة أي اللهم حط عنا ذنوبنا وهذا هو المناسب لقوله صلى الله عليه وسلم قولوا نستغفر الله إلى آخره
وجاء في تفسيرها ايضا أنها لا إله إلا الله فلم يقولوا حطة بل قالوا حنطة حبة حمراء فيها شعيرة سوداء استهزاء وجراءة على الله تعالى
وفي البخاري فقيل لبني اسرائيل { وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم } فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم أي أطيازهم وقولوا حبة في شعيرة وقد

جاء أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له الذنوب أي المذكورة في قوله تعالى { وادخلوا الباب } أي باب أريحا بلد الجبارين سجد { سجدا } أي خاضعين متواضعين { وقولوا حطة } أي حط عنها خطايانا
قال بعضهم فكما جعل الله لبني اسرائيل دخولهم الباب على الوجه المذكور سببا للغفران فكذا حب أهل البيت سبب للغفران
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يسلكوا طريقا تخرجهم على مهبط الحديبية من أسفل مكة فسلكوا ذلك الطريق فلما كانوا به أي بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت ناقته صلى الله عليه وسلم أي القصوى فقال الناس حل حل فألحت أي تمادت واستمرت على عدم القيام فقالوا خلأت القصوى أي حرنت يقال خلأت الناقة وألخ الجمل بالخاء المعجمة فيهما وحرن الفرس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما خلأت وما هو لها بخلق وفي لفظ ما ذاك لها بعادة ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة أي منعها اله عن دخول مكة أي علم صلى الله عليه وسلم أن ذلك صد له من الله عن مكة أن يدخلها قهرا والذي نفسي محمد بيده لا تدعني قريش اليوم إلى خطة أي خصلة يسألون فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها أي وفي رواية فياه تعظيم حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم أياها أي من ترك القتال في الحرم والكف عن إراقة الدم ثم زجرها صلى الله عليه وسلم فقامت فولى راجعا عوده على بدئه ثم قال للناس انزلوا فقالوا يا رسول الله ما بالوادي ماء ينزل عليه فأخرج صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته فأعطاه ناجية بن جندب رضي الله عنه سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو البراء بن عازب رضي الله عنه أو خالد بن عبادة الغفاري فنزل في قليب فغزره في جوفه فجاش أي علا وارتفع بالرواء أي الماء العذب حتى ضرب الناس عليه بعطن وفي لفظ حتى صدروا عنها بعطن أي حتى رووا ورويت إبلهم حتى بركت حول الماء لأن عطن الإبل مباركها
قال ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصى الحديبية على ثمد وهو حفرة فيها ماء من ثمادها قليل الماء يتربضه الناس تربضا أي يأخذونه قليلا قليلا ثم لم يلبث الناس حتى نزحوه فاشتكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء وفي لفظ العطش أي وكان الحر شديدا فنزع صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته ودفعه للبراء فقال اغرز هذا السهم في بعض قليب الحديبية ففعل والقليب جاف فجاش الماء وقيل دفعه لناجية بن الاعجمي


فعنه رضي الله عنه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه قلة الماء فأخرج سهما من كنانته ودفعه إلي ودعا بدلو من ماء البئر فجئت به فتوضأ فمضمض ثم مج الماء في الدلو ثم قال انزل بالدلو في البئر وأثر ماءها بالسهم ففعلت فوالذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى يغمرني الماء وفارت كما يفور القدر حتى طمت واستوت بشفيرها يغترفون من جوانبها حتى نهلوا عن آخرهم وعلى البئر نفر من المنافقين منهم عبد الله بن أبي ابن سلول فقال له أوس بن خولي رضي الله عنه ويحك يا أبا الحباب ما آن لك تبصر ما أنت عليه أبعد هذا شيء فقال إني رأيت مثل هذا فقال له أوس رضي الله عنه قبحك الله وقبح رايك ثم أقبل أي عبد الله المذكور الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا الحباب إني رايت أي كيف رأيت مثل ما رأيت اليوم قال ما رأيت مثله قط قال فلم قلت ما قلت فقال يا رسول الله استغفر لي وقال ابنه عبد الله يا رسول الله استغفر له فاستغفر له وفي لفظ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر نتبرضها من البرض وهو الماء الذي يقطر قليلا قليلا فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شيتنا وركابنا وفي لفظ فرفعت اليه الدلو فغمس يده فيها فقال ما شاء الله ان يقول ثم صب الدلو فيها فلقد لقيت آخرنا أخرج بثوب خشية الغرق ثم ساحت نهرا فليتأمل الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها
وقد يقال لا مانع من وقوع جميع ذلك لكن يبعد أن يكون ذلك في قليب واحد قال بعضهم فلما ارتحلوا أخذ البراء رضي الله عنه السهم فجف الماء كأن لم يكن هناك شيء
وفي كلام هذا البعض أنا أبا سفيان قال لسهيل بن عمرو رضي الله عنهما قد بلغنا أنه ظهر بالحديبية قليب فيه ماء فقم بنا ننظر إلى ما فعل محمد فأشرفنا على القليب والعين تنبع تحت السهم فقال ما رأينا كاليوم قط وهذا من سحر محمد قليل
وفيه أن أبا سفيان رضي الله عنه لم يكن حاضرا في الحديبية وحمل ذلك على أن ذلك كان من أبي سفيان بعد ارتحاله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ينافيه ما قدمه هذا البعض أن عند ارتحالهم من الحديبية رفع السهم وجف القليب فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم

أتاه بديل بن ورقاء وكان سيد قومه رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك يوم الفتح فكان من كبار مسلمة الفتح في رجال من خزاعة وكانت خزاعة مسلمها ومشركها لا يخفون عليه صلى الله عليه وسلم شيئا كان بمكة بل يخبرونه به وهو بالمدينة وكانت قريش ربما تفطن لذلك فسألوه ما الذي جاء به فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وإنما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته
وفي المواهب أنه صلى الله عليه وسلم قال لبديل ما تقدم من قوله وإن قريشا قد نهكتهم الحرب إلى آخره وإن بديلا رضي الله عنه قال له سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال إنا جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال هذا كلامه
والرواية المشهورة أن بديلا ومن معه خزاعة لما رجعوا إلى قريش فقالوا يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد وإن محمد لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم أي قابلوهم بما يكرهون وقالوا إن كان جاء ولا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة أي قهرا أبدا ولاتتحدث بذلك عنا العرب
أي وفي لفظ أنهم قالوا أيريد محمد أن يدخلها علينا في جنوده معتمرا تسمع العرب أنه قد دخل علينا عنوة وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا والله لا كان هذا أبدا ومنا عين تطرف ثم بعثوا إليه صلى الله عليه وسلم مكرز بن حفص أخا بني عامر فلما رآه رسول الله مقبلا قال هذا الرجل غادر أي وفي رواية فاجر فلما انتهى إلى رسول الله وكلمه قال له رسول الله نحوا مما قال لبديل فرجع إلى قريش وأخبرهم بما قال له رسول الله
ثم بعثوا إليه صلى الله عليه وسلم الحليس بن علقمة وكان سيد الأحابيش يومئذ وتقدم عن الأصل أن الأحابيش هم بنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبدمناف بن كنانة وبنو المصطلق بن خزيمة أي وأنه قيل لهم ذلك لأنهم تحالفوا تحت جبل بأسفل مكة يقال له حبشي هم وقريش على أنهم يد واحدة على من عاداهم ما سجا ليل ووضح نهار وما سار حبشي فسموا أحابيش قريش فلما رآه رسول الله قال إن هذا من قوم يتألهون أي يتعبدون

ويعظمون امر الإله وفي لفظ يعظمون البدن وفي لفظ يعظمون الهدى ابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل عليه بقلائده من عرض الوادي بضم المهملة أي ناحيته وأما ضد الطول فبفتح المهملة قد اكل أو باره من طول الحبس عن محله بكسر الحاء المهملة موضعه الذي ينحر فيه من الحرم أي يرجع الحنين واستقبله الناس يلبون قد شعثوا صاح وقال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت أبي الله أن يحج لخم وجذام ونهد وحمير ويمنع ابن عبد المطلب هلكت قريش ورب الكعبة إنما القوم أتوا عمارا أي معتمرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل يا اخا بني كنانة
وقيل إنه بمجرد أن رأى هذا الأمر رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى فقال لهم في ذلك أي قال إني رأيت ما لا يحل منعه رايت الهدى في قلائده قد أكل أوباره أي معكوفا عن محله والرجال قد شعثوا وقملوا فقالوا له اجلس إنما أنت أعرابي ولا علم لك أي فما رأيت من محمد مكيدة فعند ذلك غضب الحليس وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أيصد عن بيت الله من جاءه معظما والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له مه أي كف يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به
ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثثقفي رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهذا هو الذي شبهه صلى الله عليه وسلم بعيسى أبن مريم عليه السلام ولم قتله قومه قال صلى الله عليه وسلم مثله في قومه كصاحب يس كما سيأتي ذلك فقال يا معشر قريش إني رايت ما يلقى منكم من بعثموه الى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد فقالوا صدقت وهذا يدل على أن ذهاب عروة بن مسعود رضي الله تعالى عنه إنما كان بعد تكرار الرسل من قريش اليه صلى الله عليه وسلم
وبه يعلم ما في المواهب أن عروة لما سمع قريشا توبخ بديلا ومن معه من خزاعة قال أي قوم الستم بالوالد إلى آخره وفي لفظ ألستم كالوالد أي كل واحد منكم كالوالد لي وانا كالولد له وقيل أنتم حي قد ولدني لأن أمه سبيعة بنت عبد شمس قالوا بلى

قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا ما أنت عندنا بمتهم فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين يديه ثم قال يا محمد جمعت اوباش أي أخلاط الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك أي أصلك وعشيرتك لتفضها بهم إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمر يعاهدون الله أن لا تدخلها عليه عنوة أبدا وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك أي انهزموا غدا وفي لفظ والله لا أرى وجوها أي عظماء وإني أرى أسرابا من الناس خليقا أي حقيقا أن يفرو ويدعوك وأبو بكر رضي الله تعالى عنه جالس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له اعضض بظر اللات والبظر قطعة تبقى في فرج المرأة بعد الختان وقيل التي تقطعها الخاتنة أنحن نكشف عنه قال من هذا يا يا محمد قالى صلى الله عليه وسلم هذا ابن ابي قحافة فقال أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها أي على هذه الكلمة التي خاطبتني بها ولكن هذه بها وفي رواية والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك بها وتلك اليد التي كانت لأبي بكر رضي الله عنه عنه عند عروة هي أن عروة استعان في حمل دية فأعانه الرجل بالواحد من الإبل والرجل بالاثنين واعانه أبو بكر رضي الله عنه بعشرة إبل شواب ثم جعل عروة يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يكلمه أي وهذه عادة العربأن الرجل يتناول لحية من يكلمه خصوصا عند الملاطفة وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير لكن كأنه صلى الله عليه وسلم إنما لم يمنعه من ذلك استمالة وتأليفا له والمغيرة بضم الميم وكسرها ابن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ف الحديد وعليه المغفر فجعل يقرع يد عرة إذا تناول لحية رسول صلى الله عليه وسلم أي بنعل السيف وهو ما يكون اسفل القراب من فضة أو غيرها ويقول اكفف يدك عن وجه وفي رواية عن مس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل اليك فإنه لا ينبغي لمشرك ذلك وإنما فعل ذلك المغيرة رضي الله عنه إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينظر لما هو عادة العرب فيقول للمغيرة ويحك ما أفظك وما أغظك أي وما اشد قولك وفي رواية فلما أكثر عليه غضب عروة وقال ويحك ما افضلك وما أغلظك ليت شعري من هذ الذي آذاني من بين اصحابك والله إني لا أحسب فيكم ألأم منه ولا شر منزلة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة

أي لان عروة كان عم والد المغيرة فالمعيرة يقول لهم يا عم لأن كل قريب من جهة الأب يقال له عم وليس في الصحيح لفظ ابن اخيك فقال أي غدر أي يا غادر وهل غسلت غدرتك وفي لفظ سوأتك وفي لفظ ألست أسعى ي غدرتك إلا بالأمس وفي لفظ يا غدر والله ما غسلت عنك غدرتك بعكاظ الا بالأمس وقد أورثتنا العداو من ثقيف إلى آخر الدهر
قيل أراد عروة بذلك أنه الذي ستر غدر المغيرة بالأمس لأن المغيرة رضي الله عنه قتل قبل إسلامه ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف وفد هو وإياهم مصر على المقوقس بهدايا قال وكنا سدنة اللات أي خدامها واشتشرت عمى عروة في مرافقتهم فأشار علي بعدم ذلك قال فلم أطع رأيه فأنزلنا المقوقس في كنيسة للضيافة ثم أدخلنا عليه فقدموا الهدية له فاستخبر كبير القوم عني فقال ليس منا بل من الأحلاف فكنت أهون القم عليه فأكرمهم وقصر في حقي فلما خرجوا لم يعرض علي أحد منهم مواساة فكرهت أن يخبرا أهلنا بإكرامهم وازدراء الملك بي فأجمعت قتلهم ونزلنا محلا فعصبت رأسي فعرضوا علي الخمر فقلت رأسي تصدع ولكن أسقيكم فسقيتهم وأكثر لهم بغير مزج حتى همدوا فوثبت عليهم فقتلتهم جميعا وأخذت كل ما معهم وقدمت على نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسجده فسلمت عليه وقلت أشهد أن لا أله ألا الله وأن محمدا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداك للإسلام يا مغيرة فقال أبو بكر رضي الله عنه من مصر قدمت قلت نعم قال فما فعل المالكيون الذين كانوا معك لأنهم من بني مالك فقلت كان بيني وبينهم ما يكون بين العرب وقتلتهم وجئت بأسلابهم ليخسمها النبي صلى الله عليه وسلم أو يرى فيه رأيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إسلامك فقبلته ولا آخذ من أموالهم شيئا ولا أخمسه فإن غدر والغدر لا خير فيه فقلت يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت فقال صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله
قال وبلغ ذلك ثقيفا فتداعوا للقتال واصطلحوا على أن يحمل عمى عروة ثلاث عشرة دية
وفي رواية لما وردوا على المقوقس أعطى كل واحد منهم جائزة ولم يعط المغيرة شيئا فحقد عليهم فلما رجعوا نزلوا منزلا وشربوا خمرا ولما سكروا وناموا وثب عليهم

المغيرة فقتلهم وأخذ أموالهم وجاء وأسلم فاختصم بنو مالك مع رهط المغرة وشرعوا في المحاربة فسعى عروة في إطفاء نار الحرب وصالح بني مالك على ثلاث عشرة دية ودفعها عروة
ولما أسلم المغيرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء وفيه أن هذا مال حربي قصد أخذه والتغلب عليهم إلا أن يقال هؤلاء مؤمنون منه لأنهم اطمأنوا إليه
أي ويذكر أن المغيرة بن شعبة هذا رضي الله عنه كان من دهاة العرب واحصن في الإسلام ثمانين امرأة ويقال ثلثمائة امرأة وقيل الف امرأة
قيل لإحدى نساء المغيرة إنه لدميم أعور فقالت هو والله عسيلة يمانية في ظرف سوء
ولما ولى رضي الله عنه الكوفة ارسل يخطب بنت النعمان بن المنذر فقالت لرسوله قل له ما قصدت إلا أن يقال تزوج المغيرة الثقفي بنت النعمان بن المنذر وإلا فأي حظ لشيخ أعور في عجوز عمياء وهذه هي القائلة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما وفدت عليه وهو والي الكوفة وأكرمها في دعائها له ** ملكتك يد افتقرت بعد غنى ** ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر ** ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ** ولا أزال عن كريم نعمة إلا جعلك السبب في عودها اليه **
إنما يكرم الكريم الكريم والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه أول من حيا سيدنا عمر رضي الله عنه بأمير المؤمنين وعند مجئ عروة اخبر صلى الله عليه وسلم عروة بما أخبر به من تقدم من أنه لم يأت لحرب فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ أي يغسل يديه إلا ابتدروا وضوءه أي كادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقا الا ابتدروه أي يدلك به من وقع في يده وجهه وجلده ولا يسقط من شعره شيء الا اخذوه أي وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ولا يحدون النظر اليه تعظيما له صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه ولقد رايت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم فإنه عرض عليكم رشدا فاقبلوا ما عرض عليكم فإني لكم ناصح مع إني أخاف أن لا تنصروا عليه فقالت له قريش لا تتكلم بهذا


يا ابا يعفور ولكن نرده عامنا هذا ويرجع إلى قابل فقال ما أراكم إلا ستصيبكم قارعة ثم انصرف هو ومن معه إلى الطائف
وعروة هذا هو ابن مسعود الثقفي وهو عظيم القريتين الذي عنته قريش بقولها { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } وقيل المعنى بذلك الوليد بن المغيرة ويقال إن عروة هذا كان جدا للحجاج لأمه ويدل ذلك كما يدل للأول ما حكى عن الشعبي أنه سأل الحجاج وهو والي العراق حاجة فاعتل عليه فيها فكتب اليه والله لا أعذرك وأنت والي العراقين وابن عظيم القريتين
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خراش ين أمية الخزاعي رضي الله عنه فبعثه إلى قريش وحمله صلى الله عليه وسلم على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عقره عكرمة بن أبي جهل وأسلم بعد ذلك رضي الله عنه وأرادوا قتله فمنعه الاحابيش فخلوا سبيله حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما لقي ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول الله إنما أخاف قريشا على نفسي وما بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكن أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان رضي الله عنه أي فإن بني عمه يمنعونه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه فبعثه إلى ابي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وأنه لم يأت إلا زائر لهذا البيت ومعظما لحرمته أي ولعل ذكر ابي سفيان من غلط بعض الرواة لما تقدم أنه لم يكن حاضرا بالحديبية أي صلحها وأمر صلى الله عليه وسلم عثمان أن يأتي رجالا مسلمين بمكة ونساء مسلمات يدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ويخبرهم أن الله وشيك أي قريب أن يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم بعث عثمان رضي الله عنه بكتاب لقريش أي قيل فيه إنه ما جاء لحرب أحد وإنما جاء معتمرا بدليل ما يأتي في ردهم عليه وقيل فيه ما وقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمر وليقع الصلح بينهم على أن يرجع في هذه السنة الحديث وأنهم لما احتبسوه أمسك صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو عنده كذا في شرح الهمزية لان حجر وقدمه على الأول فليتأمل


فخرج عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة ودخل مكة من الصحابة عشرة أيضا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ليزوروا أهاليهم لم أقف على اسمائهم ولم أقف على أنهم هل دخلوا مع عثمان أم لا فلقيه قبل أن يدخل مكة أبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك قبل خيبر فأجاره حتى يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله بين يديه فجاء إلى أبي سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ارسله به أي وهم يردون عليه إن محمدا لا يدخلها علينا أبدا فلما فرغ عثمان من تبليغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له إن شئت أن تطوف بالبيت فطف وفي رواية قال له أبان إن شئت أن تطوف بالبيت فطف قال ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال وقال المسلمون قد خلص عثمان إلى البيت فطاف به دوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون وقال وما يمنعه يا رسول الله وقل خلص إليه قال ذلك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف به حتى أطوف فلما رجع عثمان وقالوا له في ذلك أي قالوا طفت بالبيت قال بئسما ظننتم بي دعتني قريش إلى أن أطوف بالبيت فأبيت والذي نفسي بيده لو مكث بها معتمرا سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما بالحديبية ما طفت حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم اه
وكانت قريش قد احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان رضي الله عنه قد قتل أي وكذا قتل معه العشرة رجال الذين دخلوا مكة أيضا فقال صلى الله عليه وسلم عند بلوغه ذلك لا نبرح حتى نناجز القوم أي نقاتلهم ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة أي بعد أن قال لهم إن الله أمرني بالبيعة فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بينما نحن جلوس قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وهو عمر بن الخطاب أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فاخرجوا على اسم اله فسرنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة فبايعناه أي وبايعه الناس على عدم الفرار وأنه إما الفتح وإما الشهادة وهذا هو المراد بما جاء في بعض الروايات فبايعناه على الموت ولم يتخلف منا أحد إلا الجد بن قيس قال لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته يستتر بها من الناس وقد قيل

إنه كان يرمى بالنفاق وقد نزل في حقه في غزوة أي غزوة تبوك من الآيات ما يدل على ذلك كما سيأتي وهو ابن عمة البراء بن معرور رضي الله عنه وكان سيد بني سلمة بسكر اللام في الجاهلية وقد قال صلى الله عليه وسلم لبني سلمة من سيدكم قالوا الجد بن قيس أي على بخل فيه قال وأي أدوأ من البخل ثم قال صلى الله عليه وسلم بل سيدكم عمرو بن الجموح وقيل قالوا يا رسول الله من سيدنا قال سيدكم بشر بن البراء بن معرور وهذا قال ابن عبد البر إن النفس اليه أميل ومما يدل للأول ما أنشده شاعر الأنصار رضي الله عنهم من قوله ** وقال رسول الله والحق قوله ** لمن قال منا من تسموه سيدا ** ** فقالوا له جد بن قيس على التي ** نبخله فيها وإن كان أسودا ** ** فتى ما يخطى خطوه لدنيئه ** ولا مد يوما ما الى سوأة يدا ** ** فسود عمرو بن الجموح لجوده ** وحق لعمرو بالندى لأن يسودا ** ** إذ جاءه السؤال أنهب ماله ** وقال خذوه إنه عائد غدا ** ** ولو كنت يا جد بن قيس على التي ** على مثلها عمر ولكنت المسودا **
أي وبايع صلى الله عليه وسلم عن عثمان فوضع يده على يده أي وضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال اللهم إن هذه عن عثمان فانه في حاجتك وحاجة رسولك أي وفي لفظ قال اللهم إن عثمان ذهب في حاجة الله وحاجة رسوله فأنا أبايع عنه فضرب بيمينه شماله وما ذاك إلا أنه صلى الله عليه وسلم علم بعدم صحة القول بأن عثمان قد قتل أو أن ذلك كان بعد مجئ الخبر له صلى الله عليه وسلم بأن القول بقتل عثمان رضي الله عنه باطل
وفيه أنه حيث علم صلى الله عليه وسلم أن عثمان لم يقتل لا معنى للبيعة لأن سببها كما علمت بلوغه الخبر أن عثمان قد قتل
إلا أن يقال سببها ما ذكر وقتل العشرة من الصحابة ويدل لذلك ما يأتي قريبا أن عثمان رضي الله عنه بايع بعد مجيئه من مكة فليتأمل أي وبهذا يرد ما تمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي كرم الله وجهه على عثمان رضي الله عنه لأن عليا كان من جملة من بايع تحت الشجرة وقد خوطبوا بقوله صلى الله عليه وسلم أنتم خير أهل الأرض فإنه صريح في تفضيل أهل الشجرة على غيرهم


وأيضا على حضر بدرا دون عثمان وقد جاء مرفوعا لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية
وحاصل الرد أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عن عثمان مع الاعتذار عنه بأنه في حاجة الله وحاجة رسوله صلى الله عليه وسلم وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه عن بدر لتمريض بنته صلى الله عليه وسلم واسهم له كما تقدم فهو في حكم من حضرها على أنه سيأتي أنه رضي الله عنه بايع تحت تلك الشجرة بعد مجيئه من مكة واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم أنتم خير أهل الأرض على عدم حياة الخضر عليه الصلاة والسلام حينئذ لأنه يلزم أن يكون غير النبي أفضل منه وقد قامت الأدلة الواضحة على ثبوت نبوته كما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وقد أشار إلى امتناع عثمان رضي الله تعالى عنه من الطواف وإلى عدم صحة القول بأن عثمان قتل وإلى مبايعته صلى الله عليه وسلم عنه صاحب الهمزية بقوله رحمه الله ** وأبى أن يطوف البيت إذ لم ** يدن منه إلى النبي فناء ** ** فجزته عنها ببيعة رضوا ** ن يد من نبيه بيضاء ** ** أدب عنده تضاعفت الأء ** مال بالترك حبذا الأدباء **
أي وامتنع رضي الله عنه أن يطوف بالبيت لأجل أنه لم يقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من البيت جانب فجزته عن تلك الفعلة وهي ذهابه اليهم وامتناعه من الطواف يد من نبيه عليه الصلاة والسلام تلك اليد البالغة في الكرم وذلك في بيعة الرضوان وذلك أدب عظيم عند عثمان رضي الله تعالى عنه حصل منه أمر عظيم مستغرب هو تضاعف ثواب الأعمال التي تركها بسبب تركها وهي الطواف
وذكر أن قريشا بعثت إلى عبد الله بن أبي ابن سلول إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل فقال له ابنه عبد الله رضي الله عنه يا أبت أذكرك الله أن لا تفضحنا في كل موطن تطوف ولم يطف رسول الله صلى الله عليه وسلم فابى حينئذ وقال لا أطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي لفظ قال إن لي في رسول الله أسوة حسنة فلما بلغ رسول صلى الله عليه وسلم امتناعه رضي الله عنه أثنى عليه بذلك
وكانت البيعة تحت الشجرة هناك أي من أشجار السمر أي ولما جاء عثمان رضي الله

تعالى عنه بايع تحت تلك الشجرة وقيل لها بيعة الرضوان أي لانه صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار احد بايع تحت الشجرة رواه مسلم وكانوا ألفا وأربعمائة على الصحيح
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أيها الناس إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية وتقدم أن الواو بمعنى أو في حديث لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية بدليل رواية مسلم هذه
ومن ثم قال ابن عبد البر رحمه الله ليس في غزواته صلى الله عليه وسلم ما يعدل بدرا أو يقرب منها إلا غزوة الحديبية والراجح تقديم غزوة أحد على غزوة الحديبية وأنها التي تلى بدرا في الفضيلة وأول من بايعه صلى الله عليه وسلم سنان بن أبي سنان الأسدي كذا في الأصل أنه الصواب بعد أن حكى أن أول من بايع أبو سنان أي وهو ما ذهب اليه في الاستيعاب حيث قال الأكثر الأشهر أن أبا سنان أول من بايع بيعة الرضوان أي لا ابنه سنان وأبو سنان هذا هو أخو عكاشة بن محصن رضي الله عنه وكان أكبر من أخيه عكاشة بعشرين سنة وضعفه في الأصل بأن أبا سنان رضي الله عنه مات في حصار بني قريظة ودفن بمقبرتهم أي كما تقدم
ولما بايعه سنان قال للنبي صلى الله عليه وسلم أبايعك على ما في نفسك قال وما في نفسي قال أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل وصار الناس يقولون له صلى الله عليه وسلم نبايعك على ما بايعك عليه سنان
وقيل أول من بايع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقيل سلمة بن الأكوع
قال وذكر أن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بايع ثلاث مرات أول الناس ووسط الناس وآخر الناس بأمره له صلى الله عليه وسلم في الثانية والثالثة بعد قول سلمة له قد بايعت فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضا وذلك ليكون له في ذلك فضيلة أي لأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤكد بيعته لعلمه بشجاعته وعنايته بالإسلام وشهرته في الثبات أي بدليل ما وقع له رضي الله عنه في غزوة ذي قرد بناء على تقدمها على ما هنا أو تفرس فيه صلى الله عليه وسلم ذلك بناء على تأخرها وبايع عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما مرتين
أي وقد قيل في سبب نزول قوله تعالى { لا تحلوا شعائر الله } الآية أن المسلمين لما

صدوا عن البيت بالحديبية مر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة فقال المسلمون نصد هؤلاء كما صدنا أصحابه فأنزل الله تعالى الآية أي لا تصدوا هؤلاء العمار أن صدكم اصحابهم
قال وكان محمد بن مسلمة رضي الله عنه على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثت قريش أربعين وقيل خمسين رجلا عليهم مكرز بن حفص أي وهو الذي بعثته قريش له صلى الله عليه وسلم ليسأله فيما جاء وقال صلى الله عليه وسلم في حقه هذا رجل غادر وفي لفظ رجل فاجر ليطوفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا رجاء أن يصيبوا منهم أحدا أو يجدوا منهم غرة أي غفلة فأخذهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلا مكرزا فإنه أفلت وصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه رجل فاجر أو غادر كما تقدم وأتى بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسوا وبلغ قريشا حبس اصحابهم فجاء جمع منهم حتى رموا المسلمين بالنبل والحجارة وقتل من المسلمين ابن زنيم رضي الله عنه رمى بسهم فأسر المسلمون منهم اثني عشر رجلا
وعند ذلك بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعا منهم سهيل بن عمرو فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه سهل أمركم فقال سهيل يا محمد إن الذي كان من حبس أصحابك أي عثمان والعشرة رجال وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من رأى ذوي رأينا بل كنا كارهين له حين بلغنا ولم نعلم به وكان من سفهائنا فابعث الينا بأصحابنا الذين أسرت أولا وثانيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي فقالوا نفعل فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بذلك فبعثوا بمن كان عندهم وهو عثمان والعشرة رجال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابهم انتهى
ولما علمت قريش بهذه البيعة خافوا وأشار أهل الرأي بالصلح على أن يرجع ويعود من قابل فيقيم ثلاثا معه سلاح الراكب السيوف في القرب والقوس فبعثوا سهيل ابن عمرو أي ثانيا ومعه مكرز بن حفص وحويطب بن عبد العزى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصالحوه على أن يرجع في عامه هذا لئلا تتحدث العرب بأنه دخل عنوة أي وانه يعود من قابل فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال اراد القوم الصلح حيث بعثوا هذا الرجل أي ثانيا فلما انتهى سهيل إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم جثا على ركبتيه بين يديه صلى الله عليه وسلم والمسلمون حوله جلوس وتكلم فأطال ثم تراجعا أي ومن جملة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال له سهيل والله لا تتحدث العرب بنا أنا أخذنا ضغطة بالضم أي بالشدة والإكراه ولكن ذلك من العام القابل ثم التأم الأمر بينهما على الصلح على ترك القتال إلى آخر ما يأتي ولم يبق إلا الكتاب بذلك
وعند ذلك وثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتى ابا بكر رضي الله عنه فقال له يا ابا بكر اليس هو برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بلى قال أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال او ليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطي الدنية بفتح الدال وكسر النون وتشديد الياء النقيصة والخصلة المذمومة في ديننا فقال له أبو بكر رضي الله عنه يا عمر الزم غرزه أي ركابه وفي رواية أنه قال له أيها الرجل إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصى ربه وهو ناصره استمسك بغرزه حتى تموت فإني أشهد أنه رسول الله قال عمر رضي الله عنه وأنا أشهد أنه رسول الله ثم أتى عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مثل ما قال لأبي بكر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولم يضيعني
ولقي عمر رضي الله عنه من ذلك الشروط الآتي ذكرها أمرا عظيما وجعل يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام حتى قال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما يقول نعوذ بالله من الشيطان الرجيم فجعل يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر إني رضيت وتأبى فكان عمر رضي الله عنه يقول ما زلت أصوم واتصدق واصلى واعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به حين رجوت أن يكون هذا خيرا
هذا والذي في الإمتاع عكس ما هنا أي أنه قال ما ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولا ثم لأبي بكر ثانيا ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أي بعد أن كان أمر أوس بن خولة أن يكتب فقال له سهيل لا يكتب إلا ابن عمك على أو عثمان بن عفان فأمر عليا كرم الله وجهه فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو لا أعرف هذا أي الرحمن الرحيم ولكن أكتب باسمك اللهم فكتبها لأن قريشا كانت تقولها وأول من كتبها أمية بن أبي الصلت ومنه

تعلموها وتعلمها هو من رجل من الجن في خبر ذكره المسعودي أي وإنما كتبها بعد أن قال المسلمون والله لا يكتب إلا بسم الله الرحمن الرحيم فضج المسلمون
وعن الشعبي رحمه الله كان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فكتب النبي أول ما كتب باسمك اللهم وتقدم أنه كتب ذلك في أربع كتب حتى نزلت { بسم الله مجراها ومرساها } فكتب باسم الله ثم نزلت { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } فكتب بسم الله الرحمن ثم نزلت { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } أي فكتبها وهذا السياق يدل على تأخر نزول الفاتحة عن هذه الآيات لأن البسملة نزلت أولها وتقدم الخلاف في وقت نزولها فليتأمل ثم قال صلى الله عليه وسلم اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل بن عمرو لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولم اصدك عن البيت ولكن اكتب باسمك واسم ابيك أي وفي لفظ لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك واتبعتك أفترغب عن اسمك واسم ابيك محمد بن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه امحه وفي لفظ امح رسول الله فقال علي كرم الله وجهه ما أنا بالذي أمحاه وفي لفظ لا أمحوك وفي لفظ والله لا أمحوك أبدا فقال أرنيه فأراه إياه فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة وقال اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو وقال أنا والله رسول الله وإن كذبتموني وأنا محمد بن عبد الله وفي لفظ فجعل علي يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال له صلى الله عليه وسلم اكتب فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد أي مقهور
وهو إشارة منه صلى الله عليه وسلم لما سيقع بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما فإنهما في حرب صفين وقعت بينهما المصالحة على ترك القتال إلى رأس الحول وكان القتال في صفر دام مائة يوم وعشرة أيام قتل فيه سبعون ألفا خمسة وعشرون ألفا من جيش علي كرم الله وجهه من جملة تسعين ألفا وخمسة وأربعون ألفا من جيش معاوية من جملة مائة وعشرين ألفا
فلما كتب الكاتب في الصلح هذا ما صالح عليه امير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي هو أحد الحكمين اكتب اسمه واسم ابيه وأرسل معاوية يقول لعمرو

لا تكتب أن عليا أمير المؤمنين لو كنت أعلم أنه أمير المؤمنين ما قاتلته فبئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم أقاتله ولكن اكتب علي بن أبي طالب وامح أمير المؤمنين فقيل له يا أمير المؤمنين لا تمح إمارة اسم امير المؤمنين فإنك إن محوتها لا تعود إليك فلما سمع علي كرم الله وجهه ذلك وأمره بمحوها وقال امحها تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ما تقدم ومن ثم قال الله أكبر مثلا بمثل والله إني لكاتب رسول الله يوم الحديبية إذ قالوا لست برسول الله ولا نشهد لك بذلك اكتب اسمك واسم ابيك محمد بن عبد الله فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه سبحان الله أنتشبه بالكفار فقال له علي كرم الله وجهه يا ابن النابغة أي العاهرة ومتى كنت عدوا للمسلمين هل تشبه إلا أمك التي وقعت بك فقال عمرو لايجمع بيني وبينك مجلس أبدا فقال علي كرم الله وجهه إني لأرجو الله أن يطهر مجلسي منك ومن أشباهك
وذكر أن أسيد بن حضير وسعد بن عبادة رضي الله عنهما أخذا بيد علي كرم الله وجهه ومنعاه أن يكتب إلا محمد رسول الله وإلا فالسيف بيننا وبينهم وضجت المسلمون وارتفعت الأصوات وجعلوا يقولون لم نعط هذه الدنية في ديننا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم ويومئ بيده إليهم أن اسكتوا ثم قال أرنيه الحديث وكان الصلح على وضع الحرب عن الناس عشر سنين وقيل سنتين وقيل اربع سنين أي وصححه الحاكم تأمن فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض أي ويقال لهذا العقد هدنة ومهادنة وموادعة ومسالمة وقال زيادة على اشتراط الكف عن الحرب على أنه من أتى محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش ممن هو على دين محمد بغير إذن وليه رده إليه ذكرا كان أو انثى
قال السهيلي رحمه الله وفي رد المسلم إلى مكة عمارة البيت وزيادة خير له في الصلاة بالمسجد الحرام والطواف بالبيت فكان هذا من تعظيم حرمات الله هذا كلامه ومن أتى قريشا ممن كان مع محمد أي مرتدا ذكرا كان أو أنثى لم نرده اليه
وهذا الثاني يوافق قول أئمتنا معاشر الشافعية يجوز شرط أن لا يردوا من جائهم مرتدا والأول يخالف قولهم لا يجوز شرط رد مسلمة تأتينا منهم فإن شرط فسد الشرط والعقد إلا أن يقال هذا ما وقع عليه الأمر أولا ثم نسخ كما سيأتي وشرطوا أنه من احب أن يدخل

في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وأن بيننا وبينكم عيبة مكفوفة أي صدورا منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة وقيل صدورا نقية من الغل والخداع منطوية على الوفاء بالصلح وأنه لا إسلال ولا إغلال أي لا سرقة ولا خيانة قال سهيل وأنك ترجع عامك هذا فلا تدخل مكة وأنه إذا كان عام قابل خرج منها قريش فتدخلها بأصحابك فاقمت بها ثلاثة أي ثلاثة أيام معك سلاح الراكب السيوف في القرب والقوس لا تدخلها بغيرها
ويقال إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي كتب الكتاب بيده الشريفة وهو ما وقع في البخاري أي اطلق الله يده صلى الله عليه وسلم بالكتابة في تلك الساعة خاصة وعد معجزة له
قال بعضهم لم يعتبره أي القول بذلك أهل العلم ومعنى كتب أمر الكتابة وفي النور وفي كون هذا أي أنه كتب بيده في البخاري فيه نظر والذي في البخاري واخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب ليكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد الحديث أي فلفظة بيده ليست في البخاري ومع اسقاطها التأويل ممكن وتمسك بظاهر قوله فكتب أبو الوليد الباجي المالكي رحمه الله على أنه صلى الله عليه وسلم كتب بيده فشنع عليه علماء الاندلس في زمانه بأن هذا مخالف للقرآن فناظرهم واستظهر عليهم بأن هذا لا ينافي القرآن وهو قوله تعالى { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } لأن هذا النفي مقيد بما قبل ورود القرآن وبعد أن تحققت أميته صلى الله عليه وسلم وتقررت بذلك معجزته لا مانع من أن يعرف الكتابة من غير معلم فتكون معجزة أخرى ولا يخرجه ذلك عن كونه أميا
أي ويقال إن الذي كتب هذا الكتاب محمد بن مسلمة رضي الله عنه وعده الحافظ ابن حجر رحمه الله من الاوهام
وجمع بأن أصل هذا الكتاب كتبه علي كرم الله وجهه ونسخ مثله محمد بن مسلمة رضي الله عنه لسهيل بن عمرو أي فإن سهيلا قال يكون هذا الكتاب عندي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل عندي فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كتب لسهيل نسخة أخذها عنده وعند كتابته اشترط ان يرد اليهم من جاء مسلما قال المسلمون سبحان الله كيف نرد للمشركين من جاء مسلما وعسر عليم شرط

ذلك وقالوا يا رسول الله أتكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا اليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فرددناه اليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا وفي لفظ قال عمر يا رسول الله أترضى بهذا فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال من جاءنا منهم فرددناه اليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا ومن أعرض عنها وذهب اليهم فلسنا منه في شيء وليس منا بل اولى بهم
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وسهيل بن عمرو يكتبان الكتاب بالشروط المذكورة إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى المسلمين يرسف في الحديد أي يمشي في قيوده متوشحا سيفه قد افلت إلى أن جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمى بنفسه بين أظهر المسلمين فجعل المسلمون يرحبون به ويهنئونه فلما رأى سهيل ابنه أبا جندل قام اليه فضرب وجهه وفي لفظ أخذ غصنا من شجرة به شوك وضرب به وجه ابي جندل ضربا شديدا حتى رق عليه المسلمون وبكوا وأخذ بتلبيته وقال يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلى لقد لجت القضية بيني وبينك أي وجبت وتمت قبل أن يأتيك هذا قال صدقت فجعل ينثره بتلبيته ويجره ليرده إلى قريش وجعل ابو جندل رضي الله عنه يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني عن ديني الا ترون ما لقيت فإنه رضي الله عنه كان عذب عذابا شديدا على أن يرجع عن الإسلام فزاد الناس ذلك إلى ما بهم أي فإنهم كانوا لا يشكون في دخولهم مكة وطوافهم بالبيت للرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا الصلح وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه داخلهم من ذلك امر عظيم حتى كادوا يهلكون خصوصا من اشترط أن يرد إلى المشركين من جاء مسلما منهم أي ورد أبي جندل اليهم بعد ضربه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله أن لا نغدر بهم
وبهذا استدل أئمتنا على أنه يجوز شرط رد من جاءنا منهم مسلما إليهم ولا نرده اليهم إلا إذا كان حرا ذكرا غير صبي ومجنون وطلبته عشيرته
وفي لفظ آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسهيل إنا لم نفض الكتاب بعد فقال بلى لقد لجت القضية بيني وبينك أي تم العقد فرده فقال النبي صلى الله عليه

وسلم فأجره لي فقال ما أنا مجير ذلك لك قال بلى فافعل قال ما انا بفاعل فقال مكروز وحويطب قد أجرناه لك لا نعذبه
أي وهذا وما تقدم يخالف قول ابن حجر الهيتمي رحمه الله ان مجيء أبي جندل كان قبل عقد الهدنه معهم رواه البخاري وعند ذلك قال حويطب لمكرز ما رأيت قوما قط أشد حبا لمن دخل معهم من أصحاب محمد أما أني اقول لك لا تأخذ من محمد نصفا ابدا بعد هذا اليوم حتى يدخلها عنوه فقال مكرز وأنا أرى ذلك
وعند ذلك وثب عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومشى الى جنب ابي جندل أى وابوه سهيل بجنبه يدفعه وصار عمر رضى الله عنه يقول لابي جندل اصبر يا أبا جندل فانما هم المشركون وانما دم احدهم كدم كلب اى ومعك السيف يعرض له بقتل أبيه اى وفى روايه ان دم الكافر عند الله كدم الكلب ويدني قائم السيف منه أى وفى لفظ وجعل يقول يا أبا جندل ان الرجل يقتل أباه فى الله والله لو أدركنا أباءنا لقتلناهم فى الله فقال له أبو جندل ما لك لا تقتله أنت فقال عمر نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله وقتل غيره فقال أبو جندل رضى الله عنه ما أنت أحق بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مني فقال عمر رضى الله عنه وددت أن يأخذ السيف فيضرب أباه فضن الرجل بأبيه
وفيه كيف يظن عمر حينئذ جواز قتله لآبيه حتى يعرض له به الا أن يقال ظن ذلك لكونه يريد أن يفتنه عن دينه ويرجع الى الكفر وإن كان صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا جندل اضبر واحتسب
ورجع أبو جندل الى مكه فى جوار مكرز بن حفص أى وحويصب فأدخلاه مكانا وكف عنه أبوه
وأبو جندل اسمه العاص وهو اخو عبد الله بن سهيل بن عمرو وإسلام عبد الله سابق على اسلام ابي جندل لآن عبد الله شهد بدرا أي فإنه خرج مع المشركين لبدر ثم انحاز من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه بدرا والمشاهد كلها وأبو جندل رضي الله عنه أول مشاهده الفتح
ودخلت خزانمة في عقده صلى الله عليه وسلم وعهده أي وفي لفظ ووثب من هناك من خزاعة فقالوا نحن ندخل في عهد محمد وعقده ونحن على من وراءنا من قومنا ودخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم


ويذكر أن حويطبا قال لسهيل بادأنا أخوا لك يعني خزاعة بالعداوة وكانوا يستترون منا فدخلوا في عهد محمد وعقده فقال له سهيل ما هم الا كغيرهم هؤلاء أقاربنا ولحمتنا قد دخلوا مع محمد قوم اختاروا لانفسهم أمرا فما نصنع بهم أن ننصر عليهم حلفاءنا بني بكر قال سهيل إياك أن يسمع هذا قال منك بنو بكر فإنهم أهل شؤم فيسبوا خزاعة فيغضب محمد لحلفائه فينقض العهد بيننا وبينه
ومن هذا التقرير يعلم أن بيعة الرضوان كانت قبل الصلح وأنها سبب الباعث لقريش عليه
ووقع في المواهب ما يقتضي ان بيعة الرضوان كانت قبل الصلح وأنها السبب الباعث لقريش عليه
ووقع في المواهب ما يقتضي أن البيعة كانت بعد الصلح وأن الكتاب الذي ذهب به عثمان كان متضمنا للصلح الذي وقع بينه صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو فحبست قريش عثمان فحبس صلى الله عليه وسلم سهيلا ولا يخفى عليك ما فيه
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ا لصلح وأشهد عليه رجالا من المسلمين أي أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبا عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة أي ورجالا من قريش حويطبا ومكرزا قام إلى هدية فنحره ومن جملته جمل لابي جهل وكان نجيبا مهريا وكان يضرب في لقاحه صلى الله عليه وسلم في رأسه برة أي حلقة من فضة وقيل من ذهب ليغيظ بذلك المشركين غنمه صلى الله عليه وسلم يوم بدر كما تقدم
وقال وقد كان فر من الحديبية ودخل مكة وانتهى إلى دار أبي جهل وخرج في أثره عمرو بن غنمة الأنصاري فأبى سفهاء مكة أن يعطوه حتى امرهم سهيل بن عمرو بدفعه ودفعوا فيه عدة ثياب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أنا سميناه في الهدى فعلنا انتهى
وفي لفظ قال لهم سهيل بن عمرو إن تريدوه فاعرضوا على محمد مائة من الإبل فإن قبلها فأمسكوا هذا الجمل وإلا فلا تتعرضوا له أي فعرضوا عليه صلى الله عليه وسلم ذلك فأبى وقال لو لم يكن هذا الجمل للهدى لقبلت المائة وفرق صلى الله عليه وسلم لحم الهدى على الفقراء الذين حضروا الحديبية
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى مكة عشرين بدنة مع ناحية حتى نحرت

بالمروة وقسموا لحمها على فقراء مكة ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه وكان الحالق لرأسه خراش بن أمية الخزاعي الذي بعثه إلى قريش فعقروا جمله وأرادوا قتله كما تقدم
فلما رأى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون وقصر بعضهم كعثمان وأبي قتادة
وفي كلام بعضهم أي وهو السهيلي أنه لم يقصر غيرهما ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة فقال اللهم ارحم المحلقين وفي لفظ يرحم الله المحلقين وفي لفظ اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين فقال يرحم الله المحلقين أو قال اللهم ارحم المحلقين أو اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين فقال يرحم الله المحلقين والمقصرين وفي رواية قال والمقصرين في الرابعة وقد قالوا له يا رسول الله لم ظاهرت أي أظهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين قال لأنهم لم يشكوا أي لم يرجوا أن يطوفوا بالبيت بخلاف المقصرين أي لأن الظاهر من حالهم أنهم أخروا بقية شعورهم رجاء أن يحلقوها بعد طوافهم بالبيت
وأرسل الله سبحانه وتعالى ريحا عاصفة احتملت شعورهم فألقتها في الحرم وفيه أنه تقدم أن الحديبية أكثرها في الحرم فاستبشروا بقبول عمرتهم
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الكتاب أمرهم بالنحر والحلق قال ذلك ثلاث مرات فلم يقم منهم احد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها أي وهو شديد الغضب فاضطجع فقالت مالك يا رسول الله مرارا وهو لا يجيبها ثم ذكر لها ما لقي من الناس وقال لها هلك المسلمون أمرتهم أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا وفي لفظ قال عجبا يا أم سلمة ألا ترين إلى الناس آمرهم بالأمر فلا يفعلونه قلت لهم انحروا واحلقوا وحلوا مرارا فلم يجبني أحد من الناس إلى ذلك وهم يسمعون كلامي وينظرون وجهي فقالت يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد داخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح ثم أشارت عليه صلى الله عليه وسلم أن يخرج ولا يكلم أحدا منهم وينحر بدنه ويحلق رأسه ففعل كذلك أي أخذ الحربة وقصد هديه وأهوى بالحربة إلى البدن رافعا صوته بسم الله والله أكبر ثم دخل صلى الله عليه وسلم قبة له من أدم أحمر ودعا بخراش فحلق رأسه ورمى شعره على شجرة فأخذه الناس وتحاصوه وأخذت أم عمارة رضي الله عنها طاقات منه فكانت تغسلها للمريض وتسقيه فيبرأ فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وحلقوا ثم انصرف صلى الله

عليه وسلم قافلا إلى المدينة أي بعد أن أقام بالحديبية تسعة عشر يوما وقيل عشرين يوما
فلما كان صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة أي بكراع الغميم أنزلت عليه سورة الفتح أي وقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنزلت علي سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وحصل للناس مجاعة فقالوا يا رسول الله جهدنا أي اصابنا الجهد وهو المشقة من الجوع وفي الناس ظهر أي إبل فانحره لنأكل من لحمه ولندهن من شحمه ولنحتذى من جلوده فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تفعل يا رسول الله فإن الناس إن يكن فيهم بقية ظهر أمثل كيف بنا إذا لاقينا العدو غدا جياعا ورجالا أي ثم قال ولكن إن رأيت أن تدعو الناس إلى أن يجمعوا بقايا أزوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فإن الله سيبلغها بدعوتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابسطوا أنطاعكم وعباءكم ففعلوا ثم قال من كان عنده بقية من زاد او طعام فلينثره ودعا لهم ثم قال قربوا أوعيتكم فأخذوا ما شاء الله أي وحشوا أوعيتهم وأكلوا حتى شبعوا وبقي مثله
وفي مسلم خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأخذنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم فجمعنا من أزوادنا فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع فكان كربضة العنز أي كقدر العنز وهي رابضة أي باركة وكنا أربع عشرة مائة وقال الراوي فأكلنا حتى شبعنا ثم حشونا جربنا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله والله لا يلقى الله عبد مؤمن بهما إلا حجب من النار وقال صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه هل من وضوء بفتح الواو وهو ما يتوضأ به فجاء رجل باداوة وهي الركوة فيها نطفة من ماء أي قليل من ماء وقيل للماء نطفة لأنه ينطف أي يصب فأفرغها في قدح أي ووضع راحته الشريفة في ذلك الماء قال الراوي فتوضأنا كلنا أي الأربع عشرة مائة ندغفقه دغفقة أي نصبه صبا شديدا ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا هل من طهور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغ الوضوء وإلى تكثير الطعام والماء أشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله في وصف راحته الشريفة

** أحييت المرملين من موت جهد ** أعوز القوم فيها زاد وماء **
أي حفظت على المحتاجين للزاد والماء حياتهم فسلموا من موت قحط شديد أعوذ القوم في ذلك القحط زاد وماء وقال الإمام السبكي في تائيته في تكثير الماء ** وعندي يمين لا يمين بأن في ** يمينك وكفا حيثما السحب ضنت **
ولما أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم سورة الفتح قال له جبريل عليه السلام نهنئك يا رسول الله وهنأه المسلمون وتكلم بعض الصحابة وقال ما هذا بفتح لقد صدونا عن البيت وصد هدينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك بئس الكلام بل هو أعظم الفتح لقد رضى المشركون أن يدفعوكم بالبراح عن بلادهم وسألوكم القضية ويربحوا اليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا وأظفركم الله عليهم وردكم الله تعالى سالمين مأجورين فهو أعظم الفتوح انسيتم يوم أحد { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد } وأنا أدعوكم في أخراكم ونسيتم يوم الاحزاب { إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا } فقال المسلمون صدق الله ورسوله فهو أعظم الفتوح والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ولأنت أعلم بالله وبأمره منا وقال له بعض الصحابة أي وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله ألم تقل إنك تدخل مكة آمنا قال بلى أفقلت لكم من عامي هذا قالوا لا قال فهو كما قال جبريل عليه السلام فإنكم تأتونه وتطوفون به
أقول فيه أنه تقدم أن ذلك كان عن رؤيا لا عن وحي إلا أن يقال يجوز أن يكون جاءه صلى الله عليه وسلم الوحي بمثل ما رأى ثم اخبرهم بذلك والله اعلم
وفي لفظ لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية أنه يدخل مكة هو واصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين وأخبرهم بذلك فلما صدوا قالوا له اين رؤياك يا رسول الله فانزل الله تعالى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } الآية
أقول ولا يخالف هذا ما تقدم أن الرؤيا المذكورة كانت بالمدينة وأنها السبب الحامل على الإحرام بالعمرة لجواز تكرار الرؤيا وأن الأولى اقترن بها الوحي
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عام القضية وحلق رأسه قال هذا الذي وعدتكم فلما كان يوم الفتح وأخذ المفتاح قال ادعوا لي عمر بن الخطاب فقال هذا الذي قلت لكم


ولما كان في حجة الوداع ووقف صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال لعر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الذي قلت لكم وفيه أنه لم يتقدم في الرؤيا أنه صلى الله عليه وسلم يأخذ المفتاح ولا أن يقف بفعرة إلا أن يقال يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك بعد الرؤيا وأن المراد مجرد دخول مكة والله أعلم
وأصابهم مطر في الحديبية لم يبل أسفل نعالم أي ليلا فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلوا في رحالكم
أي ووقع مثل ذلك في حنين أنه أصابهم مثله فأمر صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي ألا صلوا في رحالكم
وقال صلى الله عليه وسلم صبيحة ليلة الحديبية لما صلى بهم أتدرون ما قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال الله عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا برحمة الله وفضله فهو مؤمن بالله وكافر بالكواكب ومن قال مطرنا بنجم كذا وفي رواية بنو كذا وكذا فهو مؤمن بالكواكب كافر بي وهذا عند أئمتنا مكروه لا حرام أي لأن المراد بالإيمان شكر نعمة الله حيث نسبها الى الله والكفر كفران النعمة حيث نسبها لغيره فإن اعقتد أن النجم هو الفاعل كان الكفر فيه على حقيقته وهو ضد الإيمان والأول إنما نهى عنه لأن كان من أمر الجاهلية وإلا فهذا التركيب لا يقتضي أن يكون نؤ كذا فاعلا ومن ثم لو قال مطرنا في نؤ كذا أي في قوت نوء كذا لم يكره وكان ابن أبي ابن سلول قال هذا نوء الخريف مطرنا بالشعرى أي وسمي الخريف خريفا لأنه تخترف فيه الثمار أي تقطع والنوء سقوط نجم ينزل في الغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق من أنجم المنازل وذلك يحصل في كل ثلاثة عشر يوما إلا الجبهة النجم المعروف فإن لها أربعة عشر يوما قال بعضهم والأنواء ثمانية وعشرون نوءا أي نجما كان العرب يعتقدون أن من ذلك يحدث المطر أو الريح
وفي الحديث لو حبس الله القطر عن الناس سبع سنين ثم أرسله أصبح طائفة منهم به كافرين يقولون مطرنا بنوء المجرة بسكر الميم نجم يقال هو الدبران وعن أبي هريرة رضي الله عنه إن الله ليصبح القوم بالنعمة ويمسيهم بها فتصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا


ونقل عن عمر رضي الله عنه أنه قال مطرنا بنوء كذا ولعله لم يبلغه النهي عن ذلك حيث قال
قال العارف بالله ابن عطاء الله لعل هذا يكون ناهيا لك أيها المؤمن عن التعرض إلى علم الكواكب واقتراناتها ومانعا لك ان تدعي وجود تأثيراتها واعلم أن لله فيك قضاء لا بد أن ينفذه وحكما لا بد أن يظهره فما فائدة التجسس على غيب علام الغيوب وقد نهانا سبحانه أن نتجسس على غيبه
وصارت تلك الشجرة التي وقعت عندها البيع يقال لها شجرة الرضوان وبلغ عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي في خلافته أن ناسا يصلون عندها فتوعدهم وأمر بها فقطعت أي خوف ظهور البدعة
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة هاجرت إليه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة وكانت أسلمت بمكة وبايعت قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أول من هاجر من النساء بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وإنها خرجت من مكة وحدها وصاحبت رجلا من خزاعة حتى قدمت المدينة
وفي الاستيعاب يقولون إنها مشت على قدميها من مكة إلى المدينة ولا يعرف لها اسم الا هذه الكنية وهي أخت عثمان بن عفن رضي الله عنه لأمه
ولما قدمت المدينة دخلت على أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأعلمتها أنها جاءت مهاجرة وتخوفت أن يردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة أعلمته بها فرحب بأم كلثوم رضي الله تعالى عنها فخرج أخواها عمارة والوليد في ردها بالعهد فقالا يا محمد أوف لنا بما عاهدتنا عليه فلم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أي بعد أن قالت له يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعف فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبي لي فنزل القرآن بنقض ذلك العهد بالنسبة للنساء من جاء منهن مؤمنا لكن بشرط امتحانهن بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات } أي في مدة هذا العهد والصلح { مهاجرات فامتحنوهن } قال السهيلي رحمه الله وكان الامتحان أن تستحلف المرأة المهاجرة أنها ما هاجرت ناشزة لا هاجرت إلا لله ولرسوله وفي لفظ كانت المرأة إذا جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم حلفها عمر رضي

الله عنه بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض وبالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت لالتماس دينا ولا لرجل من المسلمين وبالله ما خرجت الا حبا لله ورسوله فإذا خلفت لم ترد ورد صداقها إلى بعلها
أي ولما قدم الوليد وعمارة مكة أخبرا قريشا بذلك فرضوا أن تحبس النساء ولم يكن لأم كلثوم رضي الله عنه زوج بمكة فلما قدمت المدينة زوجها زيد بن حارثة
وفي رواية لما كان صلى الله عليه وسلم بالحديبية جاءته جماعة من النساء المؤمنات مهاجرات من مكة من جملتهن سبيعة بنت الحارث فأقبل زوجها وهو مسافر المخزومي طالبا لها وأراد مشركو مكة أن يردوهن إلى مكة فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } فاستحلف صلى الله عليه وسلم سبيعة فحلفت فأعطى صلى الله عليه وسلم زوجها مسافرا ما أنفق عليها فتزوجها عمر رضي الله عنه وهذا السياق يدل على أن الآية الكريمة نزلت بالحديبية وما قبله يدل على أنها نزلت بالمدينة وقد يقال لا مانع من تكرر نزول الآية
وأما في غير مدة هذا العهد أي بعد نسخه بفتح مكة فلم تستخلف امرأة جاءت إلى المدينة ولا يرد صداقها إلى بعلها ومن ثم ذهب أئمتنا إلى أنه إذا شرط رد المسلمة إليهم فسدت الهدنة كماتقدم ولا يجب دفع المهر للزوج لو جاءت مسلمة وقوله تعالى { وآتوهم } أي الأزواج { ما أنفقوا } أي من المهور على الندب والصارف له عن الوجوب كون الأصل براءة الذمة لأن البضع ليس بمال للكافر
وفيه أن طلب رد المهور للأزواج كان واجبا في مدة العهد خاصة كما علمت وأنزل الله تعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أي نهى المؤمنين عن البقاء على نكاح المشركات فطلق الصحابة رضي الله عنهم كل امرأة كافرة في نكاحهم حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان له امرأتان فطلقهما يومئذ فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والآخرى صفون بن امية فكان صلى الله عليه وسلم في مدة العهد يرد الرجال ولا يرد النساء أي بعد امتحانهن فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة أبو بصير رضي الله عنه وكان ممن حبس بمكة وكتب في رده أزهر بن عوف رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهو من الطلقاء وهو عم عبد الرحمن بن عوف والأخنس بن شريق رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك كتابا وبعث به رجلا من بني عامر يقال له خنيس ومعه مولى

يهديه الطريق فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتاب فقرأه أبي رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أصحابنا فابعث إلينا بصاحبنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما علمت ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق إلى قومك قال يا رسول الله اتردني إلى المشركين يفتنوني عن ديني قال صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير انطلق فان الله سيجعل لك ولمن حولك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق معهما أي وصار المسلمون رضي الله عنهم يقولون له الرجل يكون خيرا من ألف رجل يغرونه بالذين معه حتى إذا كانوا بذي الحليفة جلس رضي الله عنه إلى جدار ومعه صاحباه فقال ابو بصير رضي الله عنه لأحد صاحبيه ومعه سيفه أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر قال نعم انظر اليه إن شئت فاستله أبو بصير رضي الله عنه ثم علاه به حتى قتله
وفي لفظ إن الرجل هو الذي سل سيفه ثم هزه فقال لأضربن بسيفي هذا في الأوس والخزرج يوما إلى الليل فقال له أبو نصير أو صارم سيفك هذا قال نعم فقال ناولنيه أنظر إليه فناوله فلم قبض عليه ضربه به حتى برد وقيل تناوله بفيه وصاحبه نائم فقطع إساره أي كتافه ثم ضربه به حتى برد فطلب المولى فخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم والحصى يطن تحت قدميه وفي لفظ والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوة أي وأبو بصير في أثره حتى ازعجه قال صلى الله عليه وسلم إن هذا الرجل قد رأى فزعا وفي لفظ قد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد قال له ويحك مالك قال قتل صاحبكم صاحبي وأفلت منه ولم أكد وإني لمقتول واستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فإذا أبو بصير رضي الله عنه أناخ بعير العامري بباب المسجد ودخل متوشحا السيف ووثب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله وفت ذمتك وأدى الله عنك أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه أو يفتن بي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب حيث شئت فقال يا رسول الله هذا سلب العامري أي الذي قتلته رحله وسيفه فخمسه فقال له صلى الله عليه وسلم إذا خمسته رأوني لم أوف لهم

بالذي عاهدتهم عليه ولكن شأنك بسلب صاحبك ومن ثم قال فقهاؤونا يجوز رد المسلم إلى الطالب له من غير عشيرته إذا قدر على قهر الطالب والهرب منه
وعند ذلك ذهب أبو بصير رضي الله عنه إلى محل من طريق الشام تمر به عيرات قريش واجتمع اليه جمع من المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة أي إنهم لما بلغهم خبره رضي الله عنه أي وأنه صلى الله عليه وسلم قال في حقه ويل أمه مسعر حرب أي لو كان معه رجال صاروا يتسللون اليه وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو رضي الله عنهما الذي رده يوم الحديبية وخرج من مكة في سبعين فارسا أسلموا فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المدة التي هي زمن الهدنة أي خوف أن يردهم إلى أهليهم وانضم اليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب ممن أسلم حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل فقطعوا مادة قريش لا يظفرون باحد منهم إلا قتلوه ولا تمر بهم عير إلا أخذوها حتى كتبت قريش له صلى الله عليه وسلم تساله بالأرحام إلا آواهم ولا حاجة لهم بهم
وفي رواية أن قريشا أرسلت أبا سفيان بن حرب رضي الله عنه في ذلك وأن قريشا قالوا إنا أسقطنا هذا الشرط من الشروط من جاء منهم إليك فأمسكه في غير حرج أي وفي لفظ من أتاه فهو آمن فإنا أسقطنا هذا الشرط فإن هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح إقراره فكتب رسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وإلى أبي بصير رضي الله عنهما أن يقدما عليه وأن من معهما من المسلمين يلحقوا ببلادهم وأهليهم ولا يتعرضوا لاحد مر بهم من قريش ولا لعيراتهم فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما وأبو بصير رضي الله عنه يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يقرؤه فدفنه أبو جندل رضي الله عنه مكانه وجعل عند قبره مسجدا
وقدم أبو جندل رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ناس من اصحابه ورجع باقيهم إلى أهليهم وأمنت قريش على عيراتهم وعلمت أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم الذين عسر عليم رد أبي جندل إلى قريش مع ابيه سهيل بن عمرو أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما احبوه وأن رأيه صلى الله عليه وسلم أفضل من رأيهم وعملوا بعد ذلك ن مصالحته صلى الله عليه وسلم كانت اولى لانها كانت

سببا لكثرة المسلمين فإن الكفار لما أمنوا القتال اختلطوا بالمسلمين فاثر فيهم الاسلام فأسلم كثير منهم
وقد ذكر بعض المفسرين أن الذين أسلموا في سنتي الفتح بناء على أن المدة كانت ستتين أو المعنى سنتين من الصلح أي من مدته يعدلون الذين أسلموا قبلهما
قال وعن بعضهم أي وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقول ما كان فتح في الإسلام اعظم من فتح الحديبية ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد صلى الله عليه وسلم وربه والعباد يعجلون والله لا يعجل لعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد لقد رأيت سهيل بن عمرو رضي الله عنه بعد إسلامه في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينحرها بيده ودعا الحلاق لحلق رأسه فأنظر إلى سهيل كلما يقلط من شعره صلى الله عليه وسلم يضعه على عينيه وأذكر أمتناعه أن يقر يوم الحديبية بأن يكتب { بسم الله الرحمن الرحيم } أي وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمدت الله وشكرته الذي هداه للإسلام
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون قد حصرنا المشركون وكان لي وفرة فجعلت الهوام أي القمل تتساقط على وجهي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي وفي رواية أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادنه فدنوت يقول ذلك مرتين أو ثلاثا وفي رواية أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أوقد تحت برمة وفي لفظ قدر لي فقال كأنك تؤذيك هوام رأسك قال أجل قال احلق واهد هديا فقال ما أجد هديا فقال صم ثلاثا أيام وفي لفظ فقال أيؤذيك هوام رأسك وفي لفظ لعلك آذاك هوام رأسك قلت نعم يا رسول الله قال ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا فأمرني أن أحلق أي وفي رواية أصابتني هوام في رأسي وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى تخوفت على بصري وأنزل الله تعالى هذه الآية { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه } أي فحلق { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صم ثلاثة أيام او تصدق بفرق أي زاد في رواية من زبيب

بين ستة مساكين والفرق بفتح الفاء والراء ثلاثة آصع أي زاد في رواية من تمر لكل مسكين نصف صاع أو انسك أي اذبح ما تيسر لك انتهى زاد في رواية أي ذلك فعلت أجزأ عنك فحلقت ثم نسكت
أي وفي رواية الشيخين انسك شاة اوضم ثلاثة أيام أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين
قال ابن عبد البر عامة الآثار عن كعب بن عجرة وردت بلفظ التخيير وهو نص القرآن وعليه عمل العلماء في كل الأمصار وفتواهم وما ورد من الترتيب في بعض الاحاديث لو صح كان معناه الاختيار أولا فأولا
قال الزمخشري في سفر السعادة أمر صلى الله عليه وسلم في علاج القمل بحلق الرأس لتنفتح المسام وتتصاعد الأبخرة وتضعف المادة الفاسدة التي يتولد القمل منها
وذكر في الهدى أن أصول الطب ثلاثة الحمية وحفظ الصحة والاستفراغ فإلى الأول شرع التيمم خوفا من استعمال الماء وإلى الثاني شرع الفطر في رمضان في السفر لئلا تتوالى مشقة السفر ومشقة الصوم وإلى الثالث بحلق رأس المحرم إذا كان به أذى من قمل ليستفرغ المادة الفاسدة والأبخرة الرديئة
وعند أئمتنا لا بد أن يكون ما يذبحه مجزئا في الأضحية وبعد الحديبية قبل خيبر وقيل بعد خيبر نزلت آية الظهار { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها }
وسبب ذلك أن أوس بن الصامت لا عبادة بن الصامت كما قيل أي وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وفي لفظ كان به لمم أي نوع من الجنون وكان فاقد البصر قال لزوجته خولة بنت ثعلبة وفي لفظ بنت خويلد وكانت بنت عمه وقد راجعته في شيء فغضب فقال لها انت علي كظهر أمي وكان ذلك في زمن الجاهلية طلاقا أي كالطلاق في تحريم النساء ثم راودها على نفسها فقالت كلا لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ أنه لما قال لها أنت علي كظهر أمي اسقط في يده وقال ما أراك إلا قد حرمت علي انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأليه فدخلت عليه صلى الله عليه وسلم وهو يمشط رأسه الشريف أي عنده ماشطة أي وهي عائشة رضي الله عنه تمشط رأسه
وفي لفظ كان الظهار أشد الطلاق وأحرم الحرام إذا ظاهر الرجل من امرأته لم ترجع

إليه أبدا فاخبرته فقال لها صلى الله عليه وسلم ما أمرنا بشيء من أمرك ما أراك الا قد حرمت عليه فقالت يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي فقال حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي وتركي إلى غير أحد وقد كبر سني ودق عظمي
وفي لفظ أنها قالت اللهم إني أشكوا اليك شدة وحدتي وما شق علي من فراقه وما نزل بي وبصبيتي قال عائشة رضي الله عنها فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها وفي لفظ قالت يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا ذات مال وأهل فلما أكل مالي وذهب شبابي ونفضت بطني وتفرق أهلي ظاهر مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراك إلا قد حرمت عليه فبكت وصاحت وقالت أشكو إلى الله فقري ووحدتي وصبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وان ضممتهم إلي جاعوا وصارت ترفع رأسها إلى السماء فبينما هو صلى الله عليه وسلم قد فرغ من شق رأسه وأخذ في الشق الآخر أنزل الله عليه الآية فسرى عنه وهو يتبسم فقال صلى الله عليه وسلم لها مريه فليحرر رقبة فقالت والله ماله خادم غيري قال مريه فليصم شهرين متتابعين فقالت والله إنه لشيخ كبير إنه لم يأكل في اليوم مرتين يندر بصره أي لو كان مبصرا فلا ينافي ما تقدم أنه كان فاق البصر قال فليطعم ستين مسكينا فقالت والله ما لنا اليوم وقية فقال مريه فلينطلق إلى فلان يعني شخصا من الأنصار أخبرني أن عنده شطر وسق من تمر يريد أن يتصدق به فليأخذه منه
وفي رواية مريه فليأت أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق من تمر فليتصدق به على ستين مسكينا وليراجعك ثم أتته فقصت عليه القصة فانطلق ففعل
أي وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا سأعينه بفرق من تمر فبكت وقال وأنا يا رسول الله سأعينه بفرق آخر قال قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصى بابن عمك خيرا
وفي رواية لما قال لها صلى الله عليه وسلم ما أعلم إلا قد حرمت عليه قالت لها عائشة رضي الله عنه وراءك فتنحت فلما نزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحي وسرى عنه قال يا عائشة أين المرأة قالت ها هي هذه قال ادعها فدعتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم اذهبي فجيئي بزوجك فذهبت فجاءت به وادخلته على النبي صلى الله عليه وسلم

فاذا هو ضرير البصر فقير سيء الخلق فقال له صلى الله عليه وسلم أتجد رقبه قال لا وفى لفظ قال مالي بهذا من قدره قال أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال والذى بعثك بالحق اني اذا لم اكل المره والمرتين والثلاث يغشى على وفى لفظ اني اذا لك اكل مرتين كل بصري اى لو كان موجودا قال أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا الا أن تعينني بها فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفر عنه وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم اعطاه مكتلا يأخذ خمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا قال بعضهم وكانوا يرون أن عند أوس رضى الله عنه مثلها حتى يكون لكل مسكين نصف صاع وفيه أنه خلاف الروايات من أنه لا يملك شيئا فقال على أفقر مني فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج اليه مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اذهب به إلى أهلك وهذا أول ظهار وقع في الإسلام
ومر عمر رضي الله تعالى عنه بخوله هذه في أيام خلافته فقالت له قف يا عمر فوقف لها ودنا منها واصغى اليها وأطالت الوقوف واغلظت له القول أي قالت له هيات يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميرا وأنت في سوق عكاظ ترعى القيان بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت فقال لها الجارود قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين فقال عمر رضي الله عنه دعها وفي رواية فقال له قائل حبست الناس لأجل هذه العجوز قال ويحك وتدري من هذه قال لا قال هذه امرأة قد سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خولة بنت ثعلبة والله لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تنقضي حاجتها
قيل وفي هذه السنة التي هي سنة ست حرمت الخمر وبه جزم الحافظ الدمياطي وقيل حرمت سنة أربع أي ويدل له ما تقدم من اراقة الخمر وكسر جررها في بني قريظة وقيل في السنة الثالثة وقيل إنما حرمت في عام الفتح قبل الفتح
قال بعضهم حرمت ثلاث مرات أي نزل تحريمه ثلاث مرات كان المسلمون يشربونها حلالا أي لغيره صلى الله عليه وسلم أما هو فحرمت عليه قبل البعثة بعشرين سنة لم تبح له قط
وقد جاء أول ما نهان عنه ربي بعد عبادة الأصنام شرب الخمر وتقدم أن جماعة

حرموها على أنفسهم وامتنعوا من شربها ولا زالت حلالا للناس حتى نزل قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } فعند ذلك اجتنبها قوم لوجود الإثم وتعاطاها أخرون لوجود النفع أي وكانوا ربما شربوها وصلوا فلما نزل قوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } امتنع من كان يشربها لأجل النفع من شربها في أوقات الصلاة ورجع قوم منهم عن شربها حتى في غير أوقات الصلاة وقالوا لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة
وسبب نزول هذه الآية ما جاء عن علي كرم الله وجهه قال صنع لنا عبد الرحمن ابن عوف طعاما أي وشرابا من الخمر فأكلنا وشربنا فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة أي الجهرية وقدموني فقرأت { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } ونحن نبعد ما تعبدون إلى أن قلت وليس لي دين وليس لكم دين ثم نزلت الآية الأخرى الدالة على تحريمها مطلقا وهي { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } أي ولعل هذه الآية الأخيرة هي التي عناها أنس رضي الله عنه بقوله كما في البخاري كنت ساقي القوم الخمر بمنزل أبي طلحة أي وهو زوج امه رضي الله عنهم ونزل تحريم الخمر فمر مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة اخرج فانظر ما هذا الصوت قال فخرجت فقلت هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت فقال لي اذهب فأهرقها فقال بعض القوم قتل قوم أي في أحد وهي في بطونهم وفي رواية قالوا يارسول الله كيف بمن مات من اصحابنا وكان شربها فأنزل الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } أي لأن ذلك كان قبل تحريمها مطلقا
وقد جئ لعمر رضي الله عنه بشخص من المهاجرين الاولين قد سكر فأراد عمر جلده فاستدل على عمر بهذه الآية فقال عمر لمن حضره ألا تردون عليه فقال ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآية نزلت عذرا للماضين وحجة على الباقين ثم استشار عمر رضي الله عنه عليا كرم الله وجهه فأشار عليه أن يجلده ثمانين جلدة ولعل هذا الشخص هو قدامة بن مظعون وتقدمت قصته في بدر وتقدم في ذلك أن الذي رد عليه بذلك عمر لا ابن عباس رضي الله عنهم كذا وقع لأبي جندل رضي الله عنه مثل ذلك وأنه اشفق أي خاف من ذلك فلما بلغ عمر رضي الله عنه كتب اليه

إن الذي زين إليك الخطيئة هو الذي حظر أي منع عليك التوبة { بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب } الآية
غزوة خيبر على وزن جعفر سميت باسم رجل من العماليق نزلها يقال له خيبر وهو اخو يثرب أي الذي سميت باسمه المدينة كما تقدم وفي كلام بعضهم الخيبر بلسان اليهود الحصن ومن ثم قيل ها خيابر لاشتمالها على الحصون وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثيرة بينها وبين المدينة الشريفة ثمانية برد كما في سيرة الحافظ الدمياطي ومعلوم أن البريد أربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية أقام شهرا وبعض شهر أي ذا الحجة ختام سنة ست وأقام من المحرم افتتاح سنة سبع أياما قيل عشرين يوما أو قريبا من ذلك ثم خرج إلى خيبر أي وهذا ما ذهب اليه الجمهور
ونقل عن الإمام مالك رضي الله عنه أن خيبر كانت سنة ست وإليه ذهب الإمام ابن حزم وفي التعليقة للشيخ أبي حامد أنها كانت سنة خمس قال الحافظ ابن حجر وهو وهم ولعله انتقل من الخندق إلى خيبر
قال وقد استنفر صلى الله عليه وسلم من حوله ممن شهد الحديبية يغزون معه وجاءه المخلفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد فأما الغنيمة فلا أي لا تعطوا منها شيئا ثم أمر مناديا ينادي بذلك فنادى به قال أنس رضي الله عنه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة وهو زوج أم أنس كما تقدم حين أراد الخروج إلى خيبر التمسوا غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج أبو طلحة مردفي وأنا غلام قد راهقت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل خدمته فسمعته كثيرا ما يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال ا هـ
أقول هذا السياق يدل على أن أول خدمة أنس رضي الله عنه له صلى الله عليه وسلم حينئذ وهو يخالف ما سبق أن عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت به أمه

وقالت هذا ابني وهو غلام كيس وكان عمره عشر سنين وقيل تسع سنين وقيل ثمان سنين
ففي مسلم عن أنس قال جاءت بي أمي ام أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه فقالت يا رسول الله هذا أنيس ابني أتيتك به ليخدمك فادع الله له قال اللهم أكثر ماله وولده
وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم وإنما قال لأبي طلحة ما ذكر رجاء ان يأتى له بمن هو أقوى من أنس على السفر شفقة على أنس ومن ثم لم يخرجه صلى الله عليه وسلم معه
وفيه أنه خرج معه في بدر فقد جاء أنه قيل لأنس رضي الله عنه أشهدت بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا أم لك وأين غبت عن بدر
وقد يقال جاز أن يكون عرض لأنس رضي الله عنه حين خروجه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ما يقتضي الشفقة عليه في عدم اخراجه معه والله اعلم
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة نميلة وقيل سباع بن عرفطة أي وصحح وكان الله وعده وهو بالحديبية أي عند منصرفه منها في سورة الفتح بمغانم بقوله تعالى { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } أي مغانم خيبر وخرج معه صلى الله عليه وسلم من نسائه أم سلمة رضي الله تعالى عنها وقال صلى الله عليه وسلم في سيره لعامر بن الأكوع عم سلمة ابن الأكوع رضي الله تعالى عنهما انزل فحدثنا من هناتك وفي رواية من هنيهاتك وفي لفظ من هنياتك بقلب الهاء الثانية ياء أي من أراجيزك وأشعارك وفي لفظ انزل فحرك بنا الركاب فقال يا رسول الله قد تولى قولي أي الشعز فقال له عمر رضي الله عنه اسمع وأطع فنزل يرتجز بقوله رضي الله تعالى عنه ** والله لولا الله ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا الأبيات **
وفي مسلم اللهم لولا أنت ما اهتدينا قيل وصوابه في الوزن لاهم أو يا ألله أو والله لكن في تلك الأبيات فاغفر فداء لك ما اقتفينا أي فاغفر ما اكتسبنا واصل الاقتفاء الاتباع
وفي خطاب الباري عز وجل بفداء لك ما لا ينبغي لأنه لا يقال للباري عز وجل فديتك لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه ومتوقع حلوله بالمفدى بالفتح فيجعل المفدى بالكسر نفسه فداء له من ذلك فيبذل نفسه عن نفسه


وأجيب عن ذلك بأن الشاعر لم يرد ذلك بل أراد أن يبذل نفسه رضاه سبحانه وتعالى
وعند إنشاده الأبيات المذكورة قال له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمك ربك فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله وجبت أي الشهادة يا رسول الله لولا أي هلا امتعتنا به أي أبقيته لنا لنتمتع به ومنه أمتعني الله ببقائك أي هلا أخرت الدعاء له بذلك إلى وقت آخر لأنه صلى الله عليه وسلم ما قال ذلك لأحد في مثل هذا الموطن إلا واستشهد
وفي لفظ أن القائل له اسمعنا رجل من القوم قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمه صريحا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع قال من هذا السائق قالوا عامر قال صلى الله عليه وسلم يرحمه الله فقتل في هذه الغزاة رجع إليه سيفه فقتله فإنه أراد أن يضرب به ساق يهودي فجاءته ذبابته في ركبته فمات من ذلك رضي الله عنه فقال الناس قتله سلاحه وفي رواية قتل نفسه أي فليس بشهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لشهيد وصلى عليه صلى الله عليه وسلم والمسلمون وفي رواية قال سلمة بن الأكوع يا رسول الله فداك أبي وأمي زعموا أن أخي عامرا حبط عمله وفي لفظ يزعم أسيد بن حضير وجماعة من اصحابك أن عامرا حبط عمله إذ قتل بسيفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب من قال أي أخطأ في قوله وإن له أجرين وجمع بين أصبعيه وفي رواية إنه لشهيد وفي لفظ إنه لجاهد مجاهد وفي لفظ مات جاهدا مجاهدا والجاهد الجاد في أمره فلما قام بوصفين كان له أجران وقيل هو من باب جاد مجد وشعر شاعر فهو تأكيد وكون عامر أخا سلمة هو خلاف ما تقدم أنه عمه وهو الصحيح المشهور
قال في النور ويمكن الجمع بأن يكون من النسب وأخاه من الرضاعة أي وحينئذ يكون هذا محمل قول ابن الجوزي رحمه الله من الإخوة الذين حدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر وسلمة ابنا الاكوع
وفي فتح الباري عن بعض الصحابة فلما وصلنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول
قد علمت خيبر أني مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب ** ** إذ الحروب اقبلت تلتهب


فبرز له عامر رضي الله عنه يقول ** قد علمت خيبر أني عامر ** شاكي السلاح بطل مغامر **
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر رضي الله عنه فذهب عامر يسفل لمرحب أي يضربه من أسفل فعاد سيفه على نفسه أي أصاب عين ركبه عامر فمات من ذلك الحديث
وكون عامر ارتجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي حدابه لا ينافي ما جاء أن البراء ابن مالك كان حسن الصوت وكان يرتجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره لأن المراد في غالب أو في بعض اسفاره كما صرح به بعض الروايات
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال له أي للبراء إياك والقوراير وهو يدل على انه كان يرتجز لنسائه صلى الله عليه وسلم وهو يخالف أن البراء كان حادي الرجال وأنجشة حادي النساء إلا أن يقال جاز أن يكون البراء حدا النساء في بعض الأسفار أو في بعض الأحيان وأنجشة كان في الغالب
قال بعضهم كان انجشة رضي الله تعالى عنه عبد أسود وكان حسن الصوت بالحداء إذا حدا أعنقت الإبل أي سارت العنق واسرعت فلما حدد بأمهات المؤمنين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنجشه رويدك رفقا بالقوراير
ولما اشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر وكان وقت الصبح قال لأصحابه رضي الله عنهم قفوا ثم قال أي وفي لفظ قال لهم قولوا اللهم رب السموات وما اظللن ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين فإنا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشرما فيها اقدموا بسم الله أي وفي لفظ ادخلوا على بركته تعالى وكان صلى الله عليه وسلم يقولها لكل قرية دخلها
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما توجه إلى خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا اصواتهم بالتكبير الله أكبر لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم أي ارفقوا بأنفسكم لا تبالغوا في رفع اصواتكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم قال عبد الله بن قيس رضي الله عنه وكنت خلف دابته صلى الله عليه وسلم فسمعني أقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

فقال يا عبد الله بن قيس قلت لبيك يا رسول الله قال ألا أدلك على كلمة من كنر الجنة قلت بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي قال لا حول ولا قوة إلا بالله
ويحتاج إلى الجمع بين هذا وبين أمره صلى الله عليه وسلم بأن اصحابه يرفعون أصواتهم بالتلبية وقد يقال المنهى عنه هنا الرفع الخارج عن العادة الذي ربما آذى بدليل قوله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم أي ارفقوا بها كما تقدم فلا منافاة
ولما أبصر صلى الله عليه وسلم عمالها وقد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم قالوا محمد والخميس أي الجيش العظيم معه قيل له الخميس لأنه خمسة أقسام التقدمة والساقة والمينمة والميسرة وهما الجناحين والقلب وأدبروا هرابا
قال وذكر أنه كان بها عشرة آلاف مقاتل وانهم كانا لا يظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم حين بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم وهم يخرجون ويصطفون صفوفا ثم يقولون محمد يغزونا هيهات هيهات
وذكر أن عبد الله بن ابي ابن سلول أرسل اليهم يخبرهم بأن محمدا سائر اليكم فخذوا حذركم وادخلوا أموالكم حصونكم واخرجوا إلى قتاله ولا تخافوا منه إن عددكم كثير وقوم محمد شرذمة قليلون عزل لا سلاح معهم إلا قليل
فلما كانت الليلة التي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحتها بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس فأصبحوا أي قاموا من نومهم وافئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم معهم الفؤوس ويقال لها الكرازين والمساحي ومعهم المكاتل أي وهي القفف الكثيرة فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوا هاربين إلى حصونهم أ هـفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين أي وبذلك استدل على جواز الاقتباس من القرآن وإنما قال صلى الله عليه وسلم خربت خيبر لأنه لما رأى آلة الهدم التي هي الفؤوس والمساحي تفاءل صلى الله عليه وسلم بأن حصونهم ستخرب أو أخذ ذلك من اسمها أو أن ذلك دعاء بلفظ الخبر قال الإمام النووي رحمه الله والأصح أنه أعلمه الله بذلك ويوافقه ما في فتح الباري
ويحتمل أن يكون قال ذلك بطريق الوحي ويؤيده قوله إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين أي لأنه نزل بساحتهم وهي في الأصل الفضاء بين الأبنيه


وابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم بحصون النطاة قبل حصون الشق وقيل بحصون الكثيبة أي لأنهم ادخلوا أموالهم وعيالهم في حصون الكثيبة وجمعوا المقاتلة في حصلون النطاة وكان نزل قريبا من حصون النطاة فجاءه صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا فإن كان عن أمر أمرت به فلا نتكلم وإن كان الراي تكلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرأي فقال يا رسول الله إن أهل النطاة لي بهم معرفة ليس قوم أبعد مدى سهم منهم ولا أعدل رمية منهم وهم مرتفعون علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم ولا نأمن من بياتهم يدخلون في حمرة النخل أي النخل المجتمع بعضه على بعض تحول يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم أشرت بالرأي إذا أمسينا إن شاء الله تحولنا ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه فقال انظر لنا منزلا بعيدا فطاف محمد رضي الله عنه وقال يا رسول الله وجدت لك منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بركة الله وتحول لما أمسى وأمر الناس بالتحول
أي وي لفظ إن راحلته صلى الله عليه وسلم قامت تجر بزمامها فأدركت لترد فقال دعوها فإنها مأمورة فلما انتهت إلى موضع من الصخرة بركت عندها فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصخرة وتحول الناس إليها واتخذوا ذلك الموضع معسكرا وفي الأصل انه نزل بذلك ليحول بين أهل خيبر وبين غطفان لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد يقال لا مخالفة بين هذه الروايات الثلاث فليتأمل وابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك مسجدا صلى به طول مقامه بخيبر أي وأمر صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل اهل حصون النظاة فوقع المسلمون في قطعها أربعمائة نخلة ثم نهاهم عن القطع فما قطع من نخيل خيبر غيرها قال قيل وقاتل صلى الله عليه وسلم يومه ذلك أشد القتال وعليه درعان وبيضة ومغفر وهو على فرس يقال له الظرب وفي يده قناة وترس
وما قيل إنه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر كان على حمار مخطوم برسن من ليف وتحته إكاف من ليف أي ففي مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وهو متوجه إلى خيبر جاز أن يكون ركب ذلك الحمار في الطريق وحال القتال ركب ذلك الفرس انتهى


أقول يرشد إلى هذا الجمع قوله متوجه إلى خيبر وظاهر هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم باشر القتال بنفسه وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم لم يباشر القتال بنفسه إلا في احد
ويبعد ان يكون باشر القتال بنفسه ولم يقتل أحدا إذ لو قتل أحدا لذكر لأنه مما تتوفر الدواعي إلى نقله وقد يكون المراد بقولهم وقاتل صلى الله عليه وسلم بنفسه أي قال جيشه ويدل لذلك ما في الإمتاع ألح على حصن ناعم أي وهو من حصون النطاة بالرمي ويهود تقاتل ورسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس يقال له الظرب وعليه درعان ومغفر وبيضة وفي يده قناة وترس
وقد دفع صلى الله عليه وسلم لواءه لرجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا فدفعه إلى آخر من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا وخرجت كتائب اليهود يقدمهم ياسر فكشف الانصار حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقفه فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسمى مهموما والله أعلم
وفي ذلك اليوم قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة رضي الله عنهما برحى ألقيت عليه من ذلك الحصن ألقاها عليه مرحب وقيل كنانة بن الربيع وقد يجمع بأنهما اجتمعا على ذلك وسيأتي ما يدل على أن قاتله غيرهما
وقد يقال لا مانع من أن يكونوا أي الثلاثة تجمعوا على قتله أي فإن محمود بن مسلمة رضي الله عنه كان قد حارب حتى اعياه الحرب وثقل السلاح وكان الحر شديدا فانحاز إلى ظل ذلك الحصن فألقى عليه حجر الرحى فهشم البيضة على رأسه ونزلت جلدة جبينه على وجهه أي وندرت عينه فأدركه المسلمون فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فسوى الجلدة إلى مكانها وعصبه بخرقة فمات رضي الله عنه من شدة الجراحة وجاء أخوه محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن اليهود قتلوا أخي محمود بن مسلمة فقال صلى الله عليه وسلم لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم فإذا لقيتموه فقولوا اللهم أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فإذا غشوكم فانهضوا وكبروا
أي وفي سياق بعضهم ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مكث سبعة أيام يقاتل أهل حصون النظاة يذهب كل يوم بمحمد بن مسلمة رضي الله عنه للقتال ويخلف على محل العسكر عثمان بن عفان فإذا أمسى رجع صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المحل ومن جرح من المسلمين يحمل إلى ذلك المحل ليداوي جرحه وكان صلى الله عليه وسلم يناوب بين اصحابه في حراسة الليل فلما كانت الليلة السادسة من السبع استعمل صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فطاف عمر رضي الله عنه بأصحابه حول العسكر وفرقهم فأتى برجل من يهود خيبر في جوف الليل فأمر به عمر رضي الله عنه أن يضرب عنقه فقال اذهب بي إلى نبيكم حتى أكلمه فأمسك عنه وانتهى به إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي فسمع صلى الله عليه وسلم كلام عمر فسلم وأدخله عليه فدخل باليهودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي ما وراءك فقال تؤمنني يا أبا القاسم فقال نعم قال خرجت من حصن النطاة من عند قوم يتسللون من الحصن في هذه الليلة قال فأين يذهبون قال إلى الشق يجعلون فيه ذراريهم ويتهيئون للقتال ولعل المراد ما أبقوه من ذراريهم فلا ينافي ما تقدم من أنهم أدخلوا أموالهم وعيالهم في حصون الكثيبة أو أن ذلك المخبر اخبر بحسب ما فهم أنهم يجعلون ذراريهم في الشق والحال أنهم إنما يذهبون ليجعلوا ذراريهم في حصون الكثيبة فليتأمل
وفي هذا الحصن الذي هو الحصن الصعب من حصون النطاة في بيت فيه تحت الأرض منجنيق ودبابات ودروع وسيوف فإذا دخلت الحصن غدا وأنت تدخله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله قال اليهودي إن شاء الله أوقفتك عليه فإنه لا يعرفه غيري وأخرى قيل ما هي قال يستخرج المنجنيق وينصب على الشق ويدخل الرجال تحت الدبابات فيحفروا الحصن فتفتحه من يومك وكذلك تفعل بحصون الكثيبة ثم قال يا أبا القاسم احقن دمي قال أنت آمن قال ولى زوجة فهبها لي قال هي لك ثم دعاه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال أنظرني أيام ثم قال صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة رضي الله عنه لأعطين الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبانه وفي لفظ قال صلى الله عليه وسلم لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله لايولي الدبر بفتح الله عز وجل على يده فيمكنه الله من قاتل أخيك وعند ذلك لم يكن من الصحابة رضي الله عنهم أحد له منزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم ألا يرجو ان يعطاها
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم ولعل ذلك لا ينافي ما جاء أن وفد ثقيف لما جاءوه صلى الله عليه وسلم قال لهم لتسلمن
التالي بمشيئة الله ج11.وج12.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحميلات و فهرس القرآن الكريم

 فهرس القرآن الكريم الكريمmp3 القرآن الكريم مكتوب 9مصاحف / / / /   / / /