الجمعة، 21 أكتوبر 2022

ج7وج8.السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي

 

ج7وج8. السيرة الحلبية

ج7وج8. كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي

أدبارهم من الغائط فغسلناها كما غسلوا وفى لفظ كنا نستنجى بالماء فى الجاهلية فلما جاء الإسلام لم ندعه قال فلا تدعوه وفى لفظ قالوا نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنانة فقال هل مع ذلك غيره قالوا لا غير إن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجى بالماء وفى رواية نستنجي من البول والغائط زاد في رواية ولا ننام الليل كله على الجنابة قال هو ذاك فعليكموه أي الزموه
اي وفي مسند البزار عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم لما سألهم قالوا إنا نتبع الحجارة الماء قال بعضهم في إسناده ضعف وبهذا وما تقدم من ذكر الحجارة يرد على الإمام النووي حيث قال هكذا أي ذكر الحجر مع الماء في خبر الانصار بقباء رواه الفقهاء في كتبهم وليس له أصل في كتب الحديث بل المذكور فيها أنهم قالوا كنا نستنجي بالماء وليس فيها مع الحجر أي ويكون السكوت عن ذكر الحجر لكونه كان معلوما فعله
وفي الخصائص الصغرى أن مما اختص به صلى الله عليه وسلم في شرعه وأمته الإستنجاء بالجامد وبالجمع فيه بين الماء والحجر
ومن اهل قباء عويمر بن ساعدة قال في حقه صلى الله عليه وسلم نعم العبد من عباد الله والرجل من أهل الجنة عويمر بن ساعدة أي لأنه كان أول من استنجى بالماء كما قيل أي ومن ثم جاء تخصيصه بالسؤال فقد روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويمر بن ساعدة فقال ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به فقال يا نبي الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط الحديث وهذا السياق ربما يقتضي أن الإستنجاء بالماء لم يكن معروفا في غير اهل قباء نزول هذه الآية
وفي كلام بعضهم أول من استنجى بالماء إبراهيم الخليل وكره بعض الصحابة الإستنجاء بالماء وهو حذيفة ولعله لكونه في الإستنجاء بالماء عدول عن الرخصة
ونقل عن ابن عمر انه كان لا يستنجي بالماء ولعله لما ذكرنا وكذا ما نقل عن ابن الزبير ما كنا نفعله وعن الإمام أحمد أنه لم يصح حديث في الإستنجاء بالماء وبالغ مغلطاي في رده وعن سيدنا مالك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء ولعل المراد إنكار صحة ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فليتأمل
وذكر الأحجار في الخبر يؤيد ظاهره ما ذكره إمامنا في الأم أن سنة الجمع بين الحجر

والماء تتوقف على كون الاستنجاء بالحجر كافيا لو اقتصر عليه بقوله والاستنجاء بالحجر كاف ولو أتى به أى بالاستنجاء الكافى رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلى وإنما قلنا ظاهره لإمكان رجوع الضمير للاستنجاء لا بقيد كونه كافيا
والذى عليه متأخرو أصحابنا أن سنة الجمع يكتفى فيها بازالة العين ولو بحجر واحد وقد يقال هذا محبوب وما ذكره الإمام أحب
ولا يخفى أن حديث الأنصار يقتضى اختصاص سن الجمع بين الحجر والماء بالغائط وبه قال القفال فى كتابه محاسن الشريعة والمفهوم من نص الأم أن مثل الغائط البول ثم بعد إقامته صلى الله عليه وسلم المذكورة بقباء ركب راحلته الجدعاء وقيل القصواء وقيل العضباء أى قاصدا المدينة والجدعاء بالدال المهملة المقطوعة الأنف أو مقطوعة الأذن كلها والقصواء المقطوع طرف أذنها والغضباء المشقوقة الأذن قال بعضهم وهذه ألقاب ولم يكن بها أى بتلك النوق شئ من ذلك وسيأتى عن الأصل أن هذه ألقاب لناقة واحدة
ولما ركب صلى الله عليه وسلم وخرج من قباء وسار سار الناس معه ما بين ماش وراكب أى ولا زال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شحا أى حرصا على كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له حتى دخل المدينة قال وصار الخدم والصبيان يقولون الله أكبر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء محمد صلى الله عليه وسلم ولعبت الحبشة بحرابها فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قالت بنو عمرو بن عوف له صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أخرجت ملالا لنا أم تريد دارا خيرا من دارنا قال إنى أمرت بقرية تأكل القرى أى تغلبها وتقهرها والمراد أهلها أى أن أهلها تفتح القرى فيأكلون أموال أهل تلك القرى ويسبون ذراريهم فخلوا سبيلها يعنى ناقته صلى الله عليه وسلم أى ومن أسماء تلك القرية المدينة
وروى الشيخان أمرت بقرية تأكل القرى يثرب وهى المدينة فالمدينة علم بالغلبة على تلك القرية كالنجم للثريا إذا أطلق فهى المرادة وإن أريد غيرها قيد والنسبة إليها مدنى ولغيرها من المدن مدينى للفرق بينهما ويثرب اسم محل فيها سميت كلها به ولعل ذلك المحل سمى بذلك لأنه نزل به يثرب من نسل نوح وفى الحديث المدينة تنفى الناس أى شرارهم كما ينفى الكير خبث الحديد


ففى بعض الروايات لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها قيل وكان ذلك فى حياته صلى الله عليه وسلم وقيل يكون ذلك فى زمن الدجال فقد جاء أن الدجال يرجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه وفى رواية ينزل الدجال السبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله منها كل منافق وكافر وبهذا استدل من قال كون المدينة تنفى الخبث ليس عاما فى الأزمنة ولا فى الأشخاص لأن المنافقين كانوا بها وخرج منها جماعة من خيار الصحابة منهم على وطلحة والزبير وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود
وفى كلام ابن الجوزى أن عبد الله بن مسعود مات بالمدينة وقد قال صلى الله عليه وسلم أى أرض مات بها رجل من أصحابى كان قائدهم ونورهم يوم القيامة وفى رواية فهو شفيع لأهل تلك الأرض
وأما قوله صلى الله عليه وسلم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون أى خيرلهم من بلاد الرخاء بدليل صدر الحديث يأتى على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون والذى نفسى بيده لا يخرج أحد منها رغبة عنها إلا أخلف الله من هو خير منه أى من خرج منها رغبة عنها إلى غيرها من بلاد الرخاء والسعة فلا دليل فى ذلك على أنها أفضل من مكة
ومن أسمائها أكالة البلدان ومن أسمائها البارة بتشديد الراء وتسمى الفاضحة لأن من أضمر فيها شيئا أظهر الله ما أضمره وافتضح به أى فالمراد أضمر شيئا من السوء وقد قال صلى الله عليه وسلم من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى هى طابة كشامة هى طابة هى طابة قال ذلك ثلاثا وفى رواية فليستغفر الله فليستغفر الله فليستغفر الله هى طيبة كهيبة هى طيبة هي طيبة هى طائب ككاتب
قيل وإنما سميت طيبة لطيب رائحة من مكث بها وتزايد روائح الطيب بها ولا يدخلها طاعون ولا دجال ولا يكون بها مجذوم أى لأن ترابها يشفى من الجذام وتسميتها يثرب فى القرآن إنما هو حكاية لقول المنافقين أى بعد نهيهم عن ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم لا أراها إلا يثرب أي ونحو ذذلك من كل ما وقع في كلامه صلى الله عليه وسلم من تسميتها بذلك كان قبل النهى عن ذلك انتهى
أى وجاء إن الإيمان ليأزر إلى المدينة كما تأزر الحية إلى جحرها ويأزر بكسر الزاى أى ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض وفى رواية إن الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما

بدا يأزر كما تأزر الحية إلى جحرها وإنما كرهت تسميتها بيثرب لأن يثرب مأخوذ من التثريب وهو المؤاخذة بالذنب ومنه قوله تعالى { لا تثريب عليكم اليوم } أو من الثرب بالتحريك وهو الفساد
وعن القاسم بن محمد قال بلغنى أن للمدينة فى التوراة أربعين اسما وقيل أحد عشر من جملتها سكينة أى ومن جملتها الجابرة أى التى تجبر والعذراء والمرحومة وفى كلام بعضهم لها نحو مائة اسم منها دار الأخيار ودار الأبرار ودار الإيمان ودار السنة ودار السلامة ودار الفتح قال الإمام النووى لا يعرف فى البلاد أكثر اسما منها ومن مكة
ومما يدل على أن خروجه صلى الله عليه وسلم من قباء متوجها إلى المدينة كان يوم الجمعة قول بعضهم وعند مسيره صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أدركته صلاة الجمعة فى بنى سالم ابن عوف فصلاها فى المسجد الذى فى بطن الوادى بمن معه من المسلمين وهم مائة وصلاها بعد ذلك فى المدينة وكانوا به صلى الله عليه وسلم أربعين
فعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة وكانوا أربعين رجلا أى ولم يحفظ أنه صلاها مع النقص عن هذا العدد ومن حينئذ صلى الجمعة فى ذلك المسجد سمى هذا المسجد بمسجد الجمعة وهو على يمين السالك نحو قباء فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة أى وخطب لها وهى أول خطبة خطبها فى الإسلام أى ومن خطبته تلك فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإنها تجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته وفى رواية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ونقل القرطبى هذه الخطبة فى تفسيره وأوردها جميعها فى المواهب وليس فيها هذا اللفظ
أقول هذا واضح إن كان أقام فى قباء والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس كما تقدم وأما على أنه صلى الله عليه وسلم أقام بضع عشرة ليلة أو أكثر من ذلك كما تقدم فيبعد أنه لم يصل الجمعة فى قباء فى تلك المدة ثم رأيت فى كلام بعضهم أنه كان يصلى الجمعة في مسجد قباء فى إقامته هناك
أى ويبعد أنه صلاها من غير خطبة وفى الجامع الصغير إن الله كتب عليكم الجمعة

فى مقامى هذا فى ساعتى هذه فى مشهدى هذا فى عامى هذا إلى يوم القيامة من تركها من غير عذر مع إمام عادل أو إمام جائر فلا جمع له شمله ولا بورك له فى أمره ألا ولا صلاة له ولا حج له ألا ولا بركة له ولا صدقة له فإن كان قال ذلك فى هذه الخطبة التى خطبها فى مسجد الجمعة كما هو المتبادر اقتضى ذلك أنها لم تكن واجبة قبل ذلك وهو مخالف قول فقهائنا أنها وجبت بمكة ولم تقم بها لعدم قدرتهم على إظهارها بمكة لأن إظهارها أقوى من إظهار جماعة الصلوات الخمس
وفى الإتقان مما تأخر حكمة عن نزوله آية الجمعة فإنها مدنية والجمعة فرضت بمكة وقول ابن الغرس إن إقامة الجمعة لم تكن بمكة قط يرده ما أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك قال كنت قائد أبى حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع النداء يستغفرلأبى أمامة أسعد بن زرارة فقلت يا أبتاه أرأيت صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة لم هذا قال أى بنى كان أول من صلى بنا الجمعة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة هذا كلامه وليتأمل ما وجه الرد من هذا
وجاء صلاة الجمعة بالمدينة كألف صلاة فيما سواها وصيام شهر رمضان فى المدينة كصيام ألف شهر فيما سواها كذا فى الوفاء عن نافع عن ابن عمر وأول قرية صليت فيها الجمعة بعد المدينة قرية عبد القيس بالبحرين وهل كانت الخطبة قبل الصلاة أو بعدها
فى الدر أنه صلى الله عليه وسلم كان وهو بالمدينة يخطب الجمعة بعد أن يصلى مثل العيدين فبينما هو يخطب يوم الجمعة قائما إذ قدمت عير دحية الكلبى وكان إذا قدم يخرج أهله للقائه بالطبل واللهو ويخرج الناس للشراء من طعام تلك العير والتفرج عليها وقيل للتفرج على وجه دحية فقد قيل كان إذا قدم دحية المدينة لم تبق معصر إلا خرجت لتنظر إليه لفرط جماله ولا مانع أن يكون ذلك لاجتماع الأمرين فانفض الناس ولم يبق معه صلى الله عليه وسلم إلا نحو اثنى عشر رجلا والجلال المحلى فى قطعة التفسير أسقط لفظ نحو أى وانفضاض ما عدا هؤلاء يحتمل أن يكون بعد ذلك فى حال الخطبة قبل تمام الأركان ويحتمل أن يكون بعد ذلك
وعلى الأول يجوز أن يكون رجع ممن انفض ما يكمل به العدد أربعين قبل طول

الفصل وقد أعاد صلى الله عليه وسلم مالم يسمعوه من أركان الخطبة عند انفضاضهم فلا يخالف ما ذهب إليه إمامنا الشافعى رضى الله تعالى عنه من وجوب سماع أربعين لأركان الخطبة
قال مقاتل بلغنى أنهم فعلوا ذلك أى الانفضاض عند الخطبة ثلاث مرات فأنزل الله تعالى { وإذا رأوا تجارة أو لهوا } الآية ثم صار صلى الله عليه وسلم يخطب قبل أن يصلى أى ليحافظ الناس على عدم الإنفضاض لأجل الصلاة وعليه انعقد الإجماع فلا نظر لمخالفة الحسن البصرى وحينئذ يكون قول بعض فقهائنا استدلالا على وجوب تأخر صلاة الجمعة عن الخطبتين يثبت صلاته صلى الله عليه وسلم بعد خطبتين أى استقر ثبوت ذلك
وعن الزهرى بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا خطب أى فى غير الخطبة المتقدمة كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت لا يعجل الله لعجلة أحد ولا يخف لأمر من الناس يريد الناس أمرا ويريد الله أمرا فما شاء الله كان لا ما شاء الناس وما شاء الله كان ولو كرة الناس لا مبعد لما قرب الله ولا مقرب لما بعد الله ولا يكون شئ إلا بإذن الله والله أعلم
ثم ركب صلى الله عليه وسلم راحلته بعد الجمعة متوجها للمدينة أى وقد أرخى زمامها ولم يحركها وهى تنظر يمينا وشمالا فسأله بنو سالم منهم عتبان بكسر العين المهملة ابن مالك ونوفل بن عبد الله بن مالك وعبادة بن الصامت فقالوا يا رسول الله أقم عندنا فى العدد والعزة والمنعة وفى لفظ والثروة وفى لفظ أنزل فينا فإن فينا العدد والعدة والحلقة أى السلاح ونحن أصحاب الحدائق والدرك يا رسول الله كان الرجل من العرب يدخل هذه البحيرة خائفا فيلجأ إلينا فقال لهم خيرا وقال خلوا سبيلها يعنى ناقته دعوها فإنها مأمورة أى وفى رواية إنها مأمورة خلوا سبيلها وهو يتبسم ويقول بارك الله عليكم فانطلقت حتى وردت دار بنى بياضة أى محلتهم أى والمراد القبيلة فسأله بنو بياضة أى ومنهم زياد بن لبيد وفروة بن عمرو بمثل ما تقدم وأجابهم بأنها مأمورة خلوا سبيلها فانطلقت حتى وردت دار بنى ساعدة أى ومنهم سعد ابن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة فسأله بنو ساعدة بمثل ذلك وأجابهم بخلوا سبيلها فأنها مأمورة فانطلقت حتى مرت بدار عدى بن النجار وهم أخواله صلى الله عليه وسلم

أى أخوال جده عبد المطلب كما تقدم أى بأوائل دورهم فسأله بنو عدى بن النجار أى أولئك الطائفة منهم بمثل ما تقدم أى وفى رواية أنهم قالوا له نحن أخوالك هلم إلى العدة والمنعة والعزة مع القرابة لا تجاوزنا إلى غيرنا يا رسول الله أى زاد فى رواية لا تجاوزنا ليس أحد من قومنا أولى بك منا لقرابتنا وأجابهم بأنها مأمورة فانطلقت حتى بركت فى محل من محلات بنى النجار وذلك فى محل المسجد أى محل بابه أو فى محل المنبر الآن وذلك عند دار بنى مالك بن النجار وعند باب أبى أيوب الأنصارى أى واسمه خالد بن زيد النجارى الأنصارى الخزرجى شهد العقبة وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مع على بن أبى طالب من خاصته شهد معه الجمل وصفين والنهروان غزا أيام معاوية أرض الشام مع يزيد بن معاوية سنة خمسين وقيل إحدى وخمسين فتوفى عند مدينة قسطنطينية فدفن هناك وأمر يزيد بالخيل فجعلت تقبل وتدبر على قبره حتى خفى أثر القبر خوفا أن تنبشه الكفار فكان المشركون إذا أمحلوا كشفوا عن قبره فيمطروا فلم ينزل عنها صلى الله عليه وسلم ثم وثبت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها ثم التفتت خلفها ورجعت إلى مبركها فبركت فيه وتجلجلت أى بالجيم تضعضت ووضعت جرانها أى باطن عنقها من المذبح إلى المنحر وأزرمت أى صوتت من غير أن تفتح فاها فنزل عنها صلى الله عليه وسلم وقال { رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين } أى قال ذلك أربع مرات وأخذه صلى الله عليه وسلم الذى كان يأخذه عند الوحى أى وسرى عنه وقال هذا إن شاء الله يكون المنزل أى وأمر أن يحط رحله وفى لفظ أن أبا أيوب قال له ائذن لى أن أنقل رحلك فأذن له واحتمل أبو أيوب رحله فوضعه فى بيته أى وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته فكانت عنده أى وذكر بعضهم أن أبا أيوب لما نقل رحله أناخ الناقة فى منزله وقد يقال لا مخالفة لجواز أن يكون أسعد أخذ بزمامها بعد ذلك فكانت عنده
أى وعن أبى أيوب رضى الله تعالى عنه لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة اقترعت الأنصار أيهم يأويه فقرعتهم الحديث وقد يقال مراده بالأنصار أهل تلك المحلة التى بركت فيها الناقة
وذكر السهيلى أنها لما ألقت جرانها فى دار بنى النجار أى فى محل من محلاتها جعل

رجل من بنى سلمة وهو جبار بن صخر أى وكان من صالحى المسلمين ينخسها رجاء أن تقوم فينزل فى دار بنى سلمة فلم تفعل
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث ثم بنو ساعدة وفى كل دور الأنصار خير
ولما بلغ ذلك سعد بن عبادة وجد فى نفسه وقال خلفنا فكنا آخر الأربع أسرجوا إلى حمارى آت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ابن أخته سهل فقال أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أو ليس حسبك أن تكون رابع أربع فرجع وقال الله ورسوله أعلم وأمر بحماره فحل عنه وفى رواية قال له اجلس ألا ترضى أن سماك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأربع الدور التى سمى فمن ترك فلم يسم أكثر ممن سمى فانتهى سعد بن عبادة عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجت جويريات من بنى النجار بالدفوف يقلن ** نحن جوار من بنى النجار ** يا حبذا محمد من جار **
فخرج إليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتحببننى وفى رواية أتحبونى قلن نعم يا رسول الله فقال الله يعلم أن قلبى يحبكن وفى رواية والله أحبكم وفى رواية وأنا والله أحبكم وأنا والله أحبكم وأنا والله أحبكم قال ذلك ثلاثا وهذا دليل لسماع الغناء على الدف من المرأة لغير العرس ويدل لذلك أيضا ما جاء عن ابن عباس مرفوعا أن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم جلسوا سماطين وجاءت جارية يقال لها سيرين معها مزهر تختلف به بين القوم وهى تغنيهم وتقول ** هل على وبحكم ** إن لهوت من حرج **
فتبسم النبى صلى الله عليه وسلم وقال لا حرج إن شاء الله تعالى
وما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى جاريتان من جوارى الأنصار يغنيان وفى رواية يضربان بدفين فاضطجع صلى الله عليه وسلم على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر رضى الله تعالى عنه فانتهرنى فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعها وفى رواية قال أبو بكر بمزمور وفى رواية بمزمار وفى لفظ بمزمارة الشيطان فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك مرتين وانتهرنى وكان صلى الله عليه وسلم متغشبا بثوبه

فكشف النبى صلى الله عليه وسلم عن وجهه الشريف فقال دعها يا أبا بكر فإنها أيام عيد أى لأن تلك كانت أيام منى
وقيل كان يوم عيد الفطر وقيل الأضحى ولا مانع من تعدد الواقعة
أقول فى البخارى عن الربيع بنت معوذ أنه صلى الله عليه وسلم دخل عليها غداة بنى عليها وعندها جويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية وفينا نبى يعلم ما فى غد فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم لا تقولى هكذا وقولى ما كنت تقولين
وفى حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج فى بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله إنى كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف فقال لها إن كنت نذرت فاضربى فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحتها وقعدت عليه فقال النبى صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليفرق منك يا عمر إنى كنت جالسا وهى تضرب ودخل أبو بكر وهى تضرب فلما دخلت أنت ألقت الدف أى وإذا كان الشيطان يخاف منك فما بالك بامرأة ضعيفة العقل
ولا ينافى هذا أى سماعه الغناء من المرأة مع الضرب على الدف ما تقدم فى باب ما حفظ به صلى الله تعالى عليه وسلم فى صغره من أمر الجاهلية لأن الدف ثم كان معه مزمار بخلافه هنا وتسمية أبى بكر رضى الله تعالى عنه الدف مزمارا لأنه كان يعتقد حرمة ذلك فشبهه بالمزمار المحرم سماعه
قال بعضهم واعلم أن السماع فى طريق القوم معروف وفى الجواذب إلى المحبة معدود وموصوف وقال بعض آخر إنه من أكبر مصايد النفوس أى والرجوع بها إلى الله تعالى وقد شوهد تأثير السماع فى الحيوانات غير الناطقة بل فى الأشجار ومن لم يحركه السماع فهو فاسد المزاج غليظ الطبع
وعن أبى بشر أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر مرا بالحبشة وهم يلعبون ويرقصون ويقولون ** يا أيها الضيف المعرج طارقا ** لولا مررت بآل عبد الدار ** ** لولا مررت بهم تريد قراهم ** منعوك من جهد ومن إقتار **


أى ولم ينكر عليهم وبه استدل أئمتنا على جواز الرقص حيث خلا عن التكسر فقد صحت الأخبار وتواترت الآثار بإنشاد الأشعار بين يديه صلى الله عليه وسلم بالأصوات الطيبة مع الدف وبغيره وبذلك استدل أئمتنا على جواز الضرب بالدف ولو فيه جلاجل لما هو سبب لإظهار السرور وعلى جواز إنشاد الشعر واستماعه حيث خلا عن هجو لغير نحو فاسق متجاهر بفسقه وخلا عن تشبب بمعين من امرأة أو غلام والخلاف إنما هو فى سماع الملاهى كالأوتار والمزامير وخوف الفتنة من سماع صوت المرأة أو الأمرد الجميل
ونقل عن الجنيد أنه قال الناس فى السماع أى سماع الآلات على ثلاثة أضرب العوام وهو حرام عليهم لبقاء نفوسهم والزهاد وهو مباح لهم لحصول مجاهداتهم والعارفون وهو مستحب لهم لحياة قلوبهم وذكر نحوه أبو طالب المكى وصححه السهروردى فى عوارف المعارف
وفى كلام بعضهم جبلت النفوس حتى غير العاقلة على الإصغاء إلى ما يحسن من سماع الصوت الحسن فقد كانت الطيور تقف على رأس داود عليه الصلاة والسلام لسماع صوته لكن يشكل على ذلك ما أخرجه ابن أبى شيبة عن صفوان بن أمية وهو من المؤلفة قال كنا عند النبى صلى الله عليه وسلم إذ جاء عمر بن قرة فقال يا رسول الله إن الله كتب على الشقوة فلا أنال الرزق إلا من دفى بكفى فأذن لى فى الغناء من غير فاحشة فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا إذن لك ولا كرامة ولا نعمة كذبت أى عدو الله أى يا عدو الله والله لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله أما إنك لو قلت بعد كهذه المقالة لضربتك ضربا وجيعا إلا أن يقال هذا النهى إن صح محمول على من يتخذ ضرب الدف حرفة وهو مكروه تنزيها وقوله صلى الله عليه وسلم اخترت ما حرم الله عليك إلى آخره للمبالغة فى التنفير عن ذلك
ونزل صلى الله عليه وسلم على أبى أيوب وقال المرء مع رحله أى بعد أن قال أى بيوت أهلنا يعنى أهل تلك المحلة من بنى النجار أقرب فقال أبو أيوب دارى هذه وقد حططنا رحلك فيها فذهبت تلك الكلمة أى التى هى المرء مع رحله مثلا وقال اذهب فهيئ لنا مقيلا فذهب فهيأ ذلك ثم جاء فقال يا نبى الله قد هيأت مقيلا فقم على

بركة الله تعالى ونزل معه صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضى الله تعالى عنه
أقول وفى رواية فتنازع القوم أيهم ينزل عليه أى كل يحرص على أن تكون داره له منزلا أى مقاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الليلة على بنى النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك فلما أصبح غدا حيث أمر وحينئذ يكون قوله صلى الله عليه وسلم أنزل الليلة أى غد تلك الليلة ولا يخالف هذا ما قبله من قول بنى النجار هلم إلينا وقوله لهم إنها مأمورة لجواز أن يكون أمر بالنزول عليهم
وأعلم أن خصوص البقعة والمحلة من محلات بنى النجار التى ينزل بها من دارهم ما تبرك به الناقة وفيه أنه يبعد مع ذلك أى مع قوله المذكور أى أنه ينزل على بنى النجار سؤال غير بنى النجار فى النزول عنده إلا أن يقال لعل السائلين له صلى الله عليه وسلم فى ذلك لم يبلغهم قوله المذكور أو جوزوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا له فى ذلك رأى وقد أشار إلى نزوله صلى الله عليه وسلم على بنى النجار الامام السبكى فى تائيته بقوله ** نزلت على قوم بأيمن طائر ** لأنك ميمون السنا والنقيبة ** ** فيالبنى النجار من شرف به ** يجرون أذيال المعالى الشريفة **
وهذا السياق يدل على أن تنازع القوم وقوله لهم المذكور كان فى آخر ليلة وهو فى قباء وهو يرد قول بعضهم يشبه أن يكون ذلك فى أول قدومه صلى الله عليه وسلم من مكة قبل نزوله قباء لا فى قدومه باطن المدينة فالمراد بأهل المدينة أهل قباء
ويرد قول سبط ابن الجوزى لعله نزل على بنى النجار ليلة انتهى أى تلك الليلة ثم ارتحل إلى بنى عمرو بن عوف أى فى قباء هذا وفى رواية عن أنس بن مالك رضى الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل فى علو المدينة فى حى يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ من بنى النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم قال أنس فكأنى أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر رديفه وملأ من بنى النجار حوله حتى أناخ بفناء أبى أيوب وهذه الرواية وقع فيها اختصار كبير
ويقال إنه صلى الله عليه وسلم عرج على عبد الله بن أبى ابن سلول وكان جالسا محتبيا وأراد النزول عليه فقال له اذهب إلى الذين دعوك وانزل عليهم فقال له سعد

ابن عبادة يا رسول الله لا تجد فى نفسك من قوله فقد قدمت علينا والخزرج تريد أن تملكه وقد وقع له فى بعض الأيام أنه صلى الله عليه وسلم قيل له يا رسول الله لو أتيت عبد الله بن أبى ابن سلول أى متألفا له ليكون ذلك سببا لإسلام من تخلف من قومه وليزول ما عنده من النفاق فانطلق النبى صلى الله عليه وسلم وركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون معه فلما أتاه النبى صلى الله عليه وسلم قال له إليك عنى والله لقد آذانى نتن حمارك فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدى والنعال فنزل { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } كذا فى البخارى
وفيه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على بن أبى ابن سلول وهو فى جماعة فقال ابن أبى لقد عثا ابن أبى كبشة فى هذه البلاد فسمعها ابنه عبد الله رضى الله تعالى عنه فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه برأسه فقال له صلى الله عليه وسلم لا ولكن بر أباك وكان ابن أبى جميل الصورة ممتلئ الجسم فصيح اللسان وهو المعنى بقوله تعالى { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } الآية ولكونه متبوعا جئ فيه بصيغة الجمع
وعن الزهرى أخبرنى عروة بن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب حمارا على إكاف وأردف أسامة وراءه يعود سعد بن عبادة فى بنى الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبى ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبى ابن سلول فاذا فى المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفى المسلمين عبد الله بن رواحة فثار غبار من مشى الحمار فخمر ابن أبى أنفه بردائه ثم قال لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم نزل ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال ابن أبى أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذينا به فى مجالسنا إرجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله فاغشنا فإنا نحب ذلك واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتبادرون فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سعد ألم تسمع

ما قال أبو حباب يعنى ابن أبى قال كذا وكذا فقال سعد بن عبادة يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالله الذى أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذى أنزل عليك وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما رد بالحق الذى أعطاك الله شرق فذلك الذى فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم
ومكث صلى الله عليه وسلم ببيت أبى أيوب إلى أن بنى المسجد وبعض مساكنه وقد مكث فى بناء ذلك من شهر ربيع الأول إلى شهر صفر من السنة القابلة أى وذلك اثنا عشر شهرا وقيل مكث ببيت أبى أيوب سبعة أشهر
قال ولما تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى عمرو بن عوف إلى المدينة تحول المهاجرون أى غالبهم أخذا مما يأتى فتنافس فيهم الأنصار أن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسهمان فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة بينهم فكان المهاجرون فى دور الأنصار وأموالهم اه
وكان من جملة محل مسجده صلى الله عليه وسلم مسجد لأبى أمامة أسعد بن زرارة رضى الله تعالى عنه وكان أبو أمامة يجمع فيه بمن يليه بناه فى بعض مربد للتمر لسهل وسهيل أى يجفف فيه التمر ويرادف المربد الجرين والمسطح والبيدر وهو ما يبسط فيه الزرع أو التمر للتجفيف
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى ذلك المسجد قال فعن أم زيد بن ثابت أنها قالت رأيت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يصلى بالناس الصلوات الخمس ويجمع بهم فى مسجد بناه فى مربد سهل وسهيل قالت فكأنى أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم وصلى بهم فى ذلك المسجد وبناه أى مع إدخال بقية ذلك المربد فهو مسجده
وحينئذ لا يخالف ذلك قول الحافظ بن الدمياطى عن الزهرى قال بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موضع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ يصلى فيه رجال من المسلمين قبل قدومه صلى الله عليه وسلم وكان مربدا لسهل وسهيل وكان جدارا مجدرا ليس عليه سقف وقبلته إلى بيت المقدس وكان أسعد بن زرارة بناه وكان يصلى بأصحابه ويجمع بهم فيه الجمعة قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم أى ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صار يصلى فيه


وفى الإمتاع كان أسعد بن زرارة بنى فيه جدارا تجاه بيت المقدس كان يصلى إليه بمن أسلم قبل قدوم مصعب بن عمير ثم صلى بهم إليه مصعب هذا كلامه وتعلم ما فيه لما قدمناه فى قدوم مصعب المدينة لكن فى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى فى مرابض الغنم قبل أن يبنى المسجد أى ولعله اتفق له ذلك فى بعض الأوقات لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى حيث أدركته الصلاة
ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك سأل أسعد بن زرارة أن يبيعه تلك البقعة التى كان من جملتها ذلك المسجد ليجعلها مسجدا فإنها كانت فى يده ليتيمين فى حجره وهما سهل وسهيل وقيل كانا فى حجر معاذ بن عفراء قال فى الأصل وهو الأشهر
وفى المواهب أن الأول هو المرجح واليتيمان المذكوران من بنى مالك بن النجار وقيل كانا فى حجر أبى أيوب الأنصارى قال بعضهم والظاهر أن الكل أى من اسعد ومعاذ وأبى أيوب كانوا يتكلمون لليتيمين لأنهم بنو عم فنسبا إلى حجر كل
وقد عرض أبو أيوب عليه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ تلك الأرض ويغرم لليتيمين فيمتها فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتاعها بعشرة دنانير أداها من مال أبى بكر أى وفى رواية فدعا الغلامين فساومهما بالمربد فقالا نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك أى وحينئذ يكون وصفهما باليتم باعبتار ما كان
وفى رواية أرسل صلى الله عليه وسلم إلى ملأ من بنى النجار ولعلهم من تقدم وهو أسعد ومعاذ وأبو أيوب ومعهم سهل وسهيل فجاءوه صلى الله عليه وسلم فقال لهم ثامنونى بحائطكم هذا أى خذوا منى ثمنه قالوا لا يا رسول الله والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فأبى أن يأخذه إلا بالثمن
قال وجاء أن أسعد بن زرارة عوض اليتيمين من تلك الأرض نخلا أى له فى بنى بياضة وقيل أرضا هما فيها أبو أيوب وقيل معاذ بن عفراء
وطريق الجمع بين ذلك أنه يحتمل أن كلا من أسعد وأبى أيوب ومعاذ بن عفراء دفع للغلامين شيئا أى زيادة على العشرة دنانير فنسب ذلك لكل منهم
وجاء أنه كان فى تلك الأرض قبور جاهلية فأمر بها صلى الله عليه وسلم فنبشت وأمر بالعظام فألقيت اه أى وفى رواية وأمر بالعظام أن تغيب أى وفى رواية كان

فى موضع المسجد نخل وخرب أى حفر ومقابر للمشركين فأمر صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطعت
أى وفى سيرة الحافظ الدمياطى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل الذى فى الحديقة أى وهى تلك الأرض التى كانت مربدا أى وسمى حديقة لوجود النخل به وأمر بالغرقد الذى فيه أن يقطع أى والغرقد شجر معروف وبقبع الغرقد مقبرة أهل المدينة وشجر الغرقد يقال له شجر اليهود فإنه لا يدل على اليهودى إذا توارى به عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتله للدجال ولجنده من اليهود فإذا توارى اليهودى بشجرة نادته يا روح ههنا يهودى فيأتى حتى يقف عليه فإما أن يسلم وإما أن يقتل إلا شجر الغرقد فإنه لا يدل على اليهودى إذا توارى به فقيل له شجر اليهود لذلك
قال وكان فى المربد ماء مستبجر فسيروه حتى ذهب والمستبجر الذى ينشع ويظهر من الأرض
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ وبنى به المسجد وجاء أنه صلى الله عليه وسلم عند الشروع فى البناء وضع لبنة ثم دعا أبا بكر فوضع لبنة أى بجانب لبنته صلى الله عليه وسلم ثم دعا عمر فوضع لبنة بجانب لبنة أبى بكر ثم جاء عثمان فوضع لبنة بجانب لبنة عمر
أى وقد أخرج ابن حبان لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ووضع فى البناء حجرا وقال لأبى بكر ضع حجرك إلى جنب حجرى ثم قال لعمر ضع حجرك إلى جنب حجر أبى بكر ثم قال لعثمان ضع حجرك إلى جنب حجر عمر ثم قال هؤلاء الخلفاء بعدى قال أبو زرعة إسناده لا بأس به فقد أخرجه الحاكم فى المستدرك وصححه وفى رواية هؤلاء ولاة الأمر بعدى قال ابن كثير وهذا الحديث بهذا الإسناد غريب جدا
قال بعضهم وقوله صلى الله عليه وسلم لعثمان ما ذكر أى ضع حجرك إلى جنب حجر عمر يرد على من زعم أن هذا منه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى قبورهم أى إذ لو كان إشارة إلى ذلك لدفن عثمان بجانب عمر كما دفن عمر بجانب أبى بكر بل هو إشارة إلى ترتيب الخلافة أى لأنه لا يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الخلفاء بعدى إلا ذلك

ومن ثم جاء فى رواية فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أمر الحلافة من بعدى
وتصحيح الحاكم لما ذكر يظهر التوقف فى قول بعضهم إن هذا لم يجئ فى الصحيح إلا أن يريد صحيح الشيخين
وأما قوله قال البخارى فى تاريخه إن ابن حبان لم يتابع على الحديث المذكور لأن عمر وعثمان وعليا قالوا لم يستخلف النبى صلى الله عليه وسلم فقد يقال عليه معناه لم ينص على استخلاف أحد بعينه عند موته وذلك لا ينافى الإشارة إلى وقوع الخلافة لهؤلاء بعده ولا ينافى قوله هؤلاء الخلفاء بعدى لجواز أن يراد الخلافة فى العلم ثم رأيت ابن حجر الهيتمى أشار إلى ذلك حيث قال قلت هذا أى وضع تلك الأحجار وقوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الخلفاء بعدى مع احتماله للخلافة فى العلم والإشارة متقدم على وقت الاستخلاف عادة وهو قرب الموت فلم يكن نصا سالما من المعارض هذا كلامه ثم قال للناس ضعوا أى الحجارة فوضعوا ورفع بالحجارة أى قريب من ثلاثة أذرع وبنى باللبن وجعل عضادتيه أى جانبيه بالحجارة وسقفه بالجريد وجعلت عمدء وفى رواية سواريه من جذوع النخل وطول جداره قامة أى كان ارتفاعه قدر قامة
قال وعن شهر بن حوشب قال لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى المسجد قال ابنوا لى عريشا كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك قيل وماظلة موسى قال كان إذا قام أصاب رأسه السقف انتهى
أى فالمراد اجعلوا سقفه يكون بحيث إذا قمت أصاب رأسى السقف أو رفعت يدى أصابت السقف
والجمع بين هاتين الروايتين يدل على أن المراد ما هو قريب من ذلك بحيث لا يكون كثير الارتفاع فلا ينافى ما يأتى من أمره بجعل ارتفاعه سبعة أذرع فليتأمل
وفى سيرة الحافظ الدمياطى فقيل له ألا تسقف فقال عريش كعريش موسى خشبات وثمام أى وقيل للحسن ما عريش موسى قال إذا رفع يده بلغ العريش يعنى السقف
وفى رواية لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء المسجد قال قيل لى أى قال له جبريل عريش كعريش أخيك موسى سبعة أذرع طولا فى السماء وكان

سبعة أذرع بحيث يصيب رأسه ولا نزخرفه ثم الأمر أعجل من ذلك أى وفيه أن هذا يقتضى أن موسى كان طوله سبعة أذرع وهو يخالف ما اشتهر أن قامة موسى كانت أربعين ذراعا وعصاه كذلك ووثبته كذلك وقد جاء ما أمرت بتشييد المساجد أى ولعل قوله ذلك كان لما جمع الأنصار مالا وجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ابن هذا المسجد وزينه إلى متى تصلى تحت هذا الجريد
وجاء لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس فى المساجد وجاء من أشراط الساعة أن يتباهى الناس فى المساجد أى تزخرفها كما تزخرف اليهود والنصارى كنائسهم وبيعهم ولم يكن على السقف كبيرطين إذ كان المطر يكف اى ينزل منه ماء المطر المخالط للطين عليهم بحيث يمتلئ أى المسجد طينا فقالوا يا رسول الله لو أمرت فطين أى جعل عليه طين كثير بحيث لا ينزل عليه المطر فقال لا عريش كعريش موسى فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند بنائه عمل فيه المسلمون المهاجرون والأنصار وعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ليرغب المسلمين فى العمل فيه
قال فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم صار ينقل اللبن أى فى ثيابه وفى رواية فى ردائه حتى اغبر صدره الشريف وصار يقول ** هذا الحمال لا حمال خيبر ** هذا أبر ربنا وأطهر **
أى هذا المحمول من اللبن أبر وأطهر ياربنا مما يحمل من خيبر من نحو التمر والزبيب فالحمال بالحاء المهملة بمعنى المحمول ووقع فى رواية بالجيم جمع جمل قال بعضهم وله وجه والأول أظهر ولا يحسن هذا الوجه إلا إذا كانت جمال خيبر أنفس من جمال غيرها وصار يقول ** اللهم إن الأجر أجر الآخره ** فارحم الأنصار والمهاجره **
قال البلاذرى وهذا القول لامرأة من الأنصار وتمامه ** وعافهم من حر نار ساعره ** فإنها لكافر وكافره **
والذى فى البخارى فاغفر للأنصار والمهاجره ولعله صلى الله عليه وسلم هو الذى أخرجه عن الوزن كما هو عادته فى إنشاد الشعر كما سيأتى وفى لفظ فأصلح وفى لفظ فأكرم وفى رواية اللهم لا خير إلا خير الآخره فارحم المهاجرين والأناصره وفى رواية فانصر الأنصار والمهاجره وعن الزهرى أنه كان يقول اللهم لا خير إلا خير

الآخرة فارحم المهاجرين والأنصار لأنه كان لا يقيم الشعر أى لا يأتى به موزونا ولو متمثلا وفيه أنه مع قوله اللهم إن الأجر إلى آخره لا يكون شعرا موزونا إلا إن حذف أل من اللهم وقال لاهم وكسر همزة فأرحم وحينئذ تكون المرأة من الأنصار إنما نطقت بذلك أى قالت لاهم إلى آخره وهو صلى عليه وسلم هو الذى غيره
ونقل عن الزهرى أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل بيتا موزونا متمثلا به إلا قوله هذا الحمال البيت ولم أقف على قائله وسيأتى عن الزهرى أنه من إنشائه صلى الله عليه وسلم وسيأتى ما فيه
وفى كلام بعضهم قال ابن شهاب يعنى الزهرى لم يبلغنا فى الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعرتام أى موزون إلا هذه الأبيات قال ابن عائذ أى التى كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبناء المسجد أى وفيه هذا مخالف لما تقدم عن الزهرى أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل بيتا موزونا إلا قوله هذا الحمال فلا يحسن أن يفسر كلامه بذلك على أنه تمثل ببيت شعر تام موزون غير ذلك فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم جعل يدور بين قتلى بدر ويقول ** نفلق هاما من رجال أعزة ** علينا وهم كانوا أعق وألأما **
وفى المواهب وقد قيل إن الممتنع عليه صلى الله عليه وسلم إنشاء الشعر لا إنشاده أى ولذلك جاء ما أبالى ما أوتيت إن أنا قلت الشعر من قبل نفسى وفى الكشاف وقد صح أن الأنبياء معصومون من الشعر ولا دليل على منع إنشاده أى الشعر موزونا مثمثلا
أقول نقل الحافظ الدمياطى عن الزهرى أنه كان يقول إنه صلى الله عليه وسلم لم يقل شيئا من الشعر إلا ما قد قيل قبله إلا قوله ** هذا الحمال لا حمال خيبر ** هذا أبر ربنا وأطهر **
أى فإنه من قوله وهو يخالف ما تقدم عنه ولعله سقط من عبارة الزهرى المذكورة شئ والأصل أنه لم يقل شيئا من الشعر إلا ما قد قيل قبله ولم يقل ما قبله تاما أى موزونا إلا قوله هذا الحمال إلى آخره فلا يخالف ما تقدم عنه وكونه كان لا يقيم الشعر أى لا يأتى به موزونا ولو متمثلا هو المنقول عن عائشة رضى الله تعالى عنها فقد قيل لها هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى بشئ من الشعر فقالت كان

أبغض الحديث إليه الشعر غير أنه كان يتمثل ويجعل أوله آخره وآخره أوله أى غالبا كان يقول ويأتيك من لم تزود بالأخبار ويقول كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا أى وذلك قول سحيم بمهملة مصغرا عبد بنى الحساس شاعر مشهور مخضرم كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ولما غير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الصديق رضى الله تعالى عنه إنما قال الشاعر كذا فأعاده صلى الله عليه وسلم كالأول فقال الصديق أشهد أنك رسول الله { وما علمناه الشعر } ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول سحيم ** الحمد لله حمدا لا انقطاع له ** فليس إحسانه عنا بمقطوع **
قال أحسن وصدق وقول الصديق أشهد أنك رسول الله { وما علمناه الشعر } يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجرى الشعر على لسانه موزونا وقد قيل له صلى الله عليه وسلم من أشعر الناس قال الذى يقول ** ألم تريانى كلما جئت طارقا ** وجدت بها وإن لم تطيب طيبا **
الأصل وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
وكان أبو بكر رضى الله تعالى عنه يقول له بأبى أنت وأمى يا رسول الله ما أنت بشاعر ولا راوية والمراد بكون الشعر أبغض إليه الإتيان به وإلا فقد كان يسمع الشعر كما تقدم ويستنشده فقد ذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم كان يستنشد الخنساء أخت صخر لأمه ويعجبه شعرها فكانت تنشده وهو يقول هيه يا خناس ويومئ بيده
وقد قال بعضهم أجمع أهل العلم أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها ومن شعرها فى أخيها المذكور ** أعينى جودا ولاتجمدا ** ألا تبكيان لصخر الندى ** ** طويل النجاد عظيم الرماد ** وساد عشيرته أمردا ** وللجلال السيوطى كتاب سماه نزهة الجلساء فى أشعار الخنساء وقولنا فى قول عائشة إنه كان يتمثل بالشعر ويجعل أوله آخره أى غالبا حتى لا ينافى ما جاء عنها كان يتمثل بشعر ابن رواحة ** ويأتيك بالأخبار من لم تزود **
وقولها ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشد شعرا إلا بيتا واحدا

** تفاءل لما تهوى بكن فلقلما ** يقال لشئ كان إلا تخلفا **
وفى الخصائص الكبرى قال المزنى ولم يبلغنى أنه صلى الله عليه وسلم أنشد بيتا تاما على رويه بل إما الصدر كقول لبيد ألاكل شئ ما خلا الله باطل أو العجز كقول طرفة ويأتيك بالأخبار من لم تزود أى وفيه ما تقدم عن عائشة وكقوله وقد أنشده أعشى بنى مازن أبياتا فى ذم النساء آخر تلك الأبيات وهن من شر غالب لمن غلب فجعل صلى الله عليه وسلم يقول وهن شر غالب لمن غلب فإن أنشد بيتا كاملا غيره أى غالبا لما تقدم كبيت العباس بن مرداس أى فإنه صلى الله عليه وسلم قال يوما للعباس بن مرداس أرأيت قولك وفى لفظ أنت القائل ** أصبح نهبى ونهب العبيد ** بين الأقرع وعيينة **
فقيل له إنما هو بين عيينة والأقرع فقال عليه الصلاة والسلام إنما هو الأقرع وعيينة فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه بأبى أنت وأمى يا رسول الله وفى لفظ أشهد أنك رسول الله ما أنت بشاعر ولا راويه ولا ينبغى لك إنما قال بين عيينة والأقرع أى أنه لا ينبغى لك أن تكون شاعرا كما قال الله ولا ينبغى لك أن تكون راويا للشعر أى بأن تاتى به على وجهه أى لا يكون شأنك ذلك مباعدة عن الشعر وكون شأنه ذلك لا ينافى وجوده منه على وجهه فى بعض الأحيان فليتأمل
وعن بعضهم ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط أى موزونا وقد يقال لا يخالف هذا ما تقدم عن المواهب لأنه يجوز أن يكون هذا المنقول عن عائشة
وعن المزنى وعن بعضهم كان أغلب أحواله كما قدمناه فى المنقول عن عائشة ثم رأيته فى الامتاع أشار إلى ذلك بقوله وربما أنشد صلى الله عليه وسلم البيت المستقيم فى النادر وقول المواهب لا دليل على منع إنشاده متمثلا أي دائما وأبدا ويدل لذلك قول الزهري إنه لم يقل بيتا موزونا متمثلا به إلا قوله هذا الحمال إلى آخره وفيه ما علمت ولا يخفى أن الشعر عر ف بأنه كلام عربى موزون عن قصد قال البدر الدمياطى وقولنا عن قصد يخرج ما كان وزنه اتفاقيا كآيات شريفة اتفق جريان الوزن فيها أى من بحور الشعر الستة عشر وقد ذكرها الجلال السيوطى فى نظمه للتلخيص وذلك كما فى قوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وكقوله تعالى { وجفان كالجواب وقدور راسيات }

وقوله تعالى { نصر من الله وفتح قريب } وككلمات شريفة نبوية جاء الوزن فيها اتفاقيا غير مقصود كما فى قول النبى صلى الله عليه وسلم ** هل انت إلا أصبع دميت ** وفى سبيل الله مالقيت **
أى بناء على تسليم أنه من قوله صلى الله عليه وسلم وإلا فقد قيل إنه من قول عبد الله ابن رواحة أى فإن ذلك مذكور فى أبيات قالها فى غزوة مؤتة وقد صدمت أصبعه فدميت وذكر بدل فى سبيل الله فى كتاب الله ولا مانع أن يكون ابن رواحة أدخل ذلك البيت فى تلك الأبيات التى صنعها كما تقدم
وفى كلام ابن دحية ولا يمر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضروب الرجز إلا ضربان منهوك ومشطور فالمنهوك أنا النبى لا كذب والمشطور هل أنت إلا أصبع دميت وقيل البيت الواحد لا يكون شعرا على أنه قيل إن الرجز ليس من الشعر عند الأخفش خلافا للخليل أى فإن الأخفش احتج على أن الرجز ليس بشعر رادا على الخليل ومن تبعه القائلين بأنه من الشعر حيث قال لأحتجن عليهم بحجة إن بم يقروا بها كفروا لو كان شعرا ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى يقول { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } هذا كلامه قال فى النور والصحيح أنه شعر أى موافقة للخليل وقد علمت أن ما جرى منه على لسانه صلى الله عليه وسلم ليس شعرا لعدم قصده فليتأمل
وقد نقل الماوردى من أئمتنا أنه كما يحرم عليه قول الشعر أى إنشاؤه يحرم عليه روايته أى دون إنشاده متمثلا
وفرق بعضهم بين الإنشاد والرواية بأن الرواية يقول قال فلان كذا وأما إنشاده متمثلا فلا يقول ذلك هذا كلامه
وفيه أنه قال لما قيل له من أشعر الناس قال الذى يقول إلى آخره وقال للعباس ابن مرداس أنت القائل إلى آخره قال ذلك البعض وكان الفرق بين الرواية والإنشاد أن فى قوله قال فلان فيه رفعة للقائل بسبب قوله وهذا متضمن لرفع شأن الشعر والمطلوب منه الإعراض عن الشعر من حيث كونه شعرا
وفيه أن الصديق قال له عند كل من الرواية والإنشاد لست براوية كما تقدم وعن الخليل كان الشعر أحب إليه صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام


أى وقد يقال لا يخالف هذا ما تقدم عن عائشة رضى الله تعالى عنها كان أبغض الحديث إليه صلى الله عليه وسلم الشعر لأن المراد بالشعر الذى يحبه ما كان مشتملا على حكمة أو وصف جميل من مكارم الأخلاق والذى يبغضه ما كان مشتملا على ما فيه هجنة أو هجو ونحو ذلك
ومن ثم قيل الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وفى الجامع الصغير الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام الشعر الحسن أحد الحمالين يكسوه الله المرء المسلم
وقد قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما إذا خفى عليكم شئ من غريب القرآن فالتمسوه فى الشعر فإن الشعر ديوان العرب وفى كلام سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه نعم الأبيات من الشعر يقدمها الرجل فى صدر حاجته يستعطف بها قلب الكريم ويستميل بها لؤم اللئيم
والحاصل أن الحق الحقيق بالاعتماد وبه تجتمع الأقوال أن المحرم عليه صلى الله عليه وسلم إنما هو إنشاد الشعر أى الاتيان بالكلام الموزون عن قصد وزنه وهذا هو المعنى بقوله تعالى { وما علمناه الشعر }
فإن فرض وقوع كلام موزون منه صلى الله عليه وسلم لا يكون ذلك شعرا اصطلاحا لعدم قصد وزنه فليس من الممنوع منه
والغالب عليه صلى الله عليه وسلم أنه إذا أنشد بيتا من الشعر متمثلا أو مسندا لقائله لا يأتى به موزونا وربما أتى به موزونا
وادعى بعض الأدباء أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن الشعر أى يأتى به موزونا قصدا ولكنه كان كان لا يتعاطاه أى لا يقصد الإتيان به موزونا قال وهذا أتم وأكمل مما لو قلنا بأنه كان لايحسنه وفيه أن فى ذلك تكذيبا للقرآن
وفى التهذيب للبغوى من أئمتنا قيل كان صلى الله عليه وسلم يحسن الشعر ولا يقوله والأصح أنه كان لا يحسنه ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه ولعل المراد بين الموزون منه وغير الموزون ثم رأيته فى ينبوع الحياة قال كان بعض الزنادقة المتظاهرين بالإسلام حفظا لنفسه وماله يعرض فى كلامه بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحسن الشعر يقصد بذلك تكذيب كتاب الله تعالى فى قوله تعالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له }


قال بعضهم والحكمة في تنزيه القرآن الموزون مع أن الموزون من الكلام رتبته فوق رتبة غيره أن القرآن منبع الحق ومجمع الصدق وقصارى أمر الشاعر التخيل بتصور الباطل في صورة الحق والأفراط في الإطراء والمبالغة في الذم والإيذاء دون إظهار الحق والباطل وإثبات الصدق ولهذا نزه الله تعالى نبيه عنه ولأجل شهر الشعر بالكذب سمى أصحاب البرهان القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعرية
قد جاء التنفير عن إنشاد الشعر في المسجد قال صلى الله عليه وسلم من رأيتموه ينشد شعرا في المسجد فقولوا فض الله فاك ثلاث مرات والأخذ بعمومه فيه من العسر مالا يخفى
وفي العرائس عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال من قال آدم قد قال الشعر فقد كذب على الله ورسوله ورمى آدم بالإثم وإن محمد والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم في النهى عن الشعر سواء
وفي كلام الشيخ محي الدين بن العربي في قوله تعالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } أعلم ان الشعر محل الأجمال واللغز والتورية أى ما رمزنا لمحمد صلى الله عليه وسلم شيئا ولا ألغزنا ولاخاطبناه بشئ ونحن نريد شئيا آخر ولا أجملنا له الخطاب بحيث لم يفهمه وأطال في ذلك وهل ويشكل على ذلك الحروف المقطة أوئل السور ولعله رضي الله بعلمه والله تعالى عنه لايرى أن ذلك من المتشابه أو أن المتشابه ليس مما استأثر الله بعلمه والله اعلم
ولما رأته صلى الله عليه وسلم الصحابة ينقل اللبن بنفسه دأبوا فى ذلك أى فى نقل اللبن أى وهو المراد بالصخر فى قول بعضهم وجعل أصحابه ينقلون الصخر أو المراد الصخر الذى يبنى به الجدار وجانبا الباب كما تقدم حتى قال قائلهم ** لئن قعدنا والنبى يعمل ** لذاك منا العمل المضلل **
وجعل يحمل كل رجل لبنة لبنة وعمار بن ياسر يحمل لبنتين لبنتين فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض التراب عن رأس عمار ويقول يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك قال إنى أريد الأجر من الله تعالى وفى رواية كان يحمل لبنة عن نفسه ولبنة عنه صلى الله عليه وسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره وقال يا ابن سمية للناس أجر ولك أجران وآخر زادك أى من الدنيا شربة من لبن وجاء فى حق

عمار بن سمية ما عرض عليه أمران قط إلا اختار رضى الله عنه الأرشد منهما إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق وتقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة وتدعوك إلى النار وعمار يقول أعوذ بالله وفى رواية بالرحمن من الفتن أى وهذا السياق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يستمر ينقل اللبن بل نقل ذلك فى بعض الأوقات
وفى مسلم وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه قال أخبرنى من هو خيرمنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر لعمار حين شغل بحفر الخندق فجعل يمسح رأس عمار ويقول ابن سمية تقتلك فئة باغية وفى رواية تغيين من أبهمه أبو سعيد وهو أبو قتادة وزاد فى رواية أن النبى صلى الله عليه وسلم لما حفر الخندق وكان الناس يحملون لبنة لبنة أى من الحجارة التى تقطع وعمار ناقه من وجع كان به فجعل يحمل لبنتين قال لعمار بؤسا لك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية
ثم رأيت بعضهم قال يشبه أن يكون ذكر الخندق وهما أوقالها عند بناء المسجد وقالها يوم الخندق هذا كلامه أى ويكون عمار بن ياسر فى الخندق قد صار يحمل الحجرين وكان فى بناء المسجد يحمل اللبنتين وكان عثمان بن مظعون رضى الله تعالى عنه رجلا متنظفا أى مترفها فكان إذا حمل اللبنة يجافى بها عن ثوبه لئلا يصيبه التراب فإن أصابه شئ من التراب نفضه فنظر إليه على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه وأنشد يقول أى مباسطة مع عثمان بن مظعون لاطعنا فيه ** لا يستوى من يعمر المساجدا ** يدأب فيها قائما وقاعدا ** **

ومن يرى عن التراب حائدا

**
أى وكان عثمان هذا من جملة من حرم الخمر على نفسه فى الجاهلية وقال لا أشرب شرابا يذهب عقلى ويضحك بى من هو أدنى منى
وذكر ابن إسحق قال سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز هل تمثل به على أو أنشأه فكل يقول لا أدرى فسمع ذلك الرجز عمار بن ياسر فصار يرتجز بذلك وهو لا يدرى من يعنى بذلك فمر يرتجز بذلك على عثمان فظن عثمان أن عمارا يقصد التعريض به فقال له عثمان يا ابن سمية ما أعرفنى بمن تعرض به لتكفن أو لأعترضن بهذه الحديدة لحديدة كانت معه وجهك وفى لفظ والله إنى أرانى سأعرض هذه العصا بأنفك لعصا كانت فى يده فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب وقال إن عمار بن ياسر جلدة ما بين عينى ووضع يده الشريفة بين عينيه الشريفتين

فقال الناس لعمار قد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أى ونخاف أن ينزل فينا قرآن فقال أنا أرضيه فقال يا رسول الله مالى ولأصحابك قال مالك ولهم قال يريدون قتلى فيحملون لبنة لبنة ويحملون على لبنتين لبنتين أى وفى لفظ يحملون على اللبنتين والثلاث أى ولعله حمل ثلاث لبنات فى بعض الأوقات فأخذ بيده وطاف به المسجد وجعل يمسح ذفرته من التراب والذفرة بالذال المعجمة الشعر الذى حهه القفا ويقول يا ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك تقتلك الفئة الباغية ويقول ويح عمار تقتلة الفئة الباغية يدعوهم ألى الجنة أى إلى سببها وهو اتباع الإمام الحق لأنه كان يدعو إلى اتباع على وطاعته وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك ويدعونه إلى النار أى إلى سببها وهو عدم اتباع على وطاعته واتباع معاوية وطاعته
وفيه ان تلك الفئة التى كان فيها قاتله كان فيها جمع من الصحابة وهو معذورون بالتأويل الذى ظهر لهم إلا أن يقال يدعونه إلى النار باعتبار اعتقاده وإطلاق البغى عليهم حينئذ باعتبار ذلك قال بعضهم وفئة معاوية وإن كانت باغية لكنه بغى لا فسق فيه لأنه إنما صدر عن تأويل يعذر به أصحابة انتهى أى وما زاده بعضهم فى الحديث لا انالهم الله شفاعتى يوم القيامة قال ابن كثير من روى هذا فقد افترى فى هذه الزيادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقلها إذ لم تنقل عمن يقبل وقال الإمام أبو العباس ابن تيمية وهذا كذب مزيد فى الحديث لم يروه أحد من أهل العلم بإسناد معروف وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم عمار جلدة ما بين عيني لا يعرف له إسناد والذى فى الصحيح تقتل عمارا الفئة الباغية وعن أبى العالية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قاتل عمار فى النار ومن العجب أن أبا العالية هذا هو القاتل لعمار يوم صفين فكان أبو العالية مع معاوية وكان عمار مع على أى ويقول إن عمار ا لما برز للقتال قال اللهم لو أعلم رضاك عنى أن أوقد نارا فأرمى نفسى فيها لفعلت أو أغرق نفسى لفعلت وإنى لا أريد قتال هؤلاء إلا لوجهك الكريم وأنا أرجو أن لا تخيبنى وجعلت يده ترتعش على الحربة أى لأن عمره يومئذ كان ثلاثا وسبعين سنة أى وقد كان جئ له بلبن فضحك فقيل له ما يضحكك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آخر شراب تشربه حين تموت لبن وفى رواية آخر زادك من الدنيا مشيج من اللبن ثم نادى اليوم زخرفت الجنان وزينت الحور الحسان اليوم نلقى الأحبة محمدا وحزبه


ولما قتل عمار دخل عمرو بن العاص على معاوية فزعا وقال قتل عمار فقال معاوية قتل عمار فماذا قال عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتل عمارا الفئة الباغية فقال له معاوية دحضت أى زلفت فى بولك أنحن قتلناه إنما قتله من أخرجه وفى رواية قال له اسكت فو الله ما تزال تدحض أى تزلق فى بولك إنما قتله على واصحابه جاءوا به حتى ألقوا بيننا
وذكر أن عليا رضى الله تعالى عنه لما احتج على معاوية رضى الله تعالى عنه بهذا الحديث ولم يسع معاوية إنكاره قال إنما قتله من أخرجه من داره يعنى بذلك عليا فقال على رضى الله تعالى عنه فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه
ولما قتل عمار جرد خزيمة بن ثابت رضى الله تعالى عنه سيفه وقاتل مع على وكان قبل ذلك اعتزل عن الفريقين وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتل عمارا الفئة الباغية فقاتل معاوية حتى قتل وكان ذو الكلاع رضى الله تعالى عنه مع معاوية وقال له يوما ولعمرو بن العاص كيف نقاتل عليا وعمار بن ياسر فقالا له إن عمارا يعود إلينا ويقتل معنا فقتل ذو الكلاع قبل قتل عمار
ولما قتل عمار قال معاوية لو كان ذو الكلاع حيا لمال بنصف الناس إلى على أى لأن ذا الكلاع كان ذووه أربعة آلاف أهل بيت وقيل عشرة آلاف
وكان عبد الله بن بديل بن ورقاء رضى الله تعالى عنه مع على رضى الله تعالى عنه فلما قتل عمار أخذ سيفين ولبس درعين ولم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه وأزال أصحابه الذين كانوا معه عن موقفهم ثم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا إن معاوية ادعى ماليس له ونازع الأمر أهله ومن ليس قبله وجادل بالباطل ليدخض به الحق وصال عليكم بالأعراب والأحزاب وزين لهم الضلالة وزرع فى قلوبهم حب الفتنة ولبس عليهم الأمر وأنتم والله على الحق على نور من ربكم وبرهان مبين فقاتلوا الطغاة الجناة قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله قوموا رحمكم الله
ولما قتل عمار ندم ابن عمر رضى الله تعالى عنهما على عدم نصرة على والمقاتلة معه وقال عند موته ما أسفى على شئ ما أسفى على ترك قتال الباغية قال بعضهم شهدنا

صفين مع على بن أبى طالب فى ثمانمائة من أهل بيعة الرضوان وقتل منهم ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر وكان خزيمة بن ثابت الذى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين كان مع على يوم صفين كافا سلاحه حتى قتل عمار جرد سيفه وقاتل حتى قتل لأنه كان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عمار تقتله الفئة الباغية
وفى الحديث من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله عمار يزول مع الحق حيث يزول عمار خلط الإيمان بلحمه ودمه عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما
وجاء أن عمارا دخل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بالطيب المطيب إن عمار بن ياسر حشى ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا وفى رواية إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه
وتخاصم عمار مع خالد بن الوليد فى سرية كان فيها خالد أميرا فلما جاءا إليه صلى الله عليه وسلم استبا عنده فقال خالد يا رسول الله أيسرك أن هذا العبد الأجدع يشتمنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد لا تسب عمارا فإن من سب عمارا فقد سب الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله ومن لعن عمارا لعنه الله ثم إن عمارا قام مغضبا فقام خالد فتبعه حتى أخذ بثوبه واعتذر إليه فرضى عنه
وعن سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحق مع عمار مالم يغلب عليه دلهة الكبر وهذا الحديث من أعلام النبوة فإن عمارا وقع بينه وبين عثمان بن عفان بعض الشحناء وأشيع عنه أنه يريد أن يخلع عثمان فاستدعاه سعد بن أبى وقاص وكان مريضا فقال له ويحك يا أبا اليقطان كنت فينا من أهل الخير فما الذى بلغنى عنك من السعى فى الفساد بين المسلمين والتألب على أمير المؤمنين أمعك عقلك أم لا فغضب عمار ونزع عمامته وقال خلعت عثمان كما خلعت عمامتى هذه فقال سعد إنا لله وإنا إليه راجعون ويحك حين كبر سنك ورق عظمك ونفد عمرك خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عريانا كما ولدتك أمك فقام عمار مغضبا موليا وهو يقول أعوذ بربى من فتنة سعد وعند ذلك روى سعد الحديث وقال قد دله وخرف عمار وأظهر عمار القوم على ذلك


قال وجعلت قبلة المسجد إلى بيت المقدس وجعل له ثلاثة أبواب باب فى مؤخره والباب الذى كان يقال له باب عاتكة وكان يقال له باب الرحمة والباب الذى يقال له الآن باب جبريل انتهى أى وهو الباب الذى كان يدخل منه صلى الله عليه وسلم ويقال له باب عثمان لأنه كان يلى دار عثمان وهو الذى يخرج منه الآن إلى البقيع
أقول وجعل قبلته إلى بيت المقدس كان قبل أن تحول القبلة ولما حولت قبلته إلى الكعبة وهذا محمل قوله صلى الله عليه وسلم ما وضعت قبلة مسجدى هذا حتى رفعت لى الكعبة فوضعتها أتيممها أو أؤمها أى اقصدها وفى رواية ما وضعت قبلة مسجدى هذا حتى فرج لى ما بينى وبين الكعبة والله أعلم
أى وفى كلام بعضهم ومن الفوائد الحسنة ما ذكره مغلطاى أن موضع المسجد كان ابتاعه تبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه بألف سنة وإنه لم يزل على ملكه أى متعلقا به من ذلك العهد على ما دل عليه كتاب تبع
أقول سيأتى أن تبعا بنى للنبى صلى الله عليه وسلم دارا بالمدينة إذا قدمها ينزل فى تلك الدار وأنه يقال إنها دار أبى أيوب
وقد يجمع بأنه يجوز أن يكون ذلك المربد ودار أبى أيوب مجموعهما تلك الدار وأن تلك الدار قسمت فكان دار أبى أيوب بعضها وذلك المربد بعضها الآخر وأن الأيدى تداولت سكنى تلك الدار إلى أن صارت سكنا لأبى أيوب وهذا هو المراد بقول المواهب تداولت الدار الملاك إلى أن صارت لأبى أيوب
لكن قد يقال لو كانت الدار مذكورة فى الكتاب لذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الكتاب كما سيأتى وصل إليه فى مكة فى أول البعثة ونزوله دار أبى أيوب وأخذه المربد على الكيفية المذكورة يبعد ذلك أى أنه ذكر له أمر تلك الدار والله أعلم
قال ومكث صلى الله عليه وسلم يصلى فى المسجد بعد تمامه إلى بيت المقدس خمسة أشهر ولما حولت القبلة سد صلى الله عليه وسلم الباب الذى كان فى مؤخر المسجد
وفى كلام بعضهم لما حولت القبلة لم يبق من الأبواب التى كان يدخل منها صلى الله عليه وسلم إلا الباب الذى يقال له باب جبريل عليه السلام أى فإنه بقى فى محله وأما باب الرحمة الذى كان يقال له أيضا باب عاتكة فأخر عن محله
وسبب وضع الحصا فى المسجد أن المطر جاء ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة

فجعل الرجل يأتى بالحصا فى ثوبه فيبسطه تحته ليصلى عليه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال ما أحسن هذا وفى رواية ما أحسن هذا البساط
وقد يعارض هذا ما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يحصب المسجد فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضى الله تعالى عنه
أقول قد يقال لا معارضة لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لما أعجبه ذلك من فعل بعض الصحابة أمره أن يحصب جميع المسجد لأن الواقع تحصيب بعضه لكن يشكل على ذلك قول بعضهم من البدع فرش المساجد إلا أن يراد بالحصر ونحوها لأنه لم يكن زمنه صلى الله عليه وسلم ولا أمر به ثم رأيت بعضهم ذكر ذلك حيث قال أول من فرش الحصر فى المساجد عمر بن الخطاب وكانت قبل ذلك مفروشة بالحصباء أى فى زمنه صلى الله عليه وسلم كما تقدم
وفى الإحياء أكثر معروفات هذه الأعصار منكرات فى عصر الصحابة رضى الله تعالى عنهم إذ من عزيز المعروف فى زماننا فرش المساجد بالبسط الرقيقة فيها وقد كان يعد فرش البوارى فى المسجد بدعة كانوا لا يرون أن يكون بينهم وبين الأرض حائل هذا كلام الإحياء أى والحصباء لا تعد حائلا وسيأتى أن المسجد بنى بعد فتح خيبر وهى التى عناها خارجة رضى الله تعالى عنه بقوله لما كثر الناس قالوا يا رسول الله لو زيد فيه ففعل ولعلها هى التى أدخل فيها الأرض التى اشتراها عثمان رضى الله تعالى عنه من بعض الأنصار بعشرة آلاف درهم ثم جاء عثمان إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أتشترى منى البقعة التى اشتريتها من الأنصار اى التى كانت مجاورة للمسجد فاشتراها منه ببيت فى الجنة
أى وفى رواية أن عثمان رضى الله تعالى عنه لما حصر أى الحصرة الثانية وأشرف على الناس من فوق سطح داره وقد اشتد به العطش قال أههنا على قالوا لا قال أههنا طلحة قالوا لا قال أنشدكم بالله الذى لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يبتاع مربد بنى فلان أى لمربد كان مجاورا للمسجد غفر الله له فاتبعته بعشرين ألفا أو بخمسة وعشرين ألفا شك عثمان وتقدم أنه اشتراها بعشرة آلاف درهم فليتأمل فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت قد ابتعته فقال اجعله مسجدنا وأجره لك قالوا اللهم نعم قد كان ذلك وفى لفظ أنشدكم بالله

وبالإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة ابن فلان لبقعة كانت إلى جانب المسجد فقال صلى الله عليه وسلم من يشتريها ويوسعها فى المسجد له مثلها وفى لفظ بخير له منها فى الجنة فاشتريتها ووسعتها فى المسجد فأنتم الآن تمنعوني أن أصلى فيها ركعتين أى وزاد فيه عثمان رضى الله تعالى عنه بعد ذلك زيادة كبيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج كما فى البخارى وعدد عثمان رضى الله تعالى عنه أشياء منها أنه قال أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة ولم يكن يشرب منها أحد إلا بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشترى بئر رومة يجعل دلوه فيها مع دلاء المسلمين فى لفظ ليكون دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له منها فى الجنة وفى لفظ له بها مشرب فى الجنة فاشتريتها من صلب مالى فجعلتها للغنى والفقير وابن السبيل قالوا اللهم نعم قال فأنتم اليوم تمنعونى أن أشرب منها بل وتمنعونى الماء ألا أحد يسقينا فإنى أفطر على الماء الملح وفى رواية هل فيكم من يبلغ عليا عطشنا فأبلغوه فلما بلغ ذلك عليا أرسل إليه بثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالى بنى هاشم وبنى أمية أى وكانت هذه البئر ركية ليهودى يقال له رومة يقال إنه أسلم وكان يبيع المسلمين ماءها كانت بالعقيق وتفل فيها صلى الله عليه وسلم فعذب ماؤها ولما قال رسول الله صلى اللع عيه وسلم من يشتري بئر رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه فى دلائهم وله بها مشرب فى الجنة فساومه فيها عثمان فأبى أن يبيعها كلها فاشترى نصفها باثنى عشر ألف درهم وجعل ذلك للمسلمين وجعل له يوما ولليهودى يوما فإذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين فلما رأى اليهودى ذلك قال لعثمان أفسدت على ركيتى فاشترى النصف الآخر بثمانية آلاف وقيل جملة ما اشتراها به خمسة وثلاثون ألف درهم وقول عثمان جعلتها للغنى والفقير وابن السبيل دليل على أن قوله دلوى فيها كدلاء المسلمين على أنه لم يشترط ذلك بل قصد به التعميم فى الموقوف عليه ولا دليل فيه على جواز أن للواقف أن يشترط له الانتفاع بما وقفه كما زعمه بعضهم
وكان حصار عثمان رضى الله تعالى عنه شهرين وعشرين يوما وفى كلام سبط ابن الجوزى كان الحصار الأول عشرين يوما والثانى أربعين يوما وفى يوم من تلك

الأيام قال وددت لو أن رجلا صادقا أخبر عن أمرى هذا أى من أين أوتيت فقام رجل من الأنصار فقال أنا أخبرك يا أمير المؤمنين إنك تطأطأت لهم فركبوك وما جرأهم على ظلمك إلا إفراط حلمك فقال له صدقت اجلس
وأول من دخل عليه الدار محمد بن أبى بكر تسور عليه هو وجماعة من الحائط من دار عمرو بن حزم فأخذ بلحيته فقال له دعها يا ابن أخى فوالله لقد كان أبوك يكرمها فاستحى وخرج وفى رواية لما أخذ بلحيته هزها وقال له ما أغنى عنك معاوية وما أغنى عنك ابن أبى سرح فقال له يا ابن أخى أرسل لحيتى فو الله إنك لتجر لحية كانت تعز على أبيك وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منى فتركه وخرج ويقال إنه قال له ما أريد بك أشد من قبضى على لحيتك فقال عثمان أستنصر بالله عليك وأستعين به ثم طعن جبينه بمشقص كان فى يده ثم ضربه بعض هؤلاء بالسيف فأتته نائلة زوج عثمان فقطع أصابع يدها الخمس
وعن ابن الماجشون عن مالك أن عثمان بعد قتله ألقى على المزبلة ثلاثة أيام وقيل أغلق عليه بابه بعد قتله ثلاثة أيام لا يستطيع أحد أن يدفنه فلما كان الليل أتاه اثنا عشر رجلا منهم حويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير وقيل صلى عليه أربعة وإن ابن الزبير لم يشهد قتل عثمان فاحتملوه فلما اجتازوا به للمقبرة منعوهم وقالوا والله لا يدفن فى مقابر المسلمين فدفنوه بمحل كان الناس يتوقون أن يدفنوا موتاهم به فكان يمر به ويقول سيدفن هنا رجل صالح فيتأسى به الناس فى دفن موتاهم به وكان ذلك المحل بستانا فاشتراه عثمان وزاده فى البقيع فكان هو أول من قبر فيه وحملوه على باب وإن رأسه ليقرع الباب لإسراعهم به من شدة الخوف ولما دفنوه عفوا قبره خوفا عليه أن ينبش وأما غلاماه اللذان قتلا معه فجروهما برجليهما وألقوهما على التلال فأكلتهما الكلاب
وسبب هذه الفتنة أنهم نقموا عليه أمورا
منها عزله لأكابر الصحابة ممن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من أوصى عمر رضى الله تعالى عنه بأن يبقى على ولايته وهو أبو موسى الأشعرى رضى الله تعالى عنه من البصرة فإن عمر رضى الله تعالى عنه أوصى بأن يبقى على ولايته فعزله عثمان وولى ابن خاله عبد الله بن عامر محله وعزل عمرو بن العاص عن مصر وولاها ابن أبى سرح

وعزل المغيرة بن شعبة عن الكوفة وعزل ابن مسعود رضى الله تعالى عنه عنها أيضا وأشخصه إلى المدينة وعزل سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه عن الكوفة وولى أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبى معيط الذى سماه الله تعالى فاسقا بقوله تعالى { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا } وصار الناس يقولون بئس ما فعل عثمان عزل اللين الهين الورع المستجاب الدعوة وولى أخاه الخائن الفاسق المدمن للخمر ولعل مستندهم فى ذلك ما رواه الحاكم فى صحيحه من ولى رجلا على عصابة وهو يجد فى تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين
ومنها أنه أدخل عمه الحكم بن أبى العاص والد مروان المدينة وكان يقال له طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنه وقد كان صلى الله عليه وسلم طرده إلى الطائف ومكث به مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة أبى بكر بعد أن سأله عثمان فى إدخاله المدينة فأبى فقال له عثمان عمى فقال عمك إلى النار هيهات هيهات أن أغير شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا رددته أبدا فلما توفى أبو بكر وولى عمر كلمه عثمان فى ذلك فقال له ويحك يا عثمان تتكلم فى لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريده وعدو الله وعدو رسوله فلما ولى عثمان رده إلى المدينة فاشتد ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه واعتذر عثمان عن ذلك بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان وعده برده وهو فى مرض موته قال فشهدت عند أبى بكر فقال إنك شاهد واحد ولاتقبل شهادة الواحد ثم قال لى عمر كذلك فلما صار الأمر إلى قضيت بعلمى اى وأما عزله لأبى موسى فإن جند عمله شكوا شحه فعزله خوف الفتنة
ومنها أنه جاء إلى عثمان أهل مصر يشكون ممن ولاه عليهم وهو ابن أبى سرح وقالوا كيف توليه على المسلمين وقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح دمه وتعزل عمرو بن العاص عنا
ورد هذا بأن عزله لعمرو إنما كان لكثرة شكايتهم منه وابن أبى سرح أسلم بعد الفتخ وحسن حاله ووجدوه لسياسة الأمر أقوى من عمرو بن العاص وعزله للمغيرة بأنه أنهى إليه فيه أنه ارتشى فرأى المصلحة فى عزله فلما عادوا إلى مصر قتل ابن أبى سرح رجلا منهم فعادوا إلى عثمان وكلموا أكابر الصحابة كعلى وطلحة بن عبيد الله فقالوا

اعزله عنهم فإنهم يسالونك رجلا مكانه فقال لهم عثمان يختارون رجلا أوليه عليهم فاختاروا محمد بن أبى بكر فكتب إليه عهده وولاه فخرج وخرج معه جماعة من المهاجرين والأنصار وجماعة من التابعين لينظروا بين أهل مصر وبين ابن أبى سرح فلما كان محمد بن أبى بكر ومن معه على مسيرة ثلاثة مراحل من المدينة فإذا هم بغلام أسود على بعير فقالوا له ما قضيتك فقال لهم أنا غلام أمير المؤمنين أرسلنى إلى عامل مصر فقال له واحد منهم هذا عامل مصر يعنى محمد بن أبى بكر فقال ما هذا أريد فلما أخبر ذلك الرجل محمد بن أبى بكر استدعاه فقال له بحضور من معه من المهاجرين والأنصار أنت غلام من فصار تارة يقول غلام أمير المؤمنين وتارة يقول غلام مروان فعرفه رجل من القوم وقال هذا غلام عثمان فقال له محمد إلى من أرسلت قال إلى عامل مصر برسالة قال معك كتاب قال لا ففتشوه فإذا معه كتاب من عثمان إلى ابن أبى سرح فى قصبة من رصاص فى جوف الإداوة فى الماء ففتح الكتاب فحضره جميع من معه فإذا فيه إذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل فى قتلهم وفى رواية انظر فلانا وفلانا إذا قدموا عليك فاضرب أعناقهم وعاقب فلانا بكذا وفلانا بكذا منهم نفر من الصحابة ونفر من التابعين
وفى رواية اذبح محمد بن أبى بكر واحش جلده تبنا وكن على عملك حتى يأتيك كتابى فلما قرءوا الكتاب فزعوا ورجعوا إلى المدينة وقرئ الكتاب على جميع من بالمدينة من الصحابة والتابعين فما منهم أحد إلا واغتم لذلك فدخل عليه على مع جماعة من أهل بدر ومعه الكتاب والغلام فقالوا له هذا الغلام غلامك قال نعم قالوا والبعير بعيرك قال نعم قالوا فأنت كتبت هذا الكتاب فقال لا وحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا علم لى به فقال له على والخاتم خاتمك قال نعم قال فكيف يخرج غلامك ببعيرك وبكتابك عليه ختمك وأنت لا تعلم به فحلف بالله ما أمرت بهذا الكتاب ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر فعرفوا أنه خط مروان لا عثمان لأن عثمان لا يحلف باطلا وفى رواية الخط خط كاتبى والخاتم خاتمى وفى رواية انطلق الغلام بغير أمرى وأخذ الجمل بغير علمى قالوا فما نقش خاتمك قال نقش عليه مروان فسألوه أن يدفع لهم مروان وكان مروان عنده فى الدار فأبى فخرجوا من عنده غضابا وقالوا لا يبرأ عثمان إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحث ونعرف

حال الكتاب فإن كان عثمان أمر به عزلناه وإن كان مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا ما يكون فى أمر مروان فأبى عثمان أن يخرج إليهم مروان خوفا عليه من القتل فحوصر عثمان بسبب ذلك ومنعوه الماء ووقع ما تقدم
وذكر ابن الجوزى أنه لما دخل المصريون على عثمان رضى الله عنه والمصحف فى حجره يقرأ فيه فمدوا إليه أيديهم فمد يده فضربت فسال الدم وقيل وقعت قطرة على { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } فقال أما إنها أول يد خطت المفصل هذا كلامه أى وهذا من أعلام النبوة فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عثمان تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة فتقع قطرة من دمك على { فسيكفيكهم الله } قال الذهبى إنه حديث موضوع أى قوله فيه وأنت تقرأ إلى آخره
وروى أنه لما حوصر قال والله ما زنيت فى جاهلية ولا إسلام ولا تمنيت أن لى بدينى بدلا منذ هدانى الله ولا قتلت نفسا فبم تقتلوننى وقال { ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد } يا قوم لا تقتلونى إنكم أن قتلتمونى كنتم هكذا وشبك بين أصابعه وقال معددا لنعم الله تعالى عليه ما وضعت يدى على فرجى منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما مرت بى جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة إلا أن لا يكون عندى شئ فأعتقها بعد ذلك قال بعضهم وجملة من أعتقه عثمان ألفان وأربعمائة رقبة تقريبا
وذكر أنه رأى فى الليلة التى قتل فى يومها المصطفى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر فى المنام وقالوا له اصبر فإنك تفطر عندنا الليلة القابلة فلما أصبح دعا بالمصحف فنشره بين يديه ولبس السراويل ولم يكن لبسها قبل ذلك فى الجاهلية ولا فى الإسلام خوفا أن يطلع على عورته عند قتله
وكان من جملة ما انتقم به على عثمان رضى الله تعالى عنه أنه أعطى ابن عمه مروان بن الحكم مائة ألف وخمسين أوقية واعطى الحارث عشر ما يباع فى السوق أى سوق المدينة وأنه جاء إليه ابو موسى بكيلة ذهب وفضة فقسمها بين نسائه وبناته وأنه انفق أكثر بيت المال فى عمارة ضياعه ودوره وأنه حمى لنفسه دون إبل الصدقة وانه حبس عبدالله بن مسعود وهجره وحبس عطاء وابى بن كعب ونفى أبا ذر إلى الربدة

وأشخص عبادة بن الصامت من الشام لما شكاه معاوية وضرب عمار بن ياسر وكعب بن عبدة ضربه عشرين سوطا ونفاه إلى بعض الجبال وقال لعبد الرحمن بن عوف إنك منافق وإنه أقطع اكثر أراضى بيت المال وأن لا يشترى أحد قبل وكيله وأن لا تسير سفينة فى البحر إلا فى تجارته وأنه احرق الصحف التى فيها القرآن وأنه أتم الصلاة بمنى ولم يقصرها لما حج بالناس وأنه ترك قتل عبيد الله وقد قتل الهرمزان وقد أجاب عن ذلك كله فى الصواعق فراجعه
وما رواه الزبير بن بكار عن أنس من أنه صلى الله عليه وسلم لم يعمل اللبن ولم يبن به المسجد إلا بعد أربع سنين من الهجرة رأيت ما يرده فى تاريخ للمدينة ونصه ما روى عن أنس واه أو مؤول والمعروف خلافه والله أعلم
وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو بنى مسجدى هذا إلى صنعاء كان مسجدى قال بعضهم إن صح هذا كان من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أى لأنه وسع بعد ذلك أى وسعه المهدى وذلك فى سنة ستين ومائة ثم زاد فيه المأمون فى سنة اثنتين ومائتين
وبه يرد القوم بأن المضاعفة خاصة بالموجود حين الإشارة أى لكن المحافظة على الصلاة فيما كان فى عهده صلى الله عليه وسلم أولى
قال وبنى حجرتين لعائشة وسودة أى بناهما مجاورتين للمسجد وملاصقتين له على طرز بناء المسجد من لبن وجعل سقفهما من جذوع النخل والجريد أى وقدم رجل من أهل اليمامة عند الشروع فى بناء المسجد يقال له طلق من بنى حنيفة فعنه رضى الله تعالى عنه قال قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يبنى مسجده والمسلمون يعملون معه فيه وكنت صاحب علاج الطين فأخذت المسحاة وخلطت بها الطين فقال لى يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأ أحسن صنعته وقال لى الزم أنت هذا الشغل فإنى أراك تحسنه وفى لفظ إن هذا الحنفى لصاحب طين وفى لفظ قربوا اليمانى من الطين فإنه أحسنكم له مسكا وأشدكم منكبا وفى لفظ دعوا الحنفى والطين فإنه من أصنعكم للطين وأرسل وهو فى بيت أبى أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع مكة وأعطاهما خمسمائة درهم وبعيرين ليأتيا بأهله أى والخمسمائة أخذها من أبى بكر ليشتريا بها ما يحتاجان إليه فاشترى بها زيد ثلاثة أبعرة وأرسل معهما أبو بكر رضى الله تعالى

عنه عبد الله بن الأريقط دليلا أى ببعرين أو ثلاثة فقدما بفاطمة وأم كلثوم بنتيه صلى الله عليه وسلم وسودة زوجته وأم أيمن حاضنته صلى الله عليه وسلم زوج زيد بن حارثة وابنها أسامة بن زيد فأسامة أخو أيمن لأمه وكان أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه وابن حاضنته
عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن أسامة عثر يوما فى أسكفة الباب فشج وجهه فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم أميطى عنه قالت عائشة فكأنى تقذرته أى لأنه كان أسود أفطس فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمصه يعنى الدم ثم يمجه
وأما بنته صلى الله عليه وسلم زينب التى هى أكبر بناته فكانت مع زوحها ابن خالتها أبى العاص بن الربيع فمنعها من الهجرة وسيأتى أنها هاجرت بعد ذلك قبله وتركته على شركة وبعد أن اسر فى بدر وأطلق وأمره صلى الله عليه وسلم بأن يخلى سبيلها ففعل ثم لما أسلم ردها إليه
وأما بنته رقية فتقدم أنها هاجرت مع زوجها عثمان بن عفان وخرج مع فاطمة ومن ذكر معها عبد الله بن أبى بكر ومعه عيال أبى بكر فيهم زوجته أم رومان وعائشة وأختها أسماء زوج الزبير أى وهى حامل بابنها عبد الله بن الزبير وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها كانت هى وأمها على بعير فى محفة فنفر البعير قالت فصارت أمى تقول وابنتاه واعروساه فمسك البعير وسلم الله وفى رواية عن عائشة رضى الله تعالى عنها لما صارت أمى تقول واعروساه وابنتاه سمعت قائلا يقول أرسلى خطامه فأرسلت خطامه فوقف بإذن الله وسلمنا الله وأم رومان ولدت لأبى بكر عائشة وعبد الرحمن رضى الله تعالى عنهم وكانت قبل أبى بكر تحت عبد الله بن الحارث فولدت له الطفيل قال صلى الله عليه وسلم فى حقها من يسره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان وتوفيت فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ست من الهجرة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قبرها وقال اللهم إنه لم يخف عليك ما لاقت أم رومان فيك وفى رسولك صلى الله عليه وسلم
وعورض القول بموتها فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فى البخارى عن مسروق قال سألت أم رومان وهى أم عائشة رضى الله تعالى عنهما ومسروق ولد بعد

موت النبى صلى الله عليه وسلم بلا خلاف وما فى البخارى حديث صحيح مقدم على ما ذكره أهل السير من موتها فى حياته صلى الله عليه وسلم
وفى البخارى عن أسماء فنزلت بقباء فولدته بها يعنى ولدها عبدالله بن الزبير ثم أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فوضعته فى حجرة ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل فى فيه فكان أول شئ دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بتمرة أى بتلك التمرة ففى المواهب وحنكه بها ثم دعا له وبرك عليه وهو أول مولود ولد فى الإسلام أى للمهاجرين
وفيه أن أسماء إنما قدمت المدينة أى إلى قباء بعد تحوله صلى الله عليه وسلم من قباء ويدل له قول بعضهم قدم آل أبى بكر من مكة وهو صلى الله عليه وسلم يبنى مسجده وأنزلهم أبو بكر فى السنح إلا أن يقال يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم جاء إلى قباء بعد ذلك فقد قال بعضهم وهذا السياق يدل على أن عبدالله بن الزبير ولد فى السنة الأولى لافى الثانية كما قاله الواحدى وتبعه غيره فقال ولد بعد عشرين شهرا من الهجرة ففرح به المسلمون فرحا شديدا لأن اليهود كانوا يقولون قد سحرناهم فلا يولد لهم مولود وهذا ربما يؤيد القول الثانى إلا أن يقال يجوز أن يكون عبدالله مكث فى بطنها المدة المذكورة
فقد ذكر أن مالكا رضى الله تعالى عنه مكث فى بطن أمه سنتين وكذا الضحاك ابن مزاحم التابعى مكث فى بطن أمه سنتين وفى المحاضرات للجلال السيوطى أن مالكا مكث فى بطن أمه ثلاث سنين وأخبر سيدنا مالك أن جارة له ولدت ثلاثة أولاد فى اثنتى عشرة سنة بحمل أربع سنين وحينئذ يجوز أن تكون سيدتنا أسماء جاءت إلى قباء فولدت سيدنا عبدالله وصادف مجيئه صلى الله عليه وسلم إلى قباء فى ذلك اليوم وقد سماه صلى الله عليه وسلم عبد الله وكناه أبا بكر بكنية جده الصديق رضى الله تعالى عنه
وروى أنه جاء النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمره والده الزبير بذلك فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه وكون آل أبى بكر نزلوا عند مجيئهم المدينة فى السنح لا ينافى كون أسماء نزلت بقباء وولدت بها لأنه يجوز أن يكون نزول أسماء فى السنح بعد نزولها فى قباء قصدا لراحتها لكونها كانت حاملا حتى وضعت والسياق المتقدم يدل على ذلك وكون عبدالله بن الزبير

أول مولود ولد فى الإسلام للهاجرين بالمدينة كذلك عبدالله بن جعفر بن أبى طالب أول مولود ولد للمهاجرين بالحبشة ويقال له عبدالله الجواد
واتفق أن النجاشى ولد له مولود يوم ولد عبدالله هذا فأرسل إلى جعفر يقول له كيف سميت ابنك فقال سميته عبدالله فسمى النجاشى ابنه عبدالله وأرضعته أسماء بنت عميس مع ابنها عبدالله المذكور فكانا يتراسلان بتلك الأخوة من الرضاع
وأول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة مسلمة بن مخلد وقيل النعمان بن بشير وذكر أن أم أسماء قدمت المدينة وهى مشركة على أسماء بهدية فحجبتها أسماء وردت عليها هديتها فسألت عائشة رضى الله تعالى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمر أسماء أن تؤوى أمها وتقبل هديتها
قيل وفى ذلك وفى إرسال عبدالرحمن بن أبى بكر وهو بمكة على دينه قبل أن يسلم إلى أبيه يسأله النفقة فأبى أبوه أن ينفق عليه أنزل الله الإذن فى الإنفاق على الكفار
وقال أبو أيوب الأنصارى لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتى نزل فى أسفل البيت وأنا وأم أيوب فى العلو فقلت يا رسول الله بأبت أنت وأمى إنى أكره وأعظم أن أكون فى العلو وتكون تحتى فاظهر أنت وكن فى العلو وننزل نحن فنكون فى السفل فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا أيوب أرفق بنا أى السفل أرفق بنا وبمن يغشانا أي وفى لفظ إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون فى سفل البيت قال أبو أيوب فانكسر حب ليا فيه ماء والحب بضم الحاء المهملة الجرة الكبيرة فقمت أنا وأم أيوب بقطيقة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ فيؤذيه ولم أزل أتضرع للنبى صلى الله عليه وسلم حتى تحول في العلو أي وفي رواية عن أبي أيوب قال نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فكنت فى العلو فلما خلوت إلى أم أيوب فقلت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالعلو منا ينتثر التراب عليه من وطء أقدامنا وتنزل عليه الملائكة وينزل عليه الوحى وفى رواية ينزل عليه القرآن ويأتيه جبريل فما بت تلك الليلة أنا ولا أم أيوب فلما أصبحت قلت يا رسول الله ما بت الليلة أنا ولا أم أيوب قال لم يأبا أيوب قلت كنت أحق العلو منا ينزل عليك الملائكة وينزل عليك الوحى والذى بعثك بالحق لا أعلو سقيفة أنت تحتها أبدا أى وعن أفلح مولى أبى أيوب أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل أسفل وأبو أيوب فى العلو انتبه أبو أيوب ذات ليلة فقال نمشى فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم فباتا فى جانب فلما أصبح الحديث
وعند نزوله صلى الله عليه وسلم فى بيت أبى أيوب صارت تأتى إليه جفنة سعد بن عبادة وجفنة أسعد به زرارة كل ليلة أي وكانت جفنة سعد بن عبادة بعد ذلك تدور معه صلى الله عليه وسلم فى بيوت أزواجه فقد جاء كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سعد بن عبادة جفنة من ثريد أى عليه لحم أو خبز فى لبن أو فى سمن أو فى عسل أو بخل وزيت فى كل يوم تدور معه أينما دار مع نسائه وصار وهو فى بيت أبى أيوب يأتى إليه الطعام من غيرهما أى فقد جاء وما كان من ليلة إى وعلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة والأربعة يحملون الطعام يتناوبون حتى تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزل أبى أيوب أى وفى لفظ وجعل بنو النجار يتناوبون فى حمل الطعام إليه صلى الله عليه وسلم مقامه فى منزل أبى أيوب رضى الله تعالى عنه وهو تسعة أشهر وأول طعام جئ به إليه صلى الله عليه وسلم فى دار أبى أيوب قصعة أم زيد بن ثابت
فعن زيد بن ثابت أول هدية دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت أبى أيوب قصعة أرسلتنى بها أمى إليه فيها ثريد خبز بر بسمن ولبن فوضعتها بين يديه وقلت يا رسول الله أرسلت بهذه القصعة أمى فقال له بارك الله فيها أى وفى رواية بارك الله فيك ودعا أصحابه فأكلوا قال زيد فلم أرم الباب أى أرده حتى جاءت قصعة سعد ابن عبادة ثريد وعراق لحم أى بفتح العين عظم عليه لحم فإن أخذ عنه اللحم قيل له عراق بضم العين وقد جاء كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد ويقال له الثفل بالمثلثة والفاء
ولما بنى المسجد جعل فى المسجد محلا مظللا يأوى إليه المساكين يسمى الصفة وكان أهله يسمون أهل الصفة وكان صلى الله عليه وسلم فى وقت العشاء يفرقهم على أصحابه ويتعشى معه منهم طائفة
وظاهر السياق أن ذلك أى المحل فعل فى زمن بناء المسجد وآوى إليه المساكين من حينئذ لكن روى البيهقى عن عثمان بن اليمان قال لما كثر المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم زاد ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وسماهم أصحاب الصفة وكان يجالسهم ويأنس بهم أى وكان إذا صلى الله عليه وسلم أتاهم فوقف عليهم فقال لو تعلموا مالكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فقرا وحاجة

أقول ذكر أن المسجد كان إذا جاءت العتمة يوقد فيه بسعف النخل فلما قدم تميم الدارى المدينة صحب معه قناديل وحبالا وزيتا وعلق تلك القناديل بسوارى المسجد وأوقدت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نورت مسجدنا نور الله عليك أما والله لو كان لى ابنة لأنكحتكها
هذا وفى كلام بعضهم أول من جعل فى المسجد المصابيح عمر بن الخطاب رضر الله تعالى عنه ويوافقه قول بعضهم والمستحب من بدع الأفعال تعليق القناديل فيها أى المساجد وأول من فعل ذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فإنه لما جمع الناس على أبى بن كعب فى صلاة التروايح علق القناديل فلما رآها على تزهر قال نورت مساجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب ولعل المراد تعليق ذلك بكثرة فلا يخالف ما تقدم عن تميم الدارى
ثم رأيت فى أسد الغابة عن سراج غلام تميم الدارى قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن خمسة غلمان لتميم الدارى فأمرنى يعنى سيده فأسرجت المسجد بقنديل فيه زيت وكانوا لا يسرجون فيه إلا بسعف النخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسرج مسجدنا فقال تميم غلامى هذا فقال ما اسمه فقال فتح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل اسمه سراج فسمانى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراجا
وعن بعضهم قال أمرنى المأمون أن أكتب بالاستكثار من المصابيح فى المساجد فلم أدر ما أكتب لأنه شئ لم أسبق إليه فأريت فى المنام أكتب فإن فيها أنسا للمجتهدين ونفيا لبيوت الله عن وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك قال بعضهم لكن زيادة الوقود كالواقع ليلة النصف من شعبان ويقال لها ليلة الوقود ينبغى أن يكون ذلك كتزويق المساجد ونقشها وقد كرهه بعضهم والله أعلم
قال وذكر ابن إسحاق فى كتاب المبدأ وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن تبع بن حسان الحميرى وهو تبع الأول أى الذى ملك الأرض كلها شرقها وغربها وتبع بلغة اليمن الملك المتبوع ويقال له الرئيس لأنه رأس الناس بما أوسعهم من العطاء وقسم فيهم من الغنائم وكان أول من غنم
ولما عمد إلى البيت يريد تخريبه رمى بداء تمخض منه رأسه قيحا وصديدا وأنتن

حتى لا يستطيع أحد أن يدنو منه قيد رمح كما تقدم وتقدم أنه بعد ذلك كسا الكعبة وبعد ذلك اجتاز بيثرب وكان فى ركابه مائة ألف وثلاثون ألفا من الفرسان ومائة ألف وثلاثة عشر ألفا من الرجالة فأخبر أن أربعمائة رجل من أتباعه من الحكماء والعلماء تبايعوا أن لا يخرجوا منها فسألهم عن الحكمة فى ذلك فقالوا إن شرف البيت إنما هو برجل يخرج يقال له محمد هذه دار إقامته ولا يخرج منها فبنى فيها لكل واحد منهم دارا واشترى له جارية واعتقها وزوجها منه وأعطاهم عطاء جزيلا وكتب كتابا وختمه ودفعه إلى عالم عظيم منهم وأمره أن يدفع ذلك الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم إن أدركه وفى ذلك الكتاب أنه آمن به وعلى دينه وبنى دارا له صلى الله عليه وسلم ينزلها إذا قدم تلك البلد ويقال إنها دار أبى أيوب أى كما تقدم وأنه من ولد ذلك العالم الذى دفع إليه الكتاب أى فهو صلى الله عليه وسلم لم ينزل إلا داره أى على ما تقدم
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أى دعا إلى الإسلام أرسلوا إليه ذلك الكتاب مع شخص يسمى أبا ليلى فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أنت أبو ليلى الذى معك كتاب تبع الأول فقال له أبو ليلى من أنت قال أنا محمد هات الكتاب فلما قرأه أى قرئ عليه وذكر بعضهم أن مضمون الكتاب أما بعد يا محمد فإنى آمنت بك وبربك ورب كل شئ وبكل ما جاءك من ربك من شرائع الإسلام والإيمان وإنى قلت ذلك فإن أدركتك فيها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع لى يوم القيامة ولا تنسنى فإنى من أصل الأولين وبايعتك قبل مجيئك وقبل أن يرسلك الله وأنا على ملتك وملة إبراهيم وختم الكتاب وتلا أى قرأ عليه لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله فقد قرأ هذا قبل نزوله وكتب عنوان الكتاب إلى محمد بن عبد الله خاتم النبين والمرسلين ورسول رب العالمين من اتبع لأول حمير أمانة الله فى يد من وقع هذا الكتاب فى يده إلى أن يدفعه إلى صاحبه ودفعه إلى رأس العلماء المذكورين ثم وصل الكتاب المذكور إلى النبى صلى الله عليه وسلم على يد بعض ولد العالم المذكور حين هاجر وهو بين مكة والمدينة وسياق الرواية الأولى يدل على أن ذلك كان فى أول البعثة وبعد قراءة الكتاب عليه صلى الله عليه وسلم قال مرحبا بتبع الأخ الصالح ثلاث مرات وكان بين تبع هذا أى بين قوله إنه آمن به

وعلى دينه وبين مولد النبى صلى الله عليه وسلم ألف سنة سواء أى وتقدم أنه ابتاع المحل الذى بناه دارا له قبل مبعثه بألف سنة فليتأمل ويقال إن الأوس والخزرج من أولاد أولئك العلماء والحكماء اه
أقول قد علمت أن نزوله صلى الله عليه وسلم دار أبى أيوب على الوجه المتقدم وأخذه المربد على الكيفية المتقدمة مع وصول الكتاب إليه أول البعثة أو بين مكة والمدينة وهو مهاجر إلى المدينة يبعد هذا
وفيه أيضا أن الذى فى التنوير لابن دحية أن هذا تبع الأوسط وأنه الذى كسا البيت بعد ما أراد غزوة وبعد ما غزا المدينة وأراد خرابها انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبى اسمه محمد
أى فقد ذكر بعضهم أن تبعا أراد تخريب المدينة واستئصال اليهود فقال له رجل منهم بلغ من العمر مائتين وخمسين سنة الملك أجل من أن يستخفه غضب وأمره أعظم أن يضيق عنا حلمه أو نحرم صفحه مع أن هذه البلدة مهاجر نبى يبعث بدين إبراهيم فكتب كتابا وذكر فيه شعرا فكانوا يتوارثون ذلك الكتاب إلى أن هاجر النبى صلى الله عليه وسلم فأدوه إليه ويقال إن الكتاب كان عند أبى أيوب الأنصارى وكان ذلك قبل مبعثه بسبعمائة عام
وفى التنوير أيضا أن ابن أبى الدنيا ذكر أنه حفر قبر بصنعاء قبل الإسلام فوجد فيه امرأتان لم يبليا وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب هذا قبر فلانة وفلانة اينتى تبع ماتتا وهما يشهدان أن لا إله إلا الله ولا يشركان به وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما وجاء لاتسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا وفى رواية لاتسبوا تبعا الحميرى فإنه أول من كسا الكعبة قال السهيلى وكذا تبع الأول كان مؤمنا بالنبى صلى الله عليه وسلم وقال شعرا ينبئ فيه بمبعثه صلى الله عليه وسلم والله أعلم
وكانت المدينة فى الجاهلية معروفة بالوباء أى الحمى وكان إذا أشرف على واديها أحد ونهق نهيق الحمار لا يضره الوباء وفى لفظ كان إذا دخلها غريب فى الجاهلية يقال له إن أردت السلامة من الوباء فانهق نهيق الحمار فإذا فعل ذلك سلم
وفى حياة الحيوان كانوا فى الجاهلية إذا خافوا وباء بلد عشروا كتعشير الحمار أى نهقوا عشرة أصوات فى طلق واحد قبل أن يدخلوها وكانوا يزعمون أن ذلك يمنعهم من الوباء

ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اهلها من أخبث الناس كيلا فأنزل الله تعالى { ويل للمطففين } الآية فأحسنوا الكيل بعد ذلك
ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وأصحابه أصابت أصحابه بالحمى وفى لفظ استوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق أمزجتهم فمرض كثير منهم وضعفوا حتى كانوا يصلون من قعود فرآهم صلى الله عليه وسلم فقال اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فتجشموا المشقة وصلوا قياما
قالت عائشة رضى الله تعالى عنها قدمنا المدينة وهى أوبأ أرض الله ولما حصلت لها الحمى قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مالى أراك هكذا قالت بأبى أنت وأمى هذه الحمى وسبتها فقال لا تسبيها فإنها مأمورة ولكن إن شئت علمتك كلمات إذا قلتهني أذهبها الله تعالى عنك قالت فعلمنى قال قولى اللهم ارحم جلدى الرقيق وعظمى الدقيق من شدة الحريق يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله العظيم فلا تصدعى الرأس ولا تنتنى الفم ولا تأكلى اللحم ولا تشربى الدم وتحولى عنى إلى من اتخذ مع الله إلها آخر فقالتها فذهبت عنها
وعن على رضى الله تعالى عنه لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فأصابنا بها وعك أى حمى ومن جملة من أصابته الحمى سيدنا أبو بكر رضى الله تعالى عنه ومولياه عامر بن فهيرة وبلال أى وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى أنشد ** كل امرئ مصبح فى أهله ** والموت أدنى من شراك نعله **
أى وهذا من شعر حنظلة بن يسار بناء على الصحيح أن الرجز يقال له شعر كما تقدم وليس من شعر أبى بكر
فعن عائشة رضى الله تعالى عنها أن أبا بكر لم يقل شعر فى الإسلام أي ولا في الجاهلية كما في رواية عنها والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا فى الاسلام أى لم ينشئه حتى مات أى وهذا ربما ينافى ما فى الينبوع ليس عمل الشعر رذيلة قد كان الصديق وعمر وعلى رضوان الله تعالى عليهم يقولون الشعر وعلى كرم الله وجهه أشعر من أبى بكر وعمر وما تقدم عن عائشة معارض بظاهر ما روى عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال كان أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه أذا رأى النبى صلى الله عليه وسلم يقول

** أمين مصطفى بالخير يدعو ** كضوء البدر زايله الظلام **
إلا أن يحمل قولها على أنها لما تسمع ذلك منه بناء على أن ذلك من إنشاء الصديق وكان بلال إذا أقلعت عنه الجمى يرفع عقيرته أى صوته يقول متشوقا إلى مكة ** الا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ** بواد وحولى إذخر وجليل ** ** وهل أردن يوما مياه مجنة ** وهل يبدون لى شامة وطفيل **
اللهم العن شيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء وأراد بلال بالوادى وادى مكة وإلا ذخر نبت معروف وجليل بالجيم نبت ضعيف وشامة وطفيل جبلان بقرب مكة أى وفى رواية وهل يبدون لى عامر وطفيل وعامر أيضا جبل من جبال مكة
وفى شرح البخارى للخطابى كنت أحسب شامة وطفيلا جبلين حتى مررت بهما فإذا هما عينان من ماء هذا كلامه
وقد يقال يجوز أن تكون العينان بقرب الجبلين المذكورين فأطلق اسم كل منهما على الآخرين ولعل هذا اللعن من بلال كان قبل النهى عن لعن المعين لأنه لا يجوز لعن الشخص المعين على الراجح إلا إن علم موته على الكفر كأبى جهل وأبى لهب دون الكافر الحى لأنه يحتمل أن يختم له بالحسنى فيموت على الإسلام لأن اللعن هو الطرد عن رحمة الله تعالى المستلزم لليأس منها وأما اللعن على الوصف كآكل الربا فجائز أو أن ذلك محمول فى ذلك على الإهانة الطرد عن مواطن الكرامة لا على الطرد عن رحمة الله تعالى الذى هو حقيقة اللعن وكان كل من أبى بكر وعامر وبلال فى بيت واحد قالت عائشة رضى الله تعالى عنها فاستأدنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عيادتهم فدخلت عليهم وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فإذا بهم مالا يعلمه إلا الله تعالى من شدة الوعك فسلمت عليهم أى وقالت لأبيها يا أبت كيف أصبحت فأنشدها الشعر المتقدم قالت فقلت إنا لله إن أبى ليهذى قالت فقلت لعامر بن فهيرة كيف تجدك فقال ** إنى وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان خنقه من فرقه **
قالت فقلت هذا والله لا يدرى ما يقول قالت ثم قلت لبلال كيف أصبحت فإذا هولا لا يعقل وفى رواية فأنشدها البيتين قالت وذكرت حالهم للنبى صلى الله عليه وسلم وقلت إنهم يهذون ولا يعقلون من شدة الحمى


أى وهذا السياق يخالف ما فى السيرة الهاشمية أن الصديق رضى الله تعالى عنه لما قدم المدينة أخذته الحمى هو وعامر بن فهيرة وبلال إلا أن يقال لا مخالفة لأنه يجوز أنها أخذتهم أولا وأقلعت عنهم ثم عادت عليهم بعد دخوله صلى الله عليه وسلم بعائشة أو أن عائشة استأذنته فى ذلك وذكرت له حالهم قبل دخوله بها لأنها كانت معقودا عليها ولعل الصديق كان فى غير بيت أم عائشة
والذى فى تاريخ الأزرقى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت لما قدم المهاجرون المدينة شكوا بها فعاد النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله تعالى عنه فقال كيف تجدك فأنشده ما تقدم ثم دخل على بلال فقال كيف تجدك يا بلال فأنشده ما تقدم ثم دخل على عامر بن فهيرة فقال كيف تجدك يا عامر فأنشده ما تقدم ولا مانع من التعدد فليتأمل
وحين ذكرت عائشة رضى الله تعالى عنها له ذلك نظر إلى السماء أى لأنها قبلة الدعاء وقال اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد وفى رواية وأشد وبارك لنا فى مدها وصاعها وصححها لنا ثم انقل وباءها إلى مهيعة أى الجحفة كما فى رواية وهى قرية من رابع محل إحرام من يجئ من جهة مصر حاجا وكان سكانها إذ ذاك يهود ودعاؤه صلى الله عليه وسلم أن يحبب إليهم المدينة إنما هو لما جلبت عليه النفوس من حب الوطن والحنين إليه ومن ثم جاء فى حديث أن عائشة رضى الله تعالى عنها سألت رجلا بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة من مكة فقالت له كيف تركت مكة فذكر من أوصافها الحسنة ما غرغرت منه عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا تشوقنا يا فلان وفى رواية دع القلوب تقر
اقول ودعاؤه صلى الله عليه وسلم بنقل الحمى كان فى أخر الأمر وأما عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة فخير بين الطاعون والحمى أى بقائها فأمسك الحمى بالمدينة وأرسل الطاعون إلى الشام كما جاء فى بعض الأحاديث أتانى جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام وقولنا أى بقائها رد لما قد يتوهم من الحديث أن الحمى لم تكن بالمدينة قبل قدومه صلى الله عليه وسلم إليها وإنما اختار الحمى على الطاعون لأنه كان حينئذ فى قلة من أصحابه فاختار بقاء الحمى لقلة الموت بها غالبا بخلاف الطاعون ثم لما احتاج للجهاد وأذن له فى القتال ووجد الحمى تضعف أجساد

الذين يقاتلون دعا بنقل الحمى من المدينة ألى الجحفة فعادت المدينة أصح بلاد الله تعالى بعد أن كانت بخلاف ذلك كذا قيل فليتأمل
فإنه يقتضى أن الحمى لما نقلت إلى الجحفة لم يبق منها بقية بالمدينة وهو الموافق لما يأتى عن الخصائص وحين نقلت الحمى إلى الجحفة صارت الجحفة لا يدخلها أحد إلا حم بل قيل أذا مر بها الطائر حم
واستشكل حينئذ جعلها ميقاتا للإحرام وقد علم من قواعد الشرع أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بما فيه ضرر
وأجيب بأن الحمى انتقلت إليها مدة مقام اليهود بها ثم زالت بزوالهم من الحجاز أو قبله حين التوقيت بها كذا قيل فليتأمل
وعنه صلى الله عليه وسلم قال رأيت أى فى النوم امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة فأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة
وفى الخصائص الصغرى للسيوطى وصرف الحمى عنها يعنى المدينة أول ما قدمها ونقلها إلى الجحفة ثم لما أتاه جبريل بالحمى والطاعون أمسك الحمى بالمدينة وأرسل الطاعون إلى الشام ولما عادت الحمى إلى المدينة باختياره صلى الله عليه وسلم إياها لم تستطع أن تأتى أحدا من أهلها حتى جاءت ووقفت ببابه واستأذنته فيمن يبعثها إليه فأرسلها إلى الأنصار
فقد جاء إن الحمى جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت أنا أم ملدم وفى رواية أنا الحمى أبرى اللحم وأشرب الدم قال لا مرحبا بك ولا أهلا
وفيه أنه تقدم أنه صلى الله عليه وسلم الله نهى عائشة عن سبها فقالت له أمضى إلى أحب قومك أو أحب أصحابك إليك فقال اذهبى للأنصار فذهبت إليهم فصرعتهم فقالوا له ادع لنا بالشفاء فقال إن شئتم دعوت الله عز وجل يكشفها عنكم وإن شئتم تركتموها فأسقطت ذنوبكم وفى رواية كانت لكم طهورا فقالوا بلى دعها يا رسول الله ولعل هذا كان لطائفة من الأنصار فلا ينافى ما جاء أن الأنصار لما شكوا له الحمى وقد مكثت عليهم ستة أيام بلياليها دعا لهم بالشفاء وصار صلى الله عليه وسلم يدخل دارا دارا وبيتا بيتا يدعو لهم بالعافية وهذا الذى فى الخصائص يدل على أن الحمى لما ذهبت إلى الجحفة لم يبق منها بقية بالمدينة وأنها بعد ذلك عادت إلى المدينة باختيار منه صلى الله عليه وسلم


والذى نقله هو عن الحافظ ابن حجر أن الحمى كانت تصيب من أقام بالمدينة من أهلها وغيرهم فارتفعت بالدعاء عن أهلها إلا النادر ومن لا يألف هواها
وقد جاء وإن حمى ليلة كفارة سنة ومن حم يوما كانت له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه
والذى رواه الإمام أحمد وابن حبان فى صحيحه عن جابر استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذه قالت أم ملدم فأمر بها إلى أهل قباء فلقوا مالا يعلمه إلا الله تعالى فشكوا إليه صلى الله عليه وسلم فقال إن شئتم دعوت الله تعالى ليكشفها وإن شئتم تكون لكم طهورا قالوا أو يفعل قال نعم قالوا فدعها والله أعلم
ثم دعا صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم اجعل بالمدينة ضعفى ما جعلت بمكة من البركة وفى رواية واجعل مع البركة بركتين وجاء أنهم شكوا له صلى الله عليه وسلم سرعة فناء طعامهم فقال لهم قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه قيل معناه تصغير الأرغفة ودعا لغنم كانت ترعى بالمدينة فقال اللهم اجعل نصف أكراشها مثل ملئها فى غيرها من البلاد أى ولعل الدعاء بذلك ليس خاصا بتلك الأغنام الموجودة فى زمنه صلى الله عليه وسلم
ويدل لذلك ما ذكره السيوطى فى الخصائص الصغرى مما اختصت به المدينة أن غبارها يطفئ الجذام ونصف أكراش الغنم فيها مثل ملئها فى غيرها من البلاد والكرش كالمعدة للإنسان
وكما صينت المدينة عن الطاعون بإرساله إلى الشام صينت عن الدجال روى الشيخان عن أبة هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنقاب المدينة أى على أبوابها ملائكة لايدخلها الطاعون ولا الدجال وفى رواية لها أى المدينة سبعة أبواب على كل باب ملك
فإن قيل كيف مدحت المدينة بعدم دخول الطاعون وكيف أرسله صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع أنه شهادة
وأجيب بأنه إنما أرسله إلى الشام لما تقدم وصينت عنه بعد انتقاء ما تقدم لأن سببه طعن كفار الجن وشياطينهم فمنع من المدينة احتراما لها ولم يتفق دخول الطاعون

بها فى زمن من الأزمنة بخلاف مكة فإنه وجد بها فى بعض السنين وهى سنة تسع وأربعين وسبعمائة
ويقال إنه وقع فى سنة تسع وثلاثين بعد الألف لما هدم السيل الكعبة أى الجانب الذى جهة الحجر قال بعضهم فمن حين انهدم وجد الطاعون بمكة واستمر إلى أن أقاموا الأخشاب موضع المنهدم وجعلوا عليها الستر فعند ذلك ارتفع الطاعون كذا أخبر بعض الثقات من أهل مكة
وكونه لم يتفق دخول الطاعون فى المدينة فى زمن من الأزمنة يخالفه قول بعضهم وفى السنة السادسة من الهجرة وقع طاعون فى المدينة أفنى الخلق وهو أول طاعون وقع فى الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع فلا بأرض تخرجوا منها وإن سمعتم به فى أرض فلا تقربوها
ويروى أنه لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة رفع يديه وهو على المنبر وقال اللهم انقل عنها الوباء ثلاثا أى وفيه أن هذا قد يخالف ما سبق من أن هذا كان فى آخره الأمر لاعند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة إلا أن يحمل على أن قدومه صلى الله عليه وسلم كان من سفر لا للهجرة
وفى الحديث سيأتى على الناس زمان يلتمسون فيه الرخاء فيحملون بأهليهم إلى الرخاء المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يلبث فيها أحد فيصبر للأوائها وشدتها حتى يموت إلا كنت له يوم القيامة شهيدا وشفيعا
وفي مسلم لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا وكنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا أي شفيعا للعاصي وشهيدا للطائع وللأواء بالمد الجوع
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت فإنى أشفع لمن يموت بها لا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله تعالى ذوب الملح فى الماء وفى رواية أذابه الله فى النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح فى الماء لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد أى وفى رواية فى مسلم تنفى الخبث كما تنفى النار خبث الفضة وتقدم أن هذا ليس عاما فى الأزمنة ولا فى الأشخاص وفى رواية مكة والمدينة ينفيان الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله عز وجل وعليه لعنة الله والملائكة والناس لايقبل الله

منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا أى وبهذا الحديث تمسك من جوز اللعن على يزيد لما تقدم عنه فى إباحة المدينة فى وقعة الحرة
ورد بأنه لا دلالة فيه على جواز لعن يزيد باسمه إنما هو والكلام فيه وإنما يدل على جواز لعنه بالوصف وهو من أخاف أهل المدينة وليس الكلام فيه والفرق بين المقامين واضح كما علمت
وجاء أهل المدينة جيرانى وحقيق على أمتى حفظ جيرانى ما اجتنبوا الكبائر من حفظهم كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة ومن لم يحفظهم سقى من طينة الخبال أى وهى عصارة أهل النار وفى لفظ من أخاف هذا الحى من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين ووضع يده على جنبيه وقيل لها طيبة لطيب العيش بها ولأن للعصر أى الطيب بها رائحة لا توجد فيه فى غيرها
ومن خصائصها أن ترابها شفاء من الجذام كما تقدم زاد بعضهم ومن البرص بل من كل داء وعجوتها شفاء من السم
اى وفى الحديث تخرب المدينة قبل يوم القيامة بأربعين سنة وإن خرابها يكون من الجوع وإن خراب اليمن يكون من الجراد أى وقد دعا صلى الله عليه وسلم على الجراد فقال اللهم أهلك الجراد واقتل كباره وأهلك صغاره واقطع دابره وخذ بأفواهها عن مواشينا وارزقنا إنك سميع الدعاء وفى مسلم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم يؤتى بأول التمر فيقول اللهم بارك لنا فى مدينتنا وفى ثمارها وفى مدنا وفى صاعنا بركة مع بركة ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك دعاك لمكة وإنى عبدك ونبيك أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه
ثم بنى صلى الله عليه وسلم بقية الحجر التسع عند الحاجة إليها أى وهذا هو الموافق لما سبق أن بعضها بنى مع المسجد وهى حجرة سودة وحجرة عائشة رضى الله تعالى عنهما كما تقدم
وفى كلام أئمتنا أن بيوته صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة وأكثرها كان بعيدا عن المسجد وكلام الأصل يقتضى أنها بنيت كلها فى السنة الأولى من الهجرة حيث قال وفيها أى السنة الأولى بنى مسجده صلى الله عليه وسلم ومساكنه أى وخط صلى الله

عليه وسلم للمهاجرين فى كل أرض ليست لأحد وفيما وهبته له الأنصار من خططها وأقام قوم منهم ممن لم يمكنه البناء بقباء عند من نزلوا عليه بها
قال عبدالله بن زيد الهذلى رأيت بيوت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم حين هدمها عمر بن عبدالعزيز بأمر الوليد بن عبد الملك أى بعد موت أزواجه صلى الله عليه وسلم قال بعضهم حضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ بادخالها في المسجد فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم أى وكانت تسعة أربعة مبنية باللبن أى وسقفها من جريد النخل مطين بالطين ولها حجر من جريد أى غير بيت أم سلمة فإنها جعلت حجرتها بناء
وكان صلى الله عليه وسلم فى غزوة دومة الجندل فلما قدم دخل عليه أول نسائه فقال لها ما هذا البنيان قالت أردت أن أكف أبصار الناس فقال صلى الله عليه وسلم وإن شر ما ذهب فيه مال المرء المسلم البنيان وعن على رضى الله تعالى عنه إن لله بقاعا تسمى المنتقمات فإذا اكتسب الرجل المال من حرام سلط الله عليه الماء والطين ثم لا يمتعه به أى وكانت تلك الحجر التى من الجريد مغشاة من خارج بمسوح الشعر وخمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر بها على أبوابها ستور من مسوح الشعر أى وهى التى يقال لها البلانس ذرع الستر فوجد ثلاثة أذرع فى ذراع
هذا وفى كلام السهيلى كانت مساكنه صلى الله عليه وسلم مبنة من جريد عليه طين وبعضها من حجارة موضوعة وسقوفها كلها من جريد وكانت حجرته عليه الصلاة والسلام أكسية من شعر مربوطة بخشب من عرعر هذا كلامه
قال بعضهم وليتها تركت ولم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويريدون ما رضى الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ومفاتيح خزائن الأرض بيده أى فإن ذلك مما يزهد الناس فى التكاثر والتفاخر فى البنيان
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بعض طرق المدينة فرأى فيه مشرعة فقال ما هذه قالوا هذه لرجل من الأنصار فجاء ذلك الرجل فسلم على النبى صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه فعل ذلك مرارا فأعلم بالقصة فهدمها الرجل
وعن الحسن البصرى قال كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى خلافة عثمان فأتناول سقفها بيدى أى لأن الحسن البصرى ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب يقينا وكان ابنا لمولاة لأم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم اسمها

خيرة وكانت أم سلمة تخرجه للصحابة يباركون عليه وأخرجته إلى عمر رضى الله تعالى عنه فدعاله بقوله اللهم فقهه فى الدين وحببه إلى الناس وكان والده من جملة السبى الذى سباه خالد فى خلافة الصديق من الفرس
وروى عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه لأن عمره كان قبل أن يخرج على من المدينة إلى الكوفة وذلك بعد قتل عثمان أربع عشرة سنة قيل له يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لم تدركه فقال لذلك السائل كل شئ سمعتنى أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن على ابن أبى طالب رضى الله تعالى عنه غير أنى فى زمان لا أستطيع أن أذكر عليا أى خوفا من الحجاج
وقد أخرج له عن على جماعة من الحافظ كالترمذى والنسائى والحاكم والدار قطنى وأبو نعيم ما بين حسن وصحيح وبه يرد قول من أنكر أنه لم يسمع من على لأن المثبت مقدم على النافى أو هو محمول على أنه لم يسمع من على بعد خروج على من المدينة
قال بعضهم كان الحسن البصرى أجمل أهل البصرة وفى كلام ابن كثير كان الحسن البصرى شكلا ضخما طوالا هذا كلامه وكان إذا أقبل كأنه أقبل من دفن حميمة وإذا جلس فكأنه أسير أمر يضرب عنقه وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له
وعن الواقدى كان لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد وحوله فكلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلا تحول له حارثة عن منزل حتى صارت منازله كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أى وهذا يخالف ما تقدم عن الأصل من أن مساكنه ينيت فى السنة الأولى
ومات عثمان بن مظعون وهو أخوه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وأمر صلى الله عليه وسلم أن يرش قبره بالماء ووضع حجرا عند رأس القبر أى بعد أن أمر رجلا أن يأتيه بحجر فأخذ الرجل حجرا ضعف عن حمله فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

فحسر عن ذراعيه ثم حمله ووضعه فى المحل المذكور وقال أتعلم به قبر أخى وأدفن إليه من مات من أهلى أى ومن ثم دفن ولده إبراهيم عند رجليه
وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت قالت ورأيت دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم على خدى عثمان بن مظعون
أى وفى الاستيعاب أنه مات بعد شهوده بدرا فلما غسل وكفن قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه ولا معارضة بينه وبين خبر عائشة رضى الله تعالى عنها السابق كما لا يخفى وجعل النساء يبكين فجعل عمر يسكتهن فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مهلا يا عمر ثم قال إياكن ونعيق الشيطان ومهما كان من العين فمن الله ومن الرحمة وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان وقالت امرأته وهى خولة بنت حكيم وقيل أم العلاء الأنصارية وكان نزل عليها وقيل أم خارجة بن زيد طبت هنيئا لك الجنة أبا السائب فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة غضب وقال وما يدريك فقالت يا رسول الله مارسك وصاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدرى ما يفعل بى فأشفق الناس على عثمان
وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أن خولة بنت حكيم دخلت عليها وهى متشوشة الخاطر فقالت لها عائشة مابالك قالت زوجى تعنى عثمان بن مظعون يقوم الليل ويصوم النهار فدخل النبى صلى الله عليه وسلم على عائشة فذكرت له ذلك فلقى عثمان فقال له يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا أمالك بى أسوة والله إن أخشاكم لله وحدوده لأنا أى وسماه السلف الصالح فقال عند دفن ولده إبراهيم الحق بسلفنا الصالح وقال عند دفن بنته زينب الحقى بسلفنا الخير عثمان بن مظعون
ومات أسعد بن زرارة رضى الله تعالى عنه ووجد أى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا عليه وكان نقيبا لبنى النجارفلم يجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبا بعده أى بعد أن قالوا له اجعل لنا رجلا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيم وقال لهم أنتم أخوالى وأنا نقيبكم وكره أن يخص بذلك بعضهم دون بعض فكانت من مفاخرهم
أى ووهم ابن منده وأبو نعيم فى قولهما إن أبا أمامة كان نقيبا لبنى ساعدة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل نقيب كل قبيلة منهم ومن ثم كان نقيب بنى ساعدة سعد بن عبادة

أى وقد قيل إن قبل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة مات البراء بن معرور فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب هو وأصحابه فصلى على قبره وقال اللهم اغفر له وارحمه وارض عه وقد فعلت وهي أول صلاة صليت على الميت فى الإسلام بناء على أن المراد بالصلاة حقيقتها وإلا جاز أن يراد بالصلاة الدعاء ويوافق ذلك قول الإمتاع لم أجد فى شئ من كتب السير متى فرضت صلاة الجنازة
ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى على عثمان بن مظعون وقد مات في السنة الثانية وكذلك أسعد بن زرارة مات في السنة الأولى ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه الصلاة الحقيقة وقد تقدم ذلك وتقدم ما فيه
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود أى بنى قينقاع وبنى قريظة وبنى النضير أى صالحهم على ترك الحرب والأذى أى أن لا يحاربهم ولا يؤذيهم وأن لا يعينوا عليه أحدا وأنه إن دهمه بها عدو ينصروه وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم
وقد ذكر فى الأصل صورة الكتاب وآخى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فى دار أنس بن مالك وهى دار أبى طلحة زوج أم أنس أى واسمه زيد ابن سهل وقد ركب البحر غازيا فمات فلم يجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه بها ولم يتغير
وعن أنس رضى الله تعالى عنه أن أبا طلحة لم يكن يكثر من الصوم فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب الغزو فلما مات صلى الله عليه وسلم سرد الصوم وكانت المؤاخاة بعد بناء المسجد وقيل والمسجد يبنى على المواساة والحق وأن يتوارثوا بعد الموت دون ذوى الأرحام وفى لفظ دون القرابة فقال تأخوا فى الله أخوين أخوين
اقول ذكر ابن الجوزى عن زيد بن أبى أوفى قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسجد المدينة فجعل يقول أين فلان أين فلان فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا عنده فقال إنى محدثكم بحديث فاحفظوه وعوه وحدثوا به من بعدكم إن الله تعالى اصطفى من خلقه خلقا ثم تلا هذه الآية { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } وإنى أصطفى منكم من أحب أن أصطفيه وأوخى بينكم كما آخى الله تعالى بين ملائكتة قم يا أبا بكر فقام فجثا بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال

إن لك عندى يدا الله يجزيك بها ولو كنت متخذا خليلا لا تخذتك خليلا فأنت منى بمنزلة قميصى من جسدى وحرك قميصه بيده ثم قال ادن يا عمر فدنا فقال قد كنت شديد البأس علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز بك الدين أو بأبى جهل ففعل الله ذلك بك وكنت أحبهما إلى الله فأنت معى فى الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة وآخى بينه وبين أبى بكر هذا كلام ابن الجوزى وهو يقتضى أنه صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة آخى بين المهاجرين والأنصار أيضا كما آخى بينهم قبل الهجرة وهذا لا يتم إلا لو آخى بين غير أبى بكر وعمر من المهاجرين ويكون ابن أبى أوفى اقتصر
والمعروف المشهور أن المؤاخاة إنما وقعت مرتين مرة بين المهاجرين قبل الهجرة ومرة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة والله اعلم ويدل لذلك قول بعضهم كانوا إذ ذلك خمسين من المهاجرين وخمسين من الأنصار أى وقيل كانوا تسعين فأخذ بيد على بن ابى طالب وقال هذا أخى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أخوين وآخى بين أبى بكر وخارجة بن زيد وكان صهر لأبى بكر كانت ابنته تحت أبى بكر وبين عمر وعتبان بن مالك وبين أبى رويم الخثعمى وبين بلال وبين أسيد ابن حضير وبين زيد بن حارثة وكان أسيد ممن كناه النبى صلى الله عليه وسلم كناه أبا عبس وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان أحد العقلاء أهل الرأى وكان الصديق رضى الله تعالى عنه يكرمه ولا يقدم عليه أحدا وآخى بين أبى عبيدة وبين سعد ابن معاذ وأخى بين عبدالرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع وعند ذلك قال سعد لعبدالرحمن يا عبد الرحمن إنى من أكثر الأنصار مالا فأنا مقاسمك وعندى امرأتان فأنا مطلق إحداهما فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له بارك الله لك فى أهلك ومالك
وفى الأصل عن ابن اسحق آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال تآخوا فى الله أخوين أخوين
وفى كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين حمزة وبين زيد بن حارثة وإليه أوصى حمزة يوم أحد فليتأمل فإنهما مهاجران ثم أخذ بيد على بن أبى طالب وقال هذا أخى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أخوين وفيه أن هذا ليس من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وقد تقدم فى المؤاخاة بين المهاجرين قبل الهجرة مؤاخاته له صلى الله عليه وسلم وفى رواية لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه جاء على

تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بينى وبين أحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أخى فى الدنيا والآخرة قال الترمذى هذا حديث حسن غريب وآخى بين جعفر بن أبى طالب وهو غائب بالحبشة وبين معاذ بن جبل أي أرصد معاذ لأخوة جعفر إذا قدم من الحبشة وبه يرد ما قيل جعفر بن أبي طالب إنما قدم فى فتح خيبر سنة سبع فكيف يؤاخى بينه وبين معاذ بن جبل أول مقدمه عليه الصلاة والسلام وآخى بين أبى ذر الغفارى والمنذر بن عمرو وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وبين مصعب بن عمير وأبى أيوب
وفى الاستيعاب أنه آخى بين سلمان وأبى الدرداء وجاء سلمان لأبى الدرداء زائرا فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال ما شأنك قالت إن أخاك ليس له حاجة فى شئ من الدنيا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولجسدك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فسأل أبو الدرداء النبي صلى الله عليه وسلم عما قال سلمان فقال له مثل ما قال سلمان ولعل هذه المؤاخاة بين سلمان وأبى الدرداء كانت قبل عتق سلمان لأنه تأخر عتقه عن أحد لأن أول مشاهده الخندق كما تقدم وروى الإمام أحمد عن أنس أنه آخى بين أبى عبيدة وبين أبى طلحة وقد تقدم أنه آخى بينه وبين سعد بن معاذ وقال المهاجرون يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة فى قليل ولا أحسن بذلا فى كثير كفونا المؤنة وأشركونا فى المهنة اى الخدمة حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله قال لا ما أثنيتم عليهم ودعوتهم لهم أى فإن ثناءكم عليهم ودعاءكم لهم حصل منكم به نوع مكافأة
قال بعضهم والمؤاخاة من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لنبى قبله ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لى بعياش بن أبى ربيعة وهشام بن العاص أي المحبوسين عند قريش المانعين لهما من الهجرة فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة اى بعد أن خرج إلى المدينة من حبس أهله له بمكة كما تقدم أنا لك يا رسول الله بهما فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيا فلقى امرأة تحمل طعاما فقال لها أين تريدين يا أمة الله قالت أريد هذين المحبوسين تعنيهما فتبعها حتى عرف موضعهما وكان بيتا لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ثم اخذ مروة أى حجرا فوضعها تحت قيدهما

ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فان يقال لسيفه ذو المروة ثم جعلهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت اصبعه فأنشد أي متمثلا هل أنت إلا اصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت **
ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم ان ذلك يرد القول بان عياشا استمر محبوسا حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد دعا صلى الله عليه وسلم في قنوت الصلاة بقوله اللهم أنج الوليد بن الوليد أي وذلك ان يتخلص من حبسه بمكة أي فإن الوليد اسر يوم بدر أسره عبد الله بن جحش فقدم في فدائه اخواه خالد وكان اخاه لأبيه أي ومن ثم لما أبى الله أن يأخذ في فداء الوليد إلا أربعة آلاف درهم وصار خالد يأبى ذلك قال له هشام إنه ليس بابن امك والله لو أبى فيه إلا كذا وكذا لفعلت
ويقال إنه صلى الله عليه وسلم فضفاضة قال لعبد الله بن جحش ولا تقبل في فدائه إلاشلمة ابيه وهي درع فضافة مقومة بمائة دينار فجاءا بها وسلماها إلى عبد الله فلما افتدى وقدم إلى مكة اسلم فقيل له هلا أسلمت قبل ان تفتدى فقال كرهت أن يظنوا بي أني جزعت من الاسار فلما أسلم حبسه اهل مكة ثم أفلت ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد عمرة القضاء وكتب إلى أخيه خالد فوقع الاسلام في قلب خالد وكان خالد من جملة من خرج من مكة الى اخيه خالد فوقع الإسلام في قلب خالد وكان خالد من جملة من خرج من مكة فارا لئلا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه كراهة الإسلام وأهله فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد عنه وقال لو اتانا خالد لاكرمناه وما مثله يجهل الاسلام فكتب له اخوه الوليد بذلك وفي مدة حبس الوليد كان صلى الله عليه وسلم في كل ليلة اذا صلى العشاء الآخرة قنت في الركعة الأخيرة يقول اللهم انج هشام بن العاص اللهم انج سلمة بن هشام اللم انج عياش بن ابي ربيعة اللهم انج هشام بن العاص اللهم انج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلهم عليهم سنين مثل سني يوسف فأكلوا العلهز ثم لو يزل يدعو المستضعفين حتى نجاهم الله أي بعد ان نجى عياشا وهشاما والوليد
أقول هذه الراية تدل على انه كان يدعو بما ذكر في الركعة الأخيرة من العشاء الآخرة وفي البخاري ان ذلك كان في الركعة الأخيرة من الصبح
وقد يقال لا مخالفة لانه صلى الله عليه وسلم تارة يدعو في الركعة الاخيرة

من صلاة العشاء الآخرة وتارة في الركعة الاخيرة من الصبح أو كان يدعو بذلك فيهما وكل روى بحسب ما رأى والله اعلم
ثم لا زال المهاجرون الانصار يتوارثون بذلك الاخاء دون القرابات إلى أن نزل قوله تعالى في وقعة بدر { وأولو الأرحام } أي القرابات { بعضهم أولى ببعض } أي في الإرث { في كتاب الله } أي اللوح المحفوظ فنسخت ذلك أي لأنه كان الغرض من المؤاخاة ذهاب وحشة الغربة ومفارقة الأهل والعشيرة وشد أزر بعضهم ببعض فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة بطل التوارث ورجع كل إنسان إلى نسبه وذوي رحمه أي ومن ثم قيل لزيد بن حارثة زيد بن حارثة أي بعد أن كان يقال له زيد بن محمد وكانت المؤاخاة بعد الهجرة بخسمة أشهر وقيل غير ذلك
أقول تقدم ان سبب امتناع أن يقال زيد بن محمد نزول قوله تعالى { ادعوهم لآبائهم } أي ومن ثم قيل للمقداد بن عمرو وكان له المقدد بن الأسود لأن الأسود كان تبناه في الجاهلية ومن لم يعرف أبوه رد اليه مواليه ومن ثم قيل لسالم مولى أبي حذيفة ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بعد أن كان يقال له سالم بن أبي حذيفة فكا ابو حذيفة يرى أنه ابنه ومن ثم انكحه ابنة اخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة
وجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو امرأة أبي حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل على وقد بلغ ما يبلغ الرجال وإنه يدخل علي وأظن في نفس ابي حذيفة من ذلك شيئا فماذا ترى فيه فقال ارضعيه تحرمي
وعن اسلم زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لعائشة ما ترى هذه إلا رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم وكان سالم رضي الله تعالى عنه يؤم المهاجرين الأولين في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر
وفي ينبوع الحياة كانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار توجب التوارث بينهم ثم نسخ ذلك قبل العمل به وأما قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } فمعناه أنهم التزموا هذا الحكم ودانوا به
ومن المشكل حينئذ ما نقل أن الحتات بضم الحاء وفتح المثناة فوق مخففة كان

صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين معاوية ولما مات الحتات عند معاوية في خلافته ورثه بالاخوة مع وجود أولاده ثم رأيت الحافظ ابن حجر في الإصابة ذكر ذلك ونظر فيه والله اعلم & باب بدء الأذان ومشروعيته
أي والإقامة ومشروعيتها وكل منهما من خصائص هذه الأمة كما أن من خصائصها الركوع والجماعة وافتتاح الصلاة بالتكبير فإن صلاة الامم السابقة كانت لا ركوع فيها ولا جماعة وكانت الأنبياء كأممهم يستفتحون الصلاة بالتوحيد والتسبيح والتهليل أي وكان دأبه صلى الله عليه وسلم في إحرامه لفظة الله أكبر ولم ينقل عنه سواها أي كالنية
ولا يشكل على الركوع قوله تعالى لمريم { واسجدي واركعي مع الراكعين } لأن المراد به في ذلك الخضوع أو الصلاة لا الركوع المعهود كما قل لكن في البغوي قيل إنما قد السجود على الركوع لأنه كان كذلك في شريعتهم وقيل بل كان الركوع قبل السجود في الشرائع كلها وليست الواو للترتيب بل للجمع هذا كلامه فليتأمل وكان وجود ذلك أي الآذان والإقامة في السنة الأولى وقيل في الثانية
ذكر أن الناس إنما كانوا يجتمعون للصلاة لتحين مواقيتها أي لدخول أوقاتها من غير دعوة أي وقد قال ابن المنذر هو صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور
قال ووردت أحاديث تدل على أن الآذان شرع بمكة قبل الهجرة من تلك الأحاديث ما في الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى اليه الأذان فنزل به وعلمه بلالا قال الحافظ ابن رجب هو حديث موضوع
ومنها ما رواه ابن دمويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا لما اسرى بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه أي جبريل يصلي بهم فقدمني فصليت قال فيه الذهبي حديث منكر بل موضوع هذا كلامه على أنه يدل على أن المراد بالأذان الإقامة كما تقدم أنها المرادة بالأذان انتهى


أقول ومن أغرب ما وقع في بدء الآذان ما رواه ابو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل إن جبريل نادى بالأذان لآدم حين اهبط من الجنة وقد سئل الحافظ السيوطي هل ورد أن بلالا أو غيره أذن بمكة قبل الهجرة فأجاب بقوله ورد ذلك بأسانيد ضعيفة لا يعتمد عليها والمشهور الذي صححه اكثر العلماء ودلت عليه الأحاديث الصحيحة أن الأذان انما شرع بعد الهجرة وأنه لم يؤذن قبلها لا بلال ولا غيره وذكر في الدر في قوله تعالى { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا } أنها نزلت بمكة في شأن المؤذنين والآذان إنما شرع في المدينة فهي مما تأخر حكمه عن نزوله هذا كلامه
وفي كلام الحافظ ابن حجر ما يوافقه حيث ذكر أن الحق أنه لا يصح شيء من الأحاديث الدالة على أن الآذان شرع بمكة قبل الهجرة وذكر ما تقدم عن ابن المنذر من أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من غير أذن منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك أي فقد ائتمر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه كيف يجمع الناس فقيل له انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رآها الناس آذن أي أعلم بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك فذكر له بوق يهود أي ويقال له الشبور بفتح الشين المعجمة ثم موحدة مشددة مضمومة ثم واو ساكنة ثم راء ويقال له القبع بضم القاف وإسكان الموحدة وقيل بفتحها وقيل بإسكان النون وبالعين المهملة
قال السهيلي وهو أولى بالصواب وقيل بالمثناة فوق وقيل بالمثلثة وهو القرآن الذي يدعون به لصلاتهم أي يجتمعون لها عند سماع صوته فكرهه صلى الله عليه وسلم وقال هو من أمر اليهود فذكر له الناقوس الذي يدعون به النصارى لصلاتهم فقال هو من أمرالنصارى أي فقالوا لو رفعنا نارا أي فإذا رآها الناس اقبلوا إلى الصلاة فقال ذلك للمجوس وقيل كما في حديث الشيخين عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنهما قال أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة أي بحضروها أي ففعلوا ذلك وكان المنادي هو بلال رضي الله تعالى عنه
قال الحافظ ابن حجر وكان اللفظ الذي ينادي به بلال أي قبل رؤيا عبد الله الصلاة جامعة كما رواه ابن سعد وسعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب مرسلا
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد هممت أن أبث رجالا ينادون الناس بحين

الصلاة أي في حينها أي وقتها وقد هممت أن آمر رجالا تقوم على الآطام ينادون المسلمين بحين الصلاة أي ولعل هذا كان معه صلى الله عليه وسلم قبل وقوع ما تقدم عن بلال ثم أمر بلال بما تقدم
وقيل أئتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو واصحابه بالناقوس أي اتفقوا عليه فنحت ليضرب به المسلمون أي وهو خشية طويلة يضرب عليها بخشبة صغيرة فنام عبد الله بن زيد فأرى الأذان أي والإقامة في منامه
فعنه رضي الله عنه قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس فطاف بي وأنا نائم رجل وفي لفظ إني لبين نائم ويقظان طاف بي رجل والمراد أنه نام نوما خفيفا قريبا من اليقظة فروحه كالمتوسطة بين النوم واليقظة
قال الحافظ السيوطي اظهرمن هذا أن يحمل على الحالة التي تعترى أرباب الاحوال ويشاهدون فيها ما يشاهدون ويسمعون ما يسمعون والصحابة رضي الله تعالى عنهم اجمعين هم رءوس أرباب الأحوال أي وهذه الحالة هي التي عناها الشيخ عبد الله الدلاصي بقوله كنت بالمسجد الحرام في صلاة الصبح فلما أحرم الإمام واحرمت اخذتني اخذه فرايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إماما وخلفه العشرة فصليت معهم فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الاولى سورة المدثر وفي الثانية { عم يتساءلون } ثم سلم الإمام فعقلت تسليمه فسلمت
أي ويدل لذلك قول عبد الله بن زيد كما جاء في رواية ولولا أن يقول الناس أي يستبعد الناس ذلك لقلت إني كنت يقظان غير نائم وذلك الرجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله اتبيع الناقوس قال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو على ما هو خير لك من ذلك فقلت بلى أي وفي رواية فقلت اتبيع الناقوس فقال ماذا تريد به فقلت اريد أن اتباعه لكي أضرب به للصلاة اتبيع الناقاوس فقال قال فأنا احدثك بخير لك من ذلك فقلت بل قال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله اكبر أشهد أن لا إل إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد ان محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله قال عبد الله ثم استأخر عني أي ذلك لرجل غير بعيد ثم قال وتقول

إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله أي ففي هذه الرواية إفراد الفاظ الإقامة إلا لفظها ولفظ التكبير اولا وآخرا وفي رواية رأى رجلا عليه ثياب خضر وهو قائم على سقف المسجد وفي رواية على جذم حائط بكسر الجيم وسكون المعجمة أي اصل الحائط ولا مخالفة لما سيعلم فأذن ثم قعد قعدة ثم قال فقال مثلها أي مثل الكلمات أي كلمات الآذان إلا أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة أي زيادة على تلك الكلمات التي هي الأذان ففي هذه الرواية تثنية ألفاظ الإقامة والإتيان بالتكبير في أولها اربعا كالآذان أي وهذا أي كونه على سقف المسجد وكونه على جذم حائط لا مخالفة بينهما لانه يجوز أن يكون لما قال له تقول الله اكبر إلى آخر الأذان والإقامة كان قائما على سقف المسجد قريبا من جذم الحائط فنسب قيامه إلى كل منهما ويكون قوله ثم استأخر عني غير بعيد أي سكت غير طويل قال عبد الله فلما اصبحت اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت أي وفي رواية أنه أتاه ليلا واخبره وهي المذكورة في سيرة الحافظ الدمياطي
ولا منافاة لانه يجوز أن يكون قوله عبد الله فلما اصبحت أي قاربت الصباح فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى وفي رواية أمد صوتا منك أي أعلى وارفع وقيل أحسن واعذب ولا مانع من إرادة ما أمرك به عبد الله بن زيد فافعله فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به أي فبلال أول مؤذنيه صلى الله عليه وسلم أي وقيل أول مؤذنيه عبد الله ابن زيد ذكره الإمام والغزالي وأنكره ابن الصلاح أي حيث قال أجد هذا بعد البحث عنه هذا كلامه
وقد يقال لا منافاة لان عبد الله اول من نطق بالأذان وبلال أول من أعلن به وحينئذ يكون أول مشروعيته كان في اذان الصبح فلما سمع بذلك أي بأذان بلال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو في بيته خرج يجر رداءه وفي رواية إزاره أي عجلا أي وقد أعلم بالقصة لقوله والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل

ما رأى عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه وفي رواية مثل ما يقول أي بلال رضي الله تعالى عنه فقال صلى الله عليه وسلم فلله الحمد قال الترمذي عبد الله ابن زيد بن عبد ربه لا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان
وقيل رأى رأى مثل ما رأى عبد الله ابو بكر رضي الله تعالى عنه وقيل سبعة من الأنصار وقيل أربعة عشر
قال ابن الصلاح لم أجد هذا بعد إمعان النظر وتبعه النووي فقال هذا ليس بثابت ولا معروف وإنما الثابت خروج عمر يجر رداءه وقيل رآه صلى الله عليه وسلم ليلة الأسراء اسمع ملكا يؤذن أي فقد جاء في حديث بعض رواته متروك
بل قيل إنه من وضعه أنه لما أراد الله عز وجل أن يعلم رسوله الاذان جاء جبريل عليه الصلاة والسلام بدابة يقال لها البراق فركبها حتى أتى الحجاب الذي يلي الرحمن فبينما هو كذلك خرج من الحجاب ملك فقال الله أكبر فقيل من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر وذكر بقية الأذان
فرؤيا عبد الله دلت على أن هذا الذي رآه في السماء يكون سنة في الأرض عند الصلوات الخمس التي فرضت عليه تلك الليلة أي فلذلك قال إنها لرؤيا حق إن شاء الله
وفيه أن الذي تقدم عن الخصائص أن المراد بها الأذان الذي أتى به الملك الإقامة لا حقيقة الأذان أي ويدل لذلك أن الملك قال فيه قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال الله صدق عبدي أنا أقمت فريضتها ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم فأم أهل السماء فيهم ادم ونوح
قال بعضهم والأذان ثبت بحديث عبد الله بن زيد باجماع الامة لا يعرف بينهم خلاف في ذلك إلا ما روي عن محمد بن الحنفية وعن أبي العلاء قال قلت لمحمد ابن الحنفية إنا لنتحدث أن بدء هذا الآذان كان من رؤيا رآها رجل من الانصار في منامه قال ففزع لذلك محمدا بن الحنفية فزعا شديدا وقال عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنه إنما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون اضغاث احلام قال فقلت له هذا الحديث قد

استفاض في الناس قال هذا والله هو الباطل ثم قال وانما أخبرني أبي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أذن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام ثم أعاد جبريل الأذان لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فسمعه عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب
وفي رواية عنه أنه لما انتهى إلى مكان من السماء وقف به وبعث الله ملكا فقيل له علمه الأذان فقال الملك الله أكبر فقال الله صدق عبدي أنا الله أكبر إلى أن قال قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وفيه ما علمت أن هذا الإقامة لا الأذان وقد رد عليه بأنه لو ثبت بقول جبريل لما احتاج صلى الله عليه وسلم إلى المشورة والمعراج كان بمكة قبل الهجرة
والأولى أن يتمسك ابن الحنفية بما يأتي عن بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله قد سبقك بذلك الوحي وكونه أتى بالبراق إلى الحجاب هو بناء على أن العروج كان على البراق وتقدم ما فيه ويحتمل أن يكون هذا عروجا آخر غير ذلك وحينئذ لا يخالف هذا ما تقدم أنه لما أسرى به أذن جبريل وتقدم ما فيه ولا ما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه مؤذن أهل السماء جبريل لجواز حمل ذلك على الغالب وحينئذ لا يخالف أيضا ما جاء أسرافيل مؤذن أهل السماء وامامهم ميكائيل عند البيت المعمور وفي لفظ يؤم بالملائكة في البيت المعمور ولعل كون ميكائيل إمام أهل السماء لا يخالف ما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها إمام أهل السماء جبريل لما علم وجاء إن مؤذن أهل السماء يؤذن لاثنتى عشرة ساعة من النهار ولاثنتى عشرة ساعة من الليل
أقول وفي النور لو رآه أي الأذان ليلة الإسراء لم يحتج إلا إلى ما يجمع به المسلمين إلى الصلاة ويرد بأنه لم يكن يعلم قبل هذه الرؤيا أن ما رآه في السماء يكون سنة للصلوات الخمس التي فرضت عليه تلك الليلة فبتلك الرؤيا علم أن ذلك سنة في الأرض كما تقدم
وعبارة بعضهم ولا يشكل على أذان جبريل ببيت المقدس أن الأذان إنما كان بعد الهجرة لأنه لا مانع من وقوعه ليلة الإسراء قبل مشروعيته للصلوات الخمس وهذا كله على تسليم أن المرئى له الأذان حقيقة لا الإقامة وقد علمت ما فيه
ثم رأيت بعضهم قال وأما قول القرطبي لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه ففيه نظر لقوله في أوله لما أراد الله تعالى أن يعلم رسوله الأذان أي لأن المتبادر تعليمه الأذان الذي يأتي به في الأرض للصلوات

وقد يقال على تسليم ذلك قد علمت أن المراد بالأذان الذي سمعه ليلة الإسراء الإقامة وقد قال الحافظ ابن حجر الحق أنه لم يصح شيء من هذه الأحاديث الواردة بأنه سمعه ليلة الإسراء ومن ثم قال ابن كثير في بعض الأحاديث الواردة بأنه سمع هذا الأذان في السماء ليلة المعراج هذا الحديث ليس كما زعم البيهقي أنه صحيح بل هو منكر تفرد به زياد بن المنذر أبو الجارود الذي تنسب إليه الفرقة الجارودية وهو من المتهمين وبهذا يعلم ما في الخصائص الصغرى خص صلى الله عليه وسلم بذكر اسمه في الأذان في عهد آدم وفي الملكوت الأعلى والله أعلم
أي وروى بسند واه إن أول من أذن بالصلاة جبريل عليه الصلاة والسلام في سماء الدنيا فسمعه عمر وبلال رضي الله تعالى عنهما فسبق عمر بلالا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء بلال فقال له سبقك بها عمر وهذا لادلاله فيه لأنه يجوز أن يكون ذلك بعد رؤيا عبد الله
وذكر أن عمر رضي الله تعالى عنه رآه من عشرين يوما وكتمه ولما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك قال له ما منعك أن تخبرني قال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت منه
أقول في هذا الكلام ما لا يخفى فليتأمل إنما قال له إنها رؤيا حق لأنه يجوز أن يكون جاءه صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك قبل أن يجئ إليه عبد الله بن زيد به ومن ثم قال له حين أخبره بذلك على مافي بعض الروايات قد سبقك بذلك الوحي فالأذان إنما ثبت بالوحي لا بمجرد رؤيا عبد الله
قال بعضهم في قوله وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا الآية كان اليهود إذا نودي إلى الصلاة وقام المسلمون إليها يقولون قاموا لا قاموا صلوا لاصلوا على طريق الاستهزاء والسخرية
وفيها دليل على مشروعية الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده هذا كلامه ورده أبو حيان بان هذه جملة شرطية دلت على سبق المشروعية لا على إنشائها هذا كلامه أي وذلك على تسليم أن يكون المدعو به للصلاة خصوص اللفظ الذي وجد في المنام وصار بلال يؤذن بذلك للصلوات الخمس وينادي في الناس لغير الصلوات الخمس لأمر يحدث يطلب له حضور الناس كالكسوف والخسوف والاستسقاء الصلاة جامعة


قيل وكان بلال إذا أذن قال أشهد أن لا إله إلا الله حي على الصلاة فقال له عمر على أثرها أشهد أن محمدا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال قل كما قال عمر وهذا روي عن ابن عمر في حديث فيه راو ضعيف ولولا التعبير بكان لأمكن حمل ذلك على أن بلالا أتى بذلك ناسيا في ذلك الوقت لما لقنه عبد الله بن زيد ثم رأيت ابن حجر الهيتمي قال والحديث الصحيح الثابت في أول مشروعية الأذان يرد هذا كله هذا كلامه
قيل وزاد بلال في أذان الصبح بعد الحيعلات الصلاة خير من النوم مرتين فأقرها صلى الله عليه وسلم أي لأن بلالا كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيقول له الصلاة فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم فصرخ بأعلى صوته الصلاة خير من النوم مرتين أي اليقظة الحاصلة للصلاة خير من الراحة الحاصلة بالنوم
أقول وهذا يقال له التثويب وذكر فقهاؤنا أنه صح أنه صلى الله عليه وسلم لقن ذلك لأبي محذورة أي قال له فإن كانت صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم ولا مناقاة لأن تعليم أبي محذور للأذان كان عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من حنين على ما سيأتي وكذا ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم قال إن ذلك من السنة لأنه يجوز أن يكون ذلك صدر منه بعد أن أقر بلالا عليه نعم ذكر أنه لم ينقل أن ابن أم مكتوم كان يقوله أي لقول بلال له في الإذان الأول وهو يدل لمن قال إنه إذا قيل في الأذان الأول لا يقال في الثاني لأن أذانه اللصبح كان متأخرا عن أذان بلالا في أكثر الأحوال وهو محمل ما جاء في كثير من الأحاديث إن بلالا يؤذن بليل فكلوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ومن غير الأكثر محمل ما جاء إن ابن أم مكتوم ينادي بليل وكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ابن أم مكتوم أعمى فإذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا وإذا أذن بلال فأمسكوا ولا تأكلوا والراجح أنه يقوله فيهما لكن ربما يخالف ذلك ما في الموطأ أن المؤذن جاء عمر يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما فقال الصلاة خير من النوم فأمره عمر رضي الله عنه أن يجعلها في نداء الصبح وفي الترمذي أن بلالا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثويب في شيء من الصلاة أي من أذان الصلاة إلا في صلاة الفجر أي يقول الصلاة خير من النوم


وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع الأذان في مسجد فأراد أن يصلي فيه فسمع المؤذن يثوب في غير الصبح فقال لرفيق له اخرج بنا من عند هذا المبتدع فإن هذه بدعة أي سمع المؤذن يقول بين الأذان والإقامة على باب المسجد الصلاة الصلاة وهذا هو المراد بالتثويب الذي سمعه ابن عمر كما قاله بعضهم
وفي كلام بعضهم من المحدثات أن المؤذن يجئ بين الأذان والإقامة إلى باب المسجد فيقول حي على الصلاة قيل وأول من أحدثه مؤذن معاوية رضي الله تعالى عنه فكان يأتيه بعد الأذان وقبل الإقامة يقول حي على الصلاة حي على الصلاة وحي على الفلاح حي على الفلاح يرحمك الله
أما قول المؤذن بين الأذان والإقامة الصلاة الصلاة فليس بدعة لأن بلالا كان يقول ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله حي على الصلاة فهذا لم يعهد في عصره صلى الله عليه وسلم
ثم رأيت في درر المباحث في أحكام البدع والحوادث اختلف الفقهاء في جواز دعاء الأمير إلى الصلاة بعد الأذان وقبل الإقامة بأن يأتي المؤذن باب الأمير فيقول حي على الصلاة حي على الفلاح أيها الأمير وفسر به التثويب فاحتج من قال بجواره أي بسنيته أن بلالا كان إذا أذن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله أي كما كان يفعل مؤذن معاوية رضي الله تعالى عنه فليس من المحدثات
وفي الحديث المشهور أنه في مرضه صلى الله عليه وسلم أتاه بلال فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمك الله فقال صلى الله عليه وسلم له مر أبا بكر فليصل بالناس واحتج من قال بالمنع بأن عمر رضي الله تعالى عنه لما قدم مكة أتاه أبو محذورة فقال الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة حي على الفلاح فقال ويحك أمجنون أنت أما كان في دعائك الذي دعوته ما يكفيك حتى تأتينا ولو كان هذا سنة لم ينكر عليه أي وكون عمر رضي الله تعالى عنه لم يبلغه فعل بلال من البعيد
وعن ابي يوسف لا أرى بأسا أن يقول المؤذن السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله لاشتغال الأمراء بمصالح المسلمين أي ولهذا كان مؤذن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه يفعله


وذكر بعضهم أن في دولة بني بويه كانت الرافضة تقول بعد الحيعلتين حي على خير العمل فلما كانت دولة السلجوقية منعوا المؤذنين من ذلك وأمروا أن يقولوا في أذان الصبح بدل ذلك الصلاة خير من النوم مرتين وذلك في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
ونقل عن ابن عمرو عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يقولان في أذانيهما بعد حي على الفلاح حي على خير العمل
وورد الترجيح في خبر أذان أبي محذورة أيضا وهو أن يخفض صوته بالشهادتين قبل رفعه بهما ففي مسلم عن أبي محذورة أنه قال قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال فمسح مقدم رأسي وقال تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها وتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله وكان أبو محذورة يشفع الإقامة كالأذان أي يكرر ألفاظها فيقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لقنه صلى الله عليه وسلم ذلك وهي الرواية الثانية التي تقدمت عن عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه
وذكر الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه الله أن النقل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان فيه الترجيع والإقامة مثناة كالأذان وأن بلالا كان يشفع الإذان ويوتر الإقامة أي ولا يرجع الإذان
ففي الصحيحين أمر بلال أن يشفع الأذان أي ومن شفع الأذان التكبير أوله أربعا ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم الإقتصار فيه على مرتين وإن كان هو عمل أهل المدينة كما سيأتي نعم يرد على شفع الأذان التهليل آخره فإنه مفرد فالأولى أن يقال يشفع معظم الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة أي لفظها أي وهي قد قامت الصلاة فإنه يكررها مرتين يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم

إفرادها البتة أي وإن كان هو عمل أهل المدينة كما سيأتي وصح عنه تكرير لفظ التكبير مرتين أولا وآخرا وحينئذ يكون المراد بإفراد الإقامة إفراد معظمها فكان يقول في الإقامة الله أاكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولم يكن في أذانه ترجيع أي وهو الإتيان بالشهادتين مرتين سرا ثم يأتي بهما جهرا أي كما تقدم قال فنقل إفراد الإقامة صحيح بلا ريب وتثنيتها صحيح بلا ريب
أي وكل روى عن عبد الله بن زيد كما علمت قال أي ابن تيمية وأحمد وغيره أخذوا بأذان بلال وإقامته أي فلم يستحبوا الترجيع في الأذان واستحبوا إفراد الإقامة إلا لفظها
والشافعي رضي الله عنه تعالى عنه أخذ بأذان أبي محذرة وإقامة بلال فاستحب الترجيع في الأذن والإفراد إلا لفظها وأبو حنيفة رحمه الله وأخذ بأذان بلال وإقامة أبى محذورة أي فلم يستحب الترجيع واستحب تثنية ألفاظ الإقامة
قال في الهدى وأخذ مالك بما عليه عمل أهل المدينة من الإقتصار في التكبير على مرتين في الأذان وعلى كلمة الإقامة مرة واحدة أي ولعل هذا بحسب ما كان في المدينة والإ ففي أبى داود ولم يزل ولد أبي محذورة وهم الذين يلون الأذان بمكة يفردون الإقامة أي معظم ألفاظها ويحكونه عن جدهم غير أن التثنية عنه أكثر فيحتمل أن إتيان أبى محذورة بالإقامة فرادى واستمراره وولده بعده على ذلك كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم له بذلك بعد أمره أولا له بتثنيتها أي فيكون آخر أمره الإفراد وقد قيل لأحمد رضي الله تعالى عنه وقد كان يأخذ بأذان بلال أي كما تقدم أليس أذان أبى محدورة بعد أذان بلال أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه له عند منصرفه من حنين على ما سيأتي وهو الذي رواه إمامنا الشافعي رضي الله عنه عن أبي محذورة أنه قال خرجت في نفر وكنا ببعض طريق حنين فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم

بالصلاة فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون أي عن الطريق فصرنا نحكيه ونستهزئ به فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع فأشار القوم كلهم إلى فحبسني أي أبقاني عنده وأرسلهم وقال قم فأذن فقمت ولا شيء أكره إلى من النبي صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى على التأذين هو بنفسه صلى الله عليه وسلم الحديث ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ثم وضع يده على ناصيتي ومر بها على وجهي ثم بين يدي ثم على كبدي حتى بلغت يده سرتي ثم قال بارك الله فيك وبارك عليك فقلت يارسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال صلى الله عليه وسلم قد أمرتك به وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهته وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت على عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة فأذنت بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل علمه صلى الله عليه وسلم ذلك يوم فتح مكة لما أذن بلال رضي الله تعالى عنه للظهر على ظهر الكعبة وصار فتية من قريش يستهزئون ببلال ويحكون صوته وكان من جملتهم أبو محذورة فأعجبه صلى الله عليه وسلم صوته فدعاه وعلمه الأذان وأمره أن يؤذن لأهل مكة فليتأمل الجمع وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بالمتأخر عنه لأن المتأخر ينسخ المتقدم فقال أليس لما عاد إلى المدينة أقر بلالا على أذانه
قال أبو داود وتثنية الإذان وإفراد الإقامة مذهب أكثر علماء الأمصار وجرى به العمل في الحرمين والحجاز وبلاد الشام واليمن وديار مصر ونواحي المغرب أي إلا مصر في المساجد التي تغلب صلاة الأروام بها فإن الإقامة تثنى كالأذان فيها
وقد ذكر أن أبا يوسف رحمه الله ناظر إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في المدينة بين يدي مالك رضي الله تعالى عنه والرشيد فأمر الشافعي بأحضار أولاد بلال وأولاد سائر مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم كيف تلقيتم االإذان والإقامة عن

آبائكم فقالوا الأذان مثنى مثنى والإقامة فرادى هكذا تلقيناه من آبائنا وآباؤنا عن أسلافنا إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء أنه صلى الله عليه وسلم سمع بلالا يقيم الصلاة فلما قال قد قامت الصلاة قال صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها وفي البخاري من قال حين يسمع النداء أي الأذان اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وجبت له شفاعتي يوم القيامة
قال بعضهم كان المؤذنون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنين بلالا وابن ام مكتوم فلما كان زمن عثمان رضي الله تعالى عنه جعلهم أربعا وزاد الناس بعده
ولما مات صلى الله عليه وسلم ترك بلال الإذان ولحق بالشام فمكث زمانا فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له يا بلال جفوتنا وخرجت من جوارنا فاقصد إلى زيارتنا وفي لفظ أنه قال له ما هذه الجفوة يا بلال ما آن لك أن تزورنا فانتبه بلال رضي الله تعالى عنه فقصد المدينة فلما انتهى إلى المدينة تلقاه الناس أي وأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه وأقبل على الحسن والحسين يقبلهما ويضمهما وألحوا عليه أن يؤذن فلما صعد ليؤذن اجتمع أهل المدينة رجالهم ونساؤهم وخرجت العذارى من خدورهن ليستمتعوا أذانه رضي الله تعالى عنه فلما قال الله أكبر ارتجت المدينة وصاحوا وبكوا فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله ضجوا جميعا فلما قال أشهد أن محمدا رسول الله لم يبق ذو روح إلا بكى وصاح وكان ذلك اليوم كيوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف إلى الشام وكان يرجع إلى المدينة في كل سنة مرة فينادي بالأذان إلى أن مات رضي الله تعالى عنه
أقول في كلام بعضهم كان سعد القرظ رضي الله تعالى عنه مؤذنه صلى الله عليه وسلم بقباء فلما لحق بلال بالشام أيام عمر رضي الله تعالى عنه أمر سعد القرظ أن يؤذن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فإن بلالا لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال ياخليفة رسول الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفضل أعمال المؤمن الجهاد في سبيل الله وقد أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه أنشدك الله يا بلال وحرمتي وحقي عليك أن لا تفارقني فأقام بلال حتى توفي أبو بكر رضي الله تعالى عنه

وهو يؤذن ثم جاء إلى عمر فقال له كما قال لأبي بكر ورد عليه رضي الله عنه كما رد عليه أبو بكر فأبى وخرج إلى الشام مجاهدا
وفي أنس الجليل لما فتح أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه بيت المقدس حضرت الصلاة فقال يا بلال أذن لنا يرحمك الله قال بلال يا أمير المؤمنين والله ما أردت أن أؤذن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ولكن سأطيعك إذ أمرتني في هذه الصلاة وحدها فلما أذن بلال وسمعت الصحابة رضي الله تعالى عنهم صوته ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم فبكوا بكاء شديدا ولم يكن من الصحابة يومئذ أطول بكاء من أبى عبيدة ومعاذ بن جبل حتى قال لهما عمر رضي الله تعالى عنه حسبكما رحمكما الله تعالى فلم يؤذن بلال بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة لما أمره عمر بالأذان هذا ما في أنس الجليل أي فالمراد بالمرة هذه المرة التي كانت ببيت المقدس
وفيه أن هذا يخالف ما تقدم مما ظاهره أنه استمر يؤذن مدة خلافة أبى بكر رضي الله تعالى عنه وما تقدم من إلحاح الحسن والحسين عليه في أن يؤذن عند مجيئه للمدينة
إلا أن يقال المراد لم يؤذن خارج المدينة فلا يخالف ما سبق من أذانه بعد إلحاح الحسن والحسين ولعل ما سبق كان بعد فتح بيت المقدس بل وبعد موت الخلفاء الأربعة
ثم رأيت الزين العراقي قال لم يؤذن بلال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من الخلفاء إلا أن عمر لما قدم الشام حين فتحها أذن بلال هذا كلامه فليتأمل مع ما سبق
وفي الكتاب المذكور روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال يا رسول الله أي الخلق أول دخولا الجنة قال الأنبياء قال ثم من قال الشهداء قال ثم من قال مؤذنو بيت المقدس قال ثم من قال مؤذنو بيت الحرام قال ثم من قال مؤذنو مسجدي قال ثم من قال سائر المؤذنين
ثم رأيت في نسخة من شرح المنهاج للدميري عن جابر تقديم مؤذني المسجد الحرام على مؤذني بيت المقدس ورأيت في بعض الروايات ما يوافقه وهي أول من يدخل الجنة بعدى أبو بكر ثم الفقراء ثم مؤذنو المسجد الحرام ثم مؤذنو بيت المقدس ثم مؤذنو مسجدي ثم سائرهم على قدر أعمالهم
وفي البدور السافرة عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال يا رسول الله أي

الخلق أول دخولا الجنة يوم القيامة قال الأنبياء قال ثم من قال الشهداء قال ثم من قال مؤذنو الكعبة قال ثم من قال مؤذنو بيت المقدس قال ثم من قال مؤذنو مسجدي هذا قال ثم من قال سائر المؤذنين على قدر أعمالهم
وفيها عن جابر أيضا أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ثم محمد صلى الله عليه وسلم ثم النبيون والرسل ثم يكسى المؤذنون وجاء إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا يا رسول الله لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك فقال أما إنه يكون قوم بعدكم كفلتهم مؤذنوهم قيل وهذه الزيادة منكرة وقال الدار قطنى ليست محفوظة
وجاء إذا أخذ المؤذن في أذانه وضع الرب جل وعز يده فوق رأسه ولا يزال كذلك حتى يفرغ من أذانه وأنه ليغفر له مد صوته فإذا فرغ قال الرب صدقت عبدي وشهدت شهادة الحق فأبشر والله أعلم
قال وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان رجل من اليهود أي من التجار وعن السدى من النصارى بالمدينة سمع المؤذن يقول أشهد أن محمدا رسول الله قال أخزى الله الكاذب وفي رواية أحرق الله الكاذب فدخلت خادمه بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة فأحرقت البيت واحترق هو وأهله انتهى
أي وفي بعض الأسفار حضر وقت الصلاة أي صلاة الصبح فطلبوا بلالا يؤذن فلم يوجد أي لتأخره في السير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن زياد بن الحارث الصدائي أي بأمره صلى الله عليه وسلم فقال له أذن يا أخا صداء وصداء حي من اليمن
وعنه رضي الله تعالى عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمرني على قومي فقال لا خير في الإمرة لرجل مؤمن فقلت حسبي ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم مسيرا فسرت معه فانقطع عنه أصحابه وأضاء الفجر فقال لي أذن يا أخا صداء فأذنت ثم لما حضرت الصلاة و فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إنما يقيم من أذن واختلف هل أذن صلى الله عليه وسلم بنفسه فقيل نعم أذن مرة واستدل على ذلك بأنه جاء في بعض الأحاديث أي وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أذن في السفر وصلى وهم على رواحلهم فتقدم على راحلته صلى الله عليه وسلم فصلى بهم يومي إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع وقيل ما أذن وإنما أمر بلالا بالأذان كما في بعض طرق ذلك الحديث

ففي الهدى وصلى بهم الفرض على الرواحل لأجل المطر والطين وقد روي أحمد والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه والسماء من فوقهم والمسيل من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الحديث والمفصل يقضي على المجمل
وفي رواية أذن اختصارا أي أمر بالأذان أي وهذا المجمل الذي تشير إليه هو فأذن صلى الله عليه وسلم على راحلته وأقام أي ويروي أن بلالا كان يبدل الشين في أشهد سينا فقال صلى الله عليه وسلم سين بلال عند الله شين قال ابن كثير لا أصل لرواية سين بلال شين في الجنة ولا يلزم من كون هذه الرواية لا أصل لها أن تكون تلك الرواية كذلك
وكان بلال وابن أم مكتوم يتناوبان في أذاني الصبح فكان أحدهما يؤذن بعد مضى نصف الليل الأول والليل باق والثاني يؤذن بعد طلوع الفجر وروى الشيخان إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم أي وفي مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال أو قال نداء بلال من سحوره فإنه يؤذن وقال ينادي ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم إنما يؤذن بليل بعد نصفه الأول فيرجع القائم المتهجد إلى راحلته لينام غفوة ليصبح نشيطا ويستيقظ النائم ليتأهب للصبح
قال في الهدى وانقلب على بعض الرواة فقال إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال أي وقد علمت أنه لا قلب وأنهما كانا يناديان فكان بلال تارة يؤذن بليل وابن ام مكتوم عند الفجر الثاني وتارة يكون ابن مكتوم بالعكس فوقع كل من الأحاديث باعتبار ما هو موجود عند النطق ولم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا أي أن ينزل المؤذن الأول من أذانه ويرقى المؤذن الثاني كما ذكر فمن كان يؤذن أولا يتربص بعد أذانه لنحو الدعاء ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر صاحبه فيرقى ويؤذن مع الفجر أو عقبه من غير فاصل وهذا هو المراد مما قيل إن ابن أم مكتوم كان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت
وعن ابن عمر كان ابن مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه وفي أبى داود عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن

العبد نام فرجع فنادى ألا إن العبد نام إلا إن العبد نام أي غفل عن الوقت أو رجع لينام لبقاء الليل ولعل هذا كان قبل أن يتخذ ابن أم مكتوم مؤذنا ثانيا أو كان أذان بلال في هذه المرة بعد أذان ابن أم مكتوم على ما تقدم فلا مخالفة
والثابت في الجمعة أذان واحد كان يفعل بين يديه صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر وجلس عليه كذا قال فقهاؤنا مستدلين على ذلك بحديث البخاري عن السائب بن يزيد قال كان التاذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وليس فيه أن ذلك الأذان كان بين يديه ولما كثر المسلمون أمر عثمان رضي الله تعالى عنه أي وقيل عمر وقيل معاوية بأن يؤذن قبله على المنارة
وعبارة بعضهم وفي السنة الرابعة والعشرين زاد عثمان النداء على الزوراء يوم الجمعة ليسمع الناس فيأتوا إلى المسجد وأول من أحدثه بمكة الحجاج والتذكير قبل الأذان الأول الذي هو التسبيح أحدث بعد السبعمائة في زمن الناصر محمد بن قلاوون
وأول ما أحدثت الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أي على الكيفية المعهودة الآن بعد تمام الأذان على المنارة أي في غير المغرب في زمن السلطان المنصور حاجي بن الأشرف شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون بأمر المحتسب نجم الدين الطنبدي في أواخر القرن الثامن واستمر ذلك إلى الآن لكن في غير أذان الصبح الثاني وغير أذان الجمعة أول الوقت أما أذان الصبح الثاني وأذان الجمعة المذكور فتقدم الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم على الأذان فيهما وكان أحدث ذلك في زمان صلاح الدين بن أيوب ولعل الحكمة في ذلك أما في الأول فلاستيقاظ النائم وأما في الثاني فلأجل حصول التكبير المطلوب في الجمعة
ولا يخفى أن من السنة مطلق الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم بعد فراغ الأذان ففي مسلم إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي وقيس بذلك الإقامة فالأذان والإقامة من المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { ورفعنا لك ذكرك } فقد قيل في معناه لا أذكر إلا وتذكر معي لكن بعد فراغهما لا عند الابتداء بهما كما يقع لبعض الأروام أن يقول المقيم للصلاة عند ابتداء الإقامة اللهم صل على سيدنا محمد الله أكبر الله أكبر فإن ذلك بدعة


ومن البدع التطريب في الأذان والتلحين فيه وفي كلام إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه ويكون الأذان مرسلا بغير تمطيط ولا تغن قيل التمطيط التفريط في المد والتغني أن يرفع صوته حتى يجاوز المقدار
ومن البدع رفع المؤذنين أصواتها بتبليغ التكبير لمن بعد عن الإمام من المقتدين قال بعضهم ولا بأس به لما فيه من النفع أي حيث لم يبلغهم صوت الإمام بخلاف ما إذا بلغهم
ففي كلام بعضهم التبليغ بدعة منكرة باتفاق الأئمة الأربعة حيث بلغ المأمومين صوت الإمام ومعنى منكرة أنها مكروهة
وأول ما أحدث التسبيح بالأسحار في زمن موسى عليه الصلاة والسلام حين كان بالتيه واستمر إلى أن بني داود عليه الصلاة والسلام بيت المقدس فرتب فيه جماعة يقومون به على الآلات إلى ثلت الليل الأخير ثم بعد ثلث الليل الأخير يقومون به على الآلات عند الفجر
وأول حدوثه في ملتنا كان بمصر أمر به أميرها من قبل معاوية مسلمة بن مخلد الصحابي رضي الله تعالى عنهما فإنه لما اعتكف بجامع عمرو سمع أصوات النواقيس عالية فشكا ذلك إلى شرحبيل بن عامر عريف المؤذنين بجامع عمرو ففعل ذلك من نصف الليل إلى قريب الفجر ومسلمة هذا تولى مصر من معاوية بعد عتبة بن أبي سفيان أخي معاوية رضي الله تعالى عنهما وعتبة تولاها حين مات أميرها عمرو بن العاص وهذا مما يدل على أن عمرو بن العاص مدفون بمصر وكان عتبة خطيبا فصيحا
قال الأصمعي الخطباء من بني أمية عتبة بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان خطب عتبة يوما أهل مصر فقال يا أهل مصر خف على ألسنتكم مدح الحق ولا تأتونه وذم الباطل وأنتم تفعلونه كالحمار يحمل أسفارا يثقله حملها ولا ينفعه علمها وإني لا أداوي داءكم إلا بالسيف ولا أبلغ السيف ما كفاني السوط ولا أبلغ السوط ما صلحتم على الدرة فالزموا ما ألزمكم الله لنا تستوجبوا ما فرض الله لكم علينا وهذا يوم ليس فيه عتاب ولا بعده عتاب
ومما يؤثر عنه ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم وقال لبنيه يوما تلقوا النعم بحسن مجاورتها والتمسوا المزيد منها بالشكر عليها


ومسلمة أول من جعل بنيان المنابر التي هي محل التأذين في المساجد فلما ولى أحمد بن طولون رتب جماعة يكبرون ويسبحون ويحمدون فلما ولى صلاح الدين يوسف ابن أيوب وحمل الناس على اعتقاد مذهب الأشعري والخروج عما كان يعتقد الفواطم أمر المؤذنين أن يعلنوا وقت التسبيح بذكر العقيدة المرشدة وقد وقفت عليها فإذا هي ثلاث ورقات ولم أقف على اسم مؤلفها فواظبوا على ذكرها في كل ليلة
قيل في سبب نزول قوله تعالى { قل كل من عند الله } أن اليهود قالوا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ دخل المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها فرد الله تعالى عليهم بقوله { قل كل من عند الله } أي يبسط الأرزاق ويقبضها وعند ظهور الإسلام وقوته في المدينة قامت نفوس أحبار اليهود ونصبوا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم { قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } وقال في موضع آخر { إن تمسسكم حسنة تسؤهم }
وعن صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها بنت حيي قالت كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمى أبى ياسر وكانا من أكبر اليهود وأعظمهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة غدوا إليه ثم جاءا من العشي فسمعت عمي يقول لأبي أهو هو قال نعم والله قال أتعرفه وتثبته قال نعم قال فما في نفسك منه قال عداوته والله ما بقيت قال وفي رواية أنها قالت إن عمى أبا ياسر حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب إليه وسمع منه صلى الله عليه وسلم وحادثه ثم رجع إلى قومه فقال يا قوم أطيعوني فإن الله قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرونه فاتبعوه ولا تخالفوه ثم انطلق إبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ثم رجع إلى قومه فقال لهم أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدوا فقال له أخوه أبو ياسر يا ابن أم أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعد لا تهلك فقال والله لا نطيعك 1 هـأي ثم وافق أخاه حييا فكانا أشد اليهود عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما وفيمن كان موافقا لهما في ذلك { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق }
وحيي بن أخطب هذا قيل هو الذي قال لما نزل تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا }

يستقرضنا ربنا وإنما يستقرض الفقير الغني فأنزل الله تعالى { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء }
أي وقيل في سبب نزولها إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه دخل بيت المدارس فقال لفنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله فقال والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وإنه إلينا لفقير فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال والله لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك فشكاه فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له أبو بكر ما كان منه فأنكر قوله ذلك فنزلت الآية
وقيل في سبب نزولها أيضا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر رضي الله تعالى عنه إلى فنحاص بن عازوراء بكتاب وكان انفرد بالعلم والسيادة على يهود بني قينقاع بعد إسلام عبد الله بن سلام يأمرهم في ذلك الكتاب بالإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فلما قرأ فنحاص الكتاب قال أقد احتاج ربكم سنمده وفي رواية قال يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان حقا ما تقول فإن الله جل وعلا أذن لفقير ونحن أغنياء فضرب أبو بكر وجه فنحاص ضربا شديدا وقال لقد هممت أن أضربه بالسيف وما منعني أن أضربه بالسيف إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفع إلى الكتاب قال لي لا تفتت على بشيء حتى ترجع إلى فجاء فنحاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا أبا بكر رضي الله تعالى عنه فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله إنه قال قولا عظيما زعم أن الله عز وجل فقير وأنهم أغنياء فغضبت لله تعالى وقال فنحاص والله ما قلت هذا فنزلت الآية تصديقا لأبي بكر رضي الله تعالى عنه
وقد قال بعض اليهود لبعض العلماء إنما قلنا إن الله فقير ونحن أغنياء لأنه استقرض أموالنا فقال له إن كان استقرضها لنفسه فهو فقير وإن كان استقرضها لفقرائكم ثم يكافئ عليها فهو الغني الحميد
ومن شدة عداوتهم أي اليهود أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط أي له صلى الله عليه وسلم وقيل في أسنان من مشطه صلى الله عليه وسلم

ومشاطة وهي ما يخرج من الشعر إذا مشط أي من شعر رأسه صلى الله عليه وسلم أعطاها لهم غلام يهودي كان يخدمه صلى الله عليه وسلم وجعل مثالا من شمع وقيل من عجين كمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرز فيه إبرا وجعل معه وترا عقد فيه إحدى عشرة عقدة
وفي لفظ أن الإبر كانت في العقد ودفن ذلك تحت راعونة في بئرذي أروان وقد مسخ الله تعالى ماءها حتى صار كنقاعة الحناء فكان يخيل إليه صلى الله عليه وسلم أنه يفعل الفعل وهو لا يفعله أي ومكث في ذلك سنة وقيل ستة أشهر وقيل أربعين يوما
قال بعضهم ويمكن أن تكون السنة أو الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه الشريف وأن مدة اشتداده كانت في الأربعين وقيل اشتد عليه ثلاثة أيام وقد يقال هي أشد الأربعين فلا منافاة وعند ذلك نزل جبريل عليه الصلاة والسلام وقال له إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لك عقدا ودفنها بمحل كذا فأرسل صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله تعالى عنه فاستخرجها فجاء بها فجعل كلما حل عقدة وجد صلى الله عليه وسلم بذلك خفة حتى قام كأنما نشط من عقال وفي رواية أن اليهودي دفن ذلك بقبر فأنزل الله تعالى سورة الفلق وسورة الناس وهما إحدى عشرة آية سورة الفلق خمس آيات وسورة الناس ست آيات كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها وفي لفظ فإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر فلم يقدروا على حل تلك العقد فنزلت المعوذتان فكلما قرأ جبريل آية انحلت عقدة ووجد صلى الله عليه وسلم بعض الخفة حتى قام عند انحلال العقدة الأخيرة كأنما نشط من عقال وجعل جبريل يقول بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك أي ولعله كان يقول ذلك عند حل كل عقدة بعد قراءة الآية أي وكان ذلك بين الحديبية وخيبر
وذكر بعضهم أنه بعد خيبر جاءت رؤساء يهود الذين بقوا في المدينة ممن يظهر الإسلام إلى لبيد بن الأعصم وكان أعلمهم بالسحر فقالوا له يا أبا الأعصم قد سحرنا محمدا سحره منا الرجال فلم يصنع شيئا أي ولم يؤثر سحرهم وأنت ترى أمره فينا خلافة في ديننا ومن قتل وأجلى ونجعل لك على سحره ثلاثة دنانير ففعل ذلك ثم إنه صلى الله عليه وسلم قال جاءني رجلان أي وهما جبريل وميكائيل كما في بعض طرق الحديث

فقعد أحدهما عند رأسي والآخر تحت رجلي فقال أحدهما ما وجع الرجل فقال الآخر مطبوب أي مسحور فقال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيم قال في مشط ومشاطة وفي لفظ ومشاقة أي وهي المشاطة وقيل هي مشاقة الكتان وجف بالجيم والفاء وقيل بالباء الموحدة طلعة ذكر أي غشاء طلع الذكر الذي يقال له كوز الطلع قال فأين هو قال في بئر ذي ذروان على وزن مروان وفي لفظ بئرذي أروان وفي لفظ بئر ذروان وعليه اقتصر في الإمتاع تحت صخرة في الماء قال فما دواء ذلك قال تنزح البئر ثم تقلب الصخرة فتوجد الكدية فيها تمثال فيه إحدى عشرة عقدة فتحرق فإنه يبرأ بإذن الله تعالى ثم أحضر صلى الله عليه وسلم لبيدا فاعترف فعفا عنه لما اعتذر له بأن الحامل له على ذلك حب الدنانير وقيل له يا رسول الله لو قتلته فقال صلى الله عليه وسلم قد عافاني الله ماوراءه من عذاب الله تعالى أشد
ويحتاج إلى الجمع بين كون جبريل قال له سحرك إلى آخره وكون جاءه رجلان قعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما للآخر ما وجع الرجل إلى آخره قيل وهذا أي عدم قتل الساحر ربما يعارض القول بأن الساحر يتحتم قتله فيه أنه عندنا لا يتحتم قتله ولا يقتل إلا إذا قتل بسحره واعترف بأن سحره يقتل غالبا
ولبيد هذا قيل إنه أول من قال ينفي صفات الباري وقال بها الجهم بن صفوان وأظهرها فقيل لاتباعه في ذلك الجهمية
فعند ذلك بعث صلى الله عليه وسلم عليا وعمار بن ياسر إلى تلك البئر فاستخرجا ذلك وقيل الذي استخرج السحر بأمر رسول الله صلى الله عيه وسلم قيس بن محصن
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عيله وسلم توجه إلى البئر مع جماعة من أصحابه فإذا ماؤها كأنه خضب بالحناء فاستخرجا أي النبي صلى الله عليه وسلم وجماعته منها ذلك
ويحتاج إلى الجمع بين كونه صلى الله عليه وسلم أرسل لاستخراج السحر عليا كرم الله وجهه وكونه بعث لاستخراجه عليا وعمار بن ياسر وكونه أمر قيس بن محصن باستخراجه وكونه صلى الله عليه وسلم ذهب هو وجماعته لاستخراجه فإذا وتر به فيه إحدى عشرة عقدة أي وإذا فيها إبر مغروزة ونزلت المعوذتان فجعل رسول الله

صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد فذهب عنه صلى الله عليه وسلم وسلم ما كان يجد
أي ولا ينافي ما تقدم أن القارىء لذلك جبريل عليه الصلاة والسلام لجواز أن يكون كلاهما صار يقرأ الآية أو أنه صلى الله عليه وسلم صار يقرأ بعد قراءة جبريل
وفي الإمتاع عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت له أفلا استخرجته قال لا أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرا ومراد عائشة بقولها أفلا استخرجته السحر أي هلا استخرجت السحر من الجف والمشاطة حتى تنظر إليه فقال أكره أن أثير على الناس شرا
قال ابن بطال أي كره أن يخرجه فيتعلم منه بعض الناس فذلك هو الشر الذي كرهه صلى الله عليه وسلم وذكر السهيلي أنه يجوز أن يكون الشر غير هذا وهو أنه لو أظهر للناس لربما قتله طائفة من المسلمين ويغضب آخرون من عشيرته فيثور شر
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت له صلى الله عليه وسلم هلا تنشرت أي استعملت النشرة قال بعضهم وفيه دليل على عدم كراهة استعمال النشرة حيث لم ينكر عليها قولها وكرهها جمع واستندوا الحديث في أبي داود مرفوعا النشرة من عمل الشيطان وحمل ذلك على النشرة التي تصحبها العزائم المشتملة على الأسماء التي لا تفهم فأمر بها فطمت أي تلك البئر وحفروا بئرا أخرى فأعانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرها حيث طموا الأخرى التي سحر فيها هذا كلامه فليتأمل مع ما قبله
وقيل إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد ودخلت إحداهن على عائشة فسمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره ثم خرجت إلى أخواتها فأخبرتهن بذلك فقالت إحداهن إن يكن نبيا فسيخبر وإن يكن غير ذلك فسوف يذهله هذا السحر حتى يذهب عقله فدله الله تعالى عليه
وقد يجمع بين كون الساحر له صلى الله عليه وسلم لبيدا وكون الساحر له أخوات لبيد بأن الساحر له أخوات لبيد ونسب السحر إلى لبيد لأنه جاء أنه الذي ذهب به فأدخله تحت راعونة البئر أي أو في القبر كما تقدم ولا منافاة لجواز أن يكون وضعه في القبر مدة ثم أخرجه منه ووضعه تحت تلك الراعونة أي وهي حجر يوضع على رأس البئر يقول

عليه المستقى وقد يكون في أسفل البئر يجلس عليه الذي ينظف البئر أي والثاني هو المراد بدليل ما سبق
وفي النهر لأبي حيان ونص القرآن والحديث أن السحر تخييل أي لا يقلب الأعيان ولا شك في وجوده في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأما في زماننا الآن فكل ما وقفنا عليه من كتبه فهو كذب وافتراء لا يترتب عليه شيء فلا يصح منه شيء ألبتة
وطعنت المعتزلة وطوائف من أهل البدع في كونه صلى الله عليه وسلم سحر وقالوا لا يجوز على الأنبياء أن يسحروا ولو جاز أن يسحروا لجاز أن يجنوا وقد عصموا من الناس
ورد بأن الحديث الدال على ذلك صحيح والعصمة إنما وجبت لهم في عقولهم وأديانهم وأما أبدانهم فيبتلون فيها والسحر إنما أثر في بعض جوارجه صلى الله عليه وسلم من بصره لكن تقدم أنه صلى الله عليه وسلم صار يخيل له أنه يفعل الشيء ولا يفعله وهذا متعلق بالعقل
ثم رأيت أبا بكر بن العربي قال لم يقل كل الرواة إنه اختلط عليه صلى الله عليه وسلم أمر وإنما هذا اللفظ زيد في الحديث لا أصل له
قال ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعنا واستجرارا إلى القول وإبطال معجزات الأنبياء عليه الصلاة والسلام والقدح فيها وأنه لا فرق بين معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبين فعل السحرة وأن جميعه من نوع واحد هذا كلامه
وممن كان حريصا على رد الناس عن الإسلام أيضا شاس بن قيس كان شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد لهم مر يوما على الأنصار الأوس والخزرج وهم مجتمعون يتحدثون فغاظه ما رأى من ألفتهم بعد ما كان بينهم من العداوة فقال قد اجتمع بنو قيلة والله مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار فأمر فتى شابا من يهود فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث أي يوم الحرب الذي كان بينهم وما كان فيه وأنشدهم ما كانوا يتقاولون به من الأشعار ففعل فتكلم القوم عند ذلك أي قال أحد الحيين قد قال شاعرنا كذا وقال الآخر قد قال شاعرنا كذا وتنازعوا وتواعدوا على المقاتلة أي قالوا تعالوا نرد الحرب جذعا كما كانت فنادى هؤلاء

ياللأوس ونادى هؤلاء ياللخزرج ثم خرجوا إليهم وقد أخذوا السلاح واصطفوا للقتال فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين الله الله أي اتقوا الله أبدعوى الجاهليه أي وهي يا للخزرج ياللأوس وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الإسلام وألفكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم فعرف القوم أنها نزغة من الشيطا وكيد من عدوهم فبكوا وعانق الرجال من الأوس الرجال من الخزرج ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى في شاس بن قيس { يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا } الآية
وقد جاء في ذم هذه الكلمة التي هي دعوى الجاهلية وهي يالفلان قوله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا أي قولوا له اغضص على ذكر أبيك ولا تكنوا عنه بالهن فلا تقولوا على هن أبيك بل قولوا على ذكر أبيك تنكيلا له وزجرا عما أتى به أي وقد كان أنزل الله تعالى فيهم { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب } الآية وقد قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين الصفين رافعا بها صوته فألقوا السلاح وفعلوا ما تقدم
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن يهود كانوا يستفتحون أي يستنصرون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه أي يقولون سيبعث نبي صفته كذا وكذا نقتلكم معه قتل عاد وإرم كما تقدم عند مبايعة العقبة فقال لهم معاذ ابن جبل وبشر بن البراء يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك وكفر وتخبرونا أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته فقال سلام أي بالتشديد ابن مشكم من عظماء يهود بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه ما هو الذي كنا نذكره لكم فأنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين }
وقيل في سبب نزول قوله تعالى { ما أنزل الله على بشر من شيء } أنه صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الصيف وكان رئيسا على اليهود أنشدك بالذي أنزل التواراة على موسى

هل تجد فيها أن الله يبعض الحبر السمين فأنت الحبر السمين قد سمنت من مالك الذي تطعمك اليهود فضحك القوم فغضب والتفت إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال ما أنزل الله على بشر من شيء فقالت له اليهود ما هذا الذي بلغنا عنك فقال إنه أغضبني فنزعوه من الرياسة وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف أي لأن في قوله المذكور طعنا في التوراة
وقيل إن يهود المدينة من بني قريظة وبني النضير وغيرهم كانوا إذا قاتلوا من بينهم من مشركي العرب من أسد وغطفان وجهينة وعذرة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يقولون اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي الذي وعدت أنك وعدت باعثه في آخره الزمان إلا نصرتنا عليهم وفي لفظ قالوا اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة فينصرون ولفظ يقولون اللهم ابعث النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم وفي لفظ أن يهود خيبر كانت تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود فدعت يوما اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فيهزمون غطفان وصار اليهود يسألونه صلى الله عليه وسلم عنأشياء ليلبسوا الحق بالباطل أي ومن جملة ما سألوه صلى الله عليه وسلم عن الروح فعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث المدينة يتوكأ على عسيب أي جريدة من جريد النخل إذ مر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض لا تسألوه لئلا يسمعكم ما تكرهون وفي رواية لئلا يستقبلكم بشيء تكرهونه أي يجيبكم بما هو دليل عندكم على أنه النبي الأمي وأنتم تنكرون نبوته فقاموا إليه فقالوا يا محمد وفي رواية يا أبا القاسم ما الروح وفي رواية أخبرنا عن الروح فسكت قال ابن مسعود فظننت أنه صلى الله عليه وسلم يوحى إليه فقال { ويسألونك عن الروح } أي التي يكون بها الحيوان حيا { قل الروح من أمر ربي } فقالوا هكذا نجد في كتابنا أي التوراة وقد تقدم الكلام على ذلك عند الكلام على فترة الوحي
قال صاحب الإفصاح إنه إنما سأل اليهود عن الروح تعجيزا وتغليطا لأن الروح تطلق بالإشتراك على الروح للإنسان وعلى القرآن وعلى عيسى وعلى جبريل وعلى ملك آخر وعلى صنف من الملائكة فقصد اليهود أنه بأي شيء أجابهم به قالوا

ليس هو فجاءهم الجواب مجملا فكان هذا الجواب لرد كيدهم لأن كل واحد مما ذكر أمر من مأمورات الحق تعالى ولما أنزل الله تعالى في حق اليهود { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } قالوا أوتينا علما كثيرا أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا فأنزل الله تعالى { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } وفي الكشاف أنهم قالوا نحن مخصوصون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه فقال صلى الله عليه وسلم نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلا فقالوا ما أعجب شأنك ساعة تقول { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } وساعة تقول هذا فنزلت { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } هذا كلامه وسألوه صلى الله عليه وسلم متى الساعة إن كنت نبيا فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي } الآية
أي وجاء يهوديان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قوله تعالى { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } فقال صلى الله عليه وسلم لهما لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببرئ إلى سلطان ولاتأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت فقبلا يديه ورجليه صلى الله عليه وسلم وقالا نشهد أنك نبي قال ما يمنعكما أن تسلما فقالا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا يهود
أي وسألوه صلى الله عليه وسلم عن خلق السموات أي في اي زمن والأرض وما بينهما أي مدة ما بينهما فقال لهم خلق الأرض في يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال وما فيها يوم الثلاثاء اي ولذلك يقول الناس إنه يوم ثقيل وخلق البحر والماء والمدائن والعمران والخراب يوم الأربعاء وخلق السموات يوم الخميس وخلق الشمس والقمر والنجوم والملائكة يوم الجمعة قالوا ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو تممت ثم استراح أي لو قلت هذا اللفظ لأنهم يقولون إنه استراح جل وعز يوم السبت ومن ثم يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب } أي تعب { فاصبر على ما يقولون }
وفي رواية خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء

وخلق الأنهار والأشجار يوم الأربعاء وخلق الطير والوحش والسباع والهوام والآفة يوم الخميس وخلق الإنسان يوم الجمعة وفرغ من الخلق يوم السبت
وهذا يشكل على ما تقدم أن مبدأ الخلق يوم السبت حتى يكون آخر الأسبوع يوم الجمعة وهو الراجح على ما تقدم وقد قيل في سبب نزول قوله تعالى { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم } إلى قوله { إن الدين عند الله الإسلام } أن حبرين من أراضي الشام لم يعلما ببعثته صلى الله عليه وسلم فقدما المدينة فقال أحدهما للآخر ما أشبه هذه بمدينة النبي الخارج في آخر الزمان فأخبرا بمهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم ووجوده في تلك المدينة فلما رأياه قالا له أنت محمد قال نعم قالا نسألك مسألة إن أخبرتنا بها آمنا فقال صلى الله عليه وسلم اسألاني فقالا أخبرنا عن أعظم الشهادة في كتاب الله تعالى فنزلت هذه الآية فتلاها صلى الله عليه وسلم عليهما فآمنا
قال وعن قتادة رضي الله تعالى عنه أن رهطا من اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد هذا الذي خلق الجن والإنس من خلقه وفي لفظ خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمأ مسنون وإبليس من لهب النار والسماء من دخان والأرض من زبد الماء فأخبرنا عن ربك من أي شيء خلق فغضب صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه فجاء جبريل عليه الصلاة والسلام وقال له خفض عليك فأنزل الله تعالى عليه ( { قل هو الله أحد } السورة أي متوحد في صفات الجلال والكمال منزه عن الجسمية وأجب الوجود لذاته أي اقتضت ذاته ووجوده مستغن عن غيره وكل ما عداه محتاج إليه 1 هـ
أقول ونزول جبريل بذلك ربما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم توقف ولم يدر ما يقول كما وقع له لما سأله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه وقال له صف ربك كما سيأتي
ثم رأيت عن الشيخين وغيرهما أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ذكر في سبب نزول هذه السورة غير ما ذكر ولعله ما سيأتي في قصة إسلام عبد الله بن سلام ولا مانع من تكرر النزول لأسباب مختلفة


ثم رأيته في الإتقان ذكر أن سورة الإخلاص تكرر نزولها فنزلت جوابا للمشركين بمكة وجوابا لأهل الكتاب بالمدينة وقال قبل ذلك إنها إنما نزلت بالمدينة
وفي دعوة تكرر نزولها يقال حيث سئل أولا ونزلت جوابا كيف يتوقف ثانيا عند السؤال الثاني حتى يحتاج إلى نزولها مع بعد نسيان ذلك له صلى الله عليه وسلم
ثم رأيت عن البرهان قد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه وتذكيرا عند حدوث سببه خوف نسيانه وهو كما ترى لا يدفع التوقف وكان من أعلم أحبار يهود عبد الله بن سلام بالتخفيف وكان قبل أن يسلم اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله وكان من ولد يوسف الصديق أي وقد أثنى الله تعالى عليه في قوله تعالى { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم } وكان من يهود بني قينقاع كما تقدم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع كلامه أي في أول يوم دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أبي أيوب أي ولعل الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله يا أيها الناس أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام
فعنه رضي الله تعالى عنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنجفل إليه الناس أي بالجيم أسرعوا فكنت ممن أتى إليه أي وهذا يدل على أنه جاءه في قباء وسيأتي قال فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم عرفت أنه وجه غير كذاب أي لأن صورته وهيئته وسمته صلى الله عليه وسلم تدل العقلاء على صدفة وأنه لا يقول الكذب قال عبدالله فسمعته صلى الله عليه وسلم يقول أيها الناس إلى آخره
أي ولا مانع أن يكون ذلك تكرر منه صلى الله عليه وسلم وعند ذلك قال أشهد أنك رسول الله حقا وأنك جئت بحق ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا وكتمت إسلامي من اليهود ثم جئته صلى الله عليه وسلم أي في بيت أبي أيوب وقلت له لقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فأخبئني يا رسول الله قبل أن يدخلوا عليك فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني أسلمت فإنهم قوم بهت أي بضم الباء والهاء يواجهون الإنسان بالباطل وأعظم قوم عضيهة أي كذبا وإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ماليس في وخذ عليهم ميثاقا أني إن اتبعتك اتبعتك بكتابك أن يؤمنوا بك وبكتابك الذي أنزل عليك فأرسل رسول الله

صلى الله عليه وسلم إليهم فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق أسلموا قالوا ما نعلم فأعاد ذلك عليهم ثلاثا وهم يجيبونه كذلك قال فأي رجل فيكم ابن سلام قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا وفي رواية خيرنا وابن خيرنا بالخاء المعجمة والياء المثناة تحت أفعل تفضيل وقيل بالمهملة والباء الموحدة أي أعلمنا بكتاب الله سيدنا وعالمنا وأفضلنا قال أفرايتم إن شهد أني رسول الله وآمن بالكتاب الذي أنزل علي تؤمنوا بي قالوا نعم فدعاه فقال يا ابن سلام اخرج عليهم فخرج عليهم فقال يا عبدالله بن سلام أما تعلم أني رسول الله تجدني عندكم مكتوبا في التوراة والإنجيل أخذ الله ميثاقكم أن تؤمنوا بي وأن تتبعوني من أدركني منكم قال ابن سلام بلى يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله والله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا وأنه جاء بالحق قال زاد في رواية تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة اسمه وصفته قالوا كذبت انت اشرنا وابن اشرنا وهذه لغة رديئة والفصحى شرنا وابن شرنا بغير همزة وهي رواية البخارى قال ابن سلام رضى الله تعالى عنه هذا الذي كنت اخاف يا رسول الله الم اخبرك انهم قوم بهت اهل غدر وكذب وفجور انتهى فاخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واظهرت إسلامي وانزل الله تعالى { قل أرأيتم إن كان من عند الله } يعني الكتاب او الرسوال { وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل } يعني عبدالله بن سلام على مثله يعنى اليهود { فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين }
اقول هذا السياق الا يناسب ما حكاه في الخصائص الكبرى عن تاريخ الشام لابن عساكر ان ابن سلام اجتمع بالني صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انت ابن سلام عالم اهل يثرب قال نعم قا ل ناشدتك بالذى انزل التوارة على موسى هل تجد صفتي في كتاب الله يعنى التوراة قال انسب ربك يا محمد فارتج النبي صلى الله عليه وسلم أي توقف ولم يدر ما يقول فقال له جبريل { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } فقال ابن سلام اشهد انك رسول الله وان الله مظهرك ومظهر دينك على الاديان واني لاجد صفتك في كتاب الله تعالى { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } انت عبدي

ورسولى الى آخر ما تقدم عن التوراه فانه يدل على ان ابن سلام اسلم بمكة وكتم اسلامه ولو كان كذلك لما قال فلما رايت وجهه الشريف عرفت انه غير وجه كذاب ولما قال وكنت عرفت صفته واسمه ولما ساله عن الامور الاتية ولما احتاج إلى الاسلام ثانيا إلا ان يقال على تسليم صحة ما قاله ابن عساكر جاز ان يكون قال ذلك وفعل ما ذكر اقامة للحجة على اليهود
وقد وقع لابن سلام هذا انه لقى عليا بالربذة وقد خرج بعد قتل عثمان وبعد ان بويع بالخلافة متوجها إلى البصرة لما بلغه ان عائشة وطلحة والزبير ومن معهم خرجوا إلى البصرة في طلب دم عثمان وكان ذلك سببا لوقعة الجمل فاخذ بعنان فرس علي وقال يا امير المؤمنين لا تخرج منها يعني المدينة فوالله لئن خرجت منها لايعود اليها سلطان المسلمين ابدا فسبه بعض الناس وقال له ما لك ولهذا يا ابن اليهودية فقال علي دعوه فنعم الرجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وعن ابى هريرة رضى الله تعالى عنه قال لقد لقيت عبدالله بن سلام فقلت له اخبرني عن ساعة الاجابة يوم الجمعة فقال في آخر ساعة في يوم الجمعة قلت وكيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى وتلك الساعة لا صلاة فيها فقال ابن سلام الم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي
وفيه ان في الصحيحين ان في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي فسال الله عز وجل شيئا الا اعطاه اياه ثم رايت عن سنن ابن ماجه ان جواب ابن سلام تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم
ونص السنن المذكورة عن عبدالله بن سلام رضى الله تعالى عنه قال قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم جالس إنا لنجد في كتابنا يعنى التوراة في الجمعة ساعة يوافقها عبدا مؤمن يسال الله عز وجل فيها شيئا الا قضى حاجته قال عبد الله ابن سلام فاشار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم او بعض ساعة فقلت صدقت يا رسول الله او بعض ساعة قلت أي ساعة هي قال ى خر ساة من ساعات النهار قلت انها ليست ساعة صلاة قال بلى ان العبد المؤمن اذا صلى ثم جلس لا يحبسه الا الصلاة فهو في الصلاة أي ولعل لفظ قائم في رواية الصحيحين يراد به

مريد القيام الى الصلاة أي صلاة العصر وقد قيل ان تلك الساعة رفعت بعد موته صلى الله عليه وسلم وقيل هي باقية وهو الصحيح وعليه فقيل لا زمن لها معين وقيل هي في زمن معين وعليه ففي تعيينها احد عشر وقولا قيل اربعون قولا
وقد وقع لميمون بن يامين وكان راس اليهود مثل ما وقع لابن سلام مع اليهود فانه جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ابعث اليهم واجعلني حكما فانهم يرجعون الي فادخله داخلا وارسل اليهم فجاءوه صلى الله عليه فقال لهم اختاروا رجلا حكما يكون بيني وبينكم قالوا قد رضينا ميمون بن يامين فقال اخرج اليهم فقال اشهد انه لرسول الله فابوا ان يصدقوه والله اعلم
وقد اشار الى انكارهم نبوته صلى الله عليه وسلم مع معرفتهم لها صاحب الهمزية بقوله ** عرفوه وانكروه فظلما ** كتمته الشهادة الشهداء ** ** او نور الاله تطفئه الاف ** واه وهو الذي به يستضاء ** ** كيف يهدي الاله منهم قلوبا ** ** حشوها من حبيبه البغضاء **

أي عرفوه انه النبي المنتظر وانكروه بظواهرهم ولاجل ظلمهم كتمت الشهادة به العارفون به او نور الاله الذي هو النبوة تذهبه الالسن لا يكون ذلك وكيف يكون ذلك وهو الذي يستضاء به في الظاهر والباطن كيف يوصل الاله قلوبا للحق وملؤها البغضاء لحبيبه صلى الله عليه

وسلم
اقول وقيل في سبب نزول سورة { قل هو الله أحد } ان وفد نجران لما نطقوا بالتثليث قال لهم المسلمون من خلقكم قالوا الله قالوا لهم فلم عبدتم غيره وجعلتم معه الهين فقالوا بل هو اله واحد لكنه حل في جسد المسيح اذ كان في بطن امه فقالوا لهم هل كان المسيح ياكل الطعام قالوا كان ياكل الطعام فانزل الله تعالى { قل هو الله أحد الله الصمد } تكذيبا لهم في انه ثالث ثلاثة والصمد هو الذي لا جوف له فهو غير محتاج الى الطعام
وقيل سبب نزولها ان قريشا هم الذين قالوا له انسب لنا ربك يا محمد وتقدم ما فيه والله اعلم
وقد جاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم }

قال الله تعالى للاحبار من اليهود { وأوفوا بعهدي } الذي اخذته في اعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءكم بتصديقه واتباعه { أوف بعهدكم } انجز لكم ما وعدتم عليه بوضع ما كان عليكم من الاصر والاغلال { ولا تكونوا أول كافر به } وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم { وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وانتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بايديكم
قا ل بعضهم ولم يسلم من رؤساء علماء اليهود الا عبدالله بن سلام وضم اليه السهيلي عبدالله بن صوريا قال الحافظ ابن حجر لم اقف لعبد الله بن صوريا على اسلام من طريق صحيح وانما نسب لتفسير النقاش أي ويضم لعبدالله بن سلام ميمون المتقدم ذكره
وروى في سبب اسلام عبدالله بن سلام أي اظهار اسلامه على ما تقدم انه لما بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم اتاه في قباء فعنه رضى الله تعالى عنه جاء رجل حتى اخبر بقدومه صلى الله عليه وسلم وانا في راس نخله اعمل فيها وعمتي تحتي جالسة فلما سمعت بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت فقالت لي عمتي لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت فقلت لها أي عمة فوالله هو اخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به قالت يا ابن اخي اهو النبي الذي كنا نخبر انه يبعث مع بعث الساعة وفي لفظ مع نفس الساعة فقلت لها نعم
أي وقد جاء عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف امري وجاء انه صلى الله عليه وسلم قال بعثت انا والساعة كهاتين وقال باصبعيه هكذا يعني السبابه والوسطى أي جمع بينهما وفي رواية بعثت في نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه هذه وفي رواية سبقتها بما سبقت هذه هذه واشار باصبعيه الوسطى والسبابة قال الطبري الوسطى تزيد على السبابة بنصف سبع أصبع كما أن نصف يوم من سبعة ايام نصف سبع أي وقد تقدم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الدنيا سبعة ايام كل يوم الف سنة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في اخر يوم منها وتقدم في حديث اخرجه ابو داود لن يعجز الله ان يؤخر هذه الامة نصف يوم يعني خمسمائة سنة


قال بعضهم فان قيل ما وجه الجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الساعة ما المسئول عنها باعلم من السائل لدلالة الرواية الاولى على علمه بها
اجيب بان القران نطق بان علمها عند الله لا يعلمها الا هو ومعنى قوله بعثت انا والساعة كهاتين انه ليس بيني وبينها نبي آخر ياتي بشريعة لولا يتراخى الى ان تندرس شريعتي فهو صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم اول اشراطها لانه نبي اخر الزمان وهذا لا يقتضي ان يكون عالما بخصوص وقتها قال ابن سلام وكنت عرقت صفته واسمه أي في التوراة زاد في روايه فكنت مسرا لذلك ساكتا عليه حتى قدم المدينة فجئته صلى الله عليه وسلم فقلت يا محمد اني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن الا نبي ما اول اشراط الساعة وما اول طعام ياكله اهل الجنة وما بال الولد ينزع الى ابيه او الى امه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبرني بهن جبريل انفا فقال ابن سلام ذلك يعني جبريل عدو اليهود من الملائكة
وقيل قائل ذلك عبدالله بن صوريا ولا مانع من ان يكون قال ذلك كل منهما أي وعن ابن صوريا انه قال له صلى الله عليه وسلم من ينزل عليك بالوحي قال جبريل قال ذلك عدونا لو كان غيره وفي لفظ لو كان ميكائيل لامنا بك لان جبريل ينزل بالخسف والحرب والهلاك وميكائيل ينزل بالخصب والسلم
وسبب العداوة انهم زعموا انه امر ان يجعل النبوة فيهم أي يجعل النبي المنتظر في بني اسرائيل الذين هم اولاد اسحاق فجعلها في غيرهم أي في ولد اسماعيل
وقيل سبب عداوتهم لجبريل انه انزل على نبيهم ان بيت المقدس سيخربه بختنصر فبعثوا من يقتله من اعظم بني اسرائيل قوة فاراد قتله فمنعه عنه جبريل وقال ان كان ربكم امره باهلاككم فانه لا يسلطكم عليه فصدقه ورجع عنه
أي فان بني اسرائيل لما اعتدوا وقتلوا شعياء جاء بختنصر ملك فارس وحاصر بيت المقدس وفتحها عنوة واحرق التوراة وخرب بيت المقدس
وقيل في سبب العداوة كونه يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على سرهم ولا مانع من ان يكون كل ذلك سببا للعداوة
ثم قال صلى الله عليه وسلم اما اشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق الى المغرب

واما اول طعام ياكله اهل الجنة فزيادة كبد الحوت أي وهي القطعة المنفردة المعلقة بالكبد قال بعضهم وهي في الطعم في غاية اللذة ويقال انها اهنأ طعام وامرؤه
وروى ان الثور ينطح الحوت بقرنه فيموت فتاكل منه اهل الجنة ثم يحيا فينحر الثور بذنبه فتاكله اهل الجنة ثم يحيا قال واما الولد فاذا سبق ماء الرجل ماء المراة نزع الولد إليه واذا سبق ماء المراة ماء الرجل نزع الولد إليها أي لكن في فتح البارى عن عائشة رضى الله تعالى عنها اذا علا ماء الرجل ماء المراه اشبه اعمامه واذا علا ماء المراه ماء الرجل اشبه اخواله والمراد بالعلو السبق
وعن ثوبان اذ علا مني الرجل مني المراه جاء الولد ذكرا وان علا مني المراه مني الرجل جاء انثى العلو فيه على بابه هذا كلامه أي واذا استوى الماآن جاء خنثى وفي رواية قالوا له صلى الله عليه وسلم أين تكون الناس يوم تبدل الارض غير الارض والسموات ومن اول الناس اجازة وما تحفتهم أي الناس حين يدخلون الجنة وما غذاؤهم على اثره وما شرابهم عليه فاجابهم عليه الصلاة والسلام بانهم يكونون في ظلمة دون الجسر ولعل المراد بالجسر الصراط لكن في رواية مسلم اين الناس يومئذ قال على الصراط ثم رايت عن البيهقي ان قوله على الصراط مجاز لكونهم بمجاورته
ونقل القرطبي على صاحب الافصاح ان الارض والسماء يتبدلان مرتين
المرة الاولى تتبدل صفتهما فقط وذلك قبل نفخة الصعق فتتناثر كواكبها وتخسف الشمس والقمر وتتناثر السماء كالمهل وتنكشط الارض وتسير الجبال
والمرة الثانية تتبدل ذاتهما وذلك اذا وقفوا في المحشر فتتبدل الارض بارض من فضة لم يقع عليها معصية وهي الساهرة أي والسماء تكون من ذهب كما جاء عن علي رضى الله تعالى عنه
وفي الصحيحين عن ابي سعيد الخدري تكون الارض يوم القيامة خبزة واحدة يكفاها الخباز كما يكفا احدكم خبزته في السفر نزلا لاهل الجنة فياكل المؤمن من تحت رجليه ويشرب من الحوض
قال الحافظ ابن حجر ويستفاد منه ان المؤمنين لا يعذبون بالجوع في طول زمان الموقف بل يقلب الله بقدرته طبع الارض خبزا حتى ياكلون منها من تحت اقدامهم ما شاء الله من غير علاج ولا كلفة

قال ويؤيد ان هذا مراد الحديث ما جاء تبدل الارض بيضاء مثل الخبزة ياكل منها اهل الاسلام حتى يفرغوا من الحساب هذا كلامه فليتامل مع ما قبله من ان الارض تبدل بارض من فضة وان هذا يدل على ان تلك الارض التي تكون خبزة تكون في موقف الحساب وما جاء عن علي رضى الله تعالى عنه يدل على انها تكون بعد مجاوزتهم الصراط واول الناس اجازة فقراء المهاجرين وتحفة اهل الجنة حين يدخلونها زيادة كبد النون أي الحوت وغذاؤهم ينحر لهم ثور الجنة التي ياكل من اطرافها وشرابهم من عين تسمى سلسبيلا وسالوه صلى الله عليه وسلم فقالوا اخبرنا عن علامة النبي فقال عليه الصلاة والسلام تنام عيناه ولا ينام قلبه وسالوه أي طعام حرم اسرائيل على نفسه قبل ان تنزل التوراة قال انشدكم بالله الذي انزل التوراة على موسى هل تعلمون ان اسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرمن احب الشراب إليه واحب الطعام اليه فكان احب الطعام اليه لحمان الابل واحب الشراب اليه البانها قالوا اللهم نعم أي حرمهما ردعا لنفسه ومنعا لها عن شهواتها وقيل لانه كان به عرق النسا وكان اذا طعم ذلك هاج به
وذكر ان سبب نزول قوله تعالى { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } قول اليهود له صلى الله عليه وسلم كيف تقول انك على ملة ابراهيم وانت تاكل لحوم الابل وتشرب البانها وكان ذلك محرما على نوح وابراهيم حتى انتهى الينا أي علمه في التوراه فنحن اولى الناس بابراهيم منك ومن غيرك فانزل الله تعالى الاية تكذيبا لهم أي بان هذا انما حرمه يعقوب على نفسه ومن ثم جاء فيها { فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين }
وكانت اليهود اذا حاضت المراه منهم اخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها أي وفي كلام الواحدى قال المفسرون كانت العرب في الجاهلية اذا حاضت المراه لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها في بيت كفعل المجوس هذا كلامه فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أي قال له بعض الاعراب يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة فان آثرناهن بالثياب هلك سائر اهل البيت وان استاثرنا بهاهلك الحيض فانزل الله تعالى { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } الاية فقال لهم رسول الله

صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شىء الا النكاح أي الوطء وما في معناه وهو مباشرة ما بين السرة والركبة أي فان الاية لم تنص الا على عدم قربانهن بالوطء في الحيض
ومن ثم جاء في رواية انما امرتم ان تعتزلوا مجامعتهن اذا حضن ولم يأمركم باخراجهن من البيوت فبلغ ذلك اليهود فقالو ا ما يريد هذا الرجل ان يدع من امرنا شيئا الا خالفنا فيه فجاء اسيد بن حضير وعباد بن بشر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا ان اليهود قالت كذا فهلا نجامعهن أي نوافقهن فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وعند ذلك قال بعض الصحابة فظننا انه قد وجد أي غضب عليهما فلما خرجا استقبلتهما هدية من لبن الى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فارسل في اثرهما فسقاهما فعرفنا انه لم يجد عليهما
وذكر المفسرون ان في منع الوطء للحائض اقتصادا من افراط اليهود وتفريط النصارى فانهم لا يمتنعون من وطء الحيص أي وذكر ان ابن سلام وغيره ممن اسلم من يهود استمروا على تعظيم السبت وكراهة اكل لحم الابل وشرب البانها فانكر ذلك عليهم المسلمون فقالوا ان التوراة كتاب الله فنعمل به ايضا فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } أي وفي رواية قالوا له ما هذا السواد الذي في القمر فاجابهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك بانهما كانا شمسين أي شمس في الليل وشمس في النهار قال الله تعالى { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } فالسواد الذي يرى هو المحو أي اثره قال بعضهم في قوله تعالى { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } ان الليل ذكر والنهار انثى فالليل كادم والنهار كحواء
وقد ذكر ان الليل من الجنة والنهار من النار ومن ثم كان الانس بالليل اكثر وجاء انه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من علماء اليهود اتشهد اني رسول الله قال لا قال اتقرا التوراة قال نعم قال والانجيل قال نعم فناشده هل تجدني في التوراة والانجيل قال نجد مثلك ومثل مخرجك ومثل هيئتك فلما خرجت خفنا ان تكون انت فنظرنا فاذا انت لست هو قال ولم ذاك قال معه من امته سبعون الفا ليس عليهم حساب ولا عذاب وانما معك نفر يسير قال والذي نفسي بيده لانا هو وانهم لاكثر من سبعين الفا وسبعين الفا وقد ساله صلى الله عليه وسلم اليهود عن الرعد أي

والبرق فقال صوت ملك موكل بالسحاب يسوقه أي بمخراق من نار في يده يزجر به السحاب الى حيث امره الله تعالى
عن علي بن ابي طالب رضى الله تعالى عنه قال البرق مخاريق من نار بايدي ملائكة يزجرون به السحاب والمخراق المنديل يلف ليضرب به أي وحينئذ فالمراد بالملك الجنس وفي رواية ان الله ينشىء السحاب فينطق احسن النطق ويضحك احسن الضحك ومنطقها الرعد وضحكها البرق
وفي بعض الاثار لله ملائكة يقال لهم الحيات فاذا حركوا اجنحتهم فهو البرق أي وتحريكهم لاجنحتهم يكون غالبا عند الرعد لان الغالب وجود البرق عند الرعد
وعن بعضهم قال بلغني ان البرق ملك له اربعة وجوه وجه انسان ووجه ثور وجه نسر ووجه اسد فاذا مصع بذنبه أي حركه فذلك البرق أي وتحريكه غالبا يكون عند وجود الرعد
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما البرق ملك يتراءى أي يظهر ويغيب وفي رواية الرعد ملك يزجر السحاب والبرق طرف ملك أي ينظر به عند وجود الرعد غالبا وفي رواية ان ملكا موكل بالسحاب في يده مخراق فاذا رفع برقت واذا زجر رعدت واذا ضربه صعقت
وعن مجاهد الرعد ملك والبرق اجنحته يسوق بها السحاب فيكون المسموع صوته او صوت سوقه فليتامل الجمع بين هذه الروايات
وذهب الفلاسفة الى ان الرعد صوت اصطكاك اجرام السحاب والبرق ما ينقدح من اصطكاكها فقد زعموا ان عند اصطكاك اجرام السحاب بعضها ببعض تخرج نار لطيفة حديدة لا تمر بشىء الا اتت عليه الا انها مع حدتها سريعة الخمود
وقيل في سبب نزول قوله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } ان اليهود انكروا النسخ فقالوا الا ترون الى محمد يامر اصحابه بامر ثم ينهاهم عنه ويامرهم بخلافه ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا فنزلت
وسالوه صلى الله عليه وسلم مم يخلق الولد فقال يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المراه اما نطفة الرجل فنطفة غليظة أي بيضاء منها العظم والعصب واما نطفة المراه فنطفة رقيقة أي صفراء منها اللحم والدم فقالوا هكذا كان يقول من قبلك أي

من الانبياء وتقدم في ترجمة سطيح ايراد عيسى عليه الصلاة والسلام على ذلك أي وقالوا اغاظه له صلى الله عليه وسلم ما نرى لهذا الرجل همة الا النساء والنكاح ولو كان نبيا كما زعم لشغله امر النبوة عن النساء فانزل الله تعالى { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية }
فقد جاء انه كان لسليمان عليه الصلاة والسلام مائة امرأه وتسعمائة سرية وسالوه صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامراه بعد احصانه أي كان شريفا من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطا منهم الى بني قريظة ليسألوا رسول لله صلى الله عليه وسلم أي قالوا لهم ان هذا الرجل الذي بيثرب ليس في كتابه الرجم ولكنه الضرب فسالوه فاجابهم بالرجم فلم يفعلوا ذلك فقال لجمع من علمائهم انشدكم بالله الذي انزل التوراة على موسى اما تجدون في التوراة على من زنى بعد احصان الرجم فانكروا ذلك فقال عبدالله بن سلام كذبتم فان فيها اية الرجم فاتوا بالتوراة فوضع واحد منهم يده على تلك الاية فقال له ابن سلام ارفع يدك عنها فرفعها فاذا اية الرجم
اقول هذا كان في السسنة الرابعة وهو يخالف ما في بعض الروايات ان بعض احبار يهود أي وهم كعب بن الاشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الصيف وكنانه بن ابي الحقيق اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول لله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد زنى رجل من يهود بعد احصانه بامراه محصنة من اليهود وقالوا ان افتانا بالجلد اخذنا به واحتججنا بفتواه عند الله وقلنا فتيا نبي من انبيائك وان افتانا بالرجم خالفناه لانا خالفنا التوراة فلا علينا من مخالفته
وفي رواية الصحيحين عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ان اليهود جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ان امراه منهم ورجلا زنيا أي بعد احصان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شان الرجم قالوا نفضحهما أي بان نسود وجوههما ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل ادبار الحمار وفي لفظ يحملان على الحمار وتقابل اقفيتهما ويطاف بهما ويجلدان أي بحبل من ليف مطلي بقار فقال عبدالله بن سلام كذبتم ان فيها اية الرجم فاتوا بالتوراة فنشروها فوضع احدهم يده على اية الرجم فقرا ما قبلها وما بعدها فقال له عبدالله بن

سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها اية الرجم فقالوا صدقت يا محمد فيها اية الرجم
قد جاء ان موسى عليه الصلاة والسلام خطب بني اسرائيل فقال يا بني اسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين جلدة ومن زنى وليست له امراه جلدناه مائة جلدة ومن زنى له امراه رجمناه حتى يموت والله اعلم
قال ولما جاءوا اليه صلى الله عليه وسلم قالوا يا ابا القاسم ما ترى في رجل وامراه زنيا أي بعد احصان فقال لهم ما تجدون في التوراة فقالوا دعنا من التوراة فقل لنا ما عندك فافتاهم بالرجم فانكروه فلم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال يا معشر يهود اخرجوا الى اعلمكم فاخرجوا اليه عبدالله بن صوريا وابا ياسر بن اخطب ووهب بن يهود فقالوا هؤلاء علماؤنا فقال انشدكم بالله الذي انزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى بعد احصان قالوا يحم أي يعير ويجتنب فقال عبدالله بن سلام كذبتم فان فيها اية الرجم أي وفي رواية لما سالهم واجابوه الا شابا منهم فانه سكت فالح عليه صلى الله عليه وسلم في النشدة فقال اللهم اذ نشدتنا فانا نجد في التوراة الرجم ولكن راينا انه ان زنى الشريف جلدناه والوضيع رجمناه كان من الحيف فاتفقنا على ما نقيمه على الشريف والوضيع وهو ما علمت فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا احكم بما في التوراة ولعل هذا الشاب ابن صوريا ففي الكشاف انه لما امرهم عليه الصلاة والسلام بالرجم بأبوا ان ياخذوا به فقال له جبريل عليه السلام اجعل بينك وبينهم أين صوريا حكما أي ووصفه له جبريل فقال صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا امرد ابيض اعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا قالوا نعم وهو اعلم يهودي على وجه الارض بما انزل الله على موسى في التورا ورضوا به حكما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انشدك الله الذي لا اله الا هو الذي انزل التوراة على موسى وفلق البحر ورفع فوقكم الطور وانجاكم واغرق فرعون وظلل عليكم الغمام انزل عليكم المن والسلوى والذي انزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه هل تجدون فيه الرجم على من احصن قال نعم فوثب عليه سفلة اليهود فقال خفت ان كذبته ان ينزل علينا العذاب وفي رواية قال نعم والذي ذكرتني به لولا خشيت ان تحرقني التوراة ان كذبتك ما اعترفت لك ولكن كيف

هي في كتابك يا محمد قال اذا شهد اربعة رهط عدول انه قد ادخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب عليه الرجم فقال ابن صوريا والذي انزل التوراة على موسى هكذا انزل الله في التوراة على موسى فليتامل الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها ثم ساله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشياء يعرفها من اعلامه فقال اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله النبي الامي وهذا مما يدل على اسلامه وتقدم انكار صحته عن الحافظ ابن حجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوا بالشهود فجاءوا باربعة فشهدوا انهم راوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة فامر بهما فرجما عند باب مسجده صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر فرايت الرجل يحني على المراه يقيها الحجارة فكان ذلك سببا لنزول قوله تعالى { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور } ولنزول قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } وفي اية اخرى { فأولئك هم الفاسقون } وفي اخرى { فأولئك هم الكافرون }
وعن عمرو بن ميمون قال رايت الرجم في الجاهلية في غير بني آدم كنت في اليمن في غنم لاهلي فجاء قرد ومعه قردة فتوسد يدها ونام فجاء قرد اصغر منه فغمزها فسلت يدها من تحت راس القرد برفق وذهبت معه ثم جاءت فاستيقظ القرد فزعا فشمها فصاح فاجتمعت القردة فجعل يصيح ويومي اليها بيده فذهبت القردة يمنة ويسرة فجاءوا بذلك القرد فحفروا لهما حفرة فرجموهما وفي لفظ رايت في الجاهلية قردة زنت فرجموها يعني القردة ورجمتها معهم
قال في الاستيعاب وهذا عند جماعة من اهل العلم منكر لاضافة الزنا الى غير المكلف واقامة الحدود في البهائم ولو صح هذا لكانوا من الجن لان العبادات في الانس والجن دون غيرهما هذا كلامه فليتامل والله اعلم
وقد ذكر غير واحد ان احبار يهود غيروا صفته صلى الله عليه وسلم التي في التوراة خوفا على انقطاع نفقتهم فانهم كانت على عوامهم لقيامهم بالتوراة فخافوا ان تؤمن عوامهم فتنقطع عنهم النفقة أي وكانوا يقولون لمن اسلم لا تنفقوا مالكم على هؤلاء يعني المهاجرين فانا نخشى عليكم الفقر فانزل الله تعالى { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } أي من صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي يجدونها في كتابهم فقد كان فيه اكحل عين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فمحوه وقالوا

تجده طويلا ازرق العين سبط الشعر واخرجوا ذلك الى اتباعهم وقالوا هذا نعت النبي الذي يخرج اخرالزمان وعند ذلك انزل الله تعالى { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } الآية
وكان اليهود اذا كلموا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا راعنا سمعك واسمع غير مسمع ويضحكون فيما بينهم أي لان ذلك بما قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بلسان اليهود السب القبيح فلما سمع المسلمون منهم ذلك ظنوا ان ذلك شيء كان اهل الكتاب يعظمون به انبياءهم فصاروا يقولون ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ففطن سعد بن معاذ لليهود يوما وهم يضحكون فقال لهم يا اعداء الله لئن سمعنا من رجل منكم هذا بعد هذا المجلس لاضربن عنقه فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا }
وفي رواية ان اليهود لما سمعوا الصحابة رضي الله تعالى عنهم تقول له صلى الله عليه وسلم اذا القى عليهم شيئا يا رسول الله راعنا أي انتظرنا وتان علينا حتى نفهم وكانت هذه الكلمة عبرانية تتسابب بها اليهود فلما سمعوا المسلمين يقولون له صلى الله عليه وسلم راعنا خاطبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم براعنا يعنون بها تلك السبة ومن ثم لما سمع سعد بن معاذ ذلك من اليهود قال لهم يا اعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده ان سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لاضربن عنقه فقالوا الستم تقولونها فنزلت وجاءه صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود باطفالهم فقالوا له يا محمد هل على اولادنا هؤلاء من ذنب قال لا فقالوا والذي يحلف به ما نحن الا كهيئتهم ما من ذنب نعمله بالليل الا كفر عنا بالنهار وما من ذنب نعمله بالنهار الا كفر عنا بالليل فانزل الله تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } ) الاية
وجاء ان احبار يهود منهم ابن صوريا أي قبل ان يسلم على ما تقدم وشاس بن قيس وكعب بن اسيد اجتمعوا وقالوا نبعث الى محمد لعلنا نفتنه في دينه فجاءوا اليه صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد قد عرفت انا احبار يهود واشرافهم وان اتبعناك اتبعك كل اليهود وبيننا وبين قوم خصومة فنحاكمهم اليك فتقضي لنا عليهم فنؤمن بك فابى ذلك عليهم فنزل قوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } الاية
ومن اليهود من دخل في الاسلام تقيه من القتل لما قهرهم الاسلام بظهوره واجتماع قومهم عليه فكان هواهم مع يهود في السر أي وهم المنافقون

وقد ذكر بعضهم ان المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائة منهم الجلاس بجيم مضمومة فلام مخففة فالف فسين مهملة ابن سويد بن الصامت قال يوما ان كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير فسمعها عمير بن سعد رضى الله تعالى عنه وهو ابن زوجة جلاس أي فان الجلاس كان زوجا لام عمير وكان عمير يتيما في حجره ولا مال له وكان يكفله ويحسن اليه فجاء الجلاس ليلة فاستلقى على فراشه فقال لئن كان ما يقوله محمد حقا فلنحن شر من الحمير فقال له عمير يا جلاس انك لاحب الناس واحسنهم عندي يدا ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لافضحنك ولئن صمت عليها أي سكت عنها ليهلكن على ديني ولاحداهما ايسر على من الاخرى فمشى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له مقالة جلاس فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جلاس فحلف بالله لقد كذب على عمير وما قلت ما قال عمير فقال عمير بلى والله لقد قلته فتب الى الله ولولا ان ينزل القران فيجعلني معك ما قلته
وجاء انه صلى الله عليه وسلم الله استحلف الجلاس عند المنبر فحلف انه ما قال واستحلف الراوي عنه فحلف لقد قال وقال اللهم انزل على نبيك تكذيب الكاذب وتصديق الصادق فقال النبي صلى الله عليه وسلم امين فنزل قوله تعالى { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } الى قوله { فإن يتوبوا يك خيرا لهم } فاعترف الجلاس وتاب وقبل منه صلى الله عليه وسلم توبته وحسنت توبته ولم ينزع عن خير كان يصنعه مع عمير فكان ذلك مما عرف به حسن توبته فقال صلى الله عليه وسلم لعمير وقيت اذنك
ومنهم نبتل بنون مفتوحة فموحدة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فلاح ابن الحارث قال النبي صلى الله عليه وسلم من احب ان ينظر الى الشيطان فلينظر الى نبتل بن الحارث كان يجلس اليه صلى الله عليه وسلم ثم ينقل حديثه للمنافقين وهو الذي قال لهم انما محمد اذن من حدثه بشيء صدقه فانزل الله تعالى فيه { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن } الاية
وجاء جبريل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يجلس اليك رجل معك صفته كذا نقال أي للحديث الذي تحدث به كبده اغلظ من كبد الحمار ينقل حديثك الى المنافقين فاحذره

ومنهم عبدالله بن ابي ابن سلول وهو راس المنافقين ولاشتهاره بالنفاق لم يعد في الصحابة وكان من اعظم اشرا ف اهل المدينة وكانوا قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم أي كما تقدم لان الانصار من ال قحطان ولم يتوج من العرب الا قحطان ولم يبق من الخرز الا خرزه واحدة كانت عن شمعون اليهودي فلما جاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم انصرف عنه قومه الى الاسلام فضغن أي اضمر العداوة لانه راى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سلبه ملكا عظيما فلما راى قومه قد ابوا الاسلام دخل فيه كارها مصرا على النفاق أي وكان له اماء يكرههن على الزنا لياخذ اجورهن فانزل الله تعالى { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } الاية
وقد قيل في سبب نزول قوله تعالى { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } أي عبدالله بن ابي واصحابه خرجوا ذات يوم فاستقبلهم قوم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ابو بكر وعمر وعلي رضى الله تعالى عنهم فقال عبدالله بن ابي انظروا كيف ارد هؤلاء السفهاء عنكم فاخذ بيد ابي بكر فقال مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الاسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اخذ بيد عمر فقال مرحبا بسيد بني عدى الفاروق القوى في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اخذ بيد علي فقال مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم افترقوا فقال له علي اتق الله يا عبد الله ولا تنافق فان المنافقين شر خليقة الله تعالى فقال له عبدالله مهلا يا ابا الحسن الى تقول هذا والله ان ايماننا كايمانكم وتصديقنا كتصديقكم فقال لاصحابه كيف رأيتموني فعلت فأثنوا عليه خيرا فنزلت
وقد وقد قال صلى الله عليه وسلم مثل المنافق مثل الشاة العابرة بين الغنمين أي المترددة بينهما تعبر الى هذه مرة والى هذه مرة
وفي السنة الاولى من الهجرة اعرس صلى الله عليه وسلم بعائشة رضى الله تعالى عنها كذا في الأصل وفي المواهب ان ذلك كان في السنة الثانية من الهجرة في شوال على راس ثمانية عشر شهرا وقيل بعد سبعة اشهر وقيل بعد ثمانية اشهر من مقدمه صلى الله عليه وسلم

قالت عائشة رضى الله تعالى عنها تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بي في شوال فاى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت احظى عنده مني أي فما توهمه بعض الناس من التشاؤم بذلك لكونه بين العيدين فتحصل المفارقة بين الزوجين لا عبرة به ولا التفات اليه
وعن عائشة رضى الله تعالى عنها جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا واجتمع اليه رجال ونساء من الانصار فجاءتني امي واني لفي ارجوحة بين عذقين أي نخلتين فانزلتني من الارجوحة ولي جميمة أي شعر لاني وعكت أي مرضت لما قدمنا المدينة أي اصابتها الحمى
فعن البراء رضى الله تعالى عنه قال دخلت مع ابي بكر الصديق على اهله فاذا عائشة ابنته مضطجعة قد اصابتها الحمى فرايت اباها يقبل خدها ويقول كيف انت يا بنية قالت عائشة رضى الله تعالى عنها فتمزق شعرى ففرقتها ومسحت وجهي بشيء من ماء ثم اقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب واني لانهج حتى سكن نفسي ثم دخلت بي فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير في بيتنا وعنده رجال ونساء من الانصار فاجلستني في حجره ثم قالت هؤلاء اهلك بارك الله لك فيهم وبارك لهم فيك فوثب الرجال والنساء فخرجوا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا أي فقد بنى بها نهارا
وفي الصحاح العامة تقول بنى باهله وهو خطا وانما يقال بنى على اهله قال الحافظ ابن حجر ولا يغنى عن الخطا كثرة استعمال الفصحاء له أي كاستعمال عائشة له هنا وفي الاستيعاب واقره عن عائشة رضى الله تعالى عنها ان ابا بكر رضى الله تعالى عنه قال يا رسول الله ما يمنعك ان تبنى باهلك قال الصداق فاعطاه ابو بكر اثنتي عشرة اوقية ونشا فبعث بها الينا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا الذي انا فيه وهو الذي توفى به ودفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ان سياق ما تقدم وما ياتي يدل على انه انما دخل بها في بيت ابيها بالسنح
ثم رايت بعضهم صرح بذلك فقال كان دخوله بها عليه الصلاة والسلام بالسنح نهارا وهذا خلاف ما يعتاده الناس اليوم هذا كلامه وفي رواية عنها اتتني امي واني لفى ارجوحة مع صواحب لي فصرخت بي فاتيتها ما ادرى ما تريد مني فاخذت بيدي

حتى وقفت بي على باب الدار وانا انهج حتى سكن بعض نفسي ثم اخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي وراسي ثم ادخلتني الدار فاذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فاسلمتني اليهن وأصلحهن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين قال بعضهم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة ولعبتها معها
اي وعنها رضى الله تعالى عنها انها كانت تلعب بالبنات أي اللعب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تاتيها جويريات يلعبن معها بذلك وربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرهن اليها أي يطلبهن لها ليلعبن معها قالت وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك او حنين فهبت ريح فكشفت ناحية من ستر على صفة في البيت عن بنات لي فقال ما هذا يا عائشة قلت بناتي وراى بينهن فرسا لها جناحان من رقاع قال وما هذا الذي ارى وسطهن قلت فرس قال وما هذا الذي عليه قلت جناحان قال جناحان قلت اما سمعت ان لسليمان خيلا لها اجنحة فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وفيه هلا امرها بتغيير ذلك
واجيب بان هذا مستثنى من عدم جواز تصوير ذى الروح وقولها اما سمعت ان لسليمان خيلا لها اجنحة واقراره صلى الله عليه وسلم لها على ذلك يدل على صحته
ثم رايت بعضهم اورد انه كان لسليمان خيل لها اجنحة وقد ذكرت ذلك عند الكلام على اسمعيل صلوات الله وسلامه عليه في اوائل هذه السيرة
وعنها رضى الله تعالى عنها ايضا انها قالت وما نحرت على جزور ولا ذبحت على شاة أي عند بنائه بها صلى الله عليه وسلم حتى ارسل الينا سعد بن عبادة بجفنته التي كان يرسلها وارسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وفي كلام بعضهم وروى انه صلى الله عليه وسلم ما اولم على عائشة رضى الله تعالى عنها بشيء غير ان قدحا من لبن اهدى من بيت سعد بن عبادة فشرب النبي صلى الله عليه وسلم بعضه وشربت عائشة رضى الله تعالى عنها باقيه
اقول يجوز ان يكون سعد رضى الله تعالى عنه ارسل بالقدح من اللبن وبالجفنه وان بعض الرواه اقتصر على احدهما
ثم لا يخفى انه يجوز ان تكون الرواية الاولى واقعة بعد هذه الرواية الثانية وانها

ذهبت الى الارجوحة ثانيا بعد ان اصلح النساء من شانها وفعلت بها امها ما ذكر وانه وقع الاقتصار في الرواية الاولى والله سبحانه وتعالى اعلم & باب ذكر مغازيه صلى الله عليه وسلم
ذكر ان مغازيه أي وهي التي غزا فيها بنفسه كانت سبعا و عشرين أي وهي غزوة بواط ثم غزوة العشيرة ثم غزوة سفوان ثم غزوة بدر الكبرى ثم غزوة بني سليم ثم غزوة بني قينقاع ثم غزوة السويق ثم غزوة قريرة الكدر ثم غزوة غظفان وهي غزوة ذي امر ثم غزوة نجران بالحجاز ثم غزوة احد ثم غزوة حمراء الاسد ثم غزوة بني النضير ثم غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وبني تغلبه ثم غزوة بدر الاخرة وهي غزوة بدر الموعد ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة بني المصطلق ويقال لها المريسيع ثم غزوة الخندق ثم غزوة بني قريظة ثم غزوة بني لحيان ثم غزوة الحديبية ثم غزوة ذى قرد ويقال لها قرد بضمتين وهو في اللغة الصوف الردىء ثم غزوة حنين ثم غزوة وادى القرى ثم غزوة عمرة القضاء ثم غزوة فتح مكة ثم غزوة حنين والطائف ثم غزوة تبوك
والتي وقع فيها القتال من تلك الغزوات أي وقع القتال فيها من ا صحابه وهو المراد يقول بعضهم كالاصل التي قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وهي غزوة بدر الكبرى واحد والمريسيع اعني بني المصطلق والخندق وقريظة وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف أي وبعضهم اسقط فتح مكة قال النووي رحمه الله ولعل مذهبه انها فتحت صلحا كما قال امامنا الشافعي وموافقوه أي فيصح بيع دورها واجارتها واستدل لذلك بانها لو كانت فتحت عنوة لقسمها بين الغانمين وسياتي الجمع بأن اسفلها فتح عنوة أي لوقوع القتال فيه من خالد بن الوليد مع المشركين واعلاها فتح صلحا لعدم وجود القتال فيه
وفي الهدى من تامل الاحاديث الصحيحة وجدها كلها دالة على قول الجمهور انها فتحت عنوة أي لوقوع القتال بها
وما يدل على ذلك انه صلى الله عليه وسلم لم يصالح اهلها عليها والا لم يحتج الى

قوله من دخل دار ابي سفيان فهو امن الى الخ وانما لم يقسمها لانها دار المناسك فكل مسلم له فيها حق
اقول هذا واضح في غير دورها وسياتي الجواب عن ذلك وبما قررناه يعلم ان قول المواهب قاتل صلى الله عليه وسلم في تسع بنفسه فيه نظر ظاهر لانه صلى الله عليه وسلم لم يقاتل بنفسه في شيء من تلك الغزوات الا في احد كما سياتي وكانه اغتر في ذلك بقول بعضهم المتقدم قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علمت المراد منه والله اعلم
ولا يخفى انه صلى الله عليه وسلم مكث بضع عشرة سنة ينذر بالدعوة بغير قتال صابرا على شدة اذية العرب بمكة واليهود بالمدينة له صلى الله عليه وسلم ولاصحابه لامر الله تعالى له بذلك أي بالانذار والصبر على الاذى والكف بقوله { فأعرض عنهم } وبقوله { واصبر } ووعده بالفتح أي فكان ياتيه اصحابه بمكة ما بين مضروب ومشجوج فيقول صلى الله عليه وسلم لهم اصبروا فاني لم اؤمر بالقتال لانهم كانوا بمكة شرذمة قليلة ثم لما استقر امره صلى الله عليه وسلم أي بعد الهجرة وكثرت اتباعه وشانه ان يقدموا محبته على محبة ابائهم وابنائهم وازواجهم واصر المشركون على الكفر والتكذيب اذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أي ولأصحابه في القتال أي وذلك في صفر من السنة الثانية من الهجرة لكن لمن قاتلهم وابتداهم به بقوله { فإن قاتلوكم فاقتلوهم } قال بعضهم ولم يوجبه بقوله تعالى { أذن للذين يقاتلون } أي للمؤمنين ان يقاتلوا { بأنهم ظلموا } أي بسبب انهم ظلموا { وإن الله على نصرهم لقدير } أي فكان ذلك القتال عوضا من العذاب الذي عوملت به الأمم السالفة لما كذبت رسلهم
وذكر في سبب نزول قوله تعالى { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم } الاية ان جماعة منهم عبدالرحمن بن عوف والمقداد بن الاسود وقدامة بن مظعون وسعد بن ابى وقاص وكانوا يلقون من المشركين اذى كثيرا بمكة فقالوا يا رسول الله كنا في عز ونحن مشركون فلما امنا صرنا اذلة فاذن لنا في قتال هؤلاء فيقول لهم كفوا ايديكم عنهم فاني لم اومر بقتالهم فلما هاجر صلى الله عليه وسلم الى المدينة وامر بالقتال للمشركين كرهه بعضهم وشق عليه ذلك فانزل الله تعالى الاية
لا يقال يدل لما تقدم من انه قاتل صلى الله عليه وسلم بنفسه في تلك الغزوات ما جاء

عن بعض الصحابة كنا ا ذا لقينا كتيبة او جئنا اول من يضرب النبي صلى الله عليه وسلم لاني اقول لا يبعد ان يكون المراد بالضرب السير في الارض أي اول من يسير الى تلقاء العدو ويؤيده ما جاء عن علي رضى الله تعالى عنه لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اشد الناس باسا وما كان احد اقرب الى المشركين منه صلى الله تعالى عليه وسلم
وفي رواية كنا اذا حمى الباس والتقى القوم بالقوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم أي كان وقاية لنا من العدو
وقد نقل اجماع المسلمين على انه لم يرو احد قط انه صلى الله عليه وسلم انهزم بنفسه في موطن من المواطن بل ثبتت الاحاديث الصحيحة باقدامه صلى الله عليه وسلم وثباته في جميع المواطن
لا يقال سياتي في غزوة بدر عن السيرة الهشامية غير معزو لاحد انه قاتل بنفسه قتالا شديدا وكذلك ابو بكر رضى الله عنه وكانا في العريش يجاهدان بالدعاء فقاتلا بابدانهما جمعا بين المقامين وايضا سياتي في خيبر ما قجد يدل على انه صلى الله عليه وسلم قاتل بنفسه
لانا نقول سياتي مافي ذلك مما يدل على انه صلى الله عليه وسلم لم يباشر القتال الا في احد كما سياتي ولم تقاتل معه الملائكة الا في بدر والا في حنين قيل واحد وسياتي مافي ذلك ولم يرم صلى الله عليه وسلم بالحصباء في وجوه العدو في شىء من الغزوات الا في هذه الثلاثة على خلاف في الثلاثة أي ولم يجرح أي لم يصبه جراحة في غزوة من الغزوات الا في احد ولم ينصب المنجنيق في غزوة من الغزوات الا في غزوة الطائف وفيه انه نصبه عى بعض حصون خيبر وسيأتي الجمع بينهما ولم يتحصن بالخندق في غزوة الا في غزوة الاحزاب
ثم لا يخفى ان الاية المذكورة أي التي هي { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } قال بعضهم هي اول اية نزلت في شان القتال ولما نزلت اخبر صلى الله عليه وسلم بقوله امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله أي وفي لفظ حتى يشهدوا ان لا اله الا الله واني محمد رسول الله فاذا قالوها عصموا مني

دماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله تعالى قيل وما حقها قال زنا بعد احصان وكفر بعد اسلام او قتل نفس
اقول وظاهر هذا الساق يقتضي ان لاية فيها الامر له صلى الله عليه وسلم بالقتال المذكور وقد يتوقف في ذلك ولعله امر بذلك بغير الاية المذكورة لان الاية انما هي ظاهرة في الاباحة المباح ليس مامورا به وحينئذ يكون قوله في الاية الاخرى وهي { فإن قاتلوكم فاقتلوهم } للاباحة لان صيغة افعل تاتي لها وان كان الاصل فيها الوجوب
وعلى ان قوله صلى الله تعالى عليه وسلم امرت وان امره كان بغير هذه الاية يحمل على ان المراد الندب لان الامر مشترك بين الوجوب والندب فلا ينافى ما تقدم من انه لم يكن وجب عليهم القتال حينئذ والله اعلم
ثم لما رمتهم العرب قاطبة عن قوس وتعرضوا لقتالهم من كل جانب كانوا لا يبيتون الا في السلاح ولا يصبحون الا فيه ويقولون ترى نعيش حتى نبيت مطمئنين لا نخاف الا الله عز وجل انزل الله عز وجل { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا } ثم اذن في القتال أي ابيح الابتداء به حتى لمن لم يقاتل أي لكن في غير الاشهر الحرم أي التي هي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم أي بقوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } الاية ثم امر به وجوبا أي بعد فتح مكة في السنة الثانية مطلقا أي من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله { وقاتلوا المشركين كافة } أي جميعا في أي زمن
فعلم ان القتال كان قبل الهجرة وبعدها الى صفر من السنة الثانية محرما أي لانه كان في ذلك مامورا بالتبليغ وكان انذار بلا قتال لا نه نهى عنه في نيف وسبعين اية ثم صار ماذونا له فيه أي ابيح قتال من قاتل ثم ابيح قتال من لم يبدا به في غير الاشهر الحرم ثم امر به مطلقا أي لمن قاتل ومن لم يقاتل في كل زمن أي في الاشهر الحرم وغيرها
وظاهر كلام الامام الاسنوى ان القتال في الحالة الثانية كان مامورا به لا مباحا كالحالة الاولى وعبارته لما بعث صلى الله عليه وسلم امر بالتبليغ والانذار بلا قتال فقال واعرض عنهم وقال واصبر ثم ا ذن له بعد الهجرة في القتال ان ابتدءوا به فقال { فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ثم أمر بذلك ابتداء ولكن في غير الأشهر الحرم فقال { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين }

ثم امر به مطلقا فقال وقاتلوا المشركين كافة هذا كلامه
ولا يخفى ان الاستوى ممن يرى ان امر للوجوب وهو يقتضي ان يكون الامر به في الحالة الثانية للوجوب والراجح ما علمت ان امر مشترك بين الوجوب والندب وانه في الحالة الثانية مباح لا مامور به
ثم استقر امر الكفار معه صلى الله عليه وسلم بعد نزول براءة على ثلاثة اقسام القسم الاول محاربون له صلى الله عليه وسلم وهؤلاء المحاربون اذا كانوا ببلادهم يجب قتالهم على الكفاية في كل عام مرة أي يكفي ذلك في اسقاط الحرج كاحياء الكعبة وستدل لذلك بقوله تعالى { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } أي فهلا نفر وقيل كان فرض عين لقصة الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك ويحتاج الى الجواب عن ذلك
وقيل كان فرض كفاية في حق الانصار وفرض عين في حق المهاجرين والقسم الثاني اهل عهدوهم المؤمنون من غير عقد الجزية أي صالحهم ووادعهم على ان لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه عدوهم وهم على كفرهم امنون على دمائهم واموالهم
والقسم الثالث اهل ذمة أي وهم من عقدت لهم الجزية وهناك قسم اخر وهو من دخل في الاسلام تقيه من القتل وهم المنافقون كما تقدم وامر صلى الله عليه وسلم ان يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم الى الله تعالى فكان معرضا عنهم الا فيما يتعلق بشعائر الاسلام الظاهرة كالصلاة فلا يخالف ما رواه الشيخان لقد هممت ان امر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب الى قوم لا يشهدون الصلاة فاحرق عليهم بيوتهم بالنار فقد ذكر ائمتنا ان ذلك ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون أي اصلا بدليل السياق أي لان صدر الحديث اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر أي جماعتهما ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا ولقد هممت الخ
وفي الخصائص الصغرى وكان الجهاد في عهده صلى الله عليه وسلم فرض عين في احد الوجهين عندنا وكان اذا غزا بنفسه صلى الله عليه وسلم يجب على كل احد الخروج معه لقوله تعالى { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } ومن ثم وقع لمن تخلف عنه في غزوة تبوك ما وقع

واما بعده صلى الله عليه وسلم فللكفار حالان مذكوران في كتب الفقه وعند الاذن له صلى الله عليه وسلم في القتال خرج لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة اي مكث بالمدينة باقي الشهر الذي قدم فيه وهو شهر ربيع الاول وباقي ذلك العام كله الى صفر من السنة الثانية من الهجرة
فخرج صلى الله عليه وسلم غازيا حتى بلغ ودان بفتح الواو وتشديد الدال المهملة اخره نون وهي قرية كبيرة بينه وبين الابواء ستة اميال او ثمانية والابواء بالمد قرية كبيرة بين مكة والمدينة كما تقدم سميت بذلك لتبوىء السيول بها وقيل لما كان فيها من الوباء فيكون على القلب والا لقيل الاوباء وحينئد لا تخالف بين تسمية ابن الخفاف لها بغزوة ودان وبين تسمية البخارى لها بغزوة الابواء لتقارب المكانين اي وفي الامتاع ودان جبل بين مكة والمدينة
واقول قد يقال لا منافاة لانه يجوز ان تكون تلك القرية كانت عند الجبل المذكور فسميت باسمه والله اعلم
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين ليس فيهم انصارى يعترض عيرا لقريش ولبنى ضمرة أي وخرج صلى الله عليه وسلم لبني ضمرة فكان خروجه للشيئين كما يفهم من الاصل
ويوافقه قول بعضهم وخرج صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا من اصحابه يريد قريشا وبني ضمرة والمفهوم من سيرة الشامى ان خروجه صلى الله عليه وسلم الله انما كان لاعتراضه العير وانه اتفق له موادعة بني ضمرة ويوافقه قول الحافظ الدمياطي خرج يعترض عيرا لقريش فلم يلق كيدا وفي هذه الغزوة وادع بني ضمرة هذا كلامه أي صالح سيدهم حينئذ وهو مجدي بن عمر
وعبارة بعضهم فلما بلغ الابواء لقى سيد بني ضمرة مجدي بن عمر الضمري فصالحه ثم رجع الى المدينة والمصالحة على ان لا يغزوهم ولا يغزوه ولا يكثروا عليه صلى الله عليه وسلم جمعا و لا يعينوا عليه عدوا قال وكتب بينه وبينهم كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا الكتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بانهم امنون على اموالهم وانفسهم وان لهم النصرة على من رامهم أي قصدهم الا ان يحاربوا في دين الله مابل بحرصوفة أي ما بقي فيه ما يبل الصوفة وان النبي صلى الله عليه وسلم اذا دعاهم لنصره اجابوه عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله أي أمانهما انتهى

وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم ابيض وكان مع عمه حمزة واستعمل على المدينة سعد بن عبادة وانصرف الى المدينة راجعا فهي اول غزواته صلى الله عليه وسلم أي وكانت غيبته خمس عشرة ليلة والله اعلم

عزوة بواط

ثم ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الاول أي وقيل الاخر أي من السنة المذكورة يريد عيرا لقريش فيها امية بن خلف ومائة رجل من قريش والفان وخمسمائة بعير خرج في مائتين من اصحابه أي من ا المهاجرين خاصة وحمل اللواء وكان ابيض سعد بن ابي وقاص واللواء هو العلم الذي يحمل في الحرب يعرف به موضع امير الجيش وقد يحمله امير الجيش وقد يجعل في مقدم الجيش
واول من عقد الالوية ابراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم بلغه ان قوما غاروا على لوط عليه السلام فعقد لواء وسار اليهم بعبيده ومواليه قال بعضهم صرح جماعة من اهل اللغة بترادف اللواء والراية أي فيطلق على كل اسم الاخر
وعن ابن اسحاق وابن سعد ان اسم الراية انما حدث بعد خيبر واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة سعد بن معاذ وقيل السائب بن مظعون أي اخا عثمان بن مظعون وقيل السائب بن عثمان حتى بلغ بواط بضم الموحدة وفتحها وتخفيف الواو والطاء المهملة أي وهو جبل الينبع أي ومن ثم قيل لها غزوة بواط
قال بعضهم ومن هذا الجبل تقلع أحجار المسان وهذا الجبل لجهينة من ناحية رضوى وهو أحد الأجبل التي بنى منها أساس الكعبة
وفيه انه لم يذكر رضوى في تلك الاجبل الخمس التي كان منها اساس الكعبة المتقدم ذكرها على المشهور
وقد جاء في الحديث رضوى رضى الله تعالى عنه وتزعم الكيسانية وهم اصحاب كيسان مولى على رضى الله تعالى عنه ان محمد بن الحنفية مقيم برضى حي يرزق وهو الامام المنتظر عندهم
اي وفي كلام بعضهم ان المنتظر هو محمد القاسم بن الحسن العسكري الذي تزعم الشيعة انه المنتظر وهو صاحب السرداب يزعمون انه دخل السرداب في دار ابيه وامه

تنظر اليه فلم يخرج اليها وكان عمره تسع سنين وانه يعمر الى اخر الزمان كعيسى وسيظهر فيملا الدنيا عدلا كما ملئت جورا واختفاؤه الان خوفا فا من ا عدائه قال وهو زعم باطل لا اصل له ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى المدينة ولم يلق كيدا أي حربا واصل الكيد الاحتيال والاجتهاد ومن ثم يسمى الحرب كيدا والله اعلم

غزوة العشيرة

اي وبها بدا البخاري المغازي ويدل له ما جاء عن زيد بن اسلم وقد قيل له ما اول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذات العشيرة واجيب عنه بان المراد ما اول غزوة غزاها وانت معه
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر جمادى الاولى و في سيرة الدمياطي الاخرة من تلك السنة
اي وفي الامتاع في جمادى الاخرة ويقال جمادى الاولى يريد عيرا لقريش متوجهة للشام يقال ان قريشا جمعت جميع اموالها في تلك العير لم يبق بمكة لا قرشى ولا قرشية له مثقال فصاعدا الا بعث به في تلك العير الا حويطب بن عبد العزى يقال ان في تلك العير خمسين الف دينار أي والف بعير وكان فيها ابو سفيان أي قائدها وكان معه سبعة وعشرون قيل تسعة وثلاثون رجلا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص وهي العير التي خرج اليها حين رجعت من الشام وكان سببا لوقعة بدر الكبرى كما سياتي خرج في خمسين ومائة ويقال في مائتين من المهاجرين خاصة حتى بلغ العشيرة بالمعجمة والتصغير اخره هاء أي ولم يختلف فيه اهل المغازى كما قال الحافظ ابن حجر وفي البخارى اخرها همزة وفيه ايضا العسيرة بالسين المهملة اخره هاء أي بالتصغير واما التي بغير تصغير فهي غزوة تبوك كما سياتي والتي بالتصغير فقال ايضا لموضع ببطن الينبع أي وهو منزل الحاج المصري وهي لبني مدلج واستخلف على المدينة ابا سلمة بن عبد الاسد وحمل اللواء وكان ابيض عمه حمزة بن عبد المطلب خرجوا على ثلاثين بعيرا يعتقبونها فوجدوا العير قد مضت قبل ذلك بايام ورجع ولم يلق حربا ووادع صلى الله عليه وسلم فيها بني مدلج قال في الاصل وحلفاءهم من بني ضمرة
وذكر في المواهب هنا صورة الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وسلم لبني ضمرة في

غزوة ودان الذي قدمناه ثم فليتامل ذلك وكنى صلى الله عليه وسلم فيها عليا بابي تراب حين وجده نائما هو وعمار بن ياسر وقد علق به ال التراب فايقظه عليه الصلاة والسلام برجله وقال له قم ابا تراب لما يرى عليه من التراب أي الذي سفته عليه الريح ولما قام قال له صلى الله عليه وسلم الا اخبرك باشقى الناس اجمعين عاقر الناقة والذي يضر بك على هذا ووضع يده على قرن راسه فيخضب هذه ووضع يده على لحيته وفي رواية اشقى الاولين عاقر ناقة صالح واشقى الاخرين قاتلك وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم قال يوما لعلي كرم الله وجهه من اشقى من الاولين فقال علي الذي عقر الناقة يا رسول الله قال فمن اشقى الاخرين قال علي لا علم لي يا رسول الله قال الذي يضربك على هذه واشار الى يافوخه وكان كما اخبر صلى الله عليه وسلم فهو من اعلام نبوته
فانه لما كان شهر رمضان سنة اربعين صار يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبدالله بن جعفر لا يزيد في اكله على ثلاث لقم ويقول احب ان القى الله وانا خميص فلما كانت الليلة التي ضرب صبيحتها اكثر الخروج والنظر الى السماء وجعل يقول والله انها الليلة التي و عدت فلما كان وقت السحر واذن المؤذن بالصلاة خرج الى المسجد فاقبل الاوز الذي في داره يصحن في وجهه فمنعهن بعض نساء اهل بيته فقال دعوهن فأنهن نوائح فلما دخل المسجد اقبل ينادي الصلاة الصلاة فشد عليه عبدالرحمن بن ملحم المرادى لعنه الله من طائفة الخوارج فض فضربه الضربة التي اخبر بها صلى الله عليه وسلم وعند ذلك شد عليه الناس من كل جانب فطرح عليه رجل قطيقة ثم طنبوه واخذ السيف منه وقالوا له يا امير المؤمنين خل بيننا وبين مراد يعنون قبيلة الرجل الذي ضربه فقال لا ولكن احبسوا الرجل فان انا مت فاقتلوه وان اعش فالجروح قصاص فحبس
فلما مات رضى الله تعالى عنه غسله الحسن والحسين و عبدالله بن جعفر ومحمد بن الحنفية يصب الماء وكفن في ثلاثة اثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وصلى عليه الحسن وكبر عليه سبعا ودفن ليلا قيل بدار الامارة بالكوفة وقيل بغير ذلك واخفى قبره لئلا تنبشه الخوارج وقيل حملوه على بعير ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه

وسلم فبينا هم في مسيرهم ليلا اذ ند البعير الذي عليه فلم يدر اين ذهب ومن الناس من يزعم انه انتقل الى السماء وانه الان في السحاب
ولما اصيب كرم الله وجهه دعا الحسن والحسين رضى الله تعالى عنهما فقال لهما اوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا ولا تبكيا على شي زوى منها عنكما وقولا الحق فلا تاخذكما في الله لومة لائم ثم نظر الى ولده محمد ابن الحنفية فقال هل حفظت ما اوصيت به اخويك فقال نعم فقال اوصيك بمثله واوصيك بتوقير اخويك لعظم حقهما عليك ولا ترين امرا دونهما ثم قال اوصيكما به فإنه اخوكما وابن ابيكما وقد علمتما ان اباكما كان يحبه ثم لم ينطق إلا بلا اله الا الله الى ان قبض فلما قبض اخرج الحسن رضى الله تعالى عنه ابن ملجم من الحبس وقتله
أقول ذكر بعضهم عن المبرد قال ابن ملجم لعلي كرم الله تعالى وجهه اني اشتريت سيفي هذا بألف وسمته بألف وسألت الله تعالى ان يقتل به شر خلقه فقال علي قد اجاب الله دعوتك يا حسن اذا انامت فاقتله بسيفه ففعل به الحسن ذلك ثم احرقت جثته وقد ذكر انه قطعت اطرافه وجعل في قوصرة واحرقوه بالنار
وقد ذكر ان عليا قال يوما وهو مشير لابن ملجم هذا والله قاتلي فقيل له الا نقتله فقال من يقتلني وتبع الاصل في كون تكنية على بابي تراب في هذه الغزوة شيخه الدمياطى
واعترضه في الهدى بانه صلى الله عليه وسلم انما كناه بذلك بعد نكاحه فاطمة رضى الله تعالى عنها فانه صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما وقال اين ابن عمك قالت خرج مغاضبا فجاء الى المسجد فوجده مضطجعا فيه وقد لصق به التراب فجعل ينفضه عنه ويقول اجلس ابا تراب وقيل انما كناه ابا تراب لانه كان اذا غضب على فاطمه في شىء لم يكلمها ولم يقل لها شيئا تكرهه الا انه ياخذ ترابا فيضعه على راسه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رأى التراب على رأسه عرف انه عاتب على فاطمه
قال في النور يجوز ان يكون صلى الله عليه وسلم خاطبه بهذه الكنية مرتين اي ويكون س سبب الكنية علوق التراب به وكونه يضعه على راسه والله اعلم

غزوة سفوان ويقال لها غزوة بدر الاولى

وحين قدم صلى الله عليه وسلم من غزوة العشيرة لم يقم بالمدينة الا ليالى لم تبلغ العشرة حتى غزا وخرج خلف كرز بن جابر الفهرى وقد اغار قبل ان يسلم على سرح المدينة اي النعم والمواشي التي تسرح للمرعى بالغداة خرج في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان بالمهملة والفاء ساكنة وقيل مفتوحة من ناحية بدر اي ولذا قيل لها غزوة بدر الاولى وفاته صلى الله عليه وسلم كرز ولم يدركه وكان قد استعمل على المدينة زيد بن حارثة وحمل اللواء وكان ابيض على بن ابي طالب رضى الله تعالى عنه وقد تبعت الاصل في تقديم غزوة العشيرة على غزوة سفوان لما تقدم وهو عكس ما في سيرة الشامى الموافق لسيرة الدمياطى ولما في الامتاع والله اعلم & باب تحويل القبلة
وحولت القبلة في شهر رجب من السنة المذكورة التي هي الثانية في نصفه وقيل في نصف شعبان قال بعضهم وعليه الجمهور الاعظم وقيل كان في جمادى الاخرة اي فقد قيل انه صلى الله عليه وسلم صلى في المدينة الى بيت المقدس ستة عشر شهرا وقيل سبعة عشر شهرا وقيل أربعة عشر شهرا وقيل غير ذلك وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم صلى في مسجده بعد تمامه الى بيت المقدس خمسة اشهر
والاكثرون على أن تحويلها كان في صلاة الظهر وقيل العصر اي ففي الصحيحين عن البراء ان اول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم اي للكعبة صلاة العصر
وقد يقال لا منافاة لجواز ان يكون المراد اول صلاة صلاها كلها للكعبة صلاة العصر لان الظهر صلى نصفها الاول لبيت المقدس ونصفها الثاني للكعبة ثم رايت الحافظ ابن حجر فعل كذلك حيث قال التحقيق ان اول صلاة صلاها بالمسجد النبوى صلاة العصر او ان التحويل في العصر كان في محل اخر للانصار اي وهم بنو حارثة
وقيل حولت في صلاة الصبح وهو محمول على ان ذلك كان في قباء لان الخبر لم يبلغهم

الا حينئذ كما سياتي وانما حولت لانه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه ان تكون قبلته الكعبة سيما لما بلغه ان اليهود قالوا يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا اي وفي لفظ قالوا للمسلمين لو لم نكن على هدى ما صليتم لقبلتنا فاقتديتم بنا فيها
وفي لفظ كان يحب ان يستقبل الكعبة محبة لموافقة ابراهيم واسمعيل عليهما الصلاة والسلام وكراهة لموافقة اليهود ولقول كفار قريش للمسلمين لم تقولون نحن على ملة ابراهيم وانتم تتركون قبلته وتصلون الى قبلة اليهود اي ولانه لما هاجر صار اذا استقبل صخرة بيت المقدس يستدبر الكعبة فشق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم فقال لجبريل وددت ان الله سبحانه وتعالى صرفنى عن قبلة اليهود فقال جبريل انما انا عبد لا املك لك شيئا الا ما امرت به فادع الله تعالى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى يكثر اذا صلى الى بيت المقدس من النظر الى السماء ينتظر امر الله تعالى اي لان السماء قبلة الدعاء وفي رواية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل وددت انك سالت الله تعالى ان يصرفني الى الكعبة فقال جبريل لست استطيع ان ابتدىء الله جل وعز بالمسالة ولكن ان سالني اخبرته وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زائر ام بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعاما وحانت صلاة الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه في مسجد هناك فلما صلى ركعتين نزل جبريل فاشار اليه ان صل الى الكعبة واستقبل الميزاب فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الكعبة اي فاستدار النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء اي فقد تحول من مقدم المسجد الى مؤخره لان من استقبل الكعبة في المدينة يلزم ان يستدبر بيت المقدس اي كما ان من يستقبل بيت المقدس يستدبر الكعبة وهو صلى الله عليه وسلم لو دار كما هو مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف قيل وكان ذلك وهم راكعون وفيه أن هذا يستدعى عملا كثيرا في الصلاة وهو مفسد لها عندنا اذا توالى
وقد يقال لا مانع لجواز أن يكون ذلك قبل تحريم العمل الكثير في الصلاة أو أن هذا العمل لم يكن على التوالي
أقول وبدخوله اي على ام بشر صلى الله عليه وسلم وعلى الربيع بنت معوذ ابن عفراء وعلى ام حرام بنت ملحان وعلى اختها ام سليم والخلوة بكل منهن فقد كانت

ام حرام بنت ملحان تفلى راسه الشريفه وينام عندها استدل ان من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز النظر الى الاجنبية والخلوة بها لامنه الفتنة كماا سياتي والله اعلم
وسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين وقيل كانت تلك الصلاة التي هي صلاة الظهر التي وقع التحول فيها في مسجده صلى الله عليه وسلم فخرج عباد بن بشر وكان صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومر على قوم من الانصار يصلون العصر وهم راكعون فقال اشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البيت يعني الكعبة ثم بلغ اهل قباء ذلك وهم في صلاة الصبح في اليوم الثاني اي وهم ركوع وقد ركعوا ركعة فنادى مناد الا ان القبلة قد حولت الى الكعبة فتحولوا اليها
اي وفي البخاري بينا الناس بقباء في صلاة الصبح اذ جاءهم ات فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انزل عليه الليلة قران وقد امر ان يستقبل الكعبة فاستقبلوها فاستداروا الى الكعبة وفي مسلم بدل صلاة الصبح الغداة قال الحافظ ابن حجر وهو احد اسمائها
وقد نقل بعضهم كراهة تسميتها بذلك ولم ينقل انهم امروا بقضاء العصر والمغرب والعشاء ولا اعادة الركعة التي صلوها من الصبح وهو دليل على ان الناسخ لا يلزم حكمه الا بعد العلم به وان تقدم نزوله وعلى انه يجوز ترك الامر المقطوع به وهو استقبال بيت المقدس الى امر مظنون وهو خبر الواحد
واجيب عن هذا الثاني بان الخبر المذكور احتفت به قرائن افادت القطع عندهم بصدق المخبر فلم يتركوا الامر المعلوم الا لامر معلوم ايضا على انه يجوز نسخ المتواتر بالاحاد لان محل النسخ الحكم ودلالة المتواتر عليه ظنية كما تقرر في محله ويقال ان المبلغ لهم عباد ابن بشر ايضا فيكون عباد اتى بني حارثة اولا في صلاة العصر ثم توجه الى اهل قباء فاعلمهم بذلك في وقت الصبح والقران الذي نزل قوله تعالى { قد نرى تقلب وجهك في السماء } الايات أي والى هذا يشير بعضهم بقوله ** كم للنبي المصطفى من اية ** ** غراء حار الفكر في معناها ** ** لما راى البارى تقلب وجهه ** ** ولاه ايمن قبلة يرضاها **
وعن عمارة بن اوس الانصارى قال صلينا احدى صلاتي العشى أي وهما الظهر والعصر فقام الرجل على باب المسجد ونحن في الصلاة فنادى ان الصلاة قد وجهت

نحو الكعبة فتحول امامنا نحو الكعبة وقوله تعالى { قد نرى تقلب وجهك في السماء } أي متطلعا نحو الوحى ومتشوقا للامر باستقبال الكعبة { فلنولينك } أي نحولنك { قبلة ترضاها } أي تحبها { فول وجهك شطر المسجد الحرام } اي نحوه والمراد بالمسجد الحرام الكعبة { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق } أي الرجوع الى الكعبة { من ربهم } أي لما في كتبهم من نعته صلى الله عليه وسلم بأنه يتحول الى الكعبة
اقول ولعل هذه القصة التي رواها عمارة هي التي رويت عن رافع بن خديج قال اتانا ات ونحن نصلي في بني عبد الاشهل فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امر ان يتوجه الى الكعبة فدار امامنا الى الكعبة ودرنا معه والله اعلم
واجتمع قوم من كبار اليهود وجاءوا اليه صلى الله عليه وسلم وقالوا له يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وانت تزعم انك على ملة ابراهيم ودينه أي وما كنت عليه قبلة ابراهيم وهذا بناء على دعواهم ان بيت المقدس كان قبلة الانبياء عليهم الصلاة والسلام كما سياتي عنهم وسياتي ما فيه ثم قالوا ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك وانما يريدون بذلك فتنته ليعلم الناس انه صلى الله عليه وسلم في حيرة من امره أي واختبارا لما يجدونه في نعته صلى الله عليه وسلم من انه يرجع عن استقبال بيت المقدس الى استقبال الكعبة وانه لا يرجع عن تلك القبلة وفي رواية انهم قالوا للمسلمين ما صرفكم عن قبلة موسى ويعقوب وقبلة الانبياء أي ويوافقه قول الزهرى لم يبعث الله منذ هبط آدم عليه الصلاة والسلام الى الارض نبيا الا جعل قبلته صخرة بيت المقدس ويوافق هذا ظاهر قول الامام السبكى رحمه الله تعالى في تائيته ** وصليت نحو القبلتين تفردا ** وكل نبي ماله غير قبلة **
قال شارحها يشير الى ان كل نبي كانت قبلته بيت المقدس وهو صلى الله عليه وسلم قد شاركهم فيها أي واختص بالكعبة
ومن ثم جاء في التوراة في وصفه صلى الله عليه وسلم صاحب القبلتين وفيه ان قبلة الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم انما هي الكعبة فعن ابي العالية كانت الكعبة قبلة الانبياء وكان موسى يصلي الى صخرة بيت المقدس وهي بينه وبين الكعبة ومثل هذا لا يقال الا عن توقيف أي ويقال بمثل هذا فيما تقدم عن اليهود وعن الزهري على

تسليم صحته ان صخرة بيت المقدس كانت قبلة لجميع الانبياء انهم كانوا يصلون اليها ويجعلونها بينهم وبين الكعبة فلا مخالفة
لا يقال هذا ليس اولى من العكس أي ان استقبال الانبياء للكعبة انما كانوا يجعلونها بينهم وبين صخرة بيت المقدس لانا نقول قد ذكر في الاصل في تفسير قوله تعالى { ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك } أي يكتمون ما علموا من ان الكعبة هي قبلة الانبياء أي المقصودة بالاستقبال لا انهم يستقبلونها لاجل صخرة بيت المقدس
وذكر عن بعضهم ان اليهود لم تجد كون الصخرة قبلة في التوراة وانما كان تابوت السكينة على الصخرة فلما غضب الله على بني اسرائيل رفعه فصلوا الى الصخرة بمشاورة منهم أي وادعوا انها قبلة الانبياء وما تقدم عن الزهرى تقدم الجواب عنه ثم قالوا والله ان انتم الا قوم تفتنون فانزل الله تعالى { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب } أي الجهات كلها فليامر بالتوجه الى أي جهة شاء لا اعتراض عليه { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } أي فكان اول ما نسخ امر القبلة
فعن ابن عباس اول ما نسخ من القران فيما يذكر لنا والله اعلم شان القبلة فاستقبل صلى الله عليه وسلم بيت المقدس أي بمكة والمدينة ثم صرفه الله تعالى الى الكعبة
أي واما قوله تعالى { فأينما تولوا فثم وجه الله } فمحمول على النفل في السفر اذا صلى حيث توجه
وما قيل ان سبب نزولها ما ذكره بعض الصحابة قال كنا في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر اين القبلة فصلى كل منا على حياله فلما اصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ففيه نظر لضعف الحديث او هو محمول على ما اذا صلوا باجتهاد
أي ولما توجه صلى الله عليه وسلم الى الكعبة قال المشركون من اهل مكة توجه محمد بقبلته اليكم وعلم انكم كنتم اهدى منه ويوشك أي يقرب ان يدخل في دينكم ومن ثم ارتد جماعة وقالوا مرة هاهنا ومرة هاهنا
ولما حولت القبلة الى الكعبة اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء فقدم جدار المسجد موضعه الان وقالت الصحابة له يا رسول الله لقد ذهب منا قوم قبل التحول فهل يقبل منا ومنهم فانزل الله تعالى قوله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } أي

صلاتكم الى بيت المقدس وذكر في الاصل ان الصحابة قالوا مات قبل ان تحول قبل البيت رجال وقتلوا أي وهم عشرون ثمانية عشر من اهل مكة واثنان من الانصار وهما البراء بن معرور واسعد بن زرارة فلم ندر ما نقول فيهم فانزل الله تعالى { وما كان الله ليضيع إيمانكم } الاية ولفظة القتل وقعت في البخارى
وانكرها الحافظ ابن حجر فقال ذكر القتل لم اره الا في رواية زهير وباقي الروايات انما فيها ذكر الموت فقط ولم اجد في شىء من الاخبار ان احدا من المسلمين قتل قبل تحويل القبلة لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع فان كانت هذه اللفظة محفوظة فتحمل على ان بعض المسلمين ممن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد
ثم قال وذكر لي بعض الفضلاء انه يجوز ان يراد من قتل بمكة من المستضعفين كابوي عمار فقلت يحتاج الى ثبوت ان قتلهما كان بعد الاسراء هذا كلام الحافظ وفيه ان الركعتين اللتين كان يصليهما هو والمسلمون بالغداة وبالعشى قبل فرض الصلوات الخمس كانتا لبيت المقدس فقد تقدم انه كان يصلي هو واصحابه الى الكعبة ووجوههم الى بيت المقدس فكانوا يصلون بين الركنين اليماني والذي عليه الحجر الاسود لاجل استقبال بيت المقدس وتقدم انه صلى الله عليه وسلم لم يلتزم ذلك بل كان في بعض الاوقات يصلى الى الكعبة في أي جهة اراد
ثم لما قدم المدينة صار يستقبل بيت المقدس ويستدبر الكعبة الى وقت التحويل ومن ثم قال في الاصل ولما كان صلى الله عليه وسلم يتحرى القبلتين جميعا أي يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس لم يتبين توجهه الى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكه أي فانه استدبر الكعبة واستقبل بيت المقدس
فقول ابن عباس لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة واليهود يستقبلون بيت المقدس امره الله تعالى ان يستقبل بيت لامقدس معناه امره الله تعالى ان يستمر على استقبال بيت المقدس وهذا هو المراد بقوله الذي نقله بعضهم عنه وهو انه صلى الله عليه وسلم واصحابه كانوا يصلون بمكة الى الكعبة فلما هاجروا امره الله تعالى ان يصلي نحو صخرة بيت المقدس أي يستمر على ذلك ويستدبر الكعبة ثم امره الله باستقبال الكعبة واستدبار بيت المقدس فلم يقع النسخ مرتين كما قد يفهم من ظاهر السياق ومن

قول ابن جرير رسول الله صلى الله عليه وسلم اول ما صلى الى الكعبة ثم صرف الى بيت المقدس وهو بمكة فصلى صلاة ثلاث حجج ثم هاجر فصلى اليه ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة هذا كلامه ومن ثم قال الحافظ ابن حجر هذا ضعيف ويلزم منه دعوى النسخ مرتين قيل وكان امره بمداومة استقبال بيت المقدس ليتالف اهل الكتاب لانه كان ابتداء الأمر يحب ان يتألف اهل الكتاب فيما لم ينه عنه فلا يخالف ماسبق من انه كان يحب ان يستقبل الكعبة كراهة لموافقة اليهود في استقبال بيت المقدس ولا يخالف هذا قول بعضهم كان صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة يحب موافقة اهل الكتاب فيما لم ينه عنه وبعد الفتح يحب مخالفتهم لجواز ان يكون ذلك اغلب احواله وقد يؤخذ من ان استدامة استقباله لبيت المقدس كان لتالف اهل الكتاب جواب عما يقال اذا كانت الكعبة قبلة الانبياء كلهم فلم وفق الى استقبال بيت المقدس هو بمكة بناء على ان صلاته لبيت المقدس وهو بمكة كانت باجتهاد
وحاصل الجواب انه امر بذلك او وفق اليه لانه سيصير الى قوم قبلتهم بيت المقدس ففيه تاليف لهم وقد يوافقه مافي الاصل عن محمد بن كعب القرظى قال ما خالف نبي نبيا قط في قبلة الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس أي فهو مخالف لغيره من الانبياء في ذلك وهذا موافق لما تقدم عن ابي العالية كانت الكعبة قبلة الانبياء أي ثم في السنة المذكورة التي هي الثانية فرض صوم رمضان وفرضت زكاة الفطر وطلبت الاضحية أي استحبابا
وعن ابي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان أي على ما تقدم وكان صلى الله عليه وسلم يصوم هو واصحابه قبل فرض رمضان ثلاثة ايام من كل شهر أي وهي الايام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر قيل وجوبا
فعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر الايام البيض في حضر ولا سفر وكان يحث على صيامها
وقيل كان الواجب عليه صلى الله عليه وسلم قبل فرض رمضان صوم عاشوراء ثم نسخ ذلك بوجوب رمضان
وعاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ففي البخارى ثم عن ابن عمر رضى

الله عنهما صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء فلما فرض رمضان ترك صوم عاشوراء هذا والمشهور من مذهبنا معاشر الشافعية انه لم يجب على هذه الامة صوم قبل رمضان
وحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لا دلالة فيه على الوجوب لجواز ان يكون شانه صلى الله عليه وسلم صيام تلك الايام على الوجه المذكور حتى بعد فرض رمضان وحديث البخارى ايضا لا دلالة فيه لجواز ان يكون تركه لصوم يوم عاشوراء في بعض الاحايين بعد فرض رمضان خشية اعتقاد وجوب صومه كرمضان
ويجاب بمثل ذلك عما في الترمذى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه موافقة لهم اي ولم يامر احدا من اصحابه بصيامه فلما قدم المدينة صامه وامر بصيامه فلما فرض رمضان كان رمضان هو الفريضة وترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه أي ترك صلى الله عليه وسلم صومه خوفا من توهم انه فرض كرمضان وقولها رضى الله تعالى عنها فلما قدم المدينة صامه وامر بصيامه أي لانه صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة أي في ايام قدومه للمدينة وذلك في شهر ربيع الاول وجد اليهود تصومه وتعظمه فسالهم عن ذلك فقالوا يوم عظيم انجى الله فيه موسى وقومه واغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن احق بموسى منكم فصامه وامر بصيامه كما جاء ذلك عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما
وفي كلام الحافظ ناصر الدين عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة يوم عاشوراء فاذا اليهود صيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا قالوا هذا يوم اغرق الله تعالى فيه فرعون وانجى فيه موسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا اولى بموسى فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصومه هذا حديث صحيح اخرجه البخارى ومسلم
والمدينة يحتمل ان المراد بها قباء ويحتمل ان المراد بها باطنها قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فلما فرض رمضان قال صلى الله عليه وسلم أي لاصحابه من شاء صامه ومن شاء تركه أي قال ذلك لهم خشية اعتقادهم وجوب صومه كوجوب صوم رمضان
وفي كونه صلى الله عليه وسلم وجدهم صائمين لذلك اليوم اشكال لان يوم عاشوراء

هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم كما تقدم او هو اليوم التاسع منه كما يقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فكيف يكون في ربيع الاول
واجيب بان السنة عند اليهود شمسية لا قمرية فيوم عاشوراء الذي كان عاشر المحرم واتفق فيه غرق فرعون لا يتقيد بكونه عاشر المحرم بل اتفق في ذلك الزمن أي زمن قدومه صلى الله عليه وسلم وجود ذلك اليوم بدليل سؤاله صلى الله عليه وسلم اذ لو كان ذلك اليوم يوم عاشوراء ما سال
ومما يدل على ذلك ما في المعجم الكبير للطبراني عن خارجه بن زيد قال ليس يوم عاشوراء اليوم الذي تقوله الناس انما كان يوم تستر في الكعبة وتلعب فيه الحبشة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدور في السنة وكان الناس ياتون فلانا اليهودي فيسالونه فلما مات اليهود اتو زيد بن ثابت فسالوه فصام صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم وامر بصيامه حتى انه ارسل في ذلك اليوم اسلم بن حارثة إلى قومه وهم اسلم وقال مر قومك بصيام عاشوراء فقال ارايت ان وجدتهم قد طعموا قال فليتموا أي يمسكوا تعظيما لذلك اليوم
وفي دلائل النبوة للبيهقي عن بعض الصحابيات قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم يوم عاشوراء ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو يوم عاشوراء بالرضعاء فيتفل في افواههم ويقول للامهات لا ترضعنهم الى الليل
والظاهر ان المراد بيوم عاشوراء هذا اليوم الذي هو عاشر المحرم الهلالى لا الشمسي وكذا يقال في قوله وقيل سمى الخ فليتامل
وقيل سمى يوم عاشوراء لان عشرة من الانبياء اكرمهم الله تعالى فيه بعشر كرامات تاب الله فيه على آدم واستوت فيه سفينة نوح على الجودى أي فصامه نوح ومن معه حتى الوحش شكرا لله ورفع الله فيه ادريس ونصر الله فيه موسى ونجى فيه ابراهيم من النار وفيه اخرج يوسف من السجن أي وفيه ولد وردفيه على والده يعقوب واخرج فيه يونس من بطن الحوت أي وتاب الله على اهل مدينته وتاب الله فيه على داود وعوفى فيه ايوب
وفي كلام الحافظ ابن ناصر الدين عن ابي هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل افترض على بني اسرائيل صوم يوم في السنة وهو

يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم فصوموه ووسعوا على اهاليكم فيه فانه من وسع على اهله من ماله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته فصوموه وهو اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وذكر ما تقدم وزاد عليه وانه اليوم الذي انزل الله فيه التوراة على موسى وفيه فدى الله اسمعيل من الذبح وهو اليوم الذي رد الله فيه على يعقوب بصره وهو اليوم الذي رد الله فيه على سليمان ملكه وهو اليوم الذي غفر الله فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم ذنبه ما تقدم وما تاخر واول يوم خلق من الدنيا يوم عاشوراء واول مطر نزل من السماء يوم عاشوراء واول رحمة نزلت من السماء يوم عاشوراء فمن صام يوم عاشوراء فكانما صام الدهر كله وهو صوم الانبياء الحديث بطوله ثم قال هذا حديث حسن ورجاله ثقات
وذكر الحافظ المذكور عن بعضهم قال كنت افت للنمل خبزا في كل يوم فلما كان يوم عاشوراء لم تاكل وتقدم ان الصرد اول طير صام عاشوراء
وفي كلام بعضهم ما قيل في يوم عاشوراء كانت توبة آدم الى اخر ما تقدم من الاحاديث الموضوعة وفي كلام بعض اخر ما يفعل فيه من اظهار الزينة بالخصاب والاكتحال ولبس الجديد وطبخ الحبوب والاطعمة والإغتسال والتطيب من وضع الكذابين
والحاصل ان الرافضة اتخذوا ذلك ماتما يندبون وينوحون ويحزنون فيه والجهال اتخذوا ذلك موسما وكلاهما مخطىء مخالف للسنة واما التوسعة فيه على العيال فحديثها وان لم يكن صحيحا فهو حسن خلافا لقول ابن تيمية ان التوسعة على العيال لم يرد فيها شىء عنه صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يصوم عاشوراء كما تصومه اليهود أي ويوم عاشوراء مختلف لانه عند اليهود من السنة الشمسية وعند اهل الاسلام من السنة الهلالية
وفي مسلم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشورا وامر بصيامه قال له بعض الصحابة يا رسول الله انه يوم تعظمه اليهود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كان العام المقبل صمنا اليوم التاسع قبله أي مخالفة لليهود فلم يات العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم

2 وفي هذا الحديث اشكال فان سياقه يدل على انه صلى الله عليه وسلم ما صام يوم عاشوراء ولا امر بصيامه الا في السنة التي توفى فيها وهو مخالف لما سبق
ويجاب عن هذا الاشكال بان المراد بقوله حين صام أي حين واظب على صومه اتفق ان قول بعض الصحابة ذلك كان في السنة التي توفى فيها وهو صلى الله عليه وسلم كان شانه موافقة اهل الكتاب قبل فتح مكة ومخالفتهم بعده كما تقدم وبعض متاخرى فقهائنا ظن ان قوله صلى الله عليه وسلم اذا كان العام المقبل ان شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع من تتمة حديث ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصومه فصامه وامر بصيامه فاستشكل
واجاب بان المراد لما قدم من سفرة سافرها من المدينة بعدالهجرة أي وكان قدومه من تلك السفرة في السنة التي توفى فيها وقد علمت انهم حديثان قد علمت معنى الحديث الذي تتمته اذا كان العام المقبل وفي كون اغراق فرعون ونجاة موسى كان يوم قدومه صلى الله عليه وسلم يلزم عليه ان ذلك اليوم انتقل من ذلك الشهر الى اليوم العاشر من المحرم الذي هو الشهر الهلالي من السنة الثانية واستمر كذلك كما هو ظاهر سياق الاحاديث ان الذي واظب على صيامه انما هو ذلك اليوم كونه وافق اليهود على صوم ذلك اليوم ثم خالفهم في السنة الثانية وما بعدها من ابعد البعيد
ثم رايت ابا الريحان البيروتي نازع في ذلك في كتابة الاثار الباقية عن القرون الخالية حيث قال رواية ان الله اغرق فرعون ونجى موسى وقومه يوم قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة الامتحان يشهد عليها بالبطلان وبين ذلك بما يطول وحينئذ يكون من جملة ما يحكم عليها بالبطلان اقرارهم على ذلك وكونه صلى الله عليه وسلم صامه وامر بصيامه وفرض الله عز وجل عليه صلى الله عليه وسلم وعلى امته صيام شهر رمضان او الاطعام عن كل يوم مسكينا بقوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه } من الاصحاء المقيمين { فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا } أي زاد على اطعام المسكين { فهو خير له وأن تصوموا خير لكم } أي من الفطر والاطعام فكان من شاء صام ومن شاء اطعم عن كل يوم مدا
ثم ان الله تعالى نسخ هذا التخيير بايجاب صوم رمضان عينا بقوله { فمن شهد منكم الشهر } أي علمه { فليصمه } الا في حق من لا يستطيع صومه لكبر او لمرض لا يرجى زواله فيجزيه الاطعام ورخص فيه للمريض أي اذا كان بحيث تحصل له مشقة تبيح التيمم

================

ج8كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون  علي بن برهان الدين الحلبي

وللمسافر أي الذي يباح له قصر الصلاة وان لم يحصل له مشقة بالكلية مع وجوب القضاء اذا زال المرض والسفر بقوله تعالى { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } أي فافطر فعليه صيام عدة ما افطر من ايام اخر وكانوا ياكلون ويشربون وياتون النساء مالم يناموا بعد الغروب او يدخل وقت العشاء الاخرة فاذا ناموا او دخل وقت العشاء الاخرة امتنع عليهم ذلك الى اللية القابلة ثم نسخ الله ذلك واحل الاكل والشرب واتيان النساء الى طلوع الفجر ولو بعد النوم ودخول وقت العشاء بقوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ثم قال تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } ولما فهم بعض الصحابة ان المراد الخيط حقيقة حتى صار يجعل عند وسادته حبلا ابيض وحبلا اسود انزل الله تعالى من الفجر اشارة الى ان المراد بياض النهار وسواد الليل
وذكر في التفسير في سبب نزول هذه الاية ان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه واقع اهله بعد ما صلى العشاء فلما اغتسل اخذ يبكي ويلوم نفسه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اعتذر الى الله واليك من نفسي هذه الخاطئة اني رجعت الى اهلي فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت اهلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر فقام رجال فاعترفوا بمثله فنزلت وذكر له صلى الله عليه وسلم ان بعض اصحابه سقط مغشيا عليه بسبب الصوم فساله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فاخبر انه اهل حرث وانه جاء لينظر ما تعمله له زوجته ليتعشى به فغلبته عينه فنام فلم يستيقظ الا بعد الغروب فلم يتناول شيئا فانزل الله تعالى { وكلوا واشربوا } الاية وقوله تعالى { كما كتب على الذين من قبلكم } جاء في بعض الروايات ان المراد بهم اهل الكتاب أي اليهود والنصارى وجاء في بعضها ان المراد بهم النصارى خاصة وجاء في بعض الروايات ان المراد بهم جميع الامم السابقة فقد جاء ما من امة الا وجب عليها صوم رمضان الا انهم اخطئوه ولم يهتدوا له وهذه الرواية تدل على انه لم يصمه احد من الامم السابقة فصومه من خصوصيات هذه الامة
وفي الانساب لابن قتيبة اول من صام رمضان نوح عليه الصلاة والسلام هذا كلامه وفي بعض الروايات ما يفيد ان النصارى صامته واتفق انه وقع في بعض السنين في شدة الحر فاقتضى رايهم تاخيره بين الصيف والشتاء وان يزيدوا في مقابلة تاخيره

عشرين يوما وعلى هذا فصومه ليس من خصائص هذه الامة وقيل التشبيه انما هو في مطلق الصوم لافي خصوص صوم رمضان لانه كان الواجب على جميع ما تقدم من الامم صوم ثلاثة ايام من كل شهر صام ذلك نوح فمن دونه حتى صامه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم وتقدم ان تلك الايام التي صامها صلى الله عليه وسلم كانت البيض التي هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وتقدم انه قيل ان صوم ذلك كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى امته
وقيل كان الواجب عليه وعلى اصحابه قبل صوم رمضان عاشوراء وتقدم رده وكان فرض زكاة الفطر قبل العيد بيومين وكان صلى الله عليه وسلم يخطب قبل العيد بيومين يعلم الناس زكاة الفطر فيامر باخراج تلك الزكاة قبل الخروج إلى صلاة العيد أي بعد ان شرعت لان مشروعيتها تاخرت عن مشروعية صلاة عيد الاضحى وكان فرض زكاة الفطر قبل فرض زكاة الاموال وكان فرض زكاة الاموال في تلك السنة التي هي الثانية ولم اقف على خصوص الشهر الذي وجبت فيه قال بعضهم ولعل هذا محمل قول بعض المتاخرين المطلعين على الفقه والحديث لم يتحرر لي وقت فرض الزكاة أي زكاة المال ولعله عنى ببعض المتاخرين الامام سراج الدين البلقيني رحمه الله لان الامام سراج الدين البلقيني سئل هل علمت السنة التي فرضت فيها زكاة المال فاجاب بقوله لم يتعرض الحفاظ ولا اصحاب السير للسنة التي فرض فيها زكاة المال ووقع لي حديثان ظهر منهما تقريب ذلك ولم اسبق اليه ثم قال فقد ظهر ان زكاة المال بعد زكاة الفطر وقيل قدوم ضمام بن ثعلبة وقدومه كان في السنة الخامسة هذا كلامه
وقيل فرضت زكاة الفطر قبل الهجرة وعليه يحمل ظاهر مافي سفر السعادة كان صلى الله عليه وسلم يرسل مناديا ينادي في الاسواق والمحلات والازقة من مكة ألا ان صدقة الفطر واجبه على كل مسلم ومسلمة الحديث
ورد بانه لم يفرض قبل الهجرة بعد الايمان الا الصلوات الخمس وكل الفروض فرضت بعد الهجرة وفيه انه فرض قيام الليل كما تقدم وصلاة الركعتين بالغداة والركعتين بالعشى على ما تقدم الا ان يقال المراد الفروض الموجودة الان المستمر فرضها وما تقدم عن سفر السعادة يجوز ان يكون صلى الله عليه وسلم يرسل المنادي الذي ينادي في مكة بوجود زكاة الفطر وهو بالمدينة بعد وجوبها بالمدينة وامر صلى الله عليه وسلم ان

تخرج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والانثى صاع من تمر او صاع من شعير او صاع من زبيب او صاع من بر فكان يصلى العيدين قبل الخطبة بلا اذان ولا اقامه أي بل يقال الصلاة جامعة لكن في سفر السعادة وكان صلى الله عليه وسلم اذا بلغ المصلى شرع في الصلاة من وقته بلا اذان ولا اقامه ولا الصلاة جامعة والسنة ان لا يكون شىء من هذا كله هذا كلامه وكانت تحمل العنزة بين يديه فاذا وصل المصلى نصبت تجاهه وهي عصا قدر نصف الرمح في اسفلها زج من حديد وكانت تلك العنزة للزبير بن العوام قدم بها من ارض الحبشة فاخذها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يصلى اليها أي اخذها منه بعد وقعة بدر وقد قتل بها الزبير عبيدة بفتح العين المهملة وبضمها ابن سعيد بن العاص الذي كان يقال له ابو ذات الكرش قال الزبير لقيته لا يرى منه الا عيناه فقال لي انا ابو ذات الكرش فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات واردت اخراجها فوضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد ان نزعتها وقد انثنى طرفها ولما قبض صلى الله عليه وسلم اخذها الزبير ثم طلبها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأعطاه إياها فلما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه أخذها الزبير ثم سألها عمر رضى الله تعالى عنه فاعطاه اياها فلما قبض عمر اخذها ثم طلبها عثمان فاعطاه اياها فلما قتل دفعت الى على ثم اخذها عبدالله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل
وكان صلى الله عليه وسلم اذا رجع من صلاة عيد الفطر وخطبته يقسم زكاة الفطر بين المساكين ولعل المراد الزكاة المتعلقة به لانه تقدم انه صلى الله عليه وسلم كان يامر الناس باخراجها قبل الصلاة الا ان يقال المراد باخراجها جمعها له صلى الله عليه وسلم ليفرقها
واذا فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاة الاضحى وخطبته يؤتى له بكبشين وهو قائم في مصلاه فيذبح احدهما بيده ويقول هذا عن امتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ
وعند الحاكم عن ابي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا اقرن بالمصلى أي بعد ان قال بسم الله والله اكبر وقال اللهم هذا عني وعمن لم يضح من امتي
استدل بذلك على ان من خصائصه صلى الله عليه وسلم ان يضحى عن غيره بغير

اذنه ويذبح الاخر ويقول هذا عن محمد وال محمد فياكل هو واهله منهما ويطعم المساكين ولم يترك الاضحيه قط وهل كانت الانبياء من بعد ابراهيم تضحي هم وأممهم او هم خاصة وكان في مسجده صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قبل ان يوضع له المنبر يخطب ويسند ظهره الى اسطوانة من جذوع النخل او من الدوم وهو شجر المقل
وعبارة بعضهم كان يخطب الناس وهو مستند الى جذع عند مصلاه في الحائط القبلي فلما كثر الناس أي وقالوا له صلى الله عليه وسلم لو اتخذت شيئا تقوم عليه اذا خطبت يراك الناس وتسمعهم خطبتك فقال ابنوا لي منبرا فلما بنى له المنبر عتبتين اى ومحل الجلوس فكان ثلاث درجات وقام عليه في يوم جمعة أي وخطب وفي لفظ لما عدل إلى المنبر ليخطب عليه وجاوز ذلك الجذع سمع لتلك الاسطوانة حنين كحنين الوالة بصوت هائل سمعه اهل المسجد حتى ارتج اى اضطرب المسجد وكثر بكاء الناس لذلك ولا زالت تحن حتى تصدعت وانشقت اى وفي رواية سمع له صوت كصوت العشار اى النوق التي اتى لحملها عشرة اشهر وقيل التي اخذ ولدها وفي بعض الروايات كحنين الناقة الحاوج وهي التي انتزع ولدها منها وفي رواية جأر بفتح الجيم وبعدها همزة مفتوحة اى صوت او بالحاء المعجمة بلا همزة وهو بمعناه كخوار الثور فنزل صلى الله عليه وسلم فالتزمها وحضنها أي فجعلت تئن انين الصبي الذي يسكت فيسكت
أي وفي كلام بعضهم وذكر الاسفراينى ان النبي صلى الله عليه وسلم دعاه الى نفسه فجاءه يخرق الارض فالتزمه فعاد الى مكانه وفى رواية ووضع يده عليها وقال لها اسكني واسكتي فسكتت وفي رواية ان هذا اى الجذع يبكي لما فقد من الذكر والذي نفسي بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا أي يحن الى يوم القيامة زاد في رواية حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله لما فقد من الذكر هو واضح على الرواية الاولى واما على الثانية فالمراد لما يفقده من الذكر والى حنين الجذع اشار الامام السبكى رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** وحن اليك الجذع حين تركته ** حنين الثكالى عند فقد الاحبة **
وعن بعضهم قال قال لي الامام الشافعي رضى الله تعالى عنه ما اعطى الله نبيا ما اعطى محمدا صلى الله عليه وسلم فقلت اعطى عيسى احياء الموتى فقال اعطى

محمدا صلى الله عليه وسلم حنين الجذع فهذا اكبر من ذاك وفي رواية لا تلوموه أي الجذع على حنينه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارق شيئا الا وجد عليه أي حزن وفي رواية انه قال له ان شئت اردك الى الحائط أي البستان الذي كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد لك خوص وثمرة وان شئت اغرسك في الجنة فيأكل اولياء الله من ثمرك ثم اصغى له صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقول فقال بصوت سمعه من يليه بل تغرسني في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت قد فعلت وفي رواية لما اصغى اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الله سئل فقال اختار ان اغرسه في الجنة أي وفي رواية اختار دار البقاء على دار الفناء ولا يخالف ما قبله لانه يجوز ان يكون السائل من غير من سمع جوابه وامر به فدفن تحت المنبر وقيل جعل في السقف واخذ عنده ابى رضى الله عنه بعد ان هدم المسجد وازيل سقفه فكان عنده الى ان اكلته الارضة وعاد رفاتا أي متكسرا من شدة اليبس
اقول في سيرة الحافظ الدمياطى قالوا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب الى جذع في المسجد قائما فقال ان القيام شق علي فقال له تميم الدارى الا اعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام أي تصنعه النصارى في كنائسهم لاساقفتهم تسمى المرقاة يصعدون اليها عند تذكيرهم فتشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين في ذلك فراوا ان يتخذوه فقال العباس بن عبد المطلب رضى الله عنهما ان لي غلاما يقال له كلاب اعلم الناس أي بالنجارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره ن يعمله فارسله الى اثلة بالغابة فقطعها ثم عمل منها درجتين ومقعدا ثم جاء به فوضعه في موضعه اليوم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام عليه أي وقال ان اتخذ منبرا فقد اتخده ابى ابراهيم أي ولعله صلى الله عليه وسلم عنى به المقام الذي كان يقوم عليه عند بناء البيت وهو الحجر الا ان ثبت ان ابراهيم كان له منبر يحدث عليه الناس
وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند المنبر يقول ياخذ الجبار بسمواته وارضه بيده ثم يقول انا الجبار انا الجبار اين الجبارون اين المتكبرون ويميل يعني النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وشماله حتى نظرت الى المنبر يتحرك حتى اني اقول اساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي

رواية عنه فقال المنبر هكذا وهكذا فجاء وذهب ثلاث مرات وفي رواية عن عائشة رضى الله تعالى عنها فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم منبره حتى قلن ليحزن وقال منبري هذا على ترعه بضم المثناة فوق واسكان الراء وبالعين المهملة من ترع الجنة أي افواه جداول الجنة وقوائم منبري رواتب أي ثوابت في الجنة وقال صلى الله عليه وسلم منبري على حوضي وقال ان حوضي كما بين عدن الى عمان اشد بياضا من اللبن واحلى من العسل واطيب رائحة من المسك اباريقه عدد نجوم السما من شرب منه شربة لم يظما بعدها ابدا واكثر الناس ورودا عليه يوم القيامة فقراء المهاجرين قلنا من هم يا رسول الله قال الشعثة رؤسهم الدنسة ثيابهم الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم السدد أي الابواب الذين يعطون الذي عليهم ولا ياخذون الذي لهم وقال صلى الله عليه وسلم مابين قبري ومنبري وفي رواية يدل قبري بيتي وفي لفظ حجرتي والمراد قبره الشريف فانه في حجرته وحجرته هي بيته صلى الله عليه وسلم روضة من رياض الجنة أي يكون بعينه في الجنة بقعة من بقاعها أي ينقلها الله تعالى فتكون في الجنة بعينها
وقيل ان الصلاة والدعاء فيها يستحق بذلك من الثواب ما يكون موجبا لدخول الجنة كما قيل بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم الجنة تحت ظلال السيوف مع ان تلك السيوف كانت بارض الكفر وقيل انها لبركتها اضيفت الى الجنة كما قيل في الضان انها من دواب الجنة
وقال ابن حزم ليس على ما يظنه اهل الجهل من ان تلك الروضة قطعة مقتطعة من الجنة وقال صلى الله عليه وسلم من حلف على منبري كاذبا ولو على سواك اراك فيتبوأ مقعده من النار وفي رواية الا وجبت له النار
اقول وجاء انه صلى الله عليه وسلم كان على المنبر يعتمد على عصا من شوحط وفي الهدى لم يعتمد صلى الله عليه وسلم في خطبته على سيف ابدا وقبل ان يتخذ له المنبر كان يعتمد على قوس او عصا أي وقيل كان يعتمد على قوس ان خطب في الحرب على عصا ان خطب في غيره
واختلف فيها يعني تلك العصا هل هي العنزة لتي كان يصلي اليها او غيرها وما يظنه بعض الناس من انه كان يعتمد على سيف وان ذلك اشارة الى ان الدين قام

بالسيف فمن فرط جهله هذا كلامه وفيه ان بعض فقهائنا ذكر ان اعتماده في خطبته كان على سيف روى ولم يثبت
وذكر فقهاؤنا تلك الحكمة حيث قالوا وحكمة اعتماده على العصا او القوس او السيف الاشارة إلى ان هذا الدين قام بالسلاح وقول صاحب الهدى وكان قبل ان يتخذ المنبر يعتمد على قوس او عصا يقتضى ان بعد اتخاذ المنبر لم يعتمد على شىء من ذلك أي وصرح به صاحب القاموس في سفر السعادة حيث قال لم يكن ياخذ السيف والحربة بيده بل كان يعتمد على القوس او العصا وذا قبل اتخاذ المنبر واما بعد اتخاذ المنبر فلم يحفظ انه اعتمد على العصا ولا على القوس ولا على غير ذلك هذا كلامه فيكون الاعتماد على ذلك فوق المنبر بدعة وهو خلاف ما عليه ائمتنا من انه يسن ان يشغل يمناه بحرف المنبر ويسراه بما يعتمد عليه من نحو العصا لكن قالوا كعادة من يريد الضرب بالسيف والرمي بالقوس وهو لا ياتي في العصا ولا ياتي في السيف اذا كان في غمده
ووجود المرقى الذى يقرأ الاية والخبر المشهور بدعة لانه حدث بعد الصدر الاول ولم اقف على اول زمان فعل فيه ذلك لكن ذكر بعضهم انه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع امر من يستنصت له الناس عند ارادة خطبته وعليه ان كان استنصتهم بالحديث فذكر المرقى للخبر ليس من البدعة الا ان يقال هو بالنسبة لخطبة الجمعة بدعة لانه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الحديث على المنبر فالسنة ان يذكره الخطيب كذلك
ففي سفر السعادة وكان صلى الله عليه وسلم في اثناء الخطبة يامر الناس بالانصات ويقول ان الرجل اذا قال لصاحبه انصت فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له وكان صلى الله عليه وسلم يقول من تكلم يوم الجمعة والامام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل اسفارا والذي يقول انصت ليس له جمعة
وقول الحافظ الدمياطي كان صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع قائما وانه قال ان القيام شق على يقتضى ان حنين الجذع كان عند قيامه على ذلك المنبر من الخشب وانه لم يتخذ قبل ذلك المنبر من الطين الذي قدمناه وفيه نظر وكذا في قوله وقال له تميم الدارى الى اخره لان تميما الدارى انما اسلم في السنة التاسعة وهذا المنبر الذي من الخشب انما فعل في السابعة او الثامنة وعلى هذا اقتصر الاصل حيث قال في الحوادث

وفيها أي السنة الثامنة اتخاذ المنبر والخطبة عليه وحنين الجذع وهو اول منبر عمل في الاسلام وهو في ذلك موافق لما قدمه هو أي الاصل من اتخاذ المنبر له من الطين قبل ذلك وانه كان عنده حنين الجذع
وعلى كون المنبر عمل في الثامنة لا يشكل كون العباس رضى الله تعالى عنه امر غلامه بعمله لان العباس رضى الله عنه قدم المدينة في السنة الثامنة لكن في بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم دعا رجلا فقال اتصنع لي المنبر قال نعم قال ما اسمك قال فلان قال لست بصاحبه ثم دعا اخر فقال له مثل ذلك ثم دعا الثالث فقال له ما اسمك قال ابراهيم قال خذ في صنعته فصنعه وفي رواية عمله رجل رومى اسمه باقوم غلام سعيد بن العاص أي ولعله هو الذي تقدم ذكره عند بناء قريش للكعبة
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم ارسل الى امراه فقال لها مرى غلامك يعمل لي اعوادا اكلم الناس عليها فعمل له صلى الله عليه وسلم درجات من طرفاء الغابة ويجوز ان يكون غلام العباس رضى الله تعالى عنه انتقل الى ملك تلك المرأه وانه كان غلاما لسعيد بن العاص وانه اشترك في عمله مع ابراهيم المتقدم ذكره فنسب لكل منهما
فعلم من كلام الاصل في غير الحوادث انه كان صلى الله عليه وسلم يخطب اولا على الجذع ثم على المنبر من الطين وان حنين الجذع كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر من الطين وهو مخالف لكلامه في الحوادث ان حنين الجذع كان عند اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر من الخشب ويكون ذكر حنين الجذع عند القيام عليه من تصرف بعض الرواة لان حنين الجذع لم يتكرر حتى يقال جاز ان يكون كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على المنبر من الطين ثم عند قيامه على المنبر من الخشب
ثم رأيته في النور رجع كلام الاصل في غير الحوادث الى كلام الاصل في الحوادث من انه صلى الله عليه وسلم لم يكن له منبر من طين حيث قال قوله أي الاصل فبنوا له منبرا وهذا الكلام فيه تجوز يعنى اتخذوا له منبرا وذلك لان المنبر كان من طرفاء الغابة وهو شجر معروف هذا كلامه وليته عكس لان هذا منه يقتضى حينئذ ان يكون صلى الله عليه وسلم استمر من حين خطب في المسجد الى السنة الثامنة يخطب الى الجذع لان المنبر من الخشب اتخذ في السنة الثامنة كما تقدم عن الاصل

ويشكل عليه قول عائشة رضى الله تعالى عنها في قصة الافك فثار الحيان الاوس والخزرج حتى كادوا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر لان قصة الافك كانت في سنة خمس
ثم رايت في كتاب الشريعة للاجرى عن انس بن مالك رضى الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم يخطب مسندا ظهره الى خشبة فلما كثر الناس قال ابنوا لي منبرا فبنوا له عتبتين أي غير المستراح فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة الحديث
وعن سهل بن سعد رضى الله تعالى عنه لما كثر الناس وصار يجىء القوم ولا يكادون يسمعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطبة قال الناس يا رسول الله قد كثر الناس وكثير منهم لا يكاد يسمع كلامك فلو انك اتخذت شيئا تخطب عليه مرتفعا من الارض ويسمع الناس كلامك فارسل صلى الله عليه وسلم الى غلام نجار لامرأة من الانصار فاتخذ له مرقاتين من طرفاء الغابة فلما قام حنت الخشبة التي كان يخطب اليها هذا كلامه وهو موافق لما تقدم عن الاصل في الحوادث
والذي ينبغي الجمع بين الروايتين لان ما علم من ان اتخاذ المنبر من طرفاء الغابة كان بعد اتخاذه من الطين لانه اقوى في الارتفاع من منبر الطين وكون حنين الجذع عند اتخاذ المنبر من الطرفاء من تصرف بعض الرواة لان حنينه انما كان عند اتخاذ المنبر من الطين ولم يتكرر حنينه كما تقدم
ولما ولى معاوية الخلافة كسا ذلك المنبر قبطية ثم كتب الى عاملة بالمدينة وهو مروان ابن الحكم ان يرفع ذلك المنبر عن الارض فدعا بالنجارين وفعل ست درج ورفع ذلك المنبر عليها فصارت تسع درجات وهذا يدل على ان قوله فاتخذ له مرقاتين أي غير المستراح ومن ثم تقدم فعمل له درجات
وقيل امره بحمله الى الشام فلما ارادوا قلعة اظلمت المدينة وكسفت الشمس حتى بدت النجوم وثارت ريح شديدة فخرج مروان الى الناس فخطبهم وقال يا اهل المدينة انكم تزعمون ان امير المؤمينن بعث الى ان ابعث اليه بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وامير المؤمنين اعلم بالله من ان يغير منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انما امرني ان اكرمه وارفعه ففعل ما تقدم
وقيل ان معاوية لما حج اراد ان ينقل المنبر الى الشام فحصل ما تقدم من كسوف

الشمس الخ فاعتذر معاوية للناس وقال اردت ان انظر الى ما تحته وخشيت عليه من الارضة وكساه يومئذ قبطية
ولا مانع من تعدد الواقعة وان واقعة معاوية سابقة على واقعة مروان لقوله لانظر ما تحته والا فمروان رفعه عن الارض
ثم ان هذا المنبر احرق بسبب الحريق الواقع في المسجد اول مرة فارسل صاحب اليمن منبرا فوضع موضعه مكث عشر سنين
وفي الامتاع ثم تهافت المنبر النبوى على طول الزمان فعمل بعض خلفاء بني العباس منبرا واتخذ من اعواد المنبر النبوى امشاطا يتبرك بها فاحترق هذا المنبر المجدد في حريق المسجد فبعث المظفر ملك اليمن منبر هذا كلامه ثم ارسل الملك الظاهر بيبرس من مصر منبرا فرفع منبر صاحب اليمن ووضع منبر الملك الظاهر فمكث مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة فبدأفيه اكل الارضة فارسل الظاهر برقوق منبرا فرفع منبر الملك الظاهر بيبرس ووضع منبر الملك الظاهر برقوق ومكث ثلاثا أو اربعا وعشرين سنة
ثم ان السلطان المؤيد شيخ لما بنى مدرسته بالقاهرة التي يقال لها المؤيدية عمل اهل الشام له منبرا وارسلوا به اليه ليجعله في مدرسته فوجد اهل مصر قد صنعوا لها منبرا فسير المؤيد منبر اهل الشام إلى المدينة فمكث سبعا وستين سنة ثم احرق في الحريق الواقع في المسجد ثاني مرة ثم جعل موضعه منبر مبنى بالاجر مطلى بالنورة فمكث احدى وعشرين سنة ثم جعل موضعة المنبر الرخام الموجود الان
قيل واعجب منبر في الدنيا منبر جامع قرطبة قاعدة بلاد الاندلس بالمغرب ذكر ان خشبه من ساج وابنوس وعود قاقلى احكم عمله ونقشه في سبع سنين وكان يعمل فيه سبع صناع لكل صانع في كل يوم نصف مثقال ذهب فكان جملة ما صرف على اجرته عشرة الاف مثقال وخمسين مثقالا وبالجامع المذكور مصحف فيه اربع ورقات من مصحف عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه بخط يده وفيه نقط من دمه وفي هذا المسجد ثلاثة اعمدة حمر مكتوب على احدها اسم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني صفة عيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام واهل الكهف وعلى الثالث صورة غراب نوح الجميع خلقة ربانية ولا بدع

فقد ذكر بعضهم رايت بحمام القاهرة رخامة عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم مفسرا يقرؤه كل احد خلقه
وعن سهل قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم اول يوم جلس على المنبر أي من الخشب كبر فكبر الناس خلفه ثم ركع وهو على المنبر ثم رجع فنزل القهقرى ثم سجد في اصل المنبر ثم عاد حتى اذا فرغ من الصلاة يصنع فيها كما يصنع في الركعة الاولى فلما فرغ اقبل على الناس وقال ايها الناس انما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي وقوله لتأتموا بي أي تقتدوا بي في مثل هذا الفعل من الاحرام والركوع على المحل المرتفع ثم النزول عنه والسجود تحته ثم الصعود اليه وهكذا الى ان تتم الصلا وهذا عند أئمتنا مخصوص جوازه بما اذا لم يلزم عليه استدبار القبلة او توالى حركات ثلاث وقوله ولتعلموا صلاتي هو واضح لو كان ذلك اول صلاة الا ان يقال المراد ولتعلموا جواز صلاتي هذه
وفي كلام فقهائنا انه صلى الله عليه وسلم كان ينزل من المنبر ويسجد للتلاوة اسفل المنبر واخر الأمرين ترك ذلك فعلم ان منبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درجات بالمستراح وحينئذ يشكل ان صح ما روى ان ابا بكرنزل درجة عن موقفه صلى الله عليه وسلم وعمر نزل درجة اخرى وعثمان درجة اخرى ومن ثم قال في النور وهذا يدل على انه كان اكثر من ثلاث درجات أي اربعة غير المستراح والا يلزم ان يكون عمر وعثمان كانا يخطبان على الارض
قال ويمكن تأويله هذا كلامه ولينظر ما تأويله فانه يلزم على كونه درجتين غير المستراح ان يكون الصديق كان يخطب على الدرجة الثانية وعمر يخطب على الارض وان عثمان فعل كفعل عمر وحينئذ لا يحسن قولهم وعثمان نزل درجة اخرى اذ لا درجة بعد الدرجة الثانية ينزل عنها وحينئذ يشكل مافي الامتاع وهو كان منبره صلى الله عليه وسلم درجتين ومجلسا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس على المجلس ويضع رجليه اذا قعد على الدرجة الثانية فلما ولى ابو بكر رضى الله تعالى عنه قام على الدرجة الثانية ووضع رجليه على الدرجة السفلى فلما ولى عمر رضى الله تعالى عنه قام على الدرجة السفلى ووضع رجليه على الارض اذا قعد فلما ولى عثمان رضى الله تعالى عنه فعل كذلك أي كفعل عمر ست سنين من خلافته ثم علا الى موضع وقوفه صلى الله عليه وسلم هذا كلامه

وكان ينبغي ان يقول بدل قوله فلما ولى ابو بكر قام على الدرجة الثانية جلس على الدرجة الثانية وكذا قوله فلما ولى عمر قام على الدرجة السفلى جلس على الدرجة السفلى أي فقد خطب على الارض وكذا عثمان
وذكر فقهاؤنا أن منبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير الدرجة التي تسمى المستراح وتسمى بالمقعد والمجلس فكان صلى الله عليه وسلم يقف على الثالثة أي بالنسبة للسفلى وإذا جلس يجلس على المستراح ويجعل رجليه محل وقوفه إذا قام للخطبة وكذا الخلفاء الثلاثة كل يجعل رجليه محل وقوفه
ويذكر أن المتوكل قال يوما لجلسائه وفيهم عبادة أتدرون ما الذي نقم على عثمان نقم عليه أشياء منها أنه قام أبو بكر رضي الله تعالى عنه دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرقاة ثم قام عمر رضي الله تعالى عنه عنه دونه بمرقاة فصعد عثمان رضي الله تعالى عنه ذروة المنبر فقال له عبادة ما أحد أعظم منه عليك يا أمير المؤمنين من عثمان قال وكيف ذاك قال لأنه صعد ذروة المنبر وإنه لو كان كلما قام خليفة نزل عمن تقدمه كنت أنت تخطبنا في بئر عميق فضحك المتوكل ومن حوله وكون عثمان صعد ذروة المنبر إنما هو في آخر الأمر كما علمت
وفي كلام بعضهم أول من اتخذ المنبر خمس عشرة درجة معاوية رضي الله تعالى عنه وأنه أول من اتخذ الخصيان في الإسلام وأول من قيدت بين يديه الجنائب وعثمان أول من كسا المنبر قبطية
وعن الواقدي أن امرأة سرقت كسوة عثمان للمنبر فأتى بها إليه فقال لها عثمان هل سرقت قولي لا فاعترفت فقطعها ثم كساه معاوية كما تقدم ثم كساه عبد الله ابن الزبير فسرقتها امرأة فقطعها كما قطع عثمان ثم كساه الخلفاء من بعده & باب غزوة بدر الكبرى
ويقال لها بدر العظمى ويقال لها بدر القتال ويقال بدر الفرقان أي لأن الله تعالى فرق فيها بين الحق والباطل
ثم إن العير التي خرج صلى الله عليه وسلم في طلبها حتى بلغ العشيرة ووجدها سبقته بأيام لم يزل مترقبا قفولها أي رجوعها من الشأم فلما سمع بقفولها من الشأم ندب المسلمين

أي دعاهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا اليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب ناس أي أجابوا وثقل آخرون أي لم يجيبوا لظنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلق حربا ولم يحتفل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يهتم بها بل قال من كان ظهره أي ما يركبه حاضرا فليركب معنا ولم ينتظر من كان ظهره غائبا عنه
ولما خرج صلى الله عليه وسلم إلى بدر قالت له أم ورقة بنت نوفل يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله يرزقني الشهادة فقال لها قرى في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة وكانت قد قرأت القرآن فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة فكان الناس يقولون لها الشهيدة فلما كان زمن خلافة سيدنا عمر عدا عليها غلام وجارية كان دبرتهما فغمياها بقطيفة إلى أن ماتت فجيء بهما إلى سيدنا عمر فأمر بصلبهما فكانا أول مصلوب بالمدينة وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول انطلقوا بنا نزور الشهيدة
فكان أبو سفيان حين دنا بالعير من أرض الحجاز يتجسس الأخبار أي يبحث عنها ويسأل من لقي من الركبان تخوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه للعير أي ويقال إنه لقي رجلا فأخبره أنه صلى الله عليه وسلم قد كان عرض لغيره في بدايته وأنه تركه مقيما ينتظر رجوع العير فخاف خوفا شديدا فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري أي استأجره بعشرين مثقالا ولا يعرف له إسلام والذي من الصحابة ضمضم بن عمر الخزاعي ليأتي مكة أي وأن يجدع بعيره وأن يحول رحله ويشق قميصه من قبله ومن دبره إذا دخل مكة ويستنقر قريشا ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم هو وأصحابه فخرج ضمضم سريعا إلى مكة وقبل أن يقدم بثلاث ليال رأت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم اختلف في إسلامه رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني أي اشتدت على وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك
قال وفي رواية أنها قالت له لن أحدثك حنى تعاهدني أن لا تذكرها فإنهم إن

سمعوها تعني كفار قريش آذونا واسمعونا ما لا نحب فعاهدها العباس اه فقال لها ما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح أي وهو ما بين المحصب ومكة ثم صرخ بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر أي يا أصحاب الغدر وعدم الوفاء إلى مصارعكم في ثلاث أي بعد ثلاثة أيام
وفي كلام السهيلي يا آل غدر بضم الغين والدال جمع غدور أي إن تخلفتم فأنتم غدر لقومكم قالت فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره أي انتصب به على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت أي تكسرت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلها منه فلقة فقال لها العباس والله إن هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها لأحد ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة أي وكان صديقا له فذكرها له أي واستكتمه فذكرها الوليد لأبيه عتبة فتحدث بها ففشا الحديث قال العباس فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال أبو جهل لعنه الله يا بني عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال ذاك الرؤيا التي رأت عاتكة فقلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تستنبأ رجالكم حتى تستنبأ نساؤكم
وفي رواية ما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء اه قال أبو جهل قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقا ما تقول فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا وفي رواية أن العباس قال لأبي جهل هل أنت منته يا مصفر استه أي يا مابون أو يا جبان أو الذي يغير لون البرص الذي بمقعدته الزعفران فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك فقال من حضرهما ما كنت يا أبا الفضل جهولا ولا خرقا ولقي العباس رضي الله تعالى عنه من أخته عاتكة أذى شديدا حين أفشى من حديثها قال العباس فلم أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب

إلا أتتني أقررتم أي قائلة أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت
ثم قلت لهن وايم الله لأتعرضن له وإن عاد قاتلته وغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود إلى بعض ما قال فأوقع به إذ هو قد خرج نحو باب المسجد يشتد أي يعدو فقلت في نفسي ماله لعنه الله أكل هذا فرق أي خوف مني فإذا هو يسمع ما لم أسمع سمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره أي قطع أنفسه وأذناه وحول رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطمة اللطيمة أي أدركوا اللطيمة وهي العير التي تحمل الطيب والبز أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها وفي لفظ إن أصابها محمد لم تفلحوا أبدا الغوث الغوث قال العباس فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر فتجهز الناس سراعا أي وفزعوا أشد الفزع وأشفقوا أي خافوا من رؤيا عاتكة
ويروى أنه قالوا أيظن محمد واصحابه ان تكون كعير ابن الحضرمي والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا أي وأعان قويهم ضعيفهم وقام أشراف قريش يحضون الناس على الخروج وقال سهيل بن عمرو يا آل غالب أتاركون أنتم محمدا والصباة من أهل يثرب يأخذون أموالكم من أراد مالا فهذا مالي ومن أراد قوتا فهذا قوتي ولم يتخلف من أشراف قريش إلا أبو لهب أي خوفا من رؤيا عاتكة فإنه كان يقول رؤيا عاتكة كأخذ بيد أي صادقة لا تتخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة أي استأجره بأربعة آلاف درهم كانت له عليه دينا أفلس بها أي قال له أخرج وديني لك أي ويقال إن ذلك الدين كان ربا ومن ثم جاء في لفظ وكان لاطه بأربعة آلاف درهم قال أبو عبيد وسمى الربا لياطا لأنه ملصق بالبيع وليس ببيع
وفي كلام البلاذري أنه قامر أبا لهب على أن يطيعه فيما أراد فقمره أبو لهب فأسلمه إلى ضيق أي ضيق عليه بالطلب ثم قامره فقمره أبو لهب أيضا فأرسله مكانه إلى بدر

وهشام هذا قتله عمر بن الخطاب في هذه الغزوة حتى إن أمية بن خلف أراد القعود وكان شيخا جسيما ثقيلا فجاء إليه وهو جالس مع قومه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها مجمر أي بخور يحملها حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء فقال له قبحك الله وقبح ما جئت به أي وكان عقبة كما في فتح الباري سفيها وكان أبو جهل سلط عقبة على ذلك وفي لفظ أتاه أبو جهل فقال له يا ابا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي وفي لفظ وأنت من أشراف الوادي تخلفوا معك فسر يوما أو يومين أي ولا مانع من وجود ذلك كله فتجهز مع الناس
أي وسبب تخلفه أن سعد بن معاذ قدم مكة معتمرا فنزل عليه لأن أمية كان ينزل على سعد بالمدينة إذا ذهب إلى الشام في تجارته فقال سعد لأمية أنظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفلت الناس انطلقت فطفت وفي لفظ فخرج أمية به قريبا من نصف النهار فبينما سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل فقال من هذا الذي يطوف فقال له سعد أنا سعد بن معاذ فقال له أبو جهل أتطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا واصحابه وفي لفظ آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما فتلاحيا أي تخاصم وسعد يرفع صوته بقوله أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة فصار أمية يقول لسعد لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي وجعل يسكت سعدا فقال سعد لأمية إليك عني فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك قال إياي قال نعم قال بمكة قال لا أدري قال والله ما كذب محمد فكاد يحدث أي يبول في ثيابه فزعا فرجع إلى امرأته فقال ما تعلمين ما قال أخي اليثربي يعني سعد بن معاذ قالت وما ذاك قال زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي قالت فوالله ما يكذب محمد قال فلما جاء الصريخ واراد الخروج قالت له امرأته أما علمت ما قال لك أخوك اليثربي قال فإني إذن لا أخرج فلما صمم على عدم الخروج بل أقسم بالله لا يخرج من مكة قيل له ما تقدم فخرج ناويا أن يرجع عنهم
أي ومعنى كونه صلى الله عليه وسلم قاتله أنه كان سببا في قتله وإلا فهو صلى الله عليه

وسلم لم يباشر إلا قتل أخيه وهو أبي بن خلف في أحد كما سيأتي ومن ثم جاء في رواية قال لأمية إن أصحابه يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقتلونك
ويحتمل أن سعد بن معاذ رضي الله عنه سمعه صلى الله عليه وسلم يقول أنا اقتل أبي ابن خلف ففهم رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم يريد أمية لا أبيا
أي وفي الإمتاع أن أمية بن خلف وعتبة وشيبة ابني ربيعة وزمعة بن الأسود وحكيم ابن حزام استقسموا بالأزلام فخرج لهم القدح الناهي أي المكتوب عليه لا تفعل فأجمعوا على المقام فجاءهم أبو جهل لعنه الله وأزعجهم وأعانه على ذلك عقبة ابن أبي معيط والنضر بن الحارث
ويقال إن عداسا قال لسيده عتبة وشيبة ابني ربيعة بأبي وأمي أنتما والله ما تساقان إلا لمصارعكما فأراد عدم الخروج فلم يزل بهما أبو جهل حتى خرجا عازمين على العود عن الجيش
ولما فرغوا من جهازهم أي وكان ذلك في ثلاثة أيام وقيل في يومين وأجمعوا السير أي عزموا عليه وكانوا خمسين وتسعمائة وقيل كانوا ألفا وقادوا مائة فرس أي عليها مائة درع سوى دروع المشاة قال ابن إسحاق وخرجوا على الصعب والذلول أي لشدة إسراعهم والصعب الذي لا ينقاد والذلول الذي ينقاد معهم القيان أي بفتح القاف وتخفيف المثناة تحت وفي آخره نون جمع قينة وهي الأمة مطلقا وقيل المغنية والمراد هنا الثاني لقوله في الإمتاع ومعهم القينات يضربن بالدفوف يغنين أي بهجاء المسلمين
وسيأتي في أحد خروج جماعة من نساء قريش معهن الدفوف وعند خروجهم ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب أي والدماء وقالوا نخشى أن يأتونا من خلفنا أي لأن قريشا كان قتلت شخصا من كنانة وأن شخصا من قريش كان شابا وضيئا له ذؤابة وعليه حلة خرج في طلب ضالة له فمر ببني كنانة وفيهم سيدهم وهو عامر بن الخلوج فرآه فأعجبه فقال له من أنت يا غلام فذكر أنه من قريش فلما ولى الغلام قال عامر لقومه أمالكم في قريش من آدم قالوا بلى فأغراهم به فقتلوه ثم قال بنو كنانة لقريش رجل برجل فقالت قريش نعم رجل برجل ثم إن أخا المقتول ظفر بعامر بمر الظهران فعلاه بالسيف حتى قتله ثم خاط بطنه بسيفه ثم جاء وعلقه بأستار الكعبة من الليل

فلما أصبحت قريش رأوا سيف عامر عرفوه وعرفوا قاتله أي وكاد ذلك يثنيهم أي يصرفهم عن الخروج فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي وكان من أشراف بني كنانة وقال لهم أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا وخرج معهم إبليس بعدهم أن بني كنانة وراءهم قد اقبلوا لنصرهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره ببئر أبي عتبة أي وأمر أصحابه أن يستقوا منها وشرب من مائها
وفي الإمتاع عسكر ببيوت السقيا وهي عين بينها وبين المدينة يومان كان يستقى له صلى الله عليه وسلم الماء منها وقد جاء أن عبده صلى الله عليه وسلم رباحا كان يستقي له من بئر غرس مرة ومن بيوت السقيا مرة وقال صلى الله عليه وسلم بئر غرس من عيون الجنة ومن ثم غسل منها صلى الله عليه وسلم كما سيأتي وغرس اسم عبد كان يقوم عليها وقيل غير ذلك
وأمر صلى الله عليه وسلم حين فصل من بيوت السقيا أن تعد المسلمون فوقف لهم عند بئر ابي عتبة فعدوا وهي على ميل من المدينة فعرض اصحابه ورد من استصغر أي وكان ممن رده أسامة بن زيد ورافع بن خديج والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ورد عمير بن أبي وقاص فبكى فأجازه وقتل وعمره ستة عشر عاما وحينئذ يتوقف في رده لأن الخمسة عشر بلوغ بالسن على ما عليه أئمتنا
وخرج صلى الله عليه وسلم في خمسة وثلثمائة رجل من المهاجرين أربعة وستون وباقيهم من الأنصار وقيل كان المهاجرون نيفا وثمانين وكانت الأنصار نيفا وأربعين ومائتين
وذكر الإمام الدواني أنه سمع من مشايخ الحديث أن الدعاء عند ذكرهم يعني أصحاب بدر مستجاب وقد جرب ذلك وخلف عثمان على ابنته صلى الله عليه وسلم رقية وكانت مريضة أ ي وقيل لأنه كان مريضا بالجدري أي ولا مانع من وجود الأمرين وقد قال صلى الله عليه وسلم إن لك لأجر رجل وسهمه أي وكان أبو أمامة بن ثعلبة الأنصاري

أجمع الخروج إلى بدر وكانت أمه مريضة فأمره صلى الله عليه وسلم بالمقام على أمه فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر وقد توفيت فصلى على قبرها
واستعمل صلى الله عليه وسلم أبا لبابة رضي الله عنه واليا على المدينة ة ورده من المحل المذكور أي من بئر أبي عتبة كذا في الأصل وقيل رده من الروحاء وهو المشهور وهي قرية على ليلتين من المدينة كما تقدم
واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس في المدينة وخلف عاصم بن عدي على أهل قباء وأهل العالية أي لشيء بلغه عن أهل مسجد الضرار لينظر في ذلك وكسر بالروحاء خوات بن جبير أي وفي كلام ابن عبد البر وقال موسى بن عقبة خرج خوات بن جبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ الصفراء أصاب ساقه حجر ودميت رجله واعتلت فرجع وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأهل الأخبار يقولون إنه شهد بدرا
وله في الجاهلية قصة مشهورة مع ذات النحيين التي تضرب العرب بها المثل فتقول أشغل من ذات النحيين وهي خولة يروي أنه صلى الله عليه وسلم سأله عنها وتبسم فقال يا رسول الله قد رزقني الله خيرا منها وأعوذ بالله من الحور بعد الكور وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال له ما فعل بعيرك الشارد يعرض بهذه القصة فقال قيده الإسلام يا رسول الله وقيل لم يعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القول لتلك القضية وإنما هو لقضية أخرى هي أن خواتا مر بنسوة في الجاهلية أعجبه حسنهن فسألهن أن يفتلن له قيدا لبعيره وزعم أنه شارد وجلس إليهن بهذه العلة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث إليهن فأعرض عنه وعنهن فلما أسلم سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك البعير وهو يتبسم وكسر أيضا الحارث بن الصمة
وبعث له صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد رضي الله عنهم يتحسسان خبر العير والتحسس للأخبار بالحاء المهملة أن يفحص الشخص عن الأخبار بنفسه وبالجيم أي يفحص عنها بغيره وجاء تحسسوا ولا تجسسوا ولم يحضرا لهذا القتال بل رجعا بخبر العير إلى المدينة على ظن أنه صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلما علما أنه ببدر خرجا إليه فلقياه منصرفا من بدر واسهم لكل وصار كل من أسهم له يقول وأجري

يا رسول الله فيقول وأجرك ودفع صلى الله عليه وسلم اللواء وكان أبيض إلى مصعب ابن عمير وكان أمامه صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوتان إحداهما مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أي ويقال لها العقاب وكانت من مرط لعائشة
وفي كلام بعضهم كان أبو سفيان بن حرب من أشراف قريش وكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب وكان لا يحملها في الحرب إلا هو أو رئيس مثله وسيأتي أنه حملها في هذه الغزوة الأب الخامس لإمامنا الشافعي وهو السائب بن يزيد والأخرى مع بعض الأنصار وابن قتيبة اقتصر على الأولى وذكر بعضهم أن بعض الأنصار هذا قيل هو سعد بن معاذ وقيل الحباب بن المنذر وهذا يرد ما تقدم في غزوة بواط عن ابن إسحاق وما سيأتي في غزوة بني قينقاع عن ابن سعد أن الرايات لم تكن وجدت وإنما حدثت يوم خبير
ومما يؤيد الرد ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعطى عليا كرم الله وجهه الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة وفي الهدى أن لواء المهاجرين كان مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ ولم يذكر الرايتين
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم عقد الألوية وهي ثلاثة لواء يحمله مصعب ابن عمير ورايتان سوداوتان إحداهما مع علي والأخرى مع رجل من الأنصار وفيه إطلاق اللواء على الراية وقد تقدم أن جماعة من أهل اللغة صرحوا بترادف اللواء والراية
وكان صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة على غير لواء معقود وقال في الأصل والمعروف أن سعد بن معاذ كان على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش أي كما سيأتي قال أي جوابا عما تقدم عن الأصل العريش كان ببدر أي وهذا كان عند خروجهم وفي الطريق فلا منافاة أي لأنه يجوز أن يكون في بدر دفع الراية لغيره بإذنه صلى الله عليه وسلم ليكون معه في العريش ولبس صلى الله عليه وسلم درعه ذات الفضول وتقلد صلى الله عليه وسلم سيفه العضب
وحين فصل صلى الله عليه وسلم من بيوت السقيا قال اللهم إنهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم وجياع فأشبعهم وعالة فأغنهم من فضلك فما رجع أحد منهم يريد

أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل البعير والبعيران واكتسى من كان عاريا وأصابوا طعاما من أزوادهم وأصابوا فداء الأسارى فاغتنى به كل عائل
وكان حبيب بن يساف ذا بأس ونجدة ولم يكن اسلم ولكنه خرج نجدة لقومه من الخزرج طالبا للغنيمة ففرح المسلمون بخروجه معهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصحبنا إلا من كان على ديننا أي وفي رواية ارجع فإنا لا نستعين بمشرك أي وسيأتي في أحداثه صلى الله عليه وسلم قال لا ننتصر بأهل الشرك على أهل الشرك لما رد حلفاء عبد الله بن أبي ابن سلول من يهود وتكررت من حبيب المراجعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الثالثة قال له تؤمن بالله ورسوله قال نعم فأسلم وقاتل قتالا شديد
وفي الإمتاع وقدم حبيب بن يساف بالروحاء مسلما ولا مخالفة لجواز أن يكون أسلم قبل الروحاء
ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما أو يومين ثم نادى مناديه يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا
وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان قال لهم قبل ذلك أفطروا فلم يفطروا انتهى وسيأتي في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم بالفطر فلم يفعل جماعة منهم ذلك فقال أولئك العصاة وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي التي معهم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها كل ثلاثة يعتقبون بعيرا أي إلا ما كان من حمزة وزيد بن حارثة وأبي كبشة وأنيسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هؤلاء الأربعة كانوا يعتقبون بعيرا
أي وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل يوم بدر
وفي الإمتاع فكانوا يتعاقبون الإبل الاثنين والثلاثة والأربعة هذا كلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومرثد يعتقبون بعيرا وفي لفظ كان أبو لبابة وعلي والنبي صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا أي وذلك قبل أن يرد أبا لبابة للمدينة من الروحاء وبعد أن رده قام مقامه مرثد وقيل زيد بن حارثة وقيل زيد كان مع حمزة أي كما تقدم

ويجوز انه كان مع حمزة تارة ومع النبي صلى الله عليه وسلم اخرى فكان اذا كانت عقبة النبي صلى الله عليه وسلم قالا له أي رفيقاه اركب حتى نمشى معك فيقول ما انتما باقوى مني على المشي وما انا باغنى عن الاجر منكما
وكان ابو بكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف رضى الله عنهم يعتقبون بعيرا أي ورفاعة وخلاد ابنا رافع وعبيد بن يزيد الانصارى يعتقبون بعيرا حتى اذا كانوا بالروحاء برك بعيرهم عيا فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله برك علينا بكرنا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتمضمض والقاه في اناء أي وفي الامتاع فتمضمض وتوضا في اناء ثم قال افتح فاه فصب منه في فيه ثم صب باقي ذلك عليه ثم قال اركبا ومضى فلحقاه وانه لينفر بهم أي وامر صلى الله عليه وسلم باحصاء من معه وهو محتمل لان يكون امر بذلك ثانيا بعد الروحاء بعد ان رد ابا لبابة وبعد عدهم في بئر ابي عتبة فاذا هم ثلثمائة وثلاثة عشر ففرح بذلك وقال عدة اصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر وهذا قول عامة السلف كما قاله ابن جرير رحمه الله ومن زاد على ذلك عد منهم من رده صلى الله عليه وسلم من الروحاء ومن اسهم له ولم يحضر ومن نقص عن ذلك وعدهم ثلثمائة وخمس رجال أو ست رجال أو سبعة رجال فالجواب عنه لا يخفى
وكان في الجيش خمسة افراس فرسان له صلى الله عليه وسلم وفرس لمرثد ويقال له السيل وفرس للمقداد بن الاسود نسب اليه لانه تبناه في الجاهلية كما تقدم ويقال لها سبحة وفرس للزبير ويقال له اليعسوب وقيل لم يكن في الجيش الا فرسان فرس المقداد وفرس الزبير
وعن علي رضى الله تعالى عنه ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد اقول يجوز ان يكون المراد لم يقاتل يوم بدر فارسا الا المقداد وغيره ممن له فرس قاتل راجلا ويؤيده ما يأتي انه صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنيمة لم يميز احدا عن احد الراجل مع الراجل والفارس مع الفارس لكن قد يخالفه قول الزمخشري في خصائص العشرة كان الزبير رضى الله عنه صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وليس على الميمنة يومئذ فارس غيره هذا كلامه الا ان يقال كون الزبير فارسا على الميمنة

لا يخالف كون المقداد فارسا في محل اخر مع الجماعة الذين فيهم سيدنا علي كرم الله وجهه فقول سيدنا علي لم يكن فينا أي في الجماعة الملازمين لنا تأمل والله اعلم
وفي اثناء الطريق بعرق الظبية لقوا رجلا من الاعراب فسالوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال افيكم رسول الله قالوا نعم فسلم عليه ثم قال ان كنت رسول الله فاخبرني بما في بطن ناقتي هذه فقال له سلامه بن سلامة بن وقش لا تسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل علي انا اخبرك عن ذلك نزوت عليها ففي بطنها منك سخلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افحست على الرجل ثم اعرض عن سلامة فلما نزلوا بواد يقال له ذفران بكسر الفاء أي وهو واد قريب من الصفراء اتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه واخبرهم الخبر أي قال لهم ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول أي مسرعين فما تقولون العير احب اليكم من النفير فقالوا بلى أي قالت ذلك طائفة منهم العير احب الينا من لقاء العدو وفي رواية هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له انا خرجنا للعير وفي رواية يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فعند ذلك تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى ذلك عن ابي ايوب رضى الله عنه في سبب نزول قوله تعالى { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } وعند ذلك قام ابو بكر فقال واحسن ثم قام عمر فقال واحسن ثم قام المقداد فقال يا رسول الله امض لما امرك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل أي لموسى { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } اذهب انت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون ما دامت منا عين تطرف فوالله الذي بعثك بالحق نبيا لو سرت بنا الى برك الغماد وهي مدينة بالحبشة لجالدنا أي ضربنا بالسيوف معك من دونه حتى نبلغه وفي لفظ نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك قال ابن مسعود فرايت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك
وفي الكشاف فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ثم دعا له بخير
هذا وفي العرائس روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يوم الحديبية

حين صد عن البيت اني ذاهب بالهدى فتأخر عند البيت واستشار اصحابه في ذلك فقال المقداد بن الاسود اما والله لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى فاذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكنا نقول انا معكم مقاتلون والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك ومن بين يديك ولو خضت بحرا لخضناه معك ولو علوت جبلا لعلوناه معك ولو ذهبت بنا برك الغماد لتابعناك فلما سمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك تابعوه فاشرق عند ذلك وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعدد ممكن لكنه بعيد ثم قال اشيروا علي فقال عمر يا رسول الله انها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا امنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتاهب لذلك اهبته واعدد لذلك عدته أي ثم استشارهم ثالثا فقال اشيروا على ايها الناس ففهمت الانصار انه يعنيهم وذلك لانهم عدد الناس أي اكثرهم عددا ومن ثم قيل وانما كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة أي في ذلك المجلس ليعرف حال الانصار فانه تخوف ان لا تكون الانصار ترى عليها نصرته الا ممن دهمه أي جاءه على حين غفلة بالمدينة من عدوه وان ليس عليهم ان يسير بهم الى عدو من بلادهم عملا بظاهر قولهم له صلى الله عليه وسلم حين بايعوه عند العقبة يا رسول الله اناء براء من ذمامك حتى تصل الى دارنا فاذا وصلت اليها فانت في ذمتنا نمنعك بما نمنع به ابناءنا ونساءنا ومن ثم قال له سعد بن معاذ سيد الاوس وقيل سعد ابن عبادة سيد الخزرج وانما حكى بصيفة التمريض لانه قد اختلف في عده في البدريين والصحيح انه لم يشهد بدرا فانه كان تهيأ للخروج فنهش بالمهملة أي لدغته الحيه قبل ان يخرج فاقام أي وضرب له بسهم فقال لعلك تريدنا معاشر الانصار يا رسول الله فقا أجل قال قد امنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة زاد في رواية ولعلك يا رسول الله تخشى ان تكون الانصار ترى عليها ان لا ينصروك الا في ديارهم واني اقول عن الانصار واجيب عنهم فاظعن حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وفي لفظ وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من اموالنا ما شئت وما اخذت منا اكان احب الينا مما تركت وما امرت فيه من امر فامرنا تبع لامرك فامض يا رسول الله لما اردت فنحن معك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان تلقى بنا عدونا

وانا لصبر في الحرب صدق اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك وفي لفظ بعض ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك ومن خلفك فسر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أي واشرق وجهه بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال صلى الله عليه وسلم سيروا وابشروا فان الله تعالى قد وعدني احدى الطائفتين أي وهما عير قريش ومن خرج من مكة من قريش يريد حماية ذلك العير فوالله لكأني الان انظر الى مصارع القوم أي فقد اعلمه الله تعالى بعد وعده بذلك بالظفر بالطائفة الثانية واراه مصارعهم فعلم القوم انهم ملاقون القتال وان العير لا تحصل لهم
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران حتى نزل قريبا من بدر فركب صلى الله عليه وسلم هو وابو بكر رضى الله عنه أي وقيل بدل ابي بكر قتادة بن النعمان وقيل معاذ بن جبل حتى وقفا على شيخ من العرب أي يقال له سفيان قال في النور لا اعلم له اسلاما فساله صلى الله عليه وسلم عن قريش وعن محمد واصحابه وما بلغه عنهم فقا الشيخ لا اخبركما حتى تخبراني من انتما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اخبرتنا اخبرناك فقال الشيخ ذاك بذاك قال نعم قال فانه قد بلغني ان محمدا واصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فان كان صدق الذي اخبرني به فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه وبلغني ان قريشا خرجوا يوم كذا وكذا فان كان الذي اخبرني به صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي نزلت به قريش فلما فرغ من خبره قال من انتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء أي من ماء دافق وهو المنى ثم انصرفا عنه فقال الشيخ من ماء من ماء العراق فهم ان المراد بالماء حقيقته
أي لكن في الامتاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن من ماء واشار بيده الى العراق فقال من ماء العراق أي واضيف الماء إلى العراق لكثرته به وفيه ان هذا من التورية وقد تقدم في اوائل الهجرة انه لا ينبغي لنبي ان يكذب ولو صورة ومنه التورية
لكن في كلام القاضي البيضاوى وما روى انه عليه الصلاة والسلام قال لابراهيم عليه الصلاة والسلام ثلاث كذبات تسمية للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اصحابه ودعا لهم فقال اللهم انهم حفاة فاحملهم

اللهم انهم عراة فاكسهم اللهم انهم جياع فاشبعهم ففتح الله لهم يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل الا وقد رجع بجمل او جملين واكتسوا وشبعوا اخرجه ابو داود عن عمرو ابن العاص رضى الله تعالى عنه أي شبعوا واكتسوا بما اصابوه من كسوة وأزواد قريش
وفي الامتاع ان دعاءه صلى الله عليه وسلم المذكور كان عند مفارقته محل معسكره بالمدينة وهو بيوت السقيا كما تقدم وتقدم فيه زيادة وعالة فأغنهم فأصابوا الاسرى فاغتنى بهم كل عائل ولا مانع ان يكون دعاؤه صلى الله عليه وسلم بذلك تكرر
فلما امسى صلى الله عليه وسلم بعث علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص في نفر من اصحابه رضى الله تعالى عنهم إلى بدر يلتمسون الخبر فاصابوا راوية لقريش معها غلام لبني الحجاج وغلام لبني العاص فأتوا بهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فقالوا لمن أنتما وظنوا انهما لابي سفيان فقالا نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم من الماء فضربوهما فلما أوجعوهما ضربا قالا نحن لابي سفيان فتركوهما فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال إذا صدقاكم ضربتوهما واذا كذبا كم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش اخبراني عن قريش قالا هم وراء هذا الكثيب أي التل من الرمل الذي يرى بالعدوة القصوى أي جانب الوادي المرتفع فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم قالا كثير أي وفي لفظ هم والله كثير عددهم شديد بأسهم قال ما عدتهم قالا لا ندري أي وجهد النبي صلى الله عليه وسلم ان يخبراه كم هم فأبيا قال صلى الله عليه وسلم كم تنحرون أي من الجزر كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا فقال صلى الله عليه وسلم القوم ما بين التسعمائة والالف أي لكل جزور مائة ثم قال لهما فمن فيهم من اشراف قريش قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وابو البحتري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الاسود وابو جهل بن هشام وامية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو العامري أي رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك يوم الفتح وهو من اشراف قريش وخطبائهم وسيأتي انه ممن اسر في هذه الغزاة وعمرو بن عبدود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد ألقت اليكم افلاذ أي قطع كبدها أي اشرافها وعظماءها وذكر ان مسيرهم واقامتهم كانت عشر

ليال حتى بلغوا الجحفة أي وهي قرية بقرب رابغ كما تقدم نزلوا بها عشاء أي وفي الامتاع انهم ردوا القيان من الجحفة
اقول هذا والذي في مسلم وابي داود عن انس رضي الله تعالى عنه فاذا هم بروايا قريش فيها رجل اسود لبني الحجاج فجاءوا به فكانوا يسالونه عن ابي سفيان فيقول مالي بأبي سفيان علم فاذا قال ذلك ضربوه واذا قال هذا ابو سفيان تركوه الحديث
أي وفي الامتاع واخذ تلك الليلة يسار غلام عبيدة بن سعيد بن العاص واسلم علام منبه بن الحجاج وابو رافع غلام اميه بن خلف فاتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الحديث
وقد يقال لا منافاة لان بعض الرواة ذكر الثلاثة وبعضهم اقتصر على اثنين وبعضهم اقتصر على واحد والله اعلم
وكان مع قريش رجل من بني المطلب بن عبد مناف يقال له جهم بن الصلت رضي الله تعالى عنه فانه اسلم في عام خيبر واعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ثلاثين وسقا وقيل اسلم بعد الفتح فوضع راسه فأغفى ثم قام فزعا فقال لاصحابه هل رأيتم الفارس الذي وقف على فقالوا لا قال قد وقف على فارس فقال قتل ابو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وابو البحتري وامية بن خلف وفلان وفلان وعد رجالا من اشراف قريش ممن قتل يوم بدر أي وقال اسر سهيل بن عمرو وفلان وفلان وعد رجالا ممن اسر قال ثم رايت ذلك الفارس ضرب في لبه بعيره ثم ارسله في العسكر فما من خباء من أخيه العسكر إلا أصابه من دمه فقال له أصحابه إنه لعب بك الشيطان ولما شاعت هذه الرؤيا في العسكر وبلغت ابا جهل قال قد جئتم بكذب بني عبد المطلب مع كذب بني هاشم سيرون غدا من يقتل وفي لفظ قال ابو جهل هذا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا من المقتول نحن أو محمد وأصحابه وأول من نحر لهم حين خرجوا من مكة ابو جهل بن هشام عشر جزائر أي بم الظهران وكانت جزور منها بعد ان نحرت بها حياة فجالت في العسكر فما بقي خباء من اخبية العسكر الا اصابه من دمها كذا في الامتاع
ومن هذا المحل رجع بنو عدي أي تفاؤلا بذلك ثم نحر لهم سفيان بن امية بعسفان تسع جزائر ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشر جزائر وساروا من قديد فضلوا بهائم

ثم اصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر فلما اصبحوا بالابواء نحر لهم مقيس بن عمرو الجمحى تسع جزائر أي ويقال ان الذي نحر لهم بالابواء نبيه ومنبه ابنا الحجاج عشرا ونحر لهم العباس بن عبد المطلب عشر جزائر ونحر لهم الحارث بن عامر ابن نوفل تسعا ونحر لهم ابو البحترى على ماء بدر عشر جزائر ونحر لهم مقيس الجمحى على ماء بدر تسعا أي ثم شغلهم الحرب فأكلوا من ازوادهم ثم مضى رجلان من الصحابة أي قبل وصوله صلى الله عليه وسلم الى بدر وكذا قبل وصول قريش الى بدر كما يدل عليه الكلام الاتي خلاف ما يدل عليه هذا السياق الى ما ء بدر فنزلا قريبا منه عند تل هناك ثم اخذا شنا لهما يستقيان فيه وشخص على الماء واذا جاريتان يتلازمان أي يتخاصمان تمسك احداهما الاخرى على الماء والملزومة تقول لصاحبتها انما يأتي العير غدا او بعد غد فاعمل لهم واقضيك الذي لك فقال ذلك الرجل الذي على الماء صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك الرجلان فجلسا على بعيرهما ثم انطلقا حتى اتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه بما سمعا ثم ان ابا سفيان تقدم العير حذرا حتى ورد الماء فلقى ذلك الرجل فقال له هل احسست احدا قال ما رايت احدا انكره الا اني قد رايت راكبين قد اناخا الى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا
فأتى ابو سفيان مناخهما فاخذ من ابعار بعيرهما ففتته فاذا فيه النوى فقال والله علائف يثرب فرجع الى اصحابه سريعا فصوب عيره عن الطريق وترك بدرا بيسار وانطلق حتى اسرع فلما علم انه قد احرز عيره ارسل الى قريش أي وقد كان بلغه مجيئهم ليحرزوا العير وكانوا حينئذ بالجحفة انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم واموالكم وقد نجاها الله تعالى فارجعوا فقال ابو جهل والله لا نرجع حتى نحضر بدرا فنقيم عليه ثلاثة ايام فلا بد ان ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان أي تضرب بالمعازف أي الملاهي وقيل الدفوف وقيل ل الطنابير وقيل نوع منها يتخذه اهل اليمن وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا ابدا بعدها وسيأتى في غزاة بدر الموعد ان موسم بدر يكون عند هلال ذى القعدة في كل عام يمكث ثمانية ايام ويبعد ارادة ذلك لابي جهل أي اقامتهم ببدر بقية رمضان وتمام شوال
قال ولما ارسل ابو سفيان يقول لقريش ما تقدم أي ورد عليه ابو جهل بما ذكر

قال هذا بغي والبغي منقصة وشؤم وعند ذلك رجع منهم بنو زهرة وكانوا نحو المائة انتهى أي وقيل ثلثمائة وقائدهم كان الأخنس بن شريق
وفي كلام ابن الاثير فلم يقتل منهم أي من بني زهرة أحدا ببدر وفي كلام غيره ولم يشهد بدرا احد من بني زهرة الا رجلان قتلا كافرين فان الاخنس قال لبني زهرة يا بني زهرة قد نجى الله اموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل انما نفرتم لتمنعوه وماله واجعلوا بي حميتها وارجعوا فانه لا حاجة لكم بان تخرجوا في غير منفعة لاما يقول هذا يعني ابا جهل وقال لابي جهل أي وقد خلا به اترى محمدا يكذب فقال ما كذب قط كنا نسميه الامين لكن اذا كانت في بني عبد المطلب السقاية والرفادة والمشورة ثم تكون فيهم النبوة فاي شيء يكون لنا فانخنس الاخنس ورجع ببني زهرة أي واسمه ابي وانما لقب بالاخنس من حين رجع ببني زهرة فقيل خنس بهم فسمى الاخنس كان حليفا لبني زهرة مقدما فيهم رضى الله تعالى عنه فانه اسلم يوم الفتح واعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة قلوبهم
ورأيت عن السهيلي انه قتل يوم بدر كافرا وتبعه على ذلك التلمساني في حاشية الشفاء واستدل له بقول القاضي البيضاوي ان قوله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الاية نزلت في الاخنس بن شريق وفي الاصابة انه كان من المؤلفة ومات في خلافة عمر
وعن السدى ان الاخنس جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فاظهر اسلامه وقال الله يعلم اني لصادق ثم هرب بعد ذلك فمر بقوم مسلمين فحرق زرعهم فنزلت { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الى قوله { وبئس المهاد }
قال ابن عطيه ما ثبت قط ان الاخنس اسلم قلت قد اثبته في الصحابة جماعة ولا مانع ان يكون اسلم ثم ارتد ثم رجع إلى الاسلام هذا كلام الاصابة
وفي كلام ابن قتيبة ولم يسلم الاخنس وفي كلام بعضهم ثلاثة ابن وابوه وجده شهدوا بدرا الاخنس وابنه يزيد وابنه معن فليتأمل ذلك
قال واراد بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم ابو جهل وقال لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع انتهى
ثم لم يزالوا سائرين حتى نزلوا بالعدوة القصوى قريبا من الماء ونزل رسول الله

صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعيدا من الماء بينهم وبين الماء رحلة فظمىء المسلمون وأصابهم ضيق شديد واجنب غالبهم والقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس إليهم تزعمون انكم اولياء الله تعالى وانكم على الحق وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وانتم عطاش وتصلون مجنبين أي وما ينتظر اعداؤكم الا ان يقطع العطش رقابكم ويذهب قواكم فيحكموا فيكم كيف شاؤوا
وفي الكشاف فاذا قطع العطش اعناقكم مشوا اليكم فقتلوا من احبوا وساقوا بقيتكم الى مكة فحزنوا حزنا شديدا وأشفقوا وكان الوادي دهسا بالسين المهملة أي لينا كثير التراب تسيخ فيه الاقدام فبعث الله السماء أي المطر فأطفأت الغبار ولبدت الارض أي شدتها للنبي صلى الله عليه وسلم ولاصحابه أي وطهرهم به واذهب عنه رجز الشيطان أي وسوسته وشربوا منه وملئوا الاسقية وسقوا الركائب واغتسلوا من الجنابة أي وطابت نفوسهم فذلك قوله تعالى { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } أي من الاحداث { ويذهب عنكم رجز الشيطان } أي وسوسته { وليربط على قلوبكم } أي يشدها ويقويها { ويثبت به الأقدام } أي بتلبيد الارض حتى لا تسوخ في الرمل واصاب قريشا منها مالم يقدروا على ان يرتحلوا منه أي ويصلوا الى الماء أي فكان المطر نعمة وقوة للمؤمنين وبلاء ونقمة للمشركين
وعن علي رضى الله تعالى عنه اصابنا من الليل طس من مطر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه
وعن علي رضى الله تعالى عنه ما كان فينا أي تلك الليلة قائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة ويكثر في سجوده أي يقول يا حي ياقيوم يكرر ذلك حتى اصبح أي لا ن المسلمين اصابهم تلك الليلة نعاس شديد يلقى الشخص على جنبه
أي وعن قتادة كان النعاس امنة من الله وكان النعاس نعاسين نعاس يوم بدر ونعاس يوم احد لان النعاس هنا كان ليلا قبل القتال وفي احد كان وقت القتال وكون النعاس امنة وقت القتال أو وقت التأهب له وهو وقت المصافة واضح لاقبله
هذا وذكر الشمس الشامى انه لما نزلت الملائكة والناس بعد على مصافهم لم يحملوا على عدوهم وبشرهم صلى الله عليه وسلم بنزول الملائكة حصل لهم الطمأنينة والسكينة وقد حصل لهم النعاس الذي هو دليل على الطمأنينة وربما يقتضي انه حصل لهم النعاس

عند المصافة والا فقد يقال ان قوله وقد حصل لهم النعاس جملة حالية أي والحال انه حصل لهم قبل ذلك في تلك الليلة لا في وقت المصافة
ولا يبعد ذلك قوله بعد ذلك ولهذا قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه النعاس في المصاف من الايمان والنعاس في الصلاة من النفاق أي لانه في الاول يدل على ثبات الجنان وفي الثاني يدل على عدم الاهتمام بامر الصلاة
فلما ان طلع الفجر نادى صلى الله عليه وسلم الصلاة عباد الله فجاء الناس من تحت الشجر الحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرض على القتال أي في خطبة خطبها افقال بعد ان حمد الله واثنى عليه اما بعد فاني احثكم على ما حثكم الله عليه الى ان قال وان الصبر في مواطن الباس مما يفرج الله تعالى به الهم وينجى به من الغم الحديث
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم أي يسابق قريشا الى الماء فسبقهم عليه حتى جاء ادنى ماء من بدر أي اقرب ماء الى بدر من بقية مياهها فنزل به صلى الله عليه وسلم فقال له الحباب بن المنذر يا رسول الله ارأيت هذا المنزل امنزل انزلكه الله تعالى ليس لنا ان نتقدمه ولا نتأخر عنه ام هو الراي والحرب والمكيدة قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تاتي ادنى ماء من القوم أي اذا نزل القوم يعني قريشا كان ذلك الماء اقرب المياه أي محله اقرب المياه إليهم قال الحباب فاني اعرف غزارة مائه وكثرته بحيث لا ينزح فننزله ثم نغور ما عداه من القلب أي وهي الابار غير المبنية ثم نبني عليه حوضا فتملآه ماء فنشرب ولا يشربون لان القلب كلها حينئذ تصير خلف ذلك القليب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اشرت بالرأي ونزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرأي ما اشار اليه الحباب فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى اتى ادنى ماء من القوم أي من المحل الذي ينزل به القوم فنزل عليه ثم امر بالقلب فغورت بسكون الواو
وقال السهيلي لما كانت القلب عينا جعلها كعين الانسان ويقال في عين الانسان غرتها فغارت ولا يقال غورتها أي بالتشديد وبنى صلى الله عليه وسلم حوضا على القليب

الذى نزل به فملاه ماء ثم قذفوا فيه الانية ومن يومئذ قيل للحباب ذو الرأي وظاهر كلام بعضهم انه كان معروفا بذلك قبل هذه الغزاة
وفيه ان ذلك القليب اذا كان خلف ظهورهم وسائر القلب خلفه ما المعنى في تغويرها لانها اذا لم تغورهم يشربون ولا يشرب القوم الا ان يقال المعنى لئلا ياتوا اليها من خلفهم فالغرض قطع اطماعهم من الماء فليتأمل واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي على جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم في الحرب نظرا لصورة السبب أو مطلقا لان صورة السبب لا تخصص وجواز الاجتهاد له مطلقا هو الراجح
ومما استدل به على وقوع الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم في الاحكام قوله الا الاذخر عقب ما قيل له الا الاذخر قال السبكى وليس قاطعا لاحتمال ان يكون اوحى إليه في تلك اللحظة
هذا وفي كلام بعضهم انهم نزلوا على ذلك القليب نصف الليل فصنعوا الحوض وملئوه وقذفوا فيه الانية بعد ان استقوا منه وسيأتى ما يؤيده
وقال سعد بن معاذ يا نبي الله الا نبني عريشا أي وهو شيء كالخيمة من جريد يستظل به تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فان اعزنا الله تعالى واظهرنا على عدونا كان ذلك ما احببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك اقوام يا نبي الله ما نحن باشد لك حبا منهم ولا اطوع لك منهم لهم رغبة في الجهاد ونية ولو ظنو انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك انما ظنوا انها العير يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فاثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير أي وقال او يقضى الله خيرا من ذلك يا سعد أي وهو نصرهم وظهورهم على عدوهم ثم بنى أي ذلك العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي فوق تل مشرف على المعركة كان فيه
أي وعن علي رضي الله تعالى عنه انه قال لجمع من الصحابه اخبروني عن اشجع الناس قالوا انت قال اشجع الناس ابو بكر لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فقلنا من مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من يكون معه لئلا يهوى اليه احد من المشركين فوالله مادنا منا احد الا ابو بكر شاهرا بالسيف على راس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوى اليه احد الا اهوى اليه أي

ولذلك حكم علي انه اشجع الناس وبه يرد قول الشيعة والرافضة ان الخلافة لا يستحقها الا علي لانه اشجع الناس أي وهذا كان قبل ان يلتحم القتال والا فبعد التحامه كان علي على باب العريش الذي به صلى الله عليه وسلم وابو بكر وسعد بن معاذ قائمان على باب العريش في نفر من الانصار كما سيأتي
ومما استدل على ان ابا بكر اشجع من علي ان عليا اخبره النبي صلى الله عليه وسلم انه لا يقتله الا ابن ملجم فكان اذا دخل الحرب ولاقى الخصم علم انه لا قدرة له على قتله فهو معه كالنائم على فراشه واما ابو بكر فلم يخبر بقاتله فكان اذا دخل الحرب لا يدري هل يقتل اولا ومن هذه حاله يقاسي من التعب مالا يقاسيه غيره
ومم يدل على ذلك ما وقع له في قتال اهل الردة وتصميمه العزم على مقاتلة مانعي الزكاة مع تثبيط سيدنا عمر له عن ذلك
فلما كان الصباح اقبلت قريش من الكثيب هذا يؤيد القول بانه صلى الله عليه وسلم سار باصحابه ليلا يبادرهم الى الماء لان ذلك بعد طلوع الفجر وصلاة الصبح كما تقدم لان الظاهر من قول الراوي اقبلت أي عليهم هم ماكثون
ويؤيده ايضا ما في مسلم عن انس رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة بدر أي بعد ان وصل الى محل الوقعة هذا مصرع فلان ان شاء الله غدا ووضع يده على الارض وهذا مصرع فلان ههنا وهذا مصرع فلان ههنا قال انس ما ماط احدهم عن موضع يده صلى الله عليه وسلم أي ما تنحى فليتأمل الجمع
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا وقد اقبلت بالدروع الساترة والجموع الوافرة والاسلحة الشاكية أي التامة قال اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها أي كبرها وعجبها وفخرها تجادلك أي تعايك وتخالف امرك وتكذب رسولك فنصرك أي انجز نصرك الذي وعدتني أي وفي لفظ اللهم انك انزلت على الكتاب وامرتني بالثبات ووعدتني احدى الطائفتين أي وقد فاتت احداهما وهي العير وانك لا تخلف الميعاد اللهم احبهم أي اهلكهم الغداة وفي رواية اللهم لا تفلتن ابا جهل فرعون هذه الامة اللهم لا تفلتن زمعة بن الاسود اللهم واسحق عين ابي زمعة واعم بصر ابي زمعة اللهم لا تفلتن سهيلا الحديث
ولما اطمأنت قريش ارسلوا عمير بن وهب الجمحى أي رضى الله تعالى عنه

فانه اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه وشهد احدا معه صلى الله عليه وسلم فقالوا احزر لنا اصحاب محمد أي انظر لنا عدتهم فاستجال بفرسه حول عسكر النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع اليهم فقال ثلثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون قليلا ولكن امهلوني حتى انظر للقوم كمينا او مددا فذهب في الوادى حتى ابعد فلم ير شيئا ثم رجع إليهم وقال ما رأيت شيئا ولكني قد رايت يا معشر قريش البلايا أي وهي في الاصل النوق تبرك على قبر صاحبها فلا تعلف لا تسقى حتى تموت تحمل المنايا أي الموت أي نواضح يثرب تحمل الموت الناقع أي البالغ
زاد بعضهم الا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الافاعى لا يريدون ان ينقلبوا الى اهلهم زرق العيون كأنهم الحصا تحت الحجف يعنى الانصار قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم والله ما نرى ان نقتل منهم رجلا حتى يقتل رجل منكم فاذا اصابوا منكم اعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فاتى عتبة بن ربيعة فقال يا ابا الوليد انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك الى ان لا تزال تذكر فيها بخير الى اخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس فقام عتبة خطيبا فقال يا معشر قريش انكم والله ما تصنعون بان تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن اصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه وابن خاله ورجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فان اصابوه فذاك الذي اردتم وان كان غير ذلك اكفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون أي يا قوم اعصبوها اليوم براسي أي اجعلوا عارها متعلقا بي وقولوا جبن عتبة وانتم تعلمون اني لست بأجبنكم
أي وفي لفظ اخر ان حكيم بن حزام قال لعتبة بن ربيعة تجير بين الناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمى أي الذي قتله واقد بن عبدالله في سرية عبدالله ابن جحش الى نخلة وهو اول قتيل قتله المسلمون وتحمل ما اصاب محمد من تلك العير أي الذي غنمه عبدالله بن جحش كما سيأتى في السرايا فانهم لا يطلبون من محمد الا ذلك فقال عتبة نعم قد فعلت أي هو حليفى فعلى عقله وما اصيب من المال ونعم ما قلت ونعم مادعوت اليه وركب عتبة جملا له وصار يجيله في صفوف قريش

يقول يا قوم اطيعوني فانكم لا تطلبون غير دم ابن الحضرمي وما اخذ من العير وقد تحملت ذلك
زاد بعضهم انه قال يا معشر قريش انشدكم الله في هذه الوجوه التي تضىء ضياء المصابيح يعنى قريشا ان تجعلوها اندادا لهذه الوجوه التي كأنها عيون الحيات يعنى الانصار وهذا كما ترى وما يأتى ايضا يضعف قول من قال انه صلى الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمى أي اعطى ديته
وقد كان صلى الله عليه وسلم لما رأى قريشا اقبلت من الكثيب وعتبة على جمل احمر قال ان يكن في احد من القوم خير فعند صاحب الجمل الاحمر
أي وفي رواية ان يكن احد يامر بخير فعسى ان يكون صاحب الجمل الاحمر ان يطيعوه يرشدوا ولما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم راكب الجمل الاحمر يجيله في صفوف قريش قال يا علي ناد حمزه وكان اقربهم إلى المشركين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب الجمل الاحمر وماذا يقول لهم فقال هو عتبة بن ربيعة ينهى عن القتال وحينئذ يكون قوله صلى الله عليه وسلم ان يكن في احد من القوم خير الخ من اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم
ثم قال عتبة لحكيم بن حزام انطلق لابن الحنظلية يعنى ابا جهل قال حكيم فانطلقت حتى جئت ابا جهل فوجدته قد سل درعا له من جرابها أي اخرجها منه فقلت له يا ابا الحكم ان عتبة ارسلني اليك بكذا وكذا للذي قال فقال انتفخ والله سحره أي رئته كلمه تقال للجبان
وفي لفظ انه قال لعتبة وقد جاء الله اليه انت تقول هذا والله لو غيرك يقول هذا لاعضضته أي قلت له اغضض على بظر امك ان قد ملأت رئتك جوفك رعبا كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وقال لحكيم ما بعتبة ما قال ولكنه قد راى ان محمدا واصحابه اكلة جزور أي في قلة بحيث يكفيهم الجزور وفيهم ابنه أي وهو ابو حذيفة رضى الله تعالى عنه فانه كان ممن اسلم قديما فقد تخوفكم عليه
أي وفي رواية انه قال يا معشر قريش انما يشير عليكم عتبة بهذا لان ابنه مع محمد ومحمد ابن عمه فهو كره ان تقتلوا ابنه وابن عمه فغضب عتبة وسب ابا جهل وقال سيعلم اينا افسد لقومه

أي ومن غريب الاتفاق ان ام ابان بنت عتبة بن ربيعة المذكور كان لها اربعة اخوة وعمان كل منهم حضر بدرا اثنان من اخوتها مسلمان واثنان مشركان وواحد من عميها مسلم ولاخر كافر فالاخوان المسلمان ابو حذيفة ومصعب بن عمير ولعله كان اخاها لامها والكافران الوليد بن عتبة وابو عزيز العم المسلم معمر بن الحارث ولعله كان اخا لعتبة لأمه والعم الكافر شيبة بن ربيعة وكان من حكمة الله تعالى ان الله جعل المسلمين قبل ان يلتحم القتال في اعين المشركين قليلا استدراجا لهم ليقدموا ولما التحم القتال جعلهم الله في اعين المشركين كثيرا ليحصل لهم الرعب والوهن وجعل الله المشركين عند التحام القتال في اعين المسلمين قليلا ليقوى جأشهم على مقاتلتهم
ومن ثم جاء عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه انه قال لقد قللوا في اعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل اتراهم سبعين قال اراهم مائة وانزل الله تعالى { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم } ومن ثم قال الله تعالى { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم } أي يرى اولئك الكفار المؤمنين مثليهم راى العين
أي وقد ذكر ان قباث بن اشيم رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك قال في نفسه يوم بدر لو خرجت نساء قريش باكمتها لردت محمدا واصحابه وعنه انه قال لما كان بعد الخندق قدمت المدينة سالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا هو ذاك في محل المسجد مع ملأ من اصحابه فاتيته وانا لا اعرفه من بينهم فسلمت عليه فقال صلى الله عليه وسلم يا قباث انت القائل يوم بدر لو خرجت نساء قريش بأكمتها ردت محمدا واصحابه فقال قباث والذى بعثك بالحق ما تحدث به لساني ولا ترفرفت به شفتاى ولا سمعه مني احد وما هو الا شىء هجس في قلبي وحينئذ يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم له انت القائل أي في نفسك اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله وان ما جئت به الحق
ولما بلغ عتبة ما قاله ابو جهل قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره انا ام هو وقد تقدم معنى مصفر استه
وذكر السهيلى هنا ان هذه الكمة لم يخترعها عتبة ولا هو ابو عذرتها فقد قيلت لبعض الملوك وكان مترفها لا يغزو في الحروب يريدون صفرة الخلوق والطيب وسادة

العرب لا تستعمل الخلوق والطيب الا في الدعة وتعيبه في الحرب اشد العيب واظن ان ابا جهل لما علم بسلامة العير استعمل الطيب والخلوق فلذلك قال له عتبة هذه الكلمة وانما اراد مصفر بدنه ولكنه قصد المبالغة في الذم فخص منه بالذكر ما يسوؤه ان يذكر هذا كلامه
وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه اليهم يقول ارجعوا فانه ان يل هذا الامر منى غيركم احب الي من ان تلوه مني فقال حكيم ابن حزام قد عرض نصفا فاقبلوه فوالله لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف فقال ابو جهل والله لا نرجع بعد ان مكننا الله منهم ثم ان ابا جهل بعث الى عامر ابن الحضرمي أي اخو المقتول الذي هو عمرو وقال هذا حليفك يعني عتبة يريد ان يرجع بالناس وفي لفظ يخذل الناس عن القتال وقد تحمل دية اخيك من ماله يزعم انك قابلها الا تستحي ان تقبل الدية من مال عتبة وقد رايت ثأرك بعينك فقم فاذكر مقتل اخيك وكان عامر كأخيه المقتول من حلفاء عتبة وسياتي ذلك فقام عامر بن الحضرمى فاكتشف أي كشف استه أي وحثا عليه التراب ثم صرخ واعمراه واعمراه فثارت النفوس أي وعامر هذا لا يعرف له اسلام
أي وفي الاستيعاب عامر بن الحضرمى قبل يوم بدر كافرا واما اخوهما العلاء فمن فضلاء الصحابة رضى الله تعالى عنهم أي وقد كان يقال انه مجاب الدعوة وانه خاض البحر هو وسريته التي كان اميرا عليها وذلك في زمن خلافة عمر رضى الله تعالى عنه ويقال يبس حتى رىء الغبار من حوافر الخيل بكلمات قالها ودعا بها وهى يا علي يا حكيم يا علي يا عظيم انا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم فاجعل لنا اليهم سبيلا
وقد وقع نظير ذلك أي دخول البحر لأبي مسلم الخولاني التابعي فانه لما غزا الروم مع جيشه مروا بنهر عظيم بينهم وبين العدو فقال ابو مسلم اللهم اجزت بني اسرائيل البحر وانا عبادك وفي سبيلك فأجزنا هذا النهر اليوم ثم قال اعبروا بسم الله فعبروا فلم يبلغ الماء بطون الخيل
وكذا وقع نظير ذلك لابي عبيد الثقفي التابعى امير الجيوش في ايام سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه فان دجلة حالت بينه وبين العدو فتلا قوله تعالى { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا }

ثم سمى الله تعالى واقتحم بفرسه الماء واقتحم الجيش وراءه ولما نظر اليهم الاعاجم صاروا يقولون ديوانا ديوانا أي مجانين ثم ولوا مدبرين فقتلهم المسلمون وغنموا اموالهم وله اخ يقال له ميمون وهو الذي حفر البئر التي بأعلى مكة التي يقال لها بئر ميمون ولم اقف على اسلامه
واما اختهم التي هي الصعبة وهي ام طلحة بن عبيد الله فصحابية رضى الله تعالى عنها كانت اولا تحت ابي سفيان بن حرب فطلقها فخلف عليها عبيدالله فولدت له طلحة الذي قال في حقه صلى الله عليه وسلم من اراد ان ينظر الى شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر الى طلحة بن عبيدالله
ثم ان الاسود بن عبد الاسد المخزومي وهو اخو ابي سلمة عبدالله بن عبد الاسد وكان رجلا شرسا سيء الخلق شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء انه اول من يعطى كتابه بشماله كما ان اخاه ابا سلمة اول من يعطى كتابه بيمينه كما تقدم قال اعاهد الله لاشربن من حوضهم او لاهدمنه او لاموتن دونه فلما خرج خرج اليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطل قدمه بنصف ساقه أي اسرع قطعها فطارت وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه أي وشرب منه وهدمه برجله الصحيحه يريد ان تبر يمينه فاتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض واقبل نفر من قريش حتى وردوا ذلك الحوض منهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ الا قتل كافرا الا ما كان من حكيم بن حزام فانه لم يقتل ثم اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه فكان اذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجاني يوم بدر
وعلى ان هذا الحوض كان وراء ظهره صلى الله عليه وسلم يكون مجىء هؤلاء للحوض من خلفه صلى الله عليه وسلم فليتأمل
ثم ان عتبة بن ربيعة التمس بيضة أي خودة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسع راسه لعظمها فاعتجر على راسه ببردله أي تعمم به ولم يجعل تحت لحيته من العمامة شيئا وخرج بين اخيه شيبة وابنه الوليد حتى فصل من الصف ودعا للمبارزة فخرج اليه فتية من الانصار ثلاثة اخوة اشقاء هم معوذ ومعاذ وعوف بنو عفراء وقيل بدل عوف عبدالله بن رواحة فقالوا من انتم قالوا رهط من الانصار

قالوا ما لنا بكم من حاجة وفي رواية اكفاء كرام انما نريد قومنا أي وفي لفظ ولكن اخرجوا الينا من بني عمنا أي وفي لفظ انه صلى الله عليه وسلم امرهم بالرجوع فرجعوا الى مصافهم وقال لهم خيرا لانه كره ان تكون الشوكة لغير بني عمه وقومه في اول قتال وعند ذلك نادى مناديهم يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي وفي لفظ قوموا يا بني هاشم فقاتلوا بحقكم الذي بعث به نبيكم اذ جاءوا ببطلانهم ليطفئوا نور الله قم يا عبيدة بن الحرث قم يا حمزة قم يا علي فلما قاموا ودنوا قالوا لهم من انتم أي لانهم كانوا ملبسين لا يعرفون من السلاح قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علي علي قالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة بن الحارث وكان اسن القوم كان اسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة وبارز على الوليد فأما حمزة فلم يمهل ان قتل شيبة واما علي فلم يمهل ان قتل الوليد واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما اثبت صاحبه وكر حمزة وعلي باسيافهما على عتبة فذفناه بالمهملة والمعجمة واحتملا صاحبهما فجراه الى اصحابه أي واضجعوه الى جانب موقفه صلى الله عليه وسلم فافرشه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه الشريفه فوضع خده عليها وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهد انك شهيد أي بعد ان قال له عبيدة الست شهيدا يا رسول الله فتوفى في الصفراء ودفن بها عند مرجع المسلمين الى المدينة
وقيل برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وعلي للوليد واختلف عبيدة وشيبة بينهما بضربتين كلاهما اثبت صاحبه وقعت الضربة في ركبة عبيدة فاطاحت رجله وصار مخ ساقه يسيل ثم مال حمزة وعلي على شيبة فذففا عليه
أي ويقال ان شيبة لما صرع من ضربة عبيدة قام فقام إليه حمزة فاختلفا ضربتين فلم يصنع سيفهما شيئا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه فاهوى عبيدة وهو صريع فضرب شيبة فقطع ساقه فذفف عليه حمزة
وقيل بارز علي شيبة وبارز عبيدة الوليد فقد روى الطبراني باسناد حسن عن علي انه قال اعنت انا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم علينا ذلك

وقال الحافظ ابن حجر وهذا اصح الروايات ولكن المشهور ان عليا كرم الله وجهه انما بارز الوليد وهذا هو اللائق بالمقام لان عتبة وشيبة كانا شيخين كعبيدة وحمزة بخلاف علي والوليد فكانا شابين وقتل حمزة طعيمة بن عدي اخا المطعم بن عدي وتقدم ان المطعم مات قبل هذه الغزاة بستة اشهر كافرا
قيل وهذه المبارزة اول مبارزة وقعت في الاسلام
وفي الصحيحين عن ابي ذر انه كان يقسم قسما ان هذه الاية { هذان خصمان اختصموا في ربهم } نزلت في حمزة وصاحبه وعتبة وصاحبه يوم بدر
وفي البخارى عن علي رضى الله تعالى عنه انه اول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة
وقيل اول من يقف بين يدي الله تعالى للخصومة علي ومعاوية ثم تزاحم الناس ودنا بعضهم من بعض وقد كان عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف اصحابه بقدح في يده أي بسهم لا نصل له ولا ريش فمر بسواد بتخفيف الواو لا بتشديدها كما زعمه ابن هشام بن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد الياء أي حليف بني النجار وهو خارج من الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله اوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني أي مكني من القود أي القصاص من نفسك فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد أي خذ القود أي القصاص فاعتنقه فقبل بطنه الشريف فقال ما حملك على هذا يا سواد فقال يا رسول الله حضر ما ترى فاردت ان يكون اخر العهدبك ان يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير
وفيه ان هذا لا قود فيه ولا قصاص عندنا فليتأمل وسواد هذا جعله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر عاملا على خيبر كما سيأتي
أي وفي حديث حسن عن عبدالرحمن بن عوف قال صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فبدرت منا بادرة امام الصف فنظر اليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال معي معي
اقول وقع له صلى الله عليه وسلم بعض الانصار أي وهو سواد بن عمرو مثل هذا الذي وقع له مع سواد بن غزية

ففي ابي داود ان رجلا من الانصار كان فيه مزاح فبينما هو يحدث القوم يضحكهم اذ طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود كان في يده وفي لفظ بعرجون وفي اخر بعصا فقال اصبرني يا رسول الله أي اقدني ومكني من نفسك لاقتص منك فقال اصبر أي اقتص قال ان عليك قميصا وليس على قميص فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه
أي ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم انه ما التصق ببدنه مسلم وتمسه النار كذا في الخصائص الصغرى وفيها في محل اخر ولا تاكل النار شيئا مس جسده وكذلك الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم
ثم لما عدل الصفوف قال لهم ان دنا القوم منكم فانصحوهم أي ادفعوهم عنكم بالنبل واستبقوا نبلكم أي لا ترموهم على بعد فان الرمى مع البعد غالبا يخطىء فيضيع النبل بلا فائدة أي وقال لهم لا تسلوا السيوف حتى يغشوكم وخطبهم خطبة حثهم فيها على الجهاد وعلى المصابرة فيه منها وان الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله عز وجل به الهم وينجى به من الغم وهذا السياق يدل على تكرر هذه الخطبة أي وقوعها قبل مجيئهم الى محل القتال وبعد مجيئهم اليه ولا مانع منه
ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى العريش فدخله ومعه ابو بكر ليس معه فيه غيره وسعد بن معاذ قائم على باب العريش متوشح بسيفه مع نفر من الانصار يخافون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو أي والجنائب مهيأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان احتاج اليها ركبها ولما اصطف الناس للقتال رمى قطبه بن عامر حجرا بين الصفين وقال لا افر الا ان فر هذا الحجر وكان اول من خرج من المسلمين مهجع بكسر الميم واسكان الهاء فجيم مفتوحة فعين مهملة مولى عمر بن الخطاب فقتله عامر ابن الحضرمى بسهم ارسله اليه ونقل بعض المشايخ انه اول من يدعى من شهداء هذه الامة وانه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ مهجع سيد الشهداء أي من هذه الامة فلا ينافى ما جاء ان سيد الشهداء يوم القيامة يحيى بن زكريا وقائدهم الى الجنة وذابح الموت يوم القيامة يضجعه ويذبحه بشفرة في يده والناس ينظرون إليه لكن جاء سيد الشهداء هابيل الا ان تجعل الاولية اضافية فيراد اول اولاد آدم لصلبه
قيل وكون مهجع اول قتيل من المسلمين لا ينافى كون اول قتيل من المسلمين عمير بن

الحمام لان ذاك اول قتيل من المهاجرين وعمير اول قتيل من الانصار ولا ينافى ذلك ان اول قتيل من الانصار حارثة بن قيس أي قتل بسهم لم يدر راميه
ففى البخارى عن حميد قال سمعت انسا يقول اصيب حارثة يوم بدر وهو غلام قتل بارسال سهم اليه أي فانه اصابه سهم غرب أي لا يعرف راميه وهو يشرب من الحوض
وفي كلام ابن اسحاق اول من قتل من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب ومن بعده حارثة بن سراقة وقد جاءت ام حارثة وهي عمة انس بن مالك الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله حدثني عن حارثة فان يكن في الجنة لم ابك عليه ولكن احزن وان يكن في النار بكيت ما عشت في دار الدنيا وفي رواية ان يكن في الجنة صبرت وان يكن غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء فقال يا ام حارثة انها ليست بجنة ولكنها جنات وحارثة في الفردوس الاعلى فرجعت وهي تضحك وتقول بخ بخ لك يا حارثة وهذا قد يخالف قول ابن القيم كالزمخشري ان الجنة التي هي دار الثواب واحدة بالذات كثيرة بالاسماء والصفات وهذا الاسم الذي هو الجنة يجمعها من اسمائها جنة عدن والفردوس والمأوى ودار السلام ودار الخلد ودار المقامة ودار النعيم ومقعد صدق وغير ذلك مما يزيد على عشرين اسما
أي وعن الواقدى انه بلغ امه واخته وهما بالمدينة مقتله فقالت امه والله لا ابكى عليه حتى يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأساله فان كان في الجنة لم ابك عليه وفي رواية اصبر واحتسب وان كان ابني في النار بكيته
وفي رواية ترى ما اصنع فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر جاءت امه فقالت يا رسول الله قد عرفت موقع حارثة من قلبي فأردت ان ابكي عليه ثم قلت لا افعل حتى اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فان كان في الجنة لم ابك عليه وان كان في النار بكيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم هبلت وفي رواية ويحك أو هبلت اجنة واحدة انها جنان كثيرة والذي نفسي بيده انه لفي الفردوس لاعلى ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء من ماء فغمس يده فيه ومضمض فاه ثم ناوله ام حارثة فشربت ثم ناولت ابنتها فشربت ثم امرهما ينضحان في جيوبهما ففعلتا فرجعتا من عند النبي صلى الله عليه وسلم وما بالمدينة امرأتان اقر عينا منهما ولا اسر

وقد كان حارثة سال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يدعو له بالشهادة فقد جاء انه صلى الله عليه وسلم قال لحارثة يوما وقد استقبله كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا بالله حقا قال انظر ما تقول فان لكل قول حقيقة قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلى وأظمأت نهاري فكأني بعرش ربى بارزا وكاني انظر الى اهل الجنة يتزاورون فيها وكاني انظر الى اهل النار يتعاوون فيها قال ابصرت فالزم عبد أي انت عبد بذر الله الايمان في قلبه قال فقلت ادع الله لي بالشهادة فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال ابو جهل واصحابه حين قتل عتبة وشيبة والوليد تصبرا لنا لعزى ولا عزى لكم ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الله مولانا ولا مولى لكم قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار
اقول سياتي وقوع مثل ما قال ابو جهل واصحابه من ابي سفيان وانه اجيب بمثل هذا الجواب في يوم وأحد والله اعلم
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر أي وهذا العريش هو المراد بالقبة في قول البخاري عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة يوم بدر اللهم انشدك عهدك الحديث ويقول اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم فلا تعبد أي وفي مسلم انه صلى الله عليه وسلم قال اللهم انك ان تشأ لا تعبد في الارض قال ذلك في هذا اليوم وفي يوم احد
قال العلماء فيه التسليم لقدر الله تعالى والرد على غلاة القدرية الذين يزعمون ان الشر غير مراد لله ولا مقدور له
وذكر الامام النوي ان كونه قال ما ذكر يوم بدر هو المشهور وفي كتب التفسير والمغازي انه يوم احد ولا معارضة بينهما فقاله في اليومين هذا كلامه
أي يجوز ان يكون قال ذلك في يوم بدر وفي يوم احد وفي رواية اللهم ان ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك ولا يقوم لك دين أي لانه صلى الله عليه وسلم علم انه اخر النبيين فاذا هلك هو ومن معه لا يبقى من يتعبد بهذه الشريعة وفي لفظ اخر اللهم لا تودع مني ولا تخذلني انشدك ما وعدتني لانه كان وعده النصر وفي رواية ما زال يدعو ربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبه فاخذ ابو بكر رداءه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك تناشدك ربك فانه سينجز

لك ما وعدك أي وفي رواية والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك أي وفي لفظ قد الححت على ربك وكون وعد الله لا يتخلف لا ينافى الالحاح في الدعاء لان الله يحب الملحين في الدعاء وانما قال ابو بكر ما ذكر لانه شق عليه تعب النبي صلى الله عليه وسلم في الحاحه بالدعاء لانه رضى الله تعالى عنه رقيق القلب شديد الاشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل لان الصديق كان في تلك الساعة في مقام الرجاء والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مقام الخوف لان الله يفعل ما يشاء وكلا المقامين سواء في الفضل ذكره السهيلي
وحين راى المسلمون القتال قد نشب عجوا بالدعاء الى الله تعالى فانزل الله تعالى عند ذلك { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } أي متتابعين وقيل ردفا لكم ومددا لكم وقيل وراء كل ملك ملك اخر
ويوافق ذلك ما جاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما امد الله نبيه يوم بدر بالف من الملائكة فكان جبريل في خمسمائة وميكائيل في خمسمائة فأمده الله تعالى بالملائكة الف مع جبريل والف مع ميكائيل وجاء امده الله بثلاثة الاف الف مع جبريل والف مع ميكائيل والف مع اسرافيل وهذا رواه البيهقي في الدلائل عن على باسناد فيه ضعف
وقيل وعدهم الله تعالى ان يمدهم بالف ثم زيدوا في الوعد بالفين ثم زيدوا في الوعد بالفين ايضا
وقيل امدهم الله تعالى بثلاثة الاف من الملائكة ثم اكملهم بخمسة الاف قال الله تعالى { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } أي الف مع جبريل والف مع ميكائيل والف مع اسرافيل { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } فان ذلك كان يوم بدر على ما عليه الاكثر وقيل يوم احد كان الامداد فيه بذلك أي بثلاثة الاف ثم وقع الوعد بإكمالهم خمسة الاف معلقا على شرط وهو التقوى والصبر عن حوز الغنائم فلم يصبروا ففات الامداد بما زاد على الثلاثة الاف
وهذا الثاني هو الذي في النهر لابي حيان كان المدد يوم بدر بالف من الملائكة ويوم احد بثلاثة الاف ثم بخمسة لو صبروا عن اخذ العنائم فلم يصبروا فلم تنزل هذا

كلامه وهو واضح لان عدم صبرهم عن اخذ الغنائم وعدم امتثال امره انما كان في احد لا في بدر
وروى البيهقى عن حكيم بن حزام رضى الله عنه ان يوم بدر وقع نمل من السماء قد سد الافق فاذا الوادي يسيل نملا أي نازلا من السماء فوقع في نفسي ان هذا شىء ايد به صلى الله عليه وسلم وهي الملائكة
أي وروى بسند حسن عن جبير بن مطعم قال رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الاسود مبثوث حتى امتلآ الوادى فلم اشك انها الملائكة فلم يكن الا هزيمة القوم والبجاد كساء مخطط من اكسية الاعراب وسيأتي وقوع مثل ذلك في حنين
قال وانما كانت الملائكة شركاء لهم في بعض الفعل ليكون الفعل منسوبا للنبي صلى الله عليه وسلم ولاصحابه والا فجبريل قادر على ان يدفع الكفار بريشة من جناحه كما فعل بمدائن قوم لوط واهلك قوم صالح وثمود بصيحة واحدة وليهابهم العدو بعد ذلك حيث يعلمون ان الملائكة تقاتل معهم
وبهذا يرد ما قيل لم تقاتل الملائكة يوم بدر وانما كانوا يكثرون السواد والا فملك واحد كاف في اهلاك اهل الدنيا كلهم
وجاء لولا ان الله تعالى حال بيننا وبين الملائكة التي نزلت يوم بدر لمات اهل الارض خوفا من شدة صعقاتهم وارتفاع اصواتهم
وجاء في حديث مرسل ما رؤ ى الشيطان ا حقر ولا ادحر ولا اصغر من يوم عرفة الا ما رىء يوم بدر أي وكذا سائر مواسم المغفرة والعتق من النار كأيام رمضان سيما ليلة القدر
وجاء ان ابليس جاء في صورة سراقة بن مالك المدلجي الكناني في جند من الشياطين أي مشركي الجن في صور رجال من بني مدلج من بني كنانة معه رايته وقال للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم اه أي كما قال لهم ذ لك عند ابتداء خروجهم وقد خافوا من بني كنانة قوم سراقة وقد تقدم انه كان وحده ولا منافاة لجواز ان يكون جنده لحقوا به بعد قال فلما رأى جبريل والملائكة وفي رواية اقبل جبريل الى ابليس فلما راه وكانت يده في يد رجل من المشركين أي وهو الحارث بن هشام اخو ابي جهل

انتزع يده من يد الرجل ثم نكص على عقبه وتبعه جنده فقال له الرجل يا سراقة اتزعم انك لنا جار فقال اني برىء منكم اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب وتشبث به الحارث بن هشام رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك وقال له والله لا ارى الا خفافيش يثرب فضربه ابليس في صدره فسقط وعند ذلك قال ابو جهل يا معشر الناس لا يهمنكم خذلان سراقة فانه كان على ميعاد من محمد ولا يهمنكم قتل عتبة وشيبة أي والوليد فانهم قد عجلوا واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا واصحابه بالجبال وصار يقول لا تقتلوهم خذوهم باليد
وذكر السهيلي انه يروى ان من بقى من قريش وهرب الى مكة وجد سراقة بمكة فقالوا له يا سراقة خرقت الصف واوقعت فينا الهزيمة فقال والله ما علمت بشىء من امركم وما شهدت وما علمت فما صدقوه حتى اسلموا وسمعوا ما انزل الله فعلموا انه ابليس هذا كلامه
قال قتادة صدق ابليس في قوله اني ارى مالا ترون وكذب في قوله اني اخاف الله والله ما به مخافة من الله
قال في ينبوع الحياة ولا يعجبني هذا فان ابليس عارف بالله ومن عرف الله خافه أي وان لم يكن ابليس خافه حق الخوف
قيل وانما خاف ان يكون هذا اليوم هو اليوم الموعود الذي قال فيه سبحانه وتعالى { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين }
ورايت عن سيدي على الخواص انه لا يلزم من قول ابليس ذلك ان يكون معتقدا له بالباطن كما هو شان المنافقين
ورايت عن وهب ان اليوم المعلوم الذي انظر فيه ابليس هو يوم بدر قتلته الملائكة في ذلك اليوم والمشهور انه منظر الى يوم القيامة ويدل لذلك ما روى ان ابليس لما ضرب الحارث في صدره لم يزل ذاهبا حتى سقط في البحر ورفع يديه وقال يا رب موعدك الذي وعدتني اللهم اني اسألك نظرتك إياي وخاف ان يخلص اليه القتل
هذا وفي زوائد الجامع الصغير عن مسلم ان سيدنا عيسى عليه السلام يقتل ابليس بيده بعد نزوله وفراغه من صلاته ويرى المسلمين دمه في حربته
وفي كلام بعضهم ولعل المراد بيوم القيامة الذي انظر اليه ابليس ليس نفخة البعث

بل نفخة الصعق التي بها يكون موت من لم يمت من اهل السموات واهل الارض قيل الا حملة العرش وجبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت وهؤلاء ممن استثنى الله تعالى في قوله { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } ثم يموت جبريل وميكائيل ثم حملة العرش ثم اسرافيل ثم ملك الموت فهو اخر من يموت

وفي كلام بعضهم الصعق اعم من الموت أي فالمراد ما يشمل الغشى وذهاب الشعور أي فمن مات قبل ذلك وصار حيا في البرزخ كالأنبياء والشهداء لا يموت وانما يحصل له غشى وذهاب شعور ويكون المستثنى من القسم الاول من تقدم ذكره من الملائكة ومن القسم الثاني موسى صلوات الله وسلامه عليه فانه جوزى بذلك أي بعدم الغشى وذهاب الشعور بما حصل له من ذلك بسبب صعقة الطور
وفيه انه صلى الله عليه وسلم لم يجزم بذلك بل تردد في ذلك حيث قال فاكون اول من رفع راسه أي افاق من الغشى فاذ انا بموسى اخذ بقائمة من قوائم العرش فلا ادرى ارفع راسه أي افاق من الغشى قبلي او كان ممن استثنى الله فلم يصعق وفي رواية فاذا موسى متعلق بقائمة العرش فلا ادرى اكان فيمن صعق فأفاق قبلي ام كان ممن استثنى الله ولعل بعض الرواه ضم هذا الخبر لخبر الشيخين انا اول من تنشق عنه الارض يوم القيامة فاذا موسى الخ وفيه نظر لان المراد بيوم القيامة عند نفخة البعث ونفخة الصعق سابقة عليها كما علمت
ويلزم على هذا التردد مع كون الخبرين خبرا واحدا اشكال جزمه صلى الله عليه وسلم بانه اول من تنشق عنه الارض
واجاب شيخ الاسلام بما يفيد انهما خبران لاخبر واحد حيث قال التردد كان قبل ان يعلم انه اول من تنشق عنه الارض أي فهما حديثان لا حديث واحد
فان قيل قوله صلى الله عليه وسلم لا تخيروني على موسى فان الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون اول من يفيق فاذا موسى الحديث يقتضى انه صلى الله عليه وسلم ليس افضل من موسى
قلنا هو كقوله صلى الله عليه وسلم من قال انا خير من يونس بن متى فقد كذب وذلك منه صلى الله عليه وسلم تواضع او كان قبل ان يعلم انه افضل الخلق اجمعين وقيل الوقت المعلوم خروج الدابة واذا خرجت قتلته بوطئها

0 وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان ابليس اذا مرت عليه الدهور وحصل له الهرم عاد ابن ثلاثين سنة وهذه النفخة التي هي نفخة الصعق مسبوقة بنفخة الفزع التي تفزع بها اهل السموات والأرض فتكون الارض كالسفينة في البحر تضر بها الامواج وتسير الجبال كسير السحاب وتنشق السماء وتكسف الشمس ويخسف القمر وهي المعنية بقوله تعالى { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } وبقوله تعالى { إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها } الاية وقال تعالى { ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } قيل وهم الشهداء
فقد جاء ان الاموات يومئذ لا يعلمون بشىء من ذلك قلنا يا رسول الله فمن استثنى الله تعالى في قوله { إلا من شاء الله } قال اولئك الشهداء وانما يصل الفزع الى الاحياء وهم احياء عند ربهم يرزقون وقاهم الله فزع ذلك اليوم وامنهم منه
واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ذكر الشهداء وسكوته عن الانبياء لما هو معلوم من الاصل ان مقام الانبياء ارقى من مقام الشهداء وان كان قد يوجد في المفضول مالا يوجد في الفاضل ومن ثم قيل الرزق خاص بالشهداء ومن ثم اختصوا بحرمة الصلاة عليهم
ويقال انه كان مع المسلمين يوم بدر من مؤمني الجن سبعون أي لكن لم يثبت انهم قاتلوا فكانوا مجرد مدد
ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خفق خفقة أي مالت راسه من النعاس ثم انتبه فقال ابشر يا ابا بكر اتاك نصر الله هذا جبريل اخذ بعنا فرسه وفي لفظ اخذ براس فرسه يقوده على ثناياه النقع أي الغبار وهو يقول اتاك نصر الله اذ دعوته أي وفي رواية ان جبريل عليه الصلاة والسلام اتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما فرغ من بدر على فرس حمراء معقودة الناصية قد خضب الغبار ثنيته عليه درعه وقال يا محمد ان الله بعثنى إليك وامرني ان لا افارقك حتى ترضى ارضيت
أي ولا مانع من تعدد رؤيته صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه الصلاة والسلام وان هذه بعد تلك وان المرة الاولى مساقها يقتضى انها كانت مناما وان الغبار في المرة الثانية كان اكثر منه في المرة الاولى بحيث علا على ثناياه
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش الى الناس فحرضهم وقال والذي

نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر الا ادخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم وبيده تمرات يأكلهن بخ بخ كلمة تقال لتعظيم الامر والتعجب منه ما بيني وبين ان ادخل الجنة الا ان يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده واخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل أي وفى رواية انه صلى الله عليه وسلم قال قوموا الى جنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين فقال عمير ابن الحمام بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبخبخ أي م تتعجب فقال رجاء ان اكون من اهلها أي وفي رواية ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله الا رجاء ان اكون من اهلها فاخذ تمرات فجعل بلوكهن ثم قال والله ان بقيت حتى الوكهن وفي لفظ ان حييت حتى اكل تمراتي هذه انها لحياة طويلة فنبذهن وقاتل أي وهو يقول ** ركضنا الى الله بغير زاد ** الا التقى وعمل المعاد ** **

والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضه النفاد

** ** غير التقى والبر والرشاد **

ولا زال يقاتل حتى قتل رضى الله تعالى عنه وسيأتى في غزاة احد مثل هذا لبعض الصحابة ابهمه جابر رضى الله تعالى عنه في القاء التمرات من يده ومقاتلته حتى قتل فعن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم احد أرأيت إن قتلت فأين أنا قال

في الجنة قال فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل اخرجه البخارى ومسلم والنسائي وسيأتي ما في ذلك
وقال عوف بن الحارث بن عفراء يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده أي ما يرضيه غاية الرضا قال غمسه يده في العدو حاسرا أي لا درع له ولا مغفر فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم اخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رضى الله تعالى عنه فالضحك في حق الله كناية عن غاية رضاه
وقد جاء انه صلى الله عليه وسلم قال في طلحة بن الغمر اللهم الق طلحة يضحك اليك وتضحك اليه أي القه لقاء كلقاء المتحابين المظهرين لما في انفسهما من غاية الرضا والمحبة فهي كلمة وجيزة تتضمن الرضا مع المحبة واظهار البشر فهى من جوامع كلمه التي اوتيها صلى الله عليه وسلم

وقاتل في ذلك اليوم معبد بن وهب زوج هريرة بنت زمعة اخت سودة بنت زمعة ام المؤمنين رضى الله تعالى عنها بسيفين ثم اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصباء بالمد امره بذلك جبريل عليه الصلاة والسلام كما جاء في بعض الروايات أي قال خذ قبضة من تراب وارمهم بها فتناولها صلى الله عليه وسلم
وفي رواية انه قال لعلي كرم الله وجهه ناولني فاستقبل بها قريشا ثم قال شاهت الوجوه أي قبحت الوجوه أي وزاد بعضهم اللهم ارعب قلوبهم وزلزل اقدامهم ثم نفخهم أي ضربهم بها فلم يبق من المشركين رجل الا ملأت عينه وفي رواية وانفه وفمه لا يدري اين يتوجه يعالج التراب لينزعه من عينيه أي فانهزموا وردفهم المسلمون يقتلون ويأسرون
هذا والمحفوظ المشهور أن تلك إنما كان في حنين لكن يوافق الأول ما نقله بعضهم أن قوله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } نزل يوم بدر هكذا قال عروة وعكرمة ومجاهد وقتادة قال هذا البعض وقد فعل عليه الصلاة والسلام مثل ذلك في غزوة أحد هذا كلامه
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم اخذ ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين ايديهم فقال شاهت الوجوه فانهزم القوم وهذه الحصيات الثلاث قال جابر بن عبدالله رضى الله تعالى عنهما وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست فأخذهن رسول اله صلى الله عليه وسلم فرمى بهن في وجوه المشركين أي يمنة ويسرة وبين ايديهم وحين رمى صلى الله عليه وسلم بذلك قال لاصحابه شدوا فكانت الهزيمة وانزل الله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }
وقد يقال لا مانع من اجتماع الامرين وكل منهما مراد من الاية قال وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بنفسه قتالا شديدا وكذلك ابو بكر رضى الله تعالى عنه كما كانا في العريش يجاهدان بالدعاء قاتلا بأبدانهما جمعا بين المقامين انتهى
اقول كذا نقل بعضهم عن الاموى ويتأمل ذلك فاني لم اقف عليه في كلام احد غيره وكان قائل ذلك فهم مباشرته صلى الله عليه وسلم للقتال مما تقدم عن على رضى الله تعالى عنه لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اشد الناس بأسا ولا دلالة في ذلك والله اعلم

نعم ذكر ابن سعد انه لما انهزم المشركون رؤى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثرهم مصلتا السيف يتلو هذه الاية { سيهزم الجمع ويولون الدبر } وهذه الاية ذكر في الاتقان انها مما تأخر حكمه عن نزوله فانها نزلت بمكة وكان ذلك يوم بدر
فعن عمر رضى الله تعالى عنه قلت أي جمع فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثارهم مصلتا السيف يقول { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فكانت ليوم بدر اخرجه الطبراني في الاوسط ولو قاتل صلى الله عليه وسلم لجرح او قتل من قاتله ولو وقع ذلك لنقل لانه مما تتوفر الدواعي على نقله
وسيأتي في احد عن النور انه صلى الله عليه وسلم لم يقتل بيده الشريفة قط احد الا ابي بن خلف لا قبله ولا بعده والى رميه بالحصا أشار صاحب الهمزية بقوله ** ورمى بالحصا فاقصد جيشا ** ما العصا عنده ما الالقاء **

ي ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصا جيشا فأصابهم كلهم بها أي شىء القاء عصا موسى عليه الصلاة والسلام على حبال سحرة فرعون وعصيهم عند ذلك الحصى المرمى به لا يقاربه ذلك الالقاء ولا يدانيه لان ذاك وجد له نظير وهو القاء السحرة الحبال والعصى والرمى بالحصا لم

يوجد له نظير
أي وقال صلى الله عليه وسلم حينئذ من قتل قتيلا فله سلبه ومن اسر اسيرا فهو له كما في الامتاع فلما وضع القوم ايديهم يأسرون نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سعد فوجد في وجهه الكراهية لما يصنع القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال اجل والله يا رسول الله كانت اول وقعة اوقعها الله بأهل الشرك فكان الاثخان في القتل أي الاكثار منه والمبالغة فيه احب الى من استبقاء الرجال
وذكر بعضهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه انكم قد عرفتم ان رجالا من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا اكراها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم احدا من بني هاشم فلا يقتله أي بل يأسره وذكر ابا البحتري بن هشام أي فقال من لقى ابا البحتري فلا يقتله أي لانه كان ممن قام في نقض الصحيفة ونص على العباس بن عبدالمطلب فقال ابو حذيفة رضى الله تعالى عنه ايقتل اباؤنا وابناؤنا واخواننا و عشيرتنا ويترك العباس أي لانه تقدم ان اباه عتبة وعمه شيبة واخاه الوليد اول من قتل من الكفار

مبارزة وعشيرته وهي بنو عبد شمس قدقتل منها جماعة لئن لقيته يعنى العباس لألجمنه السيف هو بالمهملة والمعجمة فبلغت أي تلك المقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر يا أبا حفص ايضرب وجه عم رسول الله السيف فقال عمر والله انه لاول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بابي حفص يا رسول الله دعني اضرب عنقه يعني ابا حذيفة بالسيف فوالله لقد نافق فكان ابو حذيفة يقول ما انا بآمن من تلك الكلمة التي قلتها يومئذ ولا ازال منها خائفا الا ان تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا في جملة من قتل فيها من الصحابة هم اربعمائة وخمسون وقيل ستمائة رضى الله تعالى عنهم
ولقى المجذر رضى الله تعالى عنه ابا البحترى فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك فقال وزميلي أي ورفيقي وكان معه زميل له خرج معه من مكة أي يقال له جنادة بن مليحة فقال له المجذر لا والله ما نحن بتاركي زميلك ما امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بك وحدك قال لا والله اذا لاموتن انا وهو جميعا لا تتحدث عني نساء مكة اني تركت زميلي أي يقتل حرصا على الحياة فقتله المجذر أي بعد ان قاتله ثم اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه ان يستأسر فآتيك به فابى الا ان يقاتلني فقتلته
اقول لعل المجذر فهم ان ما عدا من نهى عن قتله يقتل وان استأسر حتى قال ما نحن بتاركى زميلك أي ولا بد من قتله وان استاسر فكان ذلك حاملا لأبي البحترى على ان لا يستأسر ويترك زميله فيقتل خوف السبه والله اعلم
أي وكان من جملة من خرج مع المشركين يوم بدر عبدالرحمن بن ابي بكر رضى الله تعالى عنهما وكان اسمه قبل الاسلام عبد الكعبة وقيل عبد العزى فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن وكان من اشجع قريش واشدهم رماية وكان اسن ولد ابيه وكان صالحا وفيه دعابة فلما اسلم قال لابيه لقد اهدفت لي أي ارتفعت لي يوم بدر مرارا فصدفت عنك أي اعرضت عنك فقال ابو بكر لو هدفت لي لم اصدف أي اعرض عنك فالمراد بكونه اهدف له ارتفع وهو لا يشعر بذلك فلا ينافى ماقيل ان عبدالرحمن ابن ابي بكر يوم بدر دعا الى البراز فقام اليه ابوه ابو بكر ليبارزه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم متعنا بنفسك يا ابا بكر اما علمت انك عندى بمنزلة سمعى وبصرى

5 أي وفي بعض السير ان الصديق قال لولده عبدالرحمن يوم بدر وهو مع المشركين لم يسلم أين مالي يا خبيث فقال له عبدالرحمن كلاما معناه لم يبق الا عدة الحرب التي هي السلاح وفرس سريعة الجرى وجنان يقاتل عليه شيوخ الضلال أي وهذا يدل على ان الصديق رضى الله تعالى عنه ترك مالا عند اهله لما هاجر وهو قد يخالف ماتقدم عن ابنته اسماء من قولها ان ابا بكر ارسل ابنه عبدالله فحمل ماله وكان خمسة الاف درهم الى الغار فدخل علينا جدي ابو قحافة الحديث ولعل ماله الذي عناه الصديق ما كان من نحو امتعة وبعض مواشي لا النقد فلا مخالفة
ويروى عن ابن مسعود ان الصديق رضى الله تعالى عنه دعا ابنه يعنى عبدالرحمن يوم احد الى البزار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم متعنا بنفسك اما علمت انك مني بمنزلة سمعي وبصري فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } ولا مانع من التعدد حتى في نزول الاية لكن يبعد نزولها في احد ايضا كون ابي بكر يدعو للمبارزة بعد نزولها اولا في بدر
ثم رأيت ابن ظفر قال في الينبوع انه لم يثبت ان ابا بكر دعا ابنه للمبارزة وانما هو شىء ذكر في كتب التفسير فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } فالاية مدنية لا مكية وبه يرد ما ذكر ان سببها ان ابا بكر سمع والده ابا قحافة يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بشر فلطمه لطمة سقط منها فأخبر ابو بكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لا تعد لمثلها فقال والله لو حضرني السيف لقتلته به
وفي كلام الزمخشري ان عبدالرحمن اسلم في هدنة الحديبية وهاجر الى المدينة ومات سنة ثلاث وخمسين بمحل بينه وبين مكة ستة اميال وحمل على اعناق الرجال الى مكة وقدمت اخته عائشة رضى الله تعالى عنها من المدينة فأتت قبره فصلت عليه
أي وفي هذا اليوم الذي هو يوم بدر قتل ابو عبيدة بن الجراح اباه وكان مشركا فان اباه قصده ليقتله فولى عنه ابو عبيدة لينكف عنه فلم ينكف عنه فرجع عليه وقتله وانزل الله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } الاية
وعن عبدالرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه لقد لقيت اميه بن خلف وكان

صديقا لي في الجاهلية ومعه أي مع امية ابنه علي أي اخذ بيده وكان علي ممن اسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر رففتنهم اقاربهم عن الاسلام ورجعوا عنه وماتوا على كفرهم وانزل الله تعالى فيهم { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم } الاية أي وهم الحرث بن ربيعة وابو قيس بن الفاكه وابو قيس بن الوليد والعاص ابن منبه وعلي بن اميه المذكور
وفي السيرة الهشامية وذلك انهم كانوا اسلموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة حبستهم اباؤهم وعشيرتهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا أي رجعوا عن الاسلام ثم ساروا مع قومهم الى بدر فأصيبوا جميعا وسياقه كما ترى يقتضى انهم لم يرجعوا الى الكفر الا بعد الهجرة وسياق ما قبله ربما يقتضى انهم رجعوا الى الكفر قبل ان يهاجر صلى الله عليه وسلم
قال عبدالرحمن بن عوف وكان معي ادراع استلبتها أي فانا احملها فلما رآني اميه ناداني باسمي الاول يا عبد عمرو فلم اجبه لانه كان قال لي لما سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن اترغب عن اسم سماك به ابوك فقلت نعم قال الرحمن لا اعرفه ولكني اسميك بعبد الاله كما تقدم فلما ناداني بعبدالاله قلت نعم
أي وظاهر السياق يقتضى انه عرف انه المراد بذلك وانه ترك اجابته قصدا حيث جعله عبدا للصنم ويحتمل وهو الاقرب أنه لم يجبه لعدم معرفته انه المراد بذلك الاسم لكونه هجر بالمرة فلما ناداه اميه بما ذكر عرفه وعرف انه المراد بذلك لما ذكر وعند ذلك قال له اميه هل لك في فأنا خير لك من هذه الادراع التي معك قلت نعم فطرحت الادراع من يدي واخذت بيده وبيد ابنه علي وهو يقول ما رأيت كاليوم قط ثم قال لي يا عبدالاله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره أي كانت في درعه بحيال صدره قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب قال ذاك الذي فعل بنا الافاعيل وقيل قائل ذلك ابنه ثم خرجت امشي بهما فو الله اني لاقودهما اذ رآه بلال معي وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على ان يترك الاسلام أي كما تقدم فقال بلال راس الكفر اميه بن خلف لا نجوت ان نجا فقلت أي بلال أفبأسيرى أي تفعل ذلك بهما قال لا نجوت ان نجا وكررت وكر ذلك ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله راس الكفر اميه بن خلف لا نجوت ان نجا وكرر ذلك فأحاطوا بنا

فأصلت رجل السيف أي سله من غمده وذلك الرجل هو بلال فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط فضربوهما بأسيافهم فهبروهما
اقول الذي في البخاري عن عبدالرحمن بن عوف ان بلالا لما استصرخ الانصار قال خشيت ان يلحقونا فخلفت لهم ابنه لاشغلهم به فقتلوه ثم اتونا حتى لحقوا بنا وكان امية رجلا ثقيلا أي كما تقدم فقلت ابرك فألقيت نفسي عليه لامنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه فأصاب احدهم رجلي بسيفه أي ظهر قدمه
وفي كلام ابن عبد البر قال ابن هشام قتل امية بن خلف معاذ بن عفراء وخارجه ابن زيد وحبيب بن اساف اشتركوا فيه
قال ابن اسحاق وابنه على قتله عمار بن ياسر وحبيب بن اساف هذا شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج بنت خارجة بد ان توفى عنها ابو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه وهو جد حبيب شيخ مالك رضى الله تعالى عنه والله اعلم
وكان عبدالرحمن بن عوف يقول يرحم الله بلالا ذهبت ادراعى وفجعني بأسيرى أي وفي رواية لما كان يوم بدر خصل لي درعان ولقيني امية فقال خذني وابني فأنا خير لك من الدرعين فالقيت الدرعين فاخذتهما فلما قتلا صار يقول يرحم الله بلالا فلا درعي ولا اسيرى أي لانه صلى الله عليه وسلم جعل في هذه الغزاة ان كل من اسر اسيرا فهو له كما تقدم وسياتي أي فله فداؤه وهو يخالف ما عليه ائمتنا ان مال فداء الاسرى ورقابهم اذا استرقوا كسائر اموال الغنيمة الا ان يقال ذاك كان في صدر الاسلام ترغيبا في الجهاد ثم استقر الامر على ما قاله فقهاؤنا أي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من له علم بنوفل ابن خويلد فقال علي كرم الله وجهه انا قتلته فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحمد لله الذي اجاب دعوتي فيه أي فانه لما التقى الصفان نادى نوفل بصوت رفيع يا معاشر قريش اليوم يوم الرفعة والعلاء فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اكفني نوفل بن خويلد وفي كلام بعضهم ما يفيد ان قتل علي كرم الله وجهه له كان بعد ان اسره جبار بن صخر فقد جاء ان جبارا بينما هو يسوقه اذ رأى عليا فقال يا اخا الانصار من هذا واللات والعزى انه ليريدني فقال هذا علي بن ابي طالب فعمد له علي كرم الله وجهه فقتله ثم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي جهل ان يلتمس في القتلى وقال ان خفى عليكم أي بان قطع

رأسه وازيل عن جثته انظروا الى اثر جرح في ركبته فاني ازدحمت يوما انا وهو على مائدة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت اسن منه أي اكبر منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش أي خدش على أحديهما جحشا لم يزل اثره به
أي ولعل هذا هو محمل قول بعضهم انه صلى الله عليه وسلم صارع ابا جهل فانه لم يصح انه صارعه ولعل هذا الاثر هو الذي عناه ابن مسعود رضى الله تعالى عنه بقوله لما قتلت ابا جهل لعنه الله وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتلت ابا جهل فقال لي عقيل وهو اسير عند النبي صلى الله عليه وسلم كذبت ما قتلته فقلت له بل انت الكذاب الآثم يا عدو الله قد والله قتلته قال فما علامته قلت ان بفخذه حلقة كحلقة الجمل المحلق قال صدقت وكان ابو جهل قد استفتح أي طلب الحكم على نفسه لانه لما دنا القوم بعضهم من بعض قال اللهم اقطعنا للرحم اتيانا بما لا نعرف فأحنه أي اهلكه العداة أي زاد بعضهم اللهم من كان احب اليك وارضى عندك وفي لفظ اللهم اولانا بالحق فانصره اليوم فانزل الله تعالى { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح }
اقول كون ابي جهل طلب الحكم على نفسه واضح لو سكت عن قوله واتيانا بما لا نعرف اذ هو نص فيه صلى الله عليه وسلم
وفي تفسير سهل ان ابا جهل قال يوم بدر اللهم انصر افضل الدينين عندك وارضاهما لك أي وفي رواية اللهم انصر خير الدينين اللهم ديننا القديم ودين محمد الحادث فنزل { إن تستفتحوا } يعنى تستنصروا { فقد جاءكم الفتح }
وفي اسباب النزول للواحدى ان المشركين حين ارادوا الخروج من مكة اخذوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم انصر اعلى الجندين واهدى الفئتين واكرم الحزبين وافضل الدينين فانزل الله تعالى الاية
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين والله اعلم
قال معاذ بن عمرو بن الجموح رأيت ابا جهل وقد احاطوا به وهم يقولون ابو الحكم لا يخلص اليه فلما سمعتها عمدت نحوه وحملت عليه فضربته ضربة اطنت قدمه بنصف ساقه أي اسرعت قطعه فو الله ما شبهتها حين طاحت الا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى والمرضخة بالخاء المعجمة وبالمهملة وقيل الرضخ بالمعجمة كسر الرطب وبالمهملة كسر اليابس وضربني ابنه أي عكرمه رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جسمي واجهضني القتال أي

شغلني عنه فلقد قاتلت عامة يومي واني لاستحسها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمى ثم تمطيت عليها حتى طرحتها في رواية انه جاء بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليها أي ولصقها فلصقت والى ذلك يشير الامام السبكى في تائيته لكن قال ابن عفراء ولا منافاة لجواز ان يكون معاذ بن عمرو بن الجموح بن عفراء وسيأتي ما يدل على ذلك بقوله ** وبانت بهاكف بن عفرا فاشتكى ** اليك فعادت بعد احسن عودة **
الا ان قوله بها يرجع لغزاة احد وقد علمت ان ذلك انما هو ببدر واحتمال تكرر ذلك في احد وفي بدر لشخص واحد بعيد الا ان يثبت النقل بذلك ثم مر بابي جهل وهو عقير معوذ بضم الميم وتشديد الواو مفتوحة ومكسورة ابن عفراء فضربه حتى اثبته وتركه وبه رمق أي وما جاء في بعض الروايات ضربه حتى برد بفتح الموحدة والراء والدال المهملة أي مات لا ينافيه لانه يجو ان يكون المراد صار في حالة من مات بان صار الى حركة المذبوح ومن ثم جاء في بعض الروايات حتى برك بالكاف بدل الدال أي سقط الى الارض أي الى جنبه والا فقطع قدمه مع نصف ساقه لا يفضى غالبا ان يسقط الى جنبه ومعوذ هذا لا زال يقاتل حتى قتل قال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه ورايت ابا جهل بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه ثم قلت له هل اخزاك الله يا عدو الله قال وبم اخزاني اعار على رجل قتلتموه أي ليس بعار على رجل قتلتموه وفي رواية اعمدمن رجل قتلتموه أي انا سيد رجل قتلتموه لان عميد القوم سيدهم أي فلا عار على في قتلكم اياي
وجاء انه قال لو غير أكار قتلني والاكار الزراع يعني الانصار لانهم كانو اصحاب زرع أي لو كان الذي قتلني غير فلاح لكان احب الي واعظم لشاني لم يكن على في ذلك نقص لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا اخبرني لمن الدبرة أي النصرة والظفر اليوم زاد في رواية لنا او علينا قلت لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحاح في دبر بالباء الموحدة والدبرة الهزيمة في القتال
ومما يدل للاول ما تقدم من قول ابي جهل اخبرني على من كانت الدبر لنا او علينا وفي مغازي ابن عقبة التي قال فيها مالك رضى الله تعالى عنه مغازي موسى بن عقبة اصح المغازي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على القتلى والتمس ابا جهل فلم يجده حتى عرف ذلك في وجهه ثم قال اللهم لا تعجزني فرعون هذه الامة فسعى له الرجال حتى

وجده ابن مسعود الحديث وفي الصحيحين عن انس رضى الله تعالى عنه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينظر لنا ما صنع ابو جهل فانطلق ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فوجده قد ضربه ابن عفراء حتى برد ولمسلم برك أي وهو المراد من الاول كما تقدم فاخذ بلحيته فقال انت ابو جهل الحديث واخذه بلحيته لا ينافى وضع رجله على رقبته لجواز ان يكون جمع بينهما قال ابن مسعود ثم احتزرت راسه
وفي رواية رويت عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال لما ضربته بسيفى لم يغن شيئا فبصق في وجهى وقال خذ سيفي فاحتز به راسي من عرشي ليكون انهى للرقبة والعرش عرق في اصل الرقبة ففعلت كذلك ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله ابي جهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الذي لا اله غيره أي ورددها ثلاثا وروى الطبراني آلله قتلت ابا جهل بنصب الجلالة وهو بهذا اللفظ عندنا كناية يمين ومثل النصب الرفع والجر قال قلت نعم والله الذي لا اله غيره ثم القيت راسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى أي ويقال انه صلى الله عليه وسلم سجد خمس سجدات شكرا ويقال انه قال الله اكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب حده وكون ابي جهل بصق في وجه ابن مسعود رضى الله تعالى عنه وقال له خذ سيفي الخ ينافى كونه وصل الى حركة المذبوح الا ان يقال يجوز ان يكون في اول الامر كان كذلك ثم تراجعت اليه روحه حتى قدر على ماذكر فليتأمل مع ما ياتي
قيل وبهذا أي بحمل راس ابي جهل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد على الزهى ي قوله لم يحمل الى النبي صلى الله عليه وسلم راس قط ولا يوم بدر وحمل راس لأبي بكر رضى الله عنه فانكره ويجاب بان البيهقي رحمه الله قال ما روى من حمل راس ابي جهل قد تكلم في ثبوته وبتقدير صحته فهو من محل الى محل لا من بلد الى بلد أي من بلد الكفر إلى دار الاسلام أي الذي انكره ابو بكر رضى الله عنه فانه انكر نقل الراس من بلد الكفر الى بلد الاسلام
وقد جوزه من ائمتنا الماوردى والغزالي اذا كان في ذلك مكايدة للكفار وفي النور تحصلنا على جماعة حملت رؤوسهم اليه صلى الله عليه وسلم ابو جهل وسفيان بن خالد وكعب بن الاشرف ومرحب اليهودي والاسود العنسى على ما روى و عصماء بنت

مروان ورفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة أي ورأس عتبة بن أبي وقاص الذي كسر رباعيته صلى الله عليه وسلم وشق شفته السفلى يوم أحد كما سيأتي
وفي وضع ابن مسعود رضي الله تعالى عنه رجله على عنق أبي جهل وقطع رأسه تصديق لتعبيره للرؤيا التي رآها لأبي جهل وقال له إن صدقت رؤياي لأطأن رقبتك ولأذبحنك ذبح الشاة
وفي رواية أن ابن مسعود رضي الله عنه وجده مقنعا في الحديد وهو منكب لا يتحرك فرفع سابغة البيضة أي الخودة عن قفاه لأن سابغة البيضة ما يغطى بها العنق ومن ثم يقال بيضة لها سابغ فضربه فوقع رأسه بين يديه
وعن ابن مسعود كما في المعجم الكبير للطبراني انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع وعليه بيضة ومعه سيف جيد ومعي سيف ردىء فجعلت ألقف رأسه وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال على من كانت الدبرة ألست برويعينا بمكة فقتله ثم سلبه فلما نظر إليه إذ هو ليس به جراح وإنما هي أحدار أي أورام في عنقه ويديه وكتفيه كهيئة آثار السياط أي آثار سود كسمة النار أي ليس به جراح من جراح الآدميين داخل بدنه فلا ينافي ما تقدم من قطع ابن الجموح لرجله
ويجوز أن يكون ضرب ابن عفراء له حتى أثبته لم ينشأ عنه جراحة داخل بدنه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره به فقال ذاك ضرب الملائكة أي فإن الملائكة عليهم السلام كانت لا تعلم كيف قتل الآدميين فعلمهم الله تعالى ذلك بقوله تعالى { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } أي مفصل فكانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم بآثار سود كسمه النار ولا ينافي ذلك وصفه بالخضرة في بعض الروايات لأن الأخضر لشدة خضرته ربما قيل فيه أسود وتلك الآثار في الأعناق والبنان الظاهر أن ذلك يكون موجودا حتى بعد مفارقة الرأس أو اليد ليستدل به على أن مفارقة الرأس أو اليد من فعل الملائكة وينبغي أن يكون هذا أي ضربهم فوق الأعناق والبنان أكثر أحوالهم فلا ينافي وجود أثر ضربهم في الكتفين كما تقدم وفي الوجه والأنف
فعن بعض الصحابة رضي الله عنهم كنا ننظر إلى المشرك أمامنا مستلقيا فننظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق في وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك الموضع وفسر بعضهم الأعناق بالرءوس وهو غير مناسب لما ذكر هنا
وروى عن سهل بن حنيف عن أبيه رضي الله عنه قال لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا

ليشير بسيفه إلى المشرك أي يرفعه عليه فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف ويمكن الجمع بين هذا وما قبله بأن ضرب الملائكة في الأعناق تارة يفصلها وتارة لا وفي الحالتين يرى أثر ذلك أسود في العنق ليستدل به على أنه من فعل الملائكة كما تقدم
وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد قطعت رجله وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فقلت الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله قال هل هو إلا رجل قتله قومه قال فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فبدر أي سقط سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته ثم خرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أقل من الأرض أي أحمل من شدة الفرح فأخبرته فقال الله الذي لا إله إلا هو وفي لفظ تقدم لا إله غيره ردده ثلاثا وفي رواية عن ابن مسعود فاستحلفني صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ثم قال الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله ثلاث مرات وخر ساجدا أي خمس سجدات شكرا كما تقدم
وفي رواية صلى ركعتين قال ابن مسعود رضي الله عنه ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج يمشي معي حتى قام عليه فقال الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله هذا كان فرعون هذه الأمة زاد في لفظ ورأس قاعدة الكفر ونفلني سيفه أي وكان قصيرا عريضا فيه قبائع فضة وحلق فضة ومع قصره كان أقصر من سيف ابن مسعود فلا منافاة
أقول يجوز أن يكون المضي إليه بعد إلقاء الرأس بين يديه صلى الله عليه وسلم استعظاما لقتله أي وأن ابن مسعود في هذه الرواية سكت عن قطع رأسه والمجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مخالفة وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم يوما وقد أخذ بمجامع ثوبه أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أي وعيد على وعيد فقال ما تستطيع أنت ولا ربك بي شيئا وإني لأعز من مشى بين جبليها فأنزل الله تعالى { فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى } وقيل نزلت كالتي قبلها في عدي بين ربيعة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر القيامة فأخبره به فقال لو عاينت هذا اليوم لم أصدقك أو يجمع الله هذه العظام فأنزل الله تعالى { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه } الآيات والله أعلم
وعن قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل أمة فرعونا وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل قتله الله شر قتله بكسر القاف الهيئة قتلته الملائكة وفي لفظ قتله ابن عفراء وقتلته الملائكة وقد ذففه أي أجهز عليه ابن مسعود

وابن عفراء هذا يجوز أن يكون هو معاذ بن عمرو بن الجموح ويجوز أن يكون أخاه معاذ بن الحارث وكونه قتله لأنه أزال منعته كما تقدم
وفي مسلم عن عبدالرحمن بن عوف أنه قال إني لواقف يوم بدر في الصف نظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل بن هشام قلت نعم وما حاجتك به قال بلغني أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو رأيته لم يفارق سوادي سواده أي شخص شخصه حتى يموت الأعجل منا أي الأقرب أجلا فغمزني الآخر فقال مثلها فعجبت لذلك أي لحرص كل منهما على ذلك وإخفائه عن صاحبه ليكون المختص به فلم أنشب أي ألبث أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس أي بالزاي يتحول من محل إلى محل آخر فقلت لهما ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه أي أشرفا به على القتل فصيراه إلى حركة مذبوح ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته قال هل مسحتما سيفيكما قال لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه أي ما عدا سيفه لهما فلا ينافي ما سبق من إعطائه لابن مسعود رضي الله عنه وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء بن الحارث فهما أي معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن الحرث ابنا عفراء غاية الأمر أن الأول اشتهر بأبيه عمرو بن الجموح والثاني اشتهر بأمه التي هي عفراء
وقول الحافظ ابن حجر إن معاذ بن عمرو بن الجموح ليس اسم أمه عفراء يجوز أن يكون مستنده في ذلك مقابلة ابن الجموح بابن عفراء في كلامهم المقتضى ذلك لأن يكون ابن الجموح ليس ابن عفراء
ولا يشكل على ذلك ما في النور نقلا عن الإمام النووي أن عمرو بن الجموح وابني عفراء أي معاذ ومعوذ اشتركوا في قتل أبي جهل لأن معاذا الثاني ابن الحرث فكل من عمرو بن الجموح والحرث تزوج عفراء وكل سمى ولده منها بمعاذ ويدل لذلك ما يأتي عن الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال رحم الله ابني عفراء اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة ولما قيل له يا رسول الله من قتله معهما قال الملائكة ولم يقل عمرو بن الجموح لكن رأيت بعضهم ذكر أن عفراء شهد لها بدرا سبع بنين ثلاثة من الحارث بن رفاعة

وهم معوذ ومعاذ وعامر وأربعة من بكر بن عبد ياليل وهم خالد وأساس وعاقل وعامر واستشهد منهم ببدر معاذ ومعوذ وعاقل هذا كلامه وذكر عامر في الأول تقدم بدله ذكر عوف وهو واضح فقد تقدم أن عوف بن الحارث بن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب الخ ولم يذكر هذا البعض أن من أولادها معاذ بن عمرو بن الجموح وهو يؤيد ما تقدم عن الحافظ وعن الإمام النووي فعليك بالتأمل وقيل قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح
أقول أي لكونه هو الذي أزال منعته فاستحق سلبه ولا ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لهما كلاكما قتله لجواز أن يكون أتى بذلك ملاطفة للثاني وترغيبا له في الجهاد لأن له مشاركة ما في قتله لأنه زاد في إثخانه إلى أن صيره إلى آخر رمق
ويرده كونه صلى الله عليه وسلم أشركهما في سلبه ومن ثم قال فقهاؤنا يعطي السلب لمن أثخن دون من قتل أي بعد ذلك فقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلب أبي جهل لمثخنيه ابني عفراء دون قاتله ابن مسعود لكن هذا القيل قال به بعض آخر من فقهائنا وهو الموافق لما في البخاري في كتاب فرض الخمس معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء قتلا أبا جهل ثم تنازعا فيه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى السيفين فرأى فيهما أثر الدم فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن الجموح قال الأصحاب لأنه أثخنه والآخر جرحه بعده وقوله كلاكما قتله تطييب لقلب الآخر هذا كلامه فليتأمل فإن الذي أظنه أن كونه رأى أثر الدم في سيفيهما خلط من الراوي لأن ذلك كان في قتل بن الأشرف ويؤيد الخلط ما تقدم عن ابن مسعود أنه لم ير فيه أثر جراح داخل بدنه
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال يرحم الله ابني عفراء فإنهما قد اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر فقيل يا رسول الله من قتله معهما قال الملائكة وذففه ابن مسعود وهذا السؤال يقتضي أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنهما قد اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة أن غيرهما شاركهما في ذلك فليتأمل
وفي شرح الروض وهو من أجل كتبنا أن عبدالله بن رواحة وابني عفراء تقاتلا مع أبي جهل مبارزة وأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك واقره وجعلوا ذلك دليلا على إباحة مبارزة القوي لكافر لم يطلب المبارزة


أي وأما ما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم لحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث بمبارزة عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة فذاك لكافر طلب المبارزة فقد تقدم أن عتبة خرج بين أخيه شيبة وولده الوليد حتى فصل من الصف ودعا للمبارزة وأنه خرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة إخوة أشقاء وهم معاذ ومعوذ وعوف بنو عفراء وقيل بدل عوف عبدالله بن رواحة فلم يرضوا بمبارزتهم فعند ذلك أمر صلى الله عليه وسلم من ذكر بمبارزتهم وعندي أن ما ذكره في شرح الروض من مبارزة عبدالله بن رواحة وابني عفراء لأبي جهل ذكر أبي جهل اشتباه وإنما هو لهؤلاء الثلاثة ولم تقع منهم مقاتلة وكيف يبارز ثلاثة واحدا فليتأمل
وجاء في الحديث إن الله قتل فرعون هذه الأمة أبا جهل فالحمد لله الذي صدق وعده ونصر دينه والله أعلم
وكان على الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم أي إلا جبريل فإنه كان عليه عمامة صفراء أي وقيل حمراء
قال بعضهم وكان بعضهم بعمائم خضر وبعضهم بعمائم صفر وبعضهم بعمائم حمر أي وبعضهم بعمائم بيض وبعضهم بعمائم سود فلا منافاة
وذكر أن عمامة جبريل عليه السلام يوم أغرق فرعون كانت سوداء قال وفي رواية سيماهم عمائم سود وعند ابن مسعود رضي الله عنه كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر اه أي وبيض وسود
وفي كلام بعضهم نزلت الملائكة يوم بدر بعمائم صفر ورواية بيض وسود ضعيفة
وفي كلام ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرخوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كان عليه عمامة صفراء من نور أي وكانوا يوم أحد بعمائم حمر ويوم حنين كذلك
في الجامع الصغير كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود ويوم أحد عمائم حمر وما ذكر لا ينافي ما قيل سيماهم ببدر عمائم صفر قد أرخوها بين أكتافهم وما جاء كان على الزبير رضي الله عنه ببدر عمامة صفراء معتجرا بها فقال صلى الله عليه وسلم نزلت الملائكة علي بسيما أبي عبدالله يعني الزبير رضي الله عنه لجواز أن يكون أكثرهم كان بعمائم صفر


وقد ذكر أن الزبير رضي الله عنه قاتل يوم بدر قتالا شديدا حتى كان الرجل يدخل يده في الجراح في ظهره وعاتقه
وقد سئل الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى عن قوله تعالى { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } ما السمة التي كانت عليهم فأجاب بأن ابن أبي حاتم ذكر في تفسيره بأسانيد عن علي كرم الله وجهه أنها الصوف الأبيض في نواصي خيولهم وأذنابها
وعن مكحول وغيره أنها العمائم وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها كانت عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم وفي سنده رجل ضعيف وعنه أيضا عمائم سود وفي سنده متروك ثم قال ورواية البيض والسود ضعيفة هذا كلامه أي وعلى تقدير صحتها يجاب بما قدمنا وكان شعار الأنصار أي علامتهم التي يتعارفون بها في ذلك إذا جاء الليل أو وقع اختلاط أحد أحد أي وشعار المهاجرين يومئذ يا بني عبدالرحمن
أي وعن زيد بن علي قال كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم أي المهاجرين أو هو حتى لا يشتبه بغيره يا منصور أمت ويقال أحد أحد وشعار الخزرج يا بني عبدالله وشعار الأوس يا بني عبيدالله
وعن ابن سعد يقال كان شعار الجميع يومئذ يا منصور أمت
أي وقد يقال لا منافاة بين هذه الرواية وما قبلها من الروايات لأن المراد بالجميع المجموع لكن يحتاج إلى الجمع بين تلك الروايات السابقة على تقدير صحتها وكانت خيل الملائكة بلقا
وعن علي رضي الله تعالى عنه قال كان سيما الملائكة أي سيما خيلهم يوم بدر الصوف الأبيض أي وفي لفظ بالعهن الأحمر في نواصي الخيل وأذنابها
أي ولا منافاة لجواز أن يكون بعضهم كذا وبعضهم كذا وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم سوموا خيلكم فإن الملائكة قد سومت فهو أول يوم وضع فيه الصوف أي في نواصي الخيل وأذنابها ولم أقف على لون الصوف الذي وضع في ذلك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثني رجل من بني غفار قال أقبلت أنا وابن عم لي حتى صعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة أي الغلبة فننهب مع من ينهب فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول اقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه

أي غشاؤه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت واقدم بضم الدال من التقدم كلمة يزجر بها الخيل وحيزوم بالميم وربما قيل بالنون اسم فرس جبريل ولعلها هي الحياة وأحدهما اسم لها والآخر لقب وقيل لها الحياة لأنها ما مسها شيء إلا صار حيا وهي التي قبض من أثرها أي من تراب حافرها السامري نسبة إلى سامر قرية أو طائفة ما ألقاه في العجل الذي صاغه من حلي القبط فكان له خوار أي صوت فكان إذا خرا سجدوا وإذا سكت رفعوا قال في النهر الظاهر أنه قامت به الحياة
وقيل لما صنعه السامري أجوف تحيل لتصويته بأن جعل في تجويفه أنابيب على شكل مخصوص وجعله في مهب الرياح فتدخل في تلك الأنابيب فيظهر له صوت يشبه الخوار وفي كلام بعضهم فرس جبريل التي هي حيزوم كان صهيله التسبيح والتقديس وإذا نزل عليها جبريل عليه السلام علمت الملائكة أن نزوله للرحمة وإذا نزل منشور الأجنحة علمت أن نزوله للعذاب أي وحينئذ فنزول جبريل عليه السلام عليها يوم بدر كان لرحمة المسلمين وإن كان عذابا على الكافرين ويكون نزوله لا عليها بل منشور الأجنحة إذا كان لمحض العذاب
ويحتمل أن يكون حيزوم غير فرس الحياة وإليه ذهب السهيلي رحمه الله فقال والحياة أيضا فرس لجبريل عليه السلام
قال الحافظ ابن حجر ومن الأخبار الواهية أن الموت كبش لا يجد ريحه شيء إلا مات والحياة فرس بلقاء أثنى أي خطوتها كما في العرائس مد البصر وهي التي كان جبريل عليه السلام والأنبياء عليهم السلام يركبونها أي كلهم كما في العرائس لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيى
هذا وفي أثر مرسل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل من القائل يوم بدر من الملائكة اقدم حيزوم فقال جبريل عليه السلام يا محمد ما كل أهل السماء أعرف
قال ابن كثير وهذا الأثر يرد قول من زعم أن حيزوم اسم فرس جبريل عليه السلام أي وفيه أنه لا يبعد أن يقول أحد من الملائكة لفرس جبريل اقدم حيزوم ولا يعرف ذلك القائل وكأن الحافظ ابن كثير رحمه الله فهم من قوله صلى الله عليه وسلم من القائل الخ أن ذلك الفرس لذلك القائل نعم إن كان هذا الأثر وقع بعد الرواية التي تلي هذه وهي جاءت سحابة الخ أو أن ذلك الأثر سقط منه لفظة لفرسه والأصل من

القائل يوم بدر من الملائكة لفرسه اتجه ما فهمه ابن كثير رحمه الله فليتأمل قال وفي رواية جاءت سحابة فسمعنا أصوات الرجال والسلاح وسمعنا رجلا يقول لفرسه اقدم حيزوم فنزلوا على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءت سحابة أخرى نزل منها رجال كانوا على ميسرته فإذا هم على الضعف من قريش فمات ابن عمي وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت ومن ثم ذكر في الصحابة
وفي النور هذا الرجل مذكور في الصحابة وليس في الحديث أي الرواية الأولى ما يدل على إسلامه إلا أن تحديثه لابن عباس رضي الله تعالى عنهما بهذه المعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم يشعر بإسلامه هذا كلامه
وفيه أن قوله ونحن مشركان يدل على أنه كان مسلما عند تحديثه لابن عباس رضي الله تعالى عنهما
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الغمام الذي ظلل بني إسرائيل في التيه هو الذي يأتي الله تعالى فيه يوم القيامة وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر
أي وعن علي رضي الله تعالى عنه هبت ريح شديدة ما رأيت مثلها قط ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك فكانت الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة أي لعلها أمامه أخذا من قوله وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك سكوت عن الرابعة أي زاد في الإمتاع وكان إسرافيل وسط الصف لا يقاتل كما يقاتل غيره من الملائكة
وظاهر هذا أن كلا من جبريل وميكائيل قاتل وتقدم أنهم في هذه الغزاة التي هي غزاة بدر قيل لم يمدوا إلا بألف من الملائكة ورواية ألفين ضعيفة جاءت عن علي رضي الله تعالى عنه فتكون هذه الرواية التي جاءت عن علي أيضا كذلك ولا نظر لما تقدم عن بعضهم أن إمدادهم يوم بدر بثلاثة آلاف أولا وأنهم وعدوا أن يمدوا بخمسة آلاف إن ثبتوا وصبروا وهو ما عليه الأكثر لما علمت أن ذلك إنما كان في أحد وسيأتي ذلك مع زيادة قال بعضهم ولم تقاتل الملائكة إلا في يوم بدر أي وفي غيره يكونون مددا من غير مقاتلة وسيأتي أنهم قاتلوا يوم أحد ويوم حنين


ففي مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه رأى عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام يقاتلان كأشد القتال
قال الإمام النووي رحمه الله فيه أن قتال الملائكة لم يختص بيوم بدر وهذا هو الصواب خلافا لمن زعم اختصاصه فإن هذا صريح في الرد عليه
أقول يمكن الجمع بأن المختص ببدر قتال الملائكة عنه وعن أصحابه وفي غيره كان عنه صلى الله عليه وسلم خاصة فلا منافاة ثم رأيتني ذكرت هذا الجمع في غزوة أحد عن البيهقي وتعقبته بما جاء أن الملائكة قاتلت في ذلك اليوم عن عبدالرحمن بن عوف وعلى تسليم ورود ذلك فيه أنهم لو قاتلوا يوم أحد لظهر أثر قتلهم كما ظهر في يوم بدر
وقد يقال مرادهم بالمقاتلة يوم أحد المدافعة من غير أن يوقعوا فعلا وفي يوم بدر المراد بالمقاتلة إيقاع الفعل والله أعلم
وانكسر سيف عكاشة بتشديد الكاف أكثر من تخفيفها ابن محصن وهو يقاتل به فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب أي أصلا من أصول الحطب وقال له قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد في يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديد فقاتل به رضي الله عنه حتى فتح الله تعالى على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون
ثم لم يزل عند عكاشة وشهد به المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يزل متوارثا عند آل عكاشة وعكاشة مأخوذ من عكش على القوم إذا حمل عليهم والعكاشة العنكبوت وسيأتي مثل ذلك في أحد لعبدالله بن جحش
وانكسر سيف سلمة بن أسلم رضي الله عنه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده أي عرجونا من عراجين النخل وقال اضرب به فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده
قال وعن خبيب بن عبدالرحمن قال ضرب خبيب جدي يوم بدر فمال شقه فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمه ورده فانطبق
وعن رفاعة بن مالك رضي الله عنه قال لما كان يوم بدر رميت بسهم ففقئت عيني فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيء اه


ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى من المشركين أن ينقلوا من مصارعهم التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وجودها فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر يقول هذا مصرع عتبة بن ربيعة وهذا مصرع شيبة بن ربيعة وهذا مصرع أمية بن خلف وهذا مصرع أبي جهل بن هشام وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى أي ويضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على الأرض فما تنحى أحدهم عن موضع يده كما تقدم عن أنس وتقدم عنه أن ذلك كان ليلة بدر بعد أن وصل إلى محل الواقعة إذ لا يتصور وضع يده على الأرض إلا إذا كان بمحل الوقعة
وبه يعلم ما ذكره بعضهم أن إخباره صلى الله عليه وسلم بمصارع القوم تكرر منه مرتين قبل الوقعة بيوم أو أكثر ويوم الوقعة هذا كلامه إلا أن يقال قوله يوم الوقعة هو بناء على أنه صلى الله عليه وسلم وصل بدرا في النهار والقول بأن ذلك كان ليلا بناء على أنه وصل بدرا ليلا ومعلوم أنه إنما وضع يده في محل الوقعة
ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا فطرحوا في القليب إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأه فذهبوا ليحركوه فتزايل أي تقطعت أوصاله فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة
وهذا دليل على أن الحربي لا يجب دفنه وبه قال أئمتنا بل قالوا يجوز إغراء الكلاب على جيفته
وفي سنن الدارقطني كان من سنته صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بدفنه لا يسأل عنه مؤمنا كان أو كافرا أي ولكثرة جيف الكفار كره صلى الله عليه وسلم أن يشق على أصحابه أن يأمرهم بدفنهم فكان جرهم إلى القليب أيسر وكان الحافر لهذا القليب رجل من بني النجار فكان فألا مقدما لهم ذكره السهيلي
ولما ألقى عتبة والد أبي حذيفة رضي الله عنه في القليب تغير وجه أبي حذيفة ففطن بفتح الطاء له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له لعلك دخلك من شأن أبيك شيء فقال لا والله ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه الله للإسلام فلما رأيت ما مات عليه أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا


أقول وذكر فقهاؤنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أبا حذيفة عن قتل أبيه في هذه الغزاة وقد أراد ذلك والله أعلم
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على شفير القليب أي قيل بعد ثلاثة أيام من إلقائهم في القليب وذلك ليلا أي وفي الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان اليوم الثالث أمر صلى الله عليه وسلم براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه حتى قام على شفة الركى أي وهو القليب وجعل يقول يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فإني وجدت ما وعدني الله حقا
وجاء في بعض الطرق نداؤهم بأسمائهم فقال يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام وهذا يقتضي أنه في تلك الرواية نطق بلفظ يا فلان ابن فلان ولا يخفى بعده فليتأمل
واعترض بأن أمية بن خلف لم يكن من أهل القليب لما علمته وأجيب بأنه كان قريبا من القليب بئس عشيرة النبي كنتم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها وفي رواية أجسادا قد أجيفوا وفي لفظ قد جيفوا فقال صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع وفي رواية لأسمع لما أقول منهم وفي رواية لقد سمعوا ما قلت غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئا
وعن قتادة رضي الله عنه أحياهم الله تعالى حتى سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم توبيخا لهم وتصغيرا ونقمة وحسرة
أقول والمراد بإحيائهم شدة تعلق أرواحهم بأجسادهم حتى صاروا كالأحياء في الدنيا للغرض المذكور لأن الروح بعد مفارقة جسدها يصير لها تعلق به أو بما يبقى منه ولو عجب الذنب فإنه لا يفني وإن اضمحل الجسم بأكل التراب أو بأكل السباع أو الطير أو النار وبواسطة ذلك التعلق يعرف الميت من يزوره ويأنس به ويرد سلامه إذا سلم عليه كما ثبت في الأحاديث والغالب أن هذا التعلق لا يصير الميت به حيا كحياته في الدنيا بل يصير كالمتوسط بين الحي والميت الذي لا تعلق لروحه بجسده وقد يقوى حتى يصير كالحي في الدنيا ولعله مع ذلك لا يكون فيه القدرة على الأفعال الإختيارية فلا يخالف ما حكى

عن السعد اتفقوا على أنه تعالى لم يخلق في الميت القدرة والأفعال الإختيارية هذا كلامه والكلام في غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء رضي الله عنهم أي شهداء المعركة أما هما فتعلق أرواحهم بأجسادهم تصير به أجسادهم حية كحياتها في الدنيا ويكون لهم القدرة والأفعال الإختيارية
فقد روى البيهقي رحمه الله في الجزء الذي ألفه في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون وجاء إن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة
وروى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لينزلن عيسى بن مريم عليه السلام ثم إن قام على قبري وقال يا محمد لأجبته ومن ثم قال الإمام السبكي حياة الأنبياء والشهداء كحياتهم في الدنيا ويشهد له صلاة موسى عليه السلام في قبره فإن الصلاة تستدعي جسدا حيا وكذا الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام
ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الإحتياج إلى الطعام والشراب وأما الإدراكات كالعلم والسمع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى هذا كلامه وسائر الموتى شامل للكفار أي وأكل الشهداء وشربهم في البرزخ لا عن احتياج بل لمجرد الإكرام وكون الشهداء اختصوا بذلك دون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا مانع منه لأن المفضول قد يخص بما لا يوجد في الفاضل ألا ترى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام شرعت الصلاة عليهم وجوبا وحرمت على الشهداء وبهذا يرد قول بعضهم في الإستدلال على حياة الأنبياء بقوله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } والأنبياء أولى بذلك لأنهم أجل وأعظم وما من نبي إلا وقد جمع بين النبوة ووصف الشهادة فيدخلون في عموم لفظ الآية ولأنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته لم أزل أحد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم فثبت كونه صلى الله عليه وسلم حيا في قبره بنص القرآن إما من عرف اللفظ أو من مفهوم الموافقة
ووجه رده أن الأولوية قد تمنع بل أصل القياس لما علمت أنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وإن جمعوا بين النبوة والشهادة

إلا أن المراد في الآية شهداء المعركة لا مطلق الشهادة إذ شهادة المعركة لم تحصل لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
ثم لا يخفى أن الذي ثبت حياة الأنبياء وصلاتهم في قبورهم وحجهم وأما صومهم وأكلهم وشربهم في ذلك فلم أقف على ما يدل على ذلك في شيء من الأحاديث والآثار وقياسهم في ذلك على الشهداء علمت أنه قد يمنع لما أنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل
والذي يدل على أنهم يحجون ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال أي واد هذا فقالوا وادي الأزرق فقال صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام واضعا أصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية مارا بهذا الوادي ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى يونس عليه الصلاة والسلام على ناقة حمراء عليه جبة صوف مارا بهذا الوادي ملبيا وقد جاء في موسى عليه السلام أنه كان على بعير وفي رواية على ثور ولا منافاة لجواز أن يكون تكرر حجه أو ركب البعير مرة والثور أخرى ولا يخفى أن رزق الشهداء يصدق على الجماع لأنه مما يلتذذ به كالأكل والشرب
ثم رأيت سيدي أبا المواهب الشاذلي رحمه الله ونفعنا ببركاته قال في كتابه المسمى بعنوان أهل السر المصون في كشف عورات أهل المجون وأخبر سبحانه عن الشهداء أنهم أحياء عند ربهم يرزقون وحمله أهل العلم على الحقيقة وأنهم يأكلون ويشربون وينكحون حقيقة وقائل غير هذا أي أن الأكل والشرب عبارة عن لذة تحصل لهم كاللذة الناشئة عن الأكل والشرب والنكاح صرف هذه الآية عن ظاهرها من غير ضرورة تلجىء إلى ذلك ثم قاس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الشهداء في ذلك لما تقدم من أنهم أجل وأعظم وما من نبي إلا وقد جمع بين النبوة والشهادة وقد علمت جواب من منع القياس
ثم رأيت عن إفتاء شيخنا الشمس الرملي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والشهداء رضي الله عنهم يأكلون في قبورهم ويشربون ويصلون ويصومون ويحجون ووقع الخلاف هل ينكحون فقيل نعم وقيل لا وأنهم يثابون على صلاتهم وصومهم

وحجهم ولا تكليف عليهم في ذلك لانقطاع التكليف بالموت بل من قبيل التكرمة ووقع الدرجات هذا كلامه ولعل مستنده في إثبات ما عدا الصلاة والحج للأنبياء قياسهم على الشهداء وقد علمت ما فيه وإثبات الخلاف الذي ذكره شيخنا في نكاح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا أدري هل هو خلاف أهل عصره أو من تقدمهم
على أن إثبات النكاح للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ربما يبعده ما ذكروه في حكمة قوله صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم النساء والطيب حيث لم يقل من دنياي ولا من الدنيا فإنه أشار بهذه الإضافة إلى أن النساء والطيب من دنيا الناس لأنهم يقصدونهما للإستلذاذ وحظوظ النفس وهو عليه الصلاة والسلام منزه عن ذلك
وإنما حبب إليه النساء لينقلن عنه محاسنه ومعجزاته الباطنة والأحكام السرية التي لا يطلع عليها غالبا غيرهن وغير ذلك من الفوائد الدينية
وحبب إليه الطيب لملاقاته للملائكة لأنهم يحبونه ويكرهون الريح الخبيث لأن حقيقة الإكرام أن يحصل له في البرزخ ما كان يلتذ به في الدنيا ليكون حاله فيه كحاله في الدنيا
وفيه أن الحكمة المذكورة لا تناسب قوله صلى الله عليه وسلم فضلت على الناس بأربع وعد منها كثرة الجماع وهم كغيرهم في هذا التعلق متفاوتون بحسب مقاماتهم وإنه يعبر عن قوة هذا التعلق بعود الحياة ومنه ما ذكر عن قتادة وتعود الروح ومنه قول بعضهم أرواح الأنبياء والشهداء بعد خروجها من أجسادها تعود إلى تلك الأجسام في القبر وأذن لهم في الخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي
ومن ثم قال ابن العربي رحمه الله تعالى رؤية المصطفى عليه الصلاة والسلام بصفته العلوية إدراك له على الحقيقة وعلى غير صفته العلوية إدراك للمثال ويعبر عنه بردها
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يسلم علي إلا رد الله تعالى علي روحي حتى أرد عليه السلام أي إلا قوى تعلق روحي وذلك إكراما لهذا المسلم حيث لا يرد عليه سلامه إلا وقد قوى تعلق روحه الشريفة بجسده الشريف والروح بناء على أنها غير عرض مع كونها في مقاماتها لها تعلق بجسدها وبما يبقى منه كما تقدم كالشمس في السماء الرابعة ولها تعلق بالأرض وربما عبر عن ضعف هذا التعلق بصعودها وطلوعها وبناء على أنها عرض تزول ويعود مثلها وقد أوضحت ذلك في النفحة العلوية في الأجوبة

الحلبية عن الأسئلة القروية وهي أسئلة سئلت عنها من بعض أهل القرى المصرية وذكرت أن هذا أولى مما أطال به الجلال السيوطي من الأجوبة مع ما فيها مما لا يخفى ورأيت في حديث عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لله ملكا أعطاه سمع العباد كلهم وإنه ما من أحد يصلي علي صلاة إلا بلغنيها وإني سألت ربي عز وجل أن لا يصلي علي أحد صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرة أمثالها وذكر الحافظ الذهبي أن راوي هذا الحديث تفرد به متنا وإسنادا والله أعلم
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أنكرت قوله صلى الله عليه وسلم لقد سمعوا ما قلت وقالت إنما قال لقد علموا أن الذي كنت أقول حق وقالت إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أي بقوله في حق أهل القليب ما أنتم بأسمع منهم أنهم الآن ليعلمون أن الذي أقول لهم هو الحق أي لا أنهم يسمعون ما أقول بحاسة سمعهم التي كانت موجودة في الدنيا ثم قرأت أي محتجة على ذلك قوله تعالى { إنك لا تسمع الموتى } الآية وبقوله { وما أنت بمسمع من في القبور }
ويجاب بأنه لا مانع من إبقاء السمع هنا على حقيقته لأنه إذا قوى تعلق أرواح هؤلاء الكفار بأجسادهم بحيث صاروا أحياء كحياتهم في الدنيا للغرض المذكور لا مانع من سماعهم بحاسة سمعهم لبقاء محل تلك الحاسة منهم كما أن الجسد بذلك التعلق يقوى على الجلوس للسؤال في القبر والسماع المنفي في الآيتين بمعنى السماع النافع وقد أشار إلى ذلك الجلال السيوطي رحمه الله بقوله نظما ** سماع موتى كلام الخلق قاطبة ** جاءت عندنا الآثار في الكتب ** ** وآية النفي معناها سماع هدى ** لا يقبلون ولا يصغون للأدب **
لأنه تعالى شبه الكفار الأحياء بالأموات في القبور في أنهم لا ينتفعون بالدعاء إلى الإسلام النافع
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة رضي الله عنه بشيرا لأهل العالية أي وهي محل قريب من المدينة على عدة أميال وزيد بن حارثة بشيرا لأهل السافلة بها راكبا ناقته القصوى وقيل العضباء بما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فجعل عبدالله بن رواحة ينادي في أهل العالية يا معشر الأنصار أبشروا

بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المشركين وأسرهم ونادى زيد بن حارثة في أهل السافلة بمثل ذلك أي ويقولان قتل فلان وفلان أي وأسر فلان وفلان من أشراف قريش وصار عدو الله كعب بن الأشرف يكذبهما ويقول إن كان محمد قتل هؤلاء القوم فبطن الأرض خير من ظهرها قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ولما عزى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات وفي رواية من المكرمات دفن البنات ويعجبني قول الباخرزي رحمه الله تعالى ** القبر أخفى سترة للبنات ** ودفنها يروى من المكرمات ** ** أما رأيت الله عز اسمه ** قد وضع النعش بجنب البنات **
وجاء عثمان رضي الله عنه من رقية هذه بولد يقال له عبدالله فاكتنى به وكان قبل ذلك يكنى أبا عمرو وتزوج بعدها أختها أم كلثوم بوحي
فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم رأى عثمان بن عفان مهموما بعد موت رقية رضي الله عنها فقال له ما لي أراك لهفانا مهموما فقال له يا رسول الله وهل دخل على أحد ما دخل علي انقطع الصهر بيني وبينك فبينا هو يحاوره إذ قال صلى الله عليه وسلم هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن الله عز وجل أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها فزوجه إياها ولما تزوجها دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنية أين أبو عمرو قالت خرج لبعض حاجاته قال كيف رأيت بعلك قالت يا أبت خير بعل وأفضله فقال يا بنية كيف لا يكون كذلك وهو أشبه الناس بجدك إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وأبيك محمد وجاء عثمان من أشبه أصحابي بي خلقا وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل عليه السلام إن أردت أن تنظر من أهل الأرض شبيه يوسف الصديق فانظر إلى عثمان بن عفان ولتزوجه ببنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذو النورين ولم يجمع أحد منذ آدم إلى اليوم بين بنتي نبي غيره رضي الله عنه ومن ثم لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عنه قال ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين
ولما ماتت أم كلثوم تحته وذلك سنة تسع قال صلى الله عليه وسلم زوجوا عثمان لو كان لي ثالثة لزوجته إياها وما زوجته إلا بوحي من الله وجاء أنه صلى الله عليه وسلم

قال له لو أن لي أربعين بنتا زوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة وأم عثمان بنت عمته صلى الله عليه وسلم أروى بنت عبدالمطلب توأمة عبدالله أبي النبي صلى الله عليه وسلم
قال وقال رجل من المنافقين لأبي لبابة رضي الله عنه قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون بعده أبدا قد قتل محمد وغالب أصحابه وهذه ناقته عليها زيد بن حارثة لا يدرى ما يقول من الرعب قال أسامة فجئت حتى خلوت بأبي لبابة وسألته عما أسره له الرجل فأخبرني بما أخبره به فقلت أحق ما تقول قال أي والله حق ما أقول يا بني فقويت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت أنت المرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم لنقدمنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم فيضرب عنقك فقال إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه انتهى أي وهذا كان قبل أن يجتمع أسامة بأبيه زيد بن حارثة
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة فلما خرج من مضيق الصفراء قسم النفل أي الغنيمة وكانت مائة وخمسين من الإبل وعشرة أفراس ومتاعا وسلاحا وأنطاعا وثيابا وأدما كثيرا حمله المشركون للتجارة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه ومن أسر أسيرا فهو له أي كما تقدم ولعله تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم مرتين مرة للتحريض على القتال ومرة عند القسمة فالمقسوم ما بقي بعد إخراج السلب وإخراج الأسرى قسم على المسلمين بالسوية بعد الإختلاف فيه فادعى من قاتل العدو صده أنهم أحق به وادعى من جمعه أنهم أحق به وادعى من كان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش أن غيرهم ليس بأحق به منهم أي لأن سسعد بن معاذ رضي الله عنه قام على باب العريش الذي به صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في نفر من الأنصار وفي رواية عبادة بن الصامت أن جماعة خرجت في أثر العدو عند انهزامه وجماعة أكبوا على جمع الغنيمة فجمعوها وجماعة عند انهزام العدو أحدقوا به صلى الله عليه وسلم في العريش خوفا أن يصيب العدو منه غرة ولعل هؤلاء كانوا زيادة عمن كان مع سعد بن معاذ على باب العريش فادعى من أكب على جمعها أنهم أحق بها وادعى من عداهم أن أولئك ليسوا بأحق بها منهم
أي وكون جماعة أحدثوا به صلى الله عليه وسلم بعد انهزام العدو قد يقال لا ينافي

ذلك ما تقدم عن ابن سعد أنه لما انهزم المشركون دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم بالسيف مصلتا يتلو هذه الآية { سيهزم الجمع ويولون الدبر } لجواز أن يكون صلى الله عليه وسلم خرج في أثرهم برهة من الزمان ثم عاد إلى العريش فأحدق به هؤلاء مع من تقدم فأنزل الله تعالى سورة الأنفال { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول }
فالنفل قد يطلق على الغنيمة كما هنا كما أشرنا إليه وسماها الله تعالى أنفالا لأنها زيادة في أموال المسلمين وكذا الفيء المذكور في سورة الحشر التي نزلت في غزوة بني النضير يطلق على الغنيمة وسمى فيئا لأن الله تعالى أفاءه على المؤمنين أي رده عليهم من الكفار فإن الأصل أن الله تعالى إنما خلق الأموال إعانة على عبادته لأنه إنما خلق الخلق لعبادته فقد رد إليهم ما يستحقونه كما يعاد ويرد على الرجل ما غصب من ميراثه وإن لم يقبضه قبل ذلك ومنه قول بعضهم كان أهل الفيء بمعزل عن أهل الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن أهل الفيء كان يعطى من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء أي إلى الغنيمة وأخرج من الصدقة فنزعه الله من أيديهم فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يضعه حيث شاء فدلت الآية على أن الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد من المقاتلة شيء منها ثم نسخت هذه الآية بقوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } والأربعة أخماس الباقية للمقاتلة أي فكان ذلك الخمس يخمس خمسة أخماس واحد له صلى الله عليه وسلم يفعل فيه ما أحب والأربعة من ذلك الخمس لمن ذكر في الآية والأربعة الأخماس الباقية تكون للمقاتلة
وسيأتي في سرية عبدالله بن جحش لنخلة أنه صلى الله عليه وسلم خمس العير الذي جاء به عبدالله كذلك فجعل خمس ذلك لله وأربعة أخماسه للجيش وقيل عبدالله هو الذي خمسها كذلك وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وهي أول غنيمة في الإسلام وأول غنيمة خمست فكان تخميسها قبل نزول الآية لما علمت أن نزول تلك الآية كان بعد بدر فهي من الآيات التي تأخرت تلاوتها عن حكمها قال بعضهم وكان ابتداء تحليل الغنائم لهذه الأمة في وقعة بدر كما ثبت في الصحيحين وذلك في قوله تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحل الغنيمة لهم


أقول وفيه أن هذا قد يعين القول بأنه صلى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر ويضعف ما سبق من أنه صلى الله عليه وسلم خمسها أو أن عبدالله هو الذي خمسها قبل بدر وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد علمت أن ما أصابه من بدر قسمه بين المسلمين سواء أي لم يتميز فيه أحد عن أحد الراجل مع الراجل والفارس مع الفارس سواء وفيه تفضيل الفارس على الراجل في ذلك اليوم وسيأتي التصريح بذلك وهذا يؤيد القول بأن الجيش كان فيه خمسة أفراس أو فرسان دون القول بأنه لم يكن فيه إلا فرس واحد على ما تقدم حتى هو صلى الله عليه وسلم كان سهمه كسهم واحد منهم أي كفارس منهم بناء على ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان له فرسان إلا ما اصطفاه وهو سيفه ذو الفقار كما سيأتي وحينئذ يكون قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يا رسول الله أتعطي فارس القوم الذي يغيظهم مثل ما تعطي الضعيف أراد بالفارس فيه القوي
ففي مسند الإمام أحمد قال سعد بن أبي وقاص قلت يا رسول الله الرجل يكون حاجته للقوم يكون سهمه وسهم غيره سواء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثكلتك أمك وهل تنصرون إلا بضعفائكم وما في مسند الإمام أحمد يدل على أن مراد سعد بالفارس القوي لمقابلته في هذه الرواية بالضعيف فلا ينافي أنه أعطى الفارس لفرسه سهمين وله سهم كالراجل
وقد أسهم لمن لم يحضر كمن أمره صلى الله عليه وسلم بالتخلف لعذر منعه من الحضور كعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فإنه صلى الله عليه وسلم خلفه لأجل مرض زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم أو لما كان به رضي الله تعالى عنه من الجدري على ما تقدم ولهذا عد من البدريين وأبي لبابة لأنه صلى الله عليه وسلم خلفه على أهل المدينة وعاصم بن عدي فإنه خلفه على أهل قباء والعالية ولمن أرسله لكشف أمر العدو يتجسس خبره فلم يجيء إلا وقد انقضى القتال وهما طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد كما تقدم والحارث بن حاطب أمره بما مر في بني عمرو بن عوف وخوات ابن جبير والحارث بن الصمة لأن كلا منهما كسر بالروحاء كما تقدم
وبهذا يظهر التوقف في قول الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى وضرب لعثمان رضي الله تعالى عنه يوم بدر بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره رواه أبو داود

عن ابن عمر قال الخطابي هذا خاص بعثمان لأنه كان يمرض ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كلامه
وأسهم صلى الله عليه وسلم لأربعة عشر رجلا قتلوا ببدر ولعلهم ماتوا بعد انقضاء الحرب فلا يشكل على ما قاله فقهاؤنا أن من مات قبل انقضاء الحرب لاحق له
وتنفل صلى الله عليه وسلم زيادة على سهمه سيفه ذا الفقار أي وكان لمنبه بن الحجاج أي وقيل لابنه العاص قتل أيضا يوم بدر وقيل كان لعمه نبيه وفي كلام أبي العباس بن تيمية أنه كان لأبي جهل أي ويمكن أن يكون ذلك السيف كان في الأصل لأبي جهل ثم أعطاه لمنبه بن الحجاج أو لغيره ممن ذكر لا يقال أو بالعكس لأن سيف أبي جهل أخذه ابن مسعود كما تقدم فلا مخالفة
وتنفل أيضا صلى الله عليه وسلم جمل أبي جهل وكان مهريا ولم يزل يغزو عليه حتى ساقه في هدى الحديبية كما سيأتي وهذا الذي كان يأخذه زيادة على سهمه أي قبل قسمة الغنيمة إذا كان صلى الله عليه وسلم مع الجيش يقال له الصفي والصفية عبدا أو أمة أو دابة أو سيفا أو درعا لكن في الإمتاع عن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفى من المغنم حضر أو غاب قال بعضهم وهو محسوب من سهمه صلى الله عليه وسلم وقيل يكون زائدا عليه إلا أن يقال ذاك الذي وقع فيه الخلاف كان بعد نزوله آية التخميس وهذا كان قبل ذلك فلا يخالف ما سبق أن ما أخذه قبل القسمة كان زائدا على سهمه المساوي لسهام القوم أي وكان في الجاهلية يقال للذي يأخذه الرئيس إذا غزا بالجيش المرباع وهو ربع الغنيمة ولم يسمع مرباع إلا في الربع دون غيره من الخمس وما بعده والصفايا أشياء كان يصطفيها الرئيس لنفسه من خيار ما يغنم والنشيطة ما أصابه الجيش في طريقه قبل أن يصل إلى مقصده وكان للرئيس النقيعة أيضا وهو بعير ينحره قبل القسمة فيطعمه الناس كذا في شرح الحماسة للتبريزي
قال وقد سقط في الإسلام النقيعة والنشيطة وأمر صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه فقتل النضر بن الحارث بالصفراء
أي وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى النضر وهو أسير فقال النضر للأسير الذي بجانه محمد والله قاتلي فإنه نظر إلي بعينين فيهما الموت فقال له والله

ما هذا منك إلا رعب وقال النضر لمصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه يا مصعب أنت أقرب من هذا إلي رحما فكلم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي يعني المأسورين هو والله قاتلي فقال مصعب إنك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا وتقول في نبيه صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وكنت تعذب أصحابه
وفي أسباب النزول للسيوطي وأقره وكان المقداد رضي الله تعالى عنه أسر النضر فلما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول وقد رثته أخته وقيل بنته رضي الله تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك يوم الفتح فقالت من أبيات ** أمحمد يا خير ضنء كريمة **
والذي رأيته في الحماسة ** أمحمد ولأنت ضنء نجيبة ** في قومها والفحل فحل معرق **
أي له عرق في الكرم والضنء الولد ** ما كان ضرك لو مننت وربما ** من الفتى وهو المغيظ المحنق **
وحين سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى أخضل أي بل لحيته وقال لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه أي لقبول شفاعتها عندي بهذا الشعر وليس معناه الندم لانه صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا حقا
أي وكان للنضر هذا أخ يقال له النضير بالتصغير وكان أسن المهاجرين وقيل كان من مسلمة الفتح وربما يدل له أنه صلى الله عليه وسلم أمر له بمائة بعير من غنائم حنين فجاءه شخص يبشره بذلك فقال لا آخذها فإني أحسب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطني ذلك إلا تألفا على الإسلام وما أريد أن أرتشي على الإسلام فقيل له إنها عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وأعطى المبشر منها عشرة أبعرة
ثم قتل صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط بعرق الظبية بضم الظاء المعجمة وهي شجرة يستظل بها قال وحين قدم للقتل من للصبية يا محمد قال النار
وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عقبة لما قدم للقتل نادى يا معشر قريش مالي أقتل من بينكم صبرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بكفرك وافترائك على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وفي لفظ ببزاقك في وجهي أي فإن عقبة كان يكثر مجالسته صلى الله عليه وسلم واتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم

فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال صبأت يا عقبة قال لا ولكن أبى أن يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له الشهادة وليست في نفسي فقال وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق في وجهه وتلطم عينه فوجده صلى الله عليه وسلم ساجدا في دار الندوة ففعل به ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ألقاك خارج مكة إلا علوت رأسك بالسيف كذا في الكشاف وفي لفظ آخر بكفرك وفجورك وعتوك على الله ورسوله وأنزل الله فيه { ويوم يعض الظالم على يديه } الآية
وذكر ابن قتيبة أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل عقبة أي وقد قال يا معشر قريش مالي أقتل من بينكم أي وأنا واحد منكم قال له يا محمد ناشدتك الله والرحم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنت إلا يهودي من أهل صفورية وفي رواية قال له إنما أنت يهودي من أهل صفورية أي فليس هو من قريش أي لا رحم بيني وبينك أي لأن أمية جد أبيه خرج إلى الشام لما نافر عمه هاشم كما تقدم فأقام بصفورية ووقع على أمة يهودية ولها زوج يهودي من أهل صفورية فولدت له أبا عمرو الذي هو والد أبى معيط على فراش اليهودي فاستلحقه بحكم الجاهلية ثم قدم به مكة وكناه بأبي عمرو وسماه ذكوان مع أن الولد للفراش وقيل كان عبدا لأمية فتبناه فلما مات أمية خلفه على زوجته
ويدل لهذا الثاني ما ذكره بعض المؤرخين أن معاوية رضي الله تعالى عنه سأل رجلا من علماء النسب وفد عليه كم عمرك قال أربعون ومائتا سنة قال كيف رأيت الزمان فقال سنيات بلاء وسنيات رخاء يهلك والد ويخلف مولود فلولا الهالك لامتلأت الدنيا ولولا المولود لم يبق أحد فقال له هل رأيت عبدالمطلب قال نعم أدركته شيخا وسيما منسما جسيما يحف به عشرة من بنيه كأنهم النجوم فقال له هل رأيت أمية بن عبد شمس يعني جده قال نعم رأيته أخفش أزرق ذميما يقوده عبده ذكوان فقال ويحك كف فقد جاء غير ما ذكرت ذاك ابنه فقال أنتم تقولون ذلك
والقاتل لعقبة عاصم بن ثابت وقيل علي رضي الله تعالى عنهما أي وقيل صلب على الشجرة


أقول قال محمد بن حبيب الهاشمي هو أول مصلوب في الإسلام ورده ابن ابن الجوري بأن أول من صلب في الإسلام خبيب بن عدي
وقد يقال لا مخالفة لأن المراد بالثاني أول مصلوب من المسلمين وبالأول أول مصلوب من الكفار
وذكر أن أول من استعمل الصلب فرعون ولعل المراد به فرعون موسى بن عمران لا فرعون إبراهيم الخليل وهو أول الفراعنة ولا فرعون يوسف بن يعقوب وهو ثاني الفراعنة وفي قول إن فرعون يوسف هذا هو فرعون موسى بمعنى أنه بقي إلى زمن موسى عليه السلام وكان هلاكه على يده
وفي كلام ابن قتيبة عن سعيد بن جبير ضم طعيمة بن عدي إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث أي لأنه ممن قتل معهما صبرا وفيه نظر فقد تقدم أن القاتل له حمزة رضي الله عنه في الحرب وسيأتي في أحد أن قتل حمزة كان بسبب قتله لطعيمة المذكور
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم أي وروى عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال لما قدمت إلى المدينة وكنت جائعا استقبلتني امرأة يهودية على رأسها جفنة فيها جدي مشوي فقالت الحمد لله يا محمد الذي سلمك الله كنت نذرت لله إن قدمت المدينة سالما لأذبحن هذا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إليك لتأكل منه فأنطق الله الجدي فقال يا محمد لا تأكلني فإني مسموم أي بخلاف ما وقع له صلى الله عليه وسلم في خيبر فإنه لم يخبره الذراع بذلك إلا بعد أكله منه كما سيأتي وسيأتي أنه سأل المرأة عن سبب ذلك وهنا لم يسألها ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة أي قاربها خرج المسلمون للقائه وتهنئته بما فتح الله عليه فتلاقوا معه بالروحاء أي وقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش ما الذي تهنونا به فوالله إن لقينا أي ما لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقولة فنحرناها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أولئك الملأ من قريش أي الأشراف والرؤساء وتلقته الولائد عند دخوله المدينة والولائد جمع وليدة وهي الصبية والأمة وتلك الولائد يقلن ** طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع ** ** وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داع **
وتلقاه أسيد بن الحصير فقال الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك


ولما أقبلوا من بدر فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفوا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي فقالوا يا رسول الله فقدناك فقال إن أبا الحسن وجد مغصا في بطنه فتخلفت عليه ثم لما قدمت الأسارى فرقهم بين الصحابة وقال استوصوا بهم خيرا
وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش ابن عبد عمرو رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فقال قتل عتبة وشيبة وأبو الحكم وأمية وفلان وفلان من أشراف قريش أي وأسر فلان وفلان فقال صفوان بن أمية وكان يقال له سيد البطحاء وكان من أفصح قريش لسانا وكان جالسا في الحجر والله إن يعقل أي ما يعقل هذا سلوه عني فسألوه أي قالوا ما فعل صفوان فقال هو ذاك الجالس في الحجر وقد رأيت أباه وأخاه حين قتلا
وعن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس بن عبدالمطلب أي ثم وهبه العباس له صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام عليه في السرايا وكان العباس رضي الله تعالى عنه أسلم وأسلمت زوجته أي أم الفضل قيل إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة كما تقدم وهي أم أولاده وهم عبدالله وعبيدالله وعبدالرحمن والفضل وقثم ومعبد وأم حبيب
قيل رآها صلى الله عليه وسلم وهي تدب بين يديه فقال إن بلغت وأنا حي تزوجتها فقبض صلى الله عليه وسلم قبل أن تبلغ قال ابن الجوزي فليس في الصحابيات من كنيتها أم الفضل إلا زوج العباس قال أبو رافع وأسلمت أنا وكنا نكتم الإسلام أي لأن العباس كان يكره خلاف قومه لأنه كان ذا مال كثير وأكثره متفرق فيهم أي وسيأتي الجواب عن كونه أسر وأخذ منه الفداء مع كونه مسلما وسيأتي أنه لم يظهر إسلامه إلا يوم الفتح
فلما جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر سرنا ذلك فوالله إني لجالس إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس عندنا فبينا هو جالس إذ قدم أبو سفيان بن الحارث وكان مع قريش في بدر فقال له أبو لهب هلم إلى عندك الخبر فقال والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله ما لمت

الناس لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض والله ما يقوم لها شيء قال أبو رافع فقلت والله تلك الملائكة فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة وثاورته أي واثبته أي قام كل للآخر فاحتملني وضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني فقامت أم الفضل إلى عمود وضربته به ضربة في رأسه أثرت شجة منكرة وقالت استضعفته أن غاب سيده تعني العباس فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رمى بالعدسة أي ما عاش صحيحا قبل أن يرمي بالعدسة إلا سبع ليال أي وهي بثرة تشبه العدسة من جنس الطاعون فقتلته فلم يحفروا له حفيرة ولكن أسندوه إلى الحائط وقذفوا عليه الحجارة خلف الحائط حتى واروه أي لأن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها ويرون أنها تعدى أشد العدوى فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه وبقي بعد موته ثلاثة أيام لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه حتى أنتن فلما خافوا السبة أي سب الناس لهم في تركه فعلوا به ما ذكر
وفي رواية حفروا له ثم دفعوه بعود في حفيرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت إذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها
أقول قال في النور وهذا القبر الذي يرجم خارج باب شبيكة أي الآن ليس بقبر أبي لهب وإنما هو قبر رجلين لطخا الكعبة بالعذرة وذلك في دولة بني العباس فإن الناس أصبحوا وجدوا الكعبة ملطخة بالعذرة فرصدوا للفاعل فمسكوهما بعد أيام فصلبا في ذلك الموضع فصارا يرجمان إلى الآن والله أعلم
فلما ظهر الخبر ناحت قريش على قتلاهم أي شهرا وجز النساء شعورهن وكن يأتين بفرس الرجل أو راحلته وتستر بالستور وينحن حولها ويخرجن إلى الأزقة ثم أشير عليهم أن لا تفعلوا فيبلغ محمد وأصحابه فيشمتوا بكم ولا نبكي قتلانا حتى نأخذ بثأرهم وتواصوا على ذلك وكان الأسود بن زمعة بن المطلب أصيب له في بدر ثلاثة ولداه وولده ولده وكان يحب أن يبكي عليهم وكان قد ذهب بصره أي بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لانه كما تقدم كان من المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا رآهم يقول قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على ملك كسرى وقيصر ويكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يشق عليه فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمى وتقدم ذلك وتقدم سبب عماه


وفي كلام بعضهم كان صلى الله عليه وسلم دعا على الأسود هذا بأن يعمي الله تعالى بصره ويثكل ولده فاستجاب الله تعالى له سبق العمى إلى بصره أولا ثم أصيب يوم بدر بمن نعاه من ولده أي وهو زمعة وهو أحد الثلاثة الذين كان يقال لكل واحد منهم زاد الراكب كما تقدم وأخوه عقيل والحارث فإنهما قتلا كافرين ببدر فتمت إجابة الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا به قد سمع صوت باكية بالليل فقال لغلامه أنظر هل أحل النحب أي البكاء هل بكت قريش على قتلاهم لعلي أبكي فإن جوفي قد احترق فلما رجع الغلام قال إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته فأنشد من أبيات ** أتبكي أن يضل لها بعير ** ويمنعها من النوم السهود ** ** فلا تبكي على بكر ولكن ** على بدر تقاصرت الجدود **
والسهود بضم السين المهملة عدم النوم والبكر الفتى من الإبل والجودود بضم الجيم جمع جد بفتحها وهو الحظ والسعد وبعد هذين البيتين بيت آخر وهو ** ألا قد ساد بعدهمو رجال ** ولولا يوم بدر لم يسودوا **
يعرض بأبي سفيان فإنه رأس قريش قال وقد جاء في بعض الروايات اختلاف الصحابة فيما يفعل بالأسرى لما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترون في هؤلاء الأسرى إن الله قد مكنكم منهم أي وقد يخالف هذا ما سبق من قوله إن من أسر أسيرا فهو له
وقد يقال لا مخالفة لأن معنى كونه له أنه مخير فيه بين قتله وأخذ فدائه ولعله لا يخالف ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل النضر قال المقداد رضي الله تعالى عنه وكان أسره يا رسول الله أسيري فقال له إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول وفي رواية استشار صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا أي وفي رواية أبا بكر وعمر وعبدالله بن جحش فيما هو الأصلح من الأمرين القتل وأخذ الفداء فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله أهلك وقومك وفي رواية هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان قد أعطاك الله الظفر ونصرك عليهم أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم بك فيكونون لنا عضدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقول يا ابن الخطاب قال يا رسول الله قد كذبوك وأخرجوك وقاتلوك ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكنني من فلان قريب

وفي لفظ نسيب لعمر فأضرب عنقه وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه أي العباس رضي الله تعالى عنه فيضرب عنقه حتى يعلم أنه ليست في قولبنا مودة للمشركين ما أرى أن تكون لك أسرى فاضرب أعناقهم هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم أي وقال ابن رواحة رضي الله تعالى عنه أنظروا واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا فقال العباس رضي الله تعالى عنه وهو يسمع ثكلتك رحمك فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت أي ولم يرد عليهم فقال بعض الناس يأخذ بقول أبي بكر وقال بعض الناس يأخذ بقول ابن رواحة ولم يقال قائل يأخذ بقول عمر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله ليلين قلوب أقوام فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله ليشدن قلوب أقوام فيه حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة لعله لا ينزل إلا بالرحمة فلا ينافي أن جبريل ينزل بالرحمة في بعض الأحايين كما تقدم قريبا ومن ثم جاء في الحديث أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم حيث يقول { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى بن مريم إذ قال { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }
قيل إنه قوله { فإنك أنت العزيز الحكيم } من مشكلات الفواصل إذ كان مقتضى الظاهر فإنك أنت الغفور الرحيم
ورد بأن العزيز الذي لا يغلبه أحد ولا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه والحكيم هو الذي يضع الشيء محله
ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل نزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله تعالى أي أغلب أحواله ذلك فلا ينافي أنه ينزل بالرحمة في بعض الأوقات كما تقدم ومثلك في الأنبياء مثل نوح عليه الصلاة والسلام إذ قال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } ومثلك في الأنبياء مثل موسى عليه الصلاة والسلام إذ قال { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم }
قال الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يشبه بجبريل وبإبراهيم وبنوح وبموسى وبعيسى وبيوسف وبلقمان الحكيم وبصاحب يس هذا كلامه
وقد علمت أن أبا بكر رضي الله عنه شبه بميكائيل ولم يذكر ميكائيل ولينظر من

شبه من أصحابه بيوسف ثم رأيتني ذكرت فيما تقدم قريبا أنه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ولينظر من شبه من أصحابه بلقمان الحكيم وبصاحب يس
ثم قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ولو توافقتما ما خالفتكما فلا يفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق
وقد وقع له صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل ذلك لهما وقد اختلفا في تولية شخصين أراد صلى الله عليه وسلم تولية أحدهما على بني تميم فقال أبو بكر يا رسول الله استعمل فلانا وقال عمر يا رسول الله استعمل فلانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنكما لو اجتمعتما لأخذت برأيكما ولكنكما اختلفتما علي أحيانا فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } الآية واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم مثلك يا أبا بكر الخ على جواز ضرب المثل من القرآن وهو جائز في غير المزح ولغو الحديث وإلا كره ونسبة الإختلاف في أسارى بدر لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لا تخالف ما سبق من نسبته إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأنه يجوز أن يكونا هما المرادين بالصحابة وعدم ذكر علي رضي الله تعالى عنه مع إدخاله في الإستشارة وكذا عبدالله بن جحش على ما تقدم لأنه يجوز أن يكون وافق أحدهما أي فقد ذكر ابن رواحة مع عدم إدخاله في الإستشارة
وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله قد مكنكم منهم قال فقام عمر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله إضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد فقال يا أيها الناس إن الله قد مكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس فقام عمر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم ثم عاد فقال للناس مثل ذلك فقام أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل الفداء فلما كان الغد غدا عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله ما يبكيكما وفي لفظ ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كاد لمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب


وفي مسلم والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء أي للعذاب الذي كاد أن يقع على أصحابك لأجل أخذهم الفداء أي إرادة أخذه لقد عرض علي عقابهم أدنى أي أقرب من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } الآيات
أقول قال بعضهم في هذه الآيات دليل على أنه يجوز الإجتهاد للأنبياء لأن العتاب الذي في الآيات لا يكون فيما صدر عن وحي ولا يكون فيما كان صوابا وإذا أخطئوا لا يتركون عليه بل ينبهون على الصواب
وأجاب ابن السبكي رحمه الله بأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم أي ما كان هذا لنبي غيرك ولا يخفى عليك ما فيه
وفي كلام بعضهم ما يقتضي أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير نبينا صلى الله عليه وسلم يجوز أن يقروا على الخطأ لأن من بعد من يخطىء منهم يبين خطأه بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده يبين خطأه فلا يقر على الخطأ وفيه أن بعد نبينا عليه الصلاة والسلام عيسى عليه الصلاة والسلام وأنه يوحي إليه
ونظر بعضهم في وقوع الخطأ من الأنبياء واستمرارهم عليه بأنه غير لائق بمنصب النبوة لأن وجود من يستدرك الخطأ لا يدفع مقتضيه
وفيه جواز وقوع الخطأ والعمل به قبل مجيء الإستدراك وتقدم جواز الإجتهاد له مطلقا لا في خصوص الحرب واستثناء عمر ربما يفيد أن جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وافقوا أبا بكر على أخذ الفداء وخالفوا عمر مع أنه تقدم قريبا أن سعد بن معاذ كره ذلك قبل عمر فقد تقدم أن المسلمين لما وضعوا أيديهم يأسرون رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فوجد في وجهه الكراهية لما يصنع القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله تعالى بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل أحب إلي من

استبقاء الرجال ومن ثم قال لو نزل عذاب لم يفلت منه إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ كما سيأتي وفيه أن ابن رواحة كرهه بل أشار بإحراقهم بالنار
وفي الأصل أن جبريل عليه الصلاة والسلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فقال إن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد منكم سبعون بعد ذلك فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه فجاءوا أو من جاء منهم أي وهم المعظم فقال إن هذا جبريل يخبركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم وبين أن تفادوهم ويستشهد قابلا منكم بعدتهم فقالوا بل نفاديهم فنتقوى به عليهم ويدخل قابلا منا الجنة سبعون وفي لفظ ويستشهد منا عدتهم فليس في ذلك ما نكره وهو كما ترى يدل على أن الصحابة وافقوا أبا بكر رضي الله عنهم على أخذ الفداء ولعل هذا الإخبار بالتخيير كان بعد الإستشارة التي تكلم فيها أبو بكر وعمر وأن بكاءه صلى الله عليه وسلم كان بعد هذه الإستشارة الثانية وقوله صاحب الهدى بكاؤه صلى الله عليه وسلم وبكاء الصديق رحمة وخشية أن العذاب يعم ولا يصيب من أراد ذلك خاصة يفيد أن الذي أشار بأخذ الفداء طائفة من الصحابة لا كلهم
أقول وفيه أن هذا يشكل عليه قوله لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب أو إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ فإن فيه تصريحا بأن العذاب لو وقع لا يعم وأنه لا يصيب إلا من أشار بالفداء وفيه أن من أشار بالفداء غاية الأمر أنهم اختاروا غير الأصلح من الأمرين واختيار غير الأصلح لا يقتضي العذاب على أن حل أخذ الفداء علم من واقعة عبدالله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرمي فإنه أسر فيها عثمان بن المغيرة والحكم بن كيسان ولم ينكره الله تعالى وذلك قبل بدر بأزيد من عام إلا أن يقال أراد الله تعالى تعظيم أمر بدر لكثرة الأسارى فيها مع شدة تصلبهم في مقاتلته صلى الله عليه وسلم وفي المواهب كلام في الآية المذكورة يتأمل فيه
ورأيت فيها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أقدم إليه الحجة لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم
وعن الأعمش سبق منه أنه لا يعذب أحدا شهد بدرا ومن ثم جاء كما يأتي أن رجلا قال يا رسول الله إن ابن عمي نافق أي ائذن لي أن أضرب عنقه فقال له إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم والله أعلم ولا ينافي

قتل سبعين منهم في قابل أي في أحد كون بعض الأسارى في بدر مات في الأسر ولم يؤخذ فداؤه وهو ومالك بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله وكون بعضهم أطلق من غير أخذ فداء لأن المنكر عدم قتل اولئك السبعين الذين أسروا
قال بعضهم اتفق أهل العلم بالسير على أن المخاطبين بقوله تعالى { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها } هم أهل أحد أي قد أصبتم يوم بدر مثلي من استشهد منكم يوم أحد سبعين قتيلا وسبعين أسيرا والله أعلم
وتواصت قريش على أن لا يعجلوا في طلب فداء الأسرى لئلا يتخالى محمد وأصحابه في الفداء فلم يلتفت لذلك المطلب بن أبي وداعة السهمي بل خرج من الليل خفية وقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله تعالى عنهم لما رأى أبا وداعة أسيرا إن له بمكة ابنا كيسا تاجر ذا مال وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه أي فكان أول أسير فدى واسم أبي وداعة الحارث وذكر في الصحابة قال الزبير بن بكار زعموا أنه كان شريكا للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة
أي والمشهور أن شريكه صلى الله عليه وسلم إنما هو السائب بن أبي السائب الذي قال في حقه وقد أسلم يوم الفتح وقد جعل الناس يثنون عليه أنا أعلمكم به هذا شريكي نعم الشريك كان لا يداري ولا يماري وفي رواية أنه لما قال صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم به قال صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكك فنعم الشريك لا تداري ولا تماري وعند ذلك بعثت قريش في فداء الأسارى وكان الفداء فيهم على قدر أموالهم وكان من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألفين إلى ألف ومن لم يكن معه فداء أي وهو يحسن الكتابة دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم الكتابة فإذا تعلموا كان ذلك فداءه
وجاء جبير بن مطعم وهو كافر أي إلى المدينة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم في اسارى بدر فقال له صلى الله عليه وسلم لو كان شيخك أو الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم لشفعناه وفي رواية لو كان مطعم حيا وكلمني في هؤلاء النفر وفي رواية في هؤلاء النتنى لتركتهم له لان المطعم كان أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من الطائف وكان ممن سعى في نقض الصحيفة كما تقدم ذلك
وكان من جملة الأسارى عمرو بن أبي سفيان بن حرب أخو معاوية أي أسره علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقيل لأبي سفيان أفد عمرا ابنك قال أيجمع علي دمي

ومالي قتلوا حنظلة يعني ابنه وهو شقيق أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأفدى عمرا دعوه في أيديهم يمسكونه ما بدرا لهم فبينما أبو سفيان إذ وجد سعد بن النعمان أخا بني عمرو بن عوف أي قد وفد من المدينة معتمرا فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو فمضى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبر سعد بن النعمان وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكون به صاحبهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد أي ولم يذكر عمرو هذا فيمن أسلم من الأسارى والظاهر أنه مات على شركه
وكان في الاسارى زوج بنت النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها وهو أبو العاص بن الربيع بكسر الموحدة وتشديد الياء مفتوحة قال في الأصل ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بناء على ما تقوله العامة ان ختن الرجل زوج ابنته والمعروف لغة أن ختن الرجل أقارب زوجته مثل أبيها وأخيها ومع ذلك لا ينبغي أن يقال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ختن أبي العاص ولا ختن علي لإيهامه النقص
وفي حفظي أن عند المالكية من قال عنه صلى الله عليه وسلم يتيم أبي طالب وختن حيدرة كان مرتد وفي عبارة أو بدل الواو ورواية أو مبينة للمراد من رواية الواو وأن ما أفهمته من اعتبار الجمعية ليس مرادا وحيدرة اسم علي رضي الله تعالى عنه وأبو العاص اسلم بعد ذلك كما سيأتي وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد أخت خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأبو ولدها علي الذي أردفه صلى الله عليه وسلم خلفه يوم فتح مكة ومات مراهقا وأبو بنتها أمامة التي كان يحملها صلى الله عليه وسلم في الصلاة أي وكان يحبها حبا شديدا
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له هدية فيها قلادة من جذع فقال لأدفعنها إلى أحب أهلي إلى فقالت النساء ذهبت بها ابنة أبي قحافة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب فعلقها في عنقها وتزوجها علي بعد موت خالتها فاطمة رضي الله تعالى عنها بوصية من فاطمة زوجها له الزبير بن العوام وكان أبوها أوصى بها إلى الزبير ومات عنها فتزوجها المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب فماتت عنده وكان تزويجها للمغيرة بوصية من علي رضي الله وتعالى عنه فإنه لما حضرته الوفاة قال لها إني لا آمن أن يخطبك معاوية وفي لفظ هذا

الطاغية بعد موتي فإن كان لك في الرحال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا فلما إنقضت عدتها أرسل معاوية إلى مروان أن يخطبها عليه ويبذل لها مائة ألف دينار فلما خطبها أرسلت إلى المغيرة بن نوفل إن هذا الرجل أرسل يخطبني فإن كان لك حاجة في فأقبل فجاء وخطبها من الحسن بن علي أي فزوجها منه
أي ولا يخالف ما تقدم أن المزوج لها الزبير بن العوام لأنه يجوز أن يكون الحسن كان هو السبب في تزويج الزبير لها فبعثت زينب رضي الله تعالى عنها في فداء زوجها أبي العاص قلادة لها كانت أمها خديجة رضي الله تعالى عنها أدخلتها بها عليه حين بنى بها أي والجائي بها أخوه عمرو بن الربيع ولا يعلم لعمرو هذا إسلام فلما رأى تلك القلادة رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للصحابة إن رايتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها قلادتها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها القلادة وشرط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيل زينب أي أن تهاجر إلى المدينة
أي وقد كان كفار قريش مشوا إليه أن يطلق زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما طلق ولدا أبي لهب بنتي النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدخول بهما رقية وأم كلثوم كما تقدم وقالوا له نزوجك أي أمرأة من قريش شئت فأبى ذلك وقال والله لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بها امرأة من قريش فشكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك واثنى عليه بذلك خيرا فلما وصل ابو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت
وقد كان صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار قال لهما تكونان بمحل كذا لمحل قريب من مكة حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها أي وذكر أن حماها كنانة بن الربيع خا زوجها قدم لها بعيرا فركبته واتخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقودها في هودج لها وكانت حاملا فتحدث بذلك رجال من قريش فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى فكان أول من سبق إليها هبار ابن الأسود رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ونخس البعير بالرمح فوقعت والقت حملها
وفي رواية أنه سبق إليها هبار ورجل آخر يقال له نافع وقيل خالد بن عبد قيس

ثم ان كنانة برك ونثر كنانته واخذ قوسه وقال والله لا يدنو مني رجل الا وضعت فيه سهما فجاء اليه أبو سفيان في رجال من قريش وقال له كف عنا نبلك حتي نكلمك فكف ثم قال له انك لم تصب في فعلك فانك خرجت بالمراة جهارا على رءوس الاشهاد وقد عرفت مصيبتنا التي كانت وما دخل علينا من محمد فيظن الناس اذا خرجت زينب علانية على رءوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك من ذل أصابنا وأن ذلك منا من ضعف ووهن ولعمري مالنا بحبسها عن أبيها من حاجة ولكن أرجع بها حتى اذا هدات الاصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسر بها سرا فألحقها بأبيها ففعل وأقامت ليالى ثم خرج بها ليلا حتى أسلمها الى زيدابن حارثة وصاحبه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن حارثة ألاتنطلق فتجيئ بزينب قال بلى يا رسول لله قال فخذ خاتمي فأعطها فانطلق زيد فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا فقال لمن ترعى قال لابي العاص قال فلمن هذه الغنم قال لزينب بنت محمد فتكلم معه ثم قال له هل ان أعطيتك شيئا تعطهااياه ولا تذكره لأحد قال نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعي الى زينب وأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاك هذا قال رجل قالت فأين تركته قال بمكان كذا وكذا فسكتت حتى اذا كان الليل خرجت اليه فلما جاءته قال لها زيد اركبي بين يدي على بعيري قالت لا ولكن اركب انت بين يدي فركب وركبت خلفه حتى أتت المدينة وذلك بعد شهرين من بدر وكان صلى الله عليه وسلم يقول زينب أفضل بناتي أصيبت بي اي بسببي ز
ومن العجب أن هذه العبارة ساقها الامام سراج الدين البلقيني في فتاويه في حق فاطمه رضي الله تعالى عنها حيث قال وقد روي البزار في مسنده من طريق عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة هي خير بناتي لانها أصيبت في هذا كلامه ولينظر ما الذي أصيبت فاطمة بسببه صلى الله عليه وسلم وقد يقال اصابتها بسبب موته صلى الله عليه وسلم في حياتها ز
ثم رايت الحافظ ابن حجر أجاب بذلك حيث قال لأنها رزئت بأبيها فكان في صحيفتها اى فهو من أعلام نبوته او ان قوله في زينب ما ذكر كان قبل ما وهب الله لفاطمة من الكمالات


وقد سئل الإمام البلقيني رحمه الله تعالى هل بقية بناته صلى الله عليه وسلم أي بعد فاطمة سواء في الفضل أو يفضل بعضهم على بعض ولم يجب عن ذلك ولا مخالفة بين خروج زينب إلى زيد وخروج حميها بها إلى زيد وبهذا أي بتأخر هجرة زينب يظهر التوقف في قول ابن اسحاق أما بناته صلى الله عليه وسلم فكلهن أدرن الإسلام واسلمن وهاجرنا معه إلا ان يقال المراد اشتركن معه في الهجرة وتقدم ما في قوله وأسلمن وكون الجائي في فداء أبي العاص أخوه عمرو يخالف ما جاء أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها أرسلت في فداء أبي العاص وأخيه عمرو بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة الحديث ولعلها تصحيف وأن الأصل بعثت في فداء أبي العاص أخاه عمرو بن الربيع ويدل لذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال في هذه الرواية إن رايتم أن تردوا لها أسيرها فأطلقوه ولم يقل أسيريها وكان في الأسارى سهيل بن عمرو العامري
وتقدم أنه كان من أشراف قريش وخطبائها فقد سئل سعد بن المسيب عن خطباء قريش في الجاهلية فقال الأسود بن المطلب وسهيل بن عمرو وسئل عن خطبائهم في الإسلام فقال معاوية بن أبي سفيان وابنه يعني يزيد وسعيد بن العاص وابنه يعني عمرو بن سعيد وعبد الله بن الزبير
ولعل هذا لا يخالف ما تقدم من قول الأصمعي الخطباء من بني مروان عتبة ابن ابي سفيان أخو معاوية وعبد الملك بن مروان ومما يؤثر عن عتبة ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم كما تقدم وقال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو ويدلع أي بالدال والعين المهملتين يخرج لسانه أي لأنه كان أعلم والأعلم إذا نزعت ثنيتاه لم يستطع الكلام فلا يقم عليك خطيبا في موطن أبدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا امثل بي فيمثل الله تعالى بي إن كنت نبيا وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه فكان كذلك فإنه لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أكثر أهل مكة الرجوع عن الإسلام حتى خافهم أمير مكة عتاب بن أسيد رضي الله عنه وتوارى فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ايها الناس من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ألم تعلموا ان الله تعالى قال { إنك ميت وإنهم ميتون } وقال { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآيات وتلى آيات

آخر ثم قال والله إني أعلم أن هذا سيمتد امتداد الشمس في طلوعها وغروبها فلا يغرنكم هذا من أنفسكم يعني ابا سفيان فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم لكنه قد ختم على صدره حسد بني هاشم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم وكلمته تامة إن الله ناصر من نصره ومقو دينه وقد جمعكم الله على خيركم يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه وقال إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة فمن رأيناه ارتد ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عما هموا به
وعند ذلك ظهر عتاب بن أسيد رضي الله عنه وقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل فلما ذكر قدرا أرضاهم به قالوا له هات فقال اجعلوا رجلي مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرز وكان في الأسارى الوليد أخو خالد بن الوليد افتكه أخواه هشام وخالد فلما افتدى أسلم فعاتبوه في ذلك فقال كرهت أن يظن بي أني جزعت من الأسر ولما أسلم وأراد الهجرة حبسه أخواه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت كما تقدم ثم أفلت ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء كما سيأتي أي وكان في الأسارى السائب وهو الأب الخامس لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وكان صاحب راية بني هاشم في ذلك اليوم أي التي يقال لها في الحرب العقاب ويقال لها راية الرؤساء ولا يحملها في الحرب إلا رئيس القوم وكانت لأبي سفيان أوة لرئيس مثله ولغيبة أبي سفيان في العير حملها السائب لشرفه وفدى نفسه
وأما أبوه الرابع الذي هو شافع الذي ينسب إليه أمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه الذي هو ولد السائب لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع فأسلم وكان في الأسارى وهب بن عمير رضي الله تعالى عنه فإن أسلم بعد ذلك واسره رفاعة بن رافع وكان أبوه عمير شيطانا من شياطين قريش وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه بمكة رضي الله تعالى نه فإنه أسلم بعد ذلك فجلس يوما مع صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكان جلوسه معه في الحجر فتذاكرا أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان ما في العيش والله خير بعدهم فقال عمير والله صدقت أما والله لولا دين على ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيع بعد كنت آتي محمد حتى أقتله فإنني فيهم علة ابن أسير في ايديهم فاغتنمها صفوان وقال له على دينك أنا أقضيه

عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا قال عمير فاكتم عني شأني وشأنك قال افعل ثم ان عميرا أخذ سيفه وشحذه بالمعجمة أي سنه وسمه أي جعل فيه السم ثم أنطلق حتى قدم المدينه فبينا عمر بن الخطاب رضي الله تعال عنه في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر اذ نظر الى عمير حين أناخ راحلته على باب المسجد متوشحا السيف فقال هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء الابشر فدخل عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه قال صلى الله عليه وسلم فأدخله علي فأقبل عمر رضي الله عنه حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه والحمالة بكسر الحاء المهملة العلاقة فمسكه بها وقال لرجال ممن كانو معه من الانصار أدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسوا عنده فان هذا الخبيث غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه اخذ بحمالة سيفه في عنقه قال أرسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم قال عمير أنعمو صباحا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنه ما جاء بك يا عمير قال جئت لهذا الاسير الذي في أيديكم يعني ولده وهبا فأحسنوا فيه قال فما بال السيف قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئا قال صلى الله عليه وسلم أصدقني مالذي جئت له قال ما جئت الا لذلك قال صلى الله عليه وسلم بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين على وعيالي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على ان تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك قال عمير أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتي به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا امر لم يحضر الا أنا وصفوان فوالله اني لا اعلم ما أتاك به الا الله تعالى فالحمد لله الذى هدانا للاسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرأن وأطلقوا أسيره ففعلوا ذلك ثم قال يا رسول الله اني كنت جاهدا على اطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله فأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكه فأدعوهم الى الله وإلى الإسلام لعل الله يهديهم وإلا أذيتهم

في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة وأسلم ولده وهب رضي الله عنه
وكان صفوان حين خرج عمير يقول أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل عن الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا يكلمه أبدا وأن لا ينفعه بنفع أبدا
أي ولما قدم عمير لم يبدا بصفوان بل بدا ببيته واظهر الإسلام ودعا إليه فبلغ ذلك صفوان فقال قد عرفت حيث لم يبدأ بي قبل منزله أنه قد نكس وصبأ ولا أكلمه ابدا ولا انفعه ولا عياله بنافعة
ثم إن عميرا وقف على صفوان وناداه أنت سيد من سادتنا رايت الذي كنا عليه من عبادة الحجر والذبح له أهذا دين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله فلم يجبه صفوان بكلمة وعند فتح مكة هو الذي استأمنه صلى الله عليه وسلم لصفوان كما سيأتي
وكان في الأسارى أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه قال أبو عزيز مر بي أخي مصعب فقال للذي أسرني شد يدك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك فقلت له يا أخي هذه وصايتك بي فبعثت أمه في فدائه أربعة آلاف درهم ففدته بها
وكان في الأسارى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم اي وقد شدوا وثاقه فأن فلم يأخذه صلى الله عليه وسلم نوم فقيل ما سهرك يا رسول الله قال لأنين العباس فقام رجل وأرخى وثاقه وفعل ذلك بالأسارى كلهم والذي أسره أبو اليسر كعب بن عمرو وكان ذميما أي بالمهملة صغير الجثة والعباس جسيما طويلا فقيل للعباس رضي الله تعالى عنه لو أخذته بكفك لوسعته كفك فقال ما هو إن لقيته فظهر في عيني كالخدمة أي وهو جبل من جبال مكة أي وأبو اليسر هذا هو الذي انتزع راية المشركين وكانت بيد أبي عزيز بن عمير قال وفي رواية أن البني صلى الله عليه وسلم سأل كعب وقال له كيف أسرت العباس قال يا رسول الله لقد أعانني عليه ملك كريم أي وفي رواية أن العباس رضي الله تعالى عنه لما قيل له ما تقدم قال والله إن هذا ما اسرني لقد أسرني رجل أبلج من أحسن الناس وجها على فرس أبلق فما أراه في القوم فقال الذي جاء به والله أنا الذي أسرته يا رسول الله فقال اسكت فقد أيدك الله بملك كريم


وفي الكشاف أن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخذ أسيرا ببدر لم يجدوا له قميصا وكان رجلا طوالا فكساه عبد الله بن أبي ابن سلول قميصه وجعل صلى الله عليه وسلم فداء العباس أربعمائة أوقية وفي رواية مائة أوقية وفي رواية أربعين أوقية من ذهب وفي رواية جعل على العباس أيضا فداء عقيل ابن أخيه ثمانين أوقية أي وجعل عليه فداء ابن أخيه نوفل بن الحارث
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له افد نفسك يا عباس وابني أخيك عقيل ابن أبي طالب ونوفل بن الحارث ابني عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو ففدى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية وسيأتي ما يدل على أنه إنما فدى نفسه وابن أخيه عقيل فقط وقال للنبي صلى الله عليه وسلم تركتني فقير قريش ما بقيت وفي لفظ تركتني أسأل الناس في كفى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين المال الذي دفعته لأم الفضل يعني زوجته وقلت لها إن أصبت فهذا لبني الفضل وعبد الله وقثم وفي كلام ابن قتيبة فللفضل كذا ولعبد الله كذا وقثم كذا فقال والله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا شيئ ما علمه إلا انا وأم الفضل زاد في رواية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله
وفي رواية أن العباس قال للنبي صلى الله عليه وسلم لقد تركتني فقير قريش ما بقيت فقال له كيف تكون فقير قريش وقد استودعت بنادق الذهب أم الفضل وقلت لها إن قتلت فقد تركتك غنية ما بقيت
وفي رواية أين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل فقال أشهد أن الذي تقوله قد كان وما اطلع عليه إلا الله وتقدم عن أبي رافع مولى العباس أن العباس رضي الله تعالى عنه وزوجته أم الفضل كانا مسلمين بل تقدم أنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة رضي الله تعالى عنها وكانا يكتمان إسلامهما وأن أبا رافع كان كذلك
ومما يؤيد إسلام العباس رضي الله تعالى نه أنه جاء في بعض الروايات أن العباس رضي الله تعالى عنه قال علام يأخذ ما الفداء وكنا مسلمين أي وفي رواية كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الله أعلم بما تقول إن يك حق فإن الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا وقد أنزل الله تعالى { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا } أي إيمانا { يؤتكم خيرا مما أخذ منكم }

أي من الفداء الآيات فعند ذلك أي عند نزول الآيات قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافا فقد آتاني الله خير منها مائة عبد وفي لفظ أربعين عبدا كل عبد في يده مال يضرب به أي يتجرفيه وإني لأرجو من الله المغفرة أي وهذا القول من العباس رضي الله تعالى عنه يدل على تأخر نزول هذه الآيات
وجاء أن العباس رضي الله تعالى عنه خرج لبدر ومعه عشرون أوقية من ذهب ليطعم بها المشركين فأخذت منه في الحرب فكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فداءه فأبى وقال أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا نتركه لك وجاء في بعض الروايات أن العباس رضي الله تعالى عنه لما أسر تواعدت طائفة من الأنصار على قتله فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعمر لم أنم الليلة من أجل عمي العباس زعمت الأنصار أنهم قاتلوه فأتى عمر الأنصار فقال لهم أرسلوا العباس فقالوا والله لا نرسله فقال لهم عمر فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي فقالوا إن كان رضي فخذه فأخذه عمر فلما صار في يده قال له يا عباس أسلم فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب
أي وفي اسباب النزول للواحدي لما أسر العباس يوم بدر أقبل المسلمون عليه يعيرونه بكفره بالله وقطيعة الرحم وأغلظ علي له من القول فقال العباس ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا قال له علي ألكم محاسن قال نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحيي الكعبة ونسقي الحاج ونفك العانى فأنزل الله تعالى { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } الآية
وجاء انه قال للمسلمين لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج فأنزل الله تعالى { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله } الآية
وذكر بعضهم أن العباس رضي الله تعالى عنه كان رئيسا في قريش وإليه عمارة المسجد الحرام فكان لا يدع أحدا يتشبب فيه ولا يقول فيه هجرا والتشبيب ترقيق الشعر بذكر النساء والهجر الكلام الفاحش فكانت قريش اجتمعت وتعاقدت على تسليم ذلك للعباس وكانوا عونا له على ذلك

ومن ثم قيل في العباس هذاوالله هو الشرف يطعم الجائع ويؤدب السفيه فإن طعامه كان لفقراء بني هاشم وقيل وسوطه معد لسفهائهم وإذا كان ذلك لسفهاء بني هاشم فلسفهاء غيرهم بطريق الاولى
والظاهر أن ذلك لا يختص بسكونهم في المسجد كما قد يدل عليه الروايه الاولى ولاينافي هذا أي قول عمر له أسلم إلى أخره ما تقدم عن مولاه أبي رافع من أن العباس كان مسلما ومن قوله للنبي صلى الله عليه وسلم إنه كان مسلما ومن إتيانه بالشهادتين عنده صلى الله عليه وسلم لأن ذاك لم يظهره علانية بل أظهره له صلى الله عليه وسلم فقط ولم يعلم به عمر ولا غيره ولم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم إسلام العباس رفقا به لما تقدم أن العباس كان له ديون متفرقة في قريش وكان يخشى إن أظهر إسلامه ضاعت عندهم
ومن ثم لما قهرهم الإسلام يوم فتح مكة أظهر إسلامه أي فلم يظهر إسلامه إلا يوم الفتح وكان كثيرا ما يطلب الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكتب له مقامك بمكة خير لك
أي وفي رواية استأذن العباس رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فكتب إليه يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه فإن الله عز وجل يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة فكان كذلك
وفي رواية أنه قال لابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أفد نفسك يا نوفل ما لي شيء أفدي به نفسي قال أفد نفسك من مالك الذي يجدة وفي لفظ بارماحك التي بجدة فقال أشهد أنك رسول الله والله ما أحد يعلم أن لي بجدة أرماحا غير الله أي وفدى نفسه ولم يفده العباس
ويدل لذلك ما رواه البخاري عن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمال من البحرين أي من خراجهما فقال انثروه في المسجد فكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كان مائة ألف وكان أول خراج حمل إليه صلى الله عليه وسلم وكان ياتي في كل سنة وحينئذ لا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم لجابر لو قد جاء مال البحرين أعطيتك فلم يقدم مال البحرين حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المراد أنه لم يقدم

في تلك السنة ولما نثر ذلك المال في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ولم يلتفت إليه فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فكان لا يرى احدا إلا اعطاه فجاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا أي ولم يقل نوفلا ولا حليفه عتبة بن عمرو فقال خذ فحثى في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت على قال لا فنثر منه ولا زال يفعل كذلك حتى بقى ما يقدر على رفعه على كاهله أى بين كتفيه ثم إنطلق وهو يقول إنما أخذت ما وعد الله فقد أنعلى قتال المسلمين أنجز فما زال صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره عجبا من حرصه حتى خفى
ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من الاسارى بغير فداء منهم أبو عزه عمرو الجمحي الشاعر كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بشعره فقال يا رسول الله إني فقير وذو عيال وحاجه قد عرفتها فا منن علي فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أى وفي رواية قال له إن لي خمس بنات ليس لهن شيء فتصدق بي عليهن ففعل وأعتقه وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا أي ولما وصل إلى مكة قال سحرت محمدا
ولما كان يوم أحد خرج مع المشركين يحرض على قتال المسلمين بشعره فأسر وقتل صبرا وحملت رأسه إلى المدينة كما سيأتي
أي فعلم أن أسرى بدر منهم من فدى ومنهم من خلى سبيله من غير فداء وهو أبو العاص أبوعزة ووهب بن عمير ومنهم من مات ومنهم من قتل وهو النضر ابن الحارث وعقبة بن أبي معيط كما تقدم
ولما بلغ النجاشي نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر فرح فرحا شديدا فعن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النجاشي أرسل إليه وإلى أصحابه الذين معه بالحبشة ذات يوم فدخلوا عليه فوجدوه جالسا على التراب لابسا أثوابا خلقة فقالوا له ما هذا أيها الملك فقال لهم إني أبشركم بما يسركم إنه قد جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله عز وجل قد نصر نبيه وأهلك عدوه فلانا وفلانا وعدد جمعا التقوا بمحل يقال له بدر كثير الأراك كنت أرعى فيه غنما لسيدي من بني ضمرة فقال له جعفر ما لك جالس على التراب عليك هذه الأخلاق قال إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى أن حقا على عباد الله أن يحدثوا لله عز وجل تواضعا عندما أحدث لهم نعمة


وفي رواية كان عيسى صلوات الله وسلامه عليه إذا حدث له من الله نعمة ازداد تواضعا فلما أحدث الله تعالى نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثت هذا التواضع
وفي رواية إنا نجد في الإنجيل أن الله سبحانه وتعالى إذا أحدث بعبده نعمة وجب على العبد أن يحدث لله تواضعا وإن الله قد أحدث إلينا وإليكم نعمة عظيمة الحديث
قال ولما أوقع الله تعالى بالمشركين يوم بدر واستاصل وجوههم قالوا إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها ليدفع إلينا من عنده من أتباع محمد فنقتلهم بمن قتل منا فأرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك إلى النجاشي ليدفع إليهما من عنده من المسلمين فأرسلوا معهما هدايا وتحفا للنجاشي فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمرى بكتاب يوصيه فيه على المسلمين انتهى وفي الأصل هنا ما يوافقه
وفيه أن عمرو بن امية الضمر لم يكن أسلم بعد أي لأنه كما في الأصل شهد بدر وأحدا مع المشركين وأول مشهد شهده مع المسلمين بئر معونة واسر في ذلك وجزت ناصيته واعتق وكان ذلك في سنة أربع كما سيأتي قال فلما وصل عمرو وعبد الله إلى النجاشي ردهما خائبين
أي فعن عمرو بن العاص قال دخلت على النجاشي فسجدت له فقال مرحبا بصديقى أهديت لي من بلادك شيئا فقلت نعم أيها الملك أهديت لك أدما كثيرا ثم قربته إليه فأعجبه وفرق منه اشياء بين بطارقته وأمر بسائره فأدخل في موضع وامر ان يكتب ويتحفظ به قال عمرو فلما رأيت طيب نفسه قلت أيها الملك إني رأيت رجلا خرج من عندك يعني عمرو بن أمية الضمرى وهو رسول عدو لنا وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فأقتله فغضب ثم رفع يده فضرب بها أنفى ضربة ظننت أنه قد كسره فجعلت أتقي الدم بثيابي وفي رواية ثم رفع يده فضرب بها أنف نفسه ظننت أنه قد كسر وقد يجمع بوقوع الأمرين منه وعند ذلك قال عمرو فأصابني من الذل ما لو إنشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ثم قلت أيها الملك لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتكه فقال يا عمرو تسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى والذي كان يأتي عيسى ابن مريم لتقتله قلت وتشهد أنت ايها الملك أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم

عليه وسلم أشهد بذلك عند الله يا عمرو فاطعني واتبعه فوالله إنه لعلى الحق قلت له افتبايعنى له على الإسلام قال نعم فمد يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى اصحابي وقد كساني فلما رأوا كسوة الملك سروا بذلك وقالوا هل من صاحبك قضاء لحاجتك يعنون قتل عمرو بن أمية الضمرى فقلت لهم كرهت أن أكلمه أول مرة وقلت أعود إليه قالوا الراي ما رايت وفارقتهم وهذا يدل على أنه كان معه ومع عبد الله جماعة آخرون من قريش ويحتمل أنه عنى بأصحابه عبد الله بن ربيعة ويؤيد الأول ما يأتي فاليتأمل
وكاني أعمد إلى حاجة فعمدت إلى موضع السفن فوجدت سفينة قد شحنت فركبت معهم ودفعوها من ساعتهم حتى إنتهوا إلى الشعبية وهو محل معروف كان مورد لجدة أي كان ترسى به السفن قبل وجود جدة كما تقدم فخرجت من السفينة فابتعت بعيرا وتوجهت إلى المدينة حتى إذا كنت بالهداة اسم محل إذا رجلان وهما خالد ابن الوليد وعثمان بن أبي طلحة فرحبا بي وإذا هما يريدان الذي اريد فتوجهنا إلى المدينة
فقد علمت ما في ارسال عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشي عقب وقعة بدر من أنه كان في ذلك الوقت كافرا لأنه شهد مع الكفار أحدا
ومن ثم قال في الأصل هنا فلما كان شهر ربيع الأول وقيل المحرم سنة سبع أي وقيل سنة ست حكاه ابن عبد البر عن الواقدي من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام وبعث به عمرو بن أمية الضمرى فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة ففعل وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه ويحملهم ففعل وقد تقدم القول عند ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة أن توجه عمرو بكتابى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم سنة سبع يدعوه في أحدهما إلى الإسلام والثاني في تزويجه عليه الصلاة والسلام أم حبيبة وقيل ارسال عمرو كان في شهر ربيع الأول منها وسيأتي ذكر كتابي النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي مع عمرو عند ذكر كتبه إلى الملوك هذا كله كلام الأصل فليتأمل ما فيه


ثم رأيت صاحب النور قال قد رأيت غير واحد صرح بأن النجاشي أسلم في السنة السابعة يعنون من الهجرة وهذا يعكر على تصديقه وإسلامه عند إرسال عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة أي عقب بدر حيث قال أنا أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما تقدم هذا كلامه
أي فكيف يكون إرسال عمرو بن أمية إلى النجاشي ليسلم وقد يجاب بأن المراد إظهار إسلامه اي بعث له عمرو بن أمية لأجل ان يظهر إسلامه ويعلن به بين قومه اي لأنه كان يخفي إسلامه عن قومه ولما بلغ قومه أنه اعترف بأن عيسى صلوات الله وسلامه عليه عبد الله ووافق جعفر بن أبي طالب على ذلك سخطوا وقالوا له أنت فارقت ديننا وأظهروا له المخاصمة فأرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فهيأ لهم سفنا وقال اركبوا فيها وكونوا كما أنتم فإن هربت فاذهبوا حيث شئتم وإن ظفرت فأقيموا ثم عمد إلى كتاب فكتب وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته القاها إلى مريم ثم جعله في ثيابه عند منكبه الأيمن وخرج إلى الحبشة وقد صفوا له فقال يا معشر الحبشة ألست أرفق الناس بكم قالوابلى قال فكيف رأيتم سيرتي فيكم قالوا خير سيرة قال فما لكم قالوا فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد قال فماذا تقولون أنتم في عيسى قالوا نقول هو ابن الله فقال لهم النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه وقال هو يشهد أن عيسى ابن مريم ولم يزد على هذا وإنما يعني ما كتب فرضوا منه ذلك
ويذكر أن عليا رضي الله عنه وجد ابن النجاشي عند تاجر بمكة فاشتراه منه وأعتقه مكافأة لما صنع أبوه مع المسلمين وكان يقال له نيزرمولى علي كرم الله وجهه
ويقال أن الحبشة لما بلغهم خبره أرسلوا وفدا منهم إليه ليملكوه ويتوجوه ولم يختلفوا عليه فأبى وقال ما كنت لأطلب الملك بعد أن من الله علي بالإسلام
على أن ابن الجوزي رحمه الله ذكر أن ذهاب عمرو بن العاص إلى النجاشي كان عند منصرفه مع قريش في غزوة الأحزاب أي لا عقب بدر
فعن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون مكاني ويسمعون مني فقلت لهم تعلمون والله أني لأرى أمر محمد يعلو لأمور علوا منكرا وإني قد رأيت رايا فما ترون فيه قالوا

وما رأيت قال أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا أن نكون تحت يدي محمدا وإن ظهر قومنا فنحن ممن قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير فقالوا إن هذا هو الرأي فقلت اجمعوا ما يهدي له وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا أدما كثيرا ثم خرجنا إليه فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمرى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن جعفر وأصحابه الحديث
وهذا لا يمنع أن يكون عمرو بن العاص وفد على النجاشي هو وعبد الله بن ربيعة عقب بدر فيكون وصول عمرو بن العاص على النجاشي كان ثلاث مرات مرة مع عمارة عقب مهاجرة من هاجر إلى الحبشة ومرة مع عبد الله بن ربيعة عقب بدر وهذه المرة الثالثة التي كانت عقب الأحزاب وإن إرسال عمرو بن أمية وإسلام عمرو بن العاص على يد النجاشي كان في هذه المرة الثالثة
وحينئذ لا يشكل ارسال عمرو بن أمية للنجاشي لأنه كان مسلما حينئذ فيكون ذكر مجىء عمرو بن أمية إلى النجاشي في المرة الثانية التي كانت عقب بدر اشتباه من بعض الرواة وكذا ذكر إسلام عمرو بن العاص على يد النجاشي في المرة الثانية من تخليط بعض الرواة
ثم رأيته في الامتاع قال وقد رويت قصة الهجرة إلى الحبشة وإسلام النجاشي من طرق عديدة مطولة ومختصرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل عمرو بن أمية الضمرى في أموره لأنه كان من رجال النجدة أي ومعلوم أنه كان لا يرسله إلا بعد إسلامه وإسلامه قد علمت أنه كان سنة أربع وفي الأصل أنه صلى الله عليه وسلم أرسله إلى مكة بهدية لأبي سفيان بن حرب
أي ولعل المراد بذلك ما حكاه بعض الصحابة قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح وقال لي التمس صاحبا قال فجاءني عمرو بن أمية فقال بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة وتلتمس صاحبا قلت أجل قال فأنا لك صاحب قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وجدت صاحبا فقال من قلت عمرو بن أمية الضمرى فقال إذا هبط بلاد قومه فاحذروه فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا تأمنه

وقد أسلم عبد الله ولده قبل ابيه عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال فيهما وفي أم عبد الله نعم البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله وكان صلى الله عليه وسلم يفضل عبد الله على أبيه لانه كان من عباد الصحابة وزهادهم وفضلائهم وعلمائهم ومن أكثرهم رواية
وذكر ابن مرزوق رحمه الله أن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما مر ببدر فإذا رجل يعذب ويئن فناداه يا عبد الله قال فالتفت إليه فقال اسقني فأردت أن أفعل فقال الأسود الموكل بتعذيبه لا تفعل يا عبد الله فإن هذا من المشركين الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني في الأوسط زاد السيوطي في الخصائص فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال أوقد رأيته قلت نعم قال ذاك عدو الله أبو جهل وذاك عذابه إلى يوم القيامة
وأخرج ابن ابي الدنيا والبيهقي عن الشعبي أن رجلا قال لنبي صلى الله عليه وسلم إني مررت ببدر فرايت رجلا يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حديد وفي لفظ بعمود حديد حتى يغيب في الأرض ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أبو جهل يعذب إلى يوم القيامة
ومما جاء في فضل من شهد بدرا أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال جبريل عليه السلام وكذلك من شهد بدرا من الملائكة وفي رواية إن للملائكة الذين شهدوا بدرا في السماء لفضلا على من تخلف منهم وجاء بعض الصحابة رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن ابن عمي نافق أي وقد كان من أهل بدر أتأذن لي ان أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وسلم إنه شهد بدرا وعسى أن يكفر عنه وفي رواية وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدرا وقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
قال وفي الطبراني بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع الله على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أو قال فقد وجبت لكم الجنة أي غفرت لكم ما مضى وما سيقع من الذنوب أي وهو يفيد أن ما يقع مهم من الكبائر لا يحتاجون إلى التوبة عنه لأنه إذا وقع يقع مغفورا

وعبر فيه بالماضي مبالغة في تحققه وهذا كما لا يخفى بالنسبة للآخرة لا بالنسبة لأحكام الدنيا ومن ثم لما شرب قدامة بن مظعون الخمرة في أيام عمر جلده وكان بدريا
أي وقد يقال هذا يقتضي وجوب التوبة في الدنيا فإذا لم تقع لا يؤاخذ بذلك في الآخرة لأن وجوب التوبة من أحكام الدنيا
لا يقال إذا سلم أن الذنب إذا وقع منهم يقع مغفورا لا معنى لوجوب التوبة وإنما حد عمر رضي الله تعالى عنه قدامة زجرا عن شرب الخمر لأنا نقول بل لوجوب التوبة في الدنيا معنى وإن كان الذنب إذا وقع يقع مغفورا لأن المراد بذلك عدم المؤاخذة في الآخرة وذلك لا ينافي وجوب التوبة عنه في الدنيا لأنه لا تلازم بين وجوب التوبة في الدنيا وبين غفران الذنب في الآخرة
هذا وفي الخصائص الصغرى نقلا عن شرح جمع الجوامع أن الصحابة كلهم لا يفسقون بارتكاب ما يفسق به غيرهم وقدامة هذا كان متزوجا أخت عمر رضي الله تعالى عنه وكان عمر متزوجا بأخت قدامة وهي أم حفصة رضي الله تعالى عنها فكان خالا لحفصة ولأخيها عبد الله وكان عاملا لعمر في بعض النواحي أي البحرين فقدم الجارود سعد بن عبد القيس على عمر من البحرين وكان قدامة واليا عليها فأخبر عمر أن قدامة سكر قال وإني رايت حدا من حدود الله حق على ان أرفعه إليك فقال له عمر من يشهد معك قال أبو هريرة فشهد أبو هريرة رضي الله عنه أنه رآه سكران أي قال لم أره يشرب ولكني رأيته سكران يقيء فأحضر قدامة فقال له الجارود أقم عليه الحد فقال له عمر رضي الله عنه أخصم أنت أم شاهد فصمت ثم عاوده فقال له عمر رضي الله عنه لتمسكن أو لأسوءنك فقال ليس في الحق وفي لفظ أما والله ما ذلك بالحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني فأرسل عمر رضي الله عنه إلى زوجة قدامة أي بعد أن قال له ابو هريرة رضي الله عنه إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنه الوليد يعني زوجته فجاءت فشهدت على زوجتها بأنه سكر فقال عمر لقدامة أريد أن أحدك فقال ليس لك ذلك لقول الله عز وجل { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } فقال له عمر أخطأت التأويل فإن بقية الآية { إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات } فإنك إن اتقيت اجتنبت ما حرم الله تعالى عليك ثم أمر به فحد فغاضبه قدامة ثم حجا جميعا ففي يوم استيقظ عمر رضي الله تعالى عنه من نومه

فزعا فقال عجلوا بقدامة أتاني آت فقال صالح قدامة فإنه أخوك فاصطلحا
أي وقد احتح بهذه الآية ايضا جمع من الصاحبة شربوا الخمر وهم أبو جندل وضرار بن الخطاب وأبو الأزور فأراد أبو عبيدة رضي الله عنه وهو وال في الشام أن يحدهم فقال أبو جندل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما أتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك وقال خصمني أبو جندل بهذه الآية فكتب عمر لأبي عبيدة إن الذي زين لأبي جندل الخطيئة زين له الخصومة فاحددهم فلما أراد أبو عبيدة أن يحدهم قال أبو الأزور في لأبي عبيدة دعنا نلقى العدو غدا فإن قتلنا فذاك وإن رجعنا إليكم فحدونا فلقوا العدو فاستشهد أبو الأزور وحد الآخران
وفي حواشي البخاري للحافظ الدمياطي أن نعيمان كان ممن شهد بدرا وسائر المشاهد وأتى في شربه الخمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحده أربعا أو خمسا أي من المرات فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يشرب وأكثر ما يحد فقال عليه الصلاة والسلام لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ولعل هذا التعليل لا ينظر لمفهومه
وعند الإمام أحمد رحمه الله عن حفصة رضي الله تعالى عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأرجو أن لا يدخل النار احد إن شاء الله تعالى ش شهد بدرا والحديبية ولعل الواو بمعنى أو ويدل لذلك ما في بعض الروايات عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة
ولا ينافي ما في مسلم والترمذي عن جابر أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا إليه فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية لأنه يجوز أن يكون ذلك لكونه أي الجمع بين بدر والحديبية هو الواقع لحاطب
وفي الطبراني عن رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر والذي نفسي بيده لو ان مولودا ولد في فقه أربعين سنة من أهل الدين يعمل بطاعة الله تعالى كلها ويجتنب معاصي الله كلها إلى أن يرد إلى أرذل العمر أو يرد إلى أن لا يعلم بعد علم شيئا لم يبلغ أحدكم هذه الليلة


وكان صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر ويقدمهم على غيرهم ومن ثم جاء جماعة من أهل بدر للنبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في صفة ضيقه ومعه جماعة من أصحابه فوقفوا بعد أن سلموا ليفسح لهم القوم فلم يفعلوا فشق قيامهم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن لم يكن من أهل بدر من الجالسين قم يا فلان قم يا فلان بعدد الواقفين فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهة في وجه من أقامه فقال رحم الله رجلايفسح لأخيه فنزل قوله تعال { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا } الأية فجعلوا يقومون لهم بعد ذلك أى ولعل المراد يجلسونهم مكانهم
وفي الخصائص الصغرى وخص أهل بدر من أصحابه صلى الله عليه وسلم بأن يزادوا في الجنازه على أربع تكبيرات تمييزا لهم لفضلهم
وقد ذكر أن عمر بن عبد العزيز بن مروان كان يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله ليسمع منه فبلغ عبيد الله أن عمر ينتقص عليا رضي الله تعال عنه فأتاه عمر فأعرض عبيد الله عنه وقام ليصلى فجلس عمر ينتظره فلما سلم أقبل عليه وقال له متى بلغك أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ففهمها عمر وقال معذر إلى الله وإليك والله لا أعود فما سمع بعد ذلك يذكر عليا كرم الله وجهه إلا بخير

غزوة بني سليم

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينه من بدر لم يقم إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم
أي وفي رواية أبي داود أن استخلاف ابن أم مكتوم إنما كان على الصلاة بالمدينة دون القضايا والاحكام فإن الضريرا لا يجوز له ان يحكم بين الناس لانه لا يدرك الاشخاص ولا يثبت الاعيان ولا يدري لمن يحكم ولا على من يحكم أى فأمر القضايا والاحكام يجوز أن يكون فرضه صلى الله عليه وسلم لسباع فلا مخالفة فلما بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر أى وقيل لهذا الماء الكدر لان به طيرا في ألوانها كدرة فأقام صلى الله عليه وسلم على ذلك ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا أي وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم أبيض حمله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه

وكان في تلك السنة تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما أي عقد عليها في رمضان وقيل في رجب ودخل بها في ذي الحجة وقيل بعد أن تزوجها بنى بها بعد سبعة أشهر ونصف أي فيكون عقد عليها في أول جمادى الأولى وكان عمرها خمس عشرة سنة وكان سن علي يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر أي وأولم عليها بكبش من عند سعد وآصع من ذرة من عند جماعة من الأنصار ولما خطبها علي قال صلى الله عليه وسلم إن عليا يخطبك فسكتت أي وفي رواية قال لها أي بنيه إن ابن عمك عليا قد خطبك فماذا تقولين فبكت ثم قالت كأنك يا أبت إنما ادخرتني لفقير قريش فقال صلى الله عليه وسلم والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى اذن لي الله فيه من السماء فقالت فاطمة رضي الله عنها رضيت بما رضي الله ورسوله
وقد كان خطبها ابو بكر ثم عمر فسكت صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال لكل انتظر بها القضاء فجاءا اي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى علي كرم الله وجهه يأمرانه أن يخطبها قال علي فنبهاني لأمر كنت عنه غافلا فجئته صلى الله عليه وسلم فقلت تزوجني فاطمة قال وعندك شيء قلت فرسي وبدني أي درعي قال أما فرسك فلا بد لك منها وأما بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما فجئته صلى الله عليه وسلم بها فوضعها في حجره فقبض منها قبضة فقال أي بلال ابتع لنا بها طيبا
وفي رواية لما خطبها قال له صلى الله عليه وسلم ما تصدقها وفي لفظ هل عندك شيء تستحلها به قال ليس عندي شيء قال فاين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا قال عندي فباعها من عثمان بن عفان بأربعمائة مائة وثمانين درهما ثم أن عثمان رضي الله عنه رد الدرع إلى علي كرم الله وجهه فجاء علي بالدرع والدراهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لعثمان بدعوات
وفي فتاوي الجلال السيوطي أنه سئل هل لصحة ما قيل إن عثمان بن عفان رأى درع علي رضي الله عنها يباع بأربع مائة درهم ليلة عرسه على فاطمة رضي الله عنها فقال عثمان هذا درع علي فارس الإسلام لا يباع أبدا فدفع لغلام على أربعمائة درهم وأقسم أن لا يخبره بذلك ورد الدرع معه فلما أصبح عثمان وجد في داره أربع مائة كيس في كل كيس أربع مائة درهم مكتوب على كل درهم هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفان فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال هنيئا لك يا عثمان


وفيها أيضا أن عليا خرج ليبيع إزار فاطمة ليأكل بثمنه فباعه بستة دراهم فسأله سائل فاعطاه إياه فجاء جبريل في صورة أعرابي ومعه ناقة فقال يا أبا الحسن اشتر هذه الناقة قال ما معي ثمنها قال إلى اجل فاشتراها بمائة ثم عرض له ميكائيل في صورة رجل في طريقه فقال أتبيع هذه الناقة قال نعم بكم اشتريتها قال بمائة قال آخذها بمائة ولك من الربح ستون فباعها له فعرض له جبريل فقال بعت الناقة قال نعم قا ل ادفع إلي ديني فدفع له مائة ورجع بستين فقالت له فاطمة من أين لك هذا قال ضاربت مع الله بستة فأعطاني ستين ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ذلك فقال البائع جبريل والمشتري ميكائيل والناقة لفاطمة تركبها يوم القيامة له أصل أم لا
فأجاب عن ذلك كله بأنه لم يصح وهي تصدق بان ذلك لم يرد فهو من الكذب الموضوع ولما اراد صلى الله عليه وسلم أن يعقد خطب خطبة منها الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بحكمته ثم إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا وصهر وكان ربك قديرا ثم أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي على أربع مائة مثقال فضة أرضيت يا علي قال رضيت بعد أن خطب علي كرم الله وجهه ايضا خطبة منها الحمد لله شكرا لأنعمه وأياديه وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه اي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال يا علي اخطب لنفسك فقال علي الحمد لله الذي لا يموت وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنته فاطمة على صداق مبلغه أربع مائة درهم فاسمعوا ما يقول واشهدوا قالوا ما تقول يا رسول الله قال أشهدكم أني قد زوجته كذا رواه ابن عساكر قال الحافظ ابن كثير وهذا خبر منكر وقد ورد في هذا الفصل أحاديث كثيرة منكرة وموضوعة أضربنا عنها
ولما تم العقد دعا صلى الله عليه وسلم ب ط بطبق بسر فوضع بين يديه ثم قال للحاضرين انتبهوا وقول علي كرم الله وجهه نبهاني لأمر كنت عنه غافلا لا ينافي ما روي عن اسماء بنت عميس أنها قالت قيل لعلى ألا تتزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لي صفراء ولا بيضاء ولست بمأبور بالباء الموحدة يعني غير الصحيح الدين ولا المتهم في الإسلام أي لا اخشى الفاحشة إذا لم أتزوج وليلة بنى بها قال صلى الله عليه وسلم

لعلي لا تحدث شيئا حتى تلقانى فجاءت بها أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وعلي في جانب أخر وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لفاطمه ائتيني بماء فقامت تعثر في ثوبها وفي لفظ في مرطها من الحياء فأتته بقعب فيه ماء فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومج فيه ثم قال لها تقدمي فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال ائتوني بماء فقال علي كرم الله وجهه فعلمت الذي يريد فقمت وملأت القعب فأتيته به فأخذه فمج فيه وصنع بي كما صنع بفاطمة ودعا لي بما دعا لها به ثم قال اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شملهما أى الجماع وتلا قل هو الله احد والمعوذتين ثم قال أدخل بأهلك باسم الله والبركه وكان فراشها إهاب كبش أى جلده وكان لهما قطيفة إذا جعلاها بالطول انكشفت ظهورهما وإذا جعلاها بالعرض إنكشفت رؤوسهما
ثم مكث صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام لا يدخل على فاطمة وفي اليوم الرابع دخل عليهما في غداة باردة وهما في تلك القطيفة فقال لهما كما أنتما وجلس عند رأسهما ثم أدخل قدميه وساقيه بينهما فأخذ على كرم الله وجهه إحداهما فوضعها على صدره وبطنه ليدفئها وأخذت فاطمة رضي الله عنها الأخرى فوضعتها كذلك
وقالت له في بعض الأيام يا رسول الله ما لنا فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه نا ضحنا بالنهار فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنية اصبري فإن موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام أقام مع إمرأته عشر سنين ليس لهم إلا عباءة قطوانية أى وهي نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة أى ولعل العباءة التي كانت تجب من ذلك الموضع كانت صفيقة وعن علي رضي الله تعالى عنه لم يكن لي خادم غيرها
وعنه رضي الله تعالى عنه لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألف دينار ولعل المراد في السنة
قال الإمام أحمد بن حنبل ما ورد لأحد من الصحابة ما ورد لعلي رضي الله تعالى عنه أى من ثنائه صلى الله عليه وسلم
وسبب ذلك أنه كثرت أعداؤه والطاعون عليه من الخوارج وغيرهم فاضطر لذلك الصحابة أن يظهر كل منهم من فضله ما حفظه ردا على الخوارج وغيرهم

وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما ما نزل في أحد من الصحابة من كتاب الله ما نزل في علي نزل في على ثلاثمائة آية
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل ما تكلمت به في التفسيرفإنما أخذته عن علي كرم الله وجهه
ومن كلماته البديعة الوجيزة لا يخافن أحد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ولا يستحي من لايعلم أن يتعلم ولا من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله اعلم ما أبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن اقول الله أعلم
ومن ذلك العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم ويخالف علمهم عملهم يجلسون حلقا فيبا هي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم من مجالسهم تلك إلى الله
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي يهلك فيك رجلان محب مطر وكذاب مفتر مكره لك يأتي بالكذب المفترى وقال له يا علي ستفترق أمتي فيك كما افترقت في عيسى ابن مريم وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا بنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن ابي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما ارابها ويؤذيني ما آذاها

غزوة بني قينقاع

بضم النون وقيل بكسرها أي وقيل بفتحها فهي مثلثة النون والضم أشهر قوم من اليهود وكانوا أشجع يهود وكانوا صاغة وكانوا حلفاء عبادة بن الصامت رضي الله عنه وعبدالله بن ابي ابن سلول فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد أى لأنه صلى الله عليه وسلم كان عاهدهم وعاهد بني قريظة وبني النضير أن لا يحاربوه وأن لا يظاهروا عليه عدوه
وقيل على ان لا يكونوا معه ولا عليه وقيل على أن ينصروه صلى الله عليه وسلم على من

دهمه من عدوه أى كما تقدم فهم أول من غدر من يهود فإنه مع ما هم عليه من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت إ مرأة من العرب بجلب لها أى وهو ما يجلب ليباع من إبل وغنم وغيرها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ منهم أى وفي الامتاع أن المرأة كانت زوجة لبعض الانصار أى ومعلوم أن الانصار كانوا بالمدينة أى وقد يقال لا مخالفة لجواز ان تكون زوجة بعض الانصار من الأعراب وأنها جاءت بجلب لها فجعلوا أى جماعة منهم يراودونها عن كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها قال وفي رواية خله بشوكة وهي لا تشعر فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون أى وتقدم وقوع مثل ذلك وأنه كان سببا لوقوع حرب الفجار الأول
ولما غضب المسلمون على بني قينقاع أى وقال لهم صلى الله عليه وسلم ما على هذا أقررناهم تبرأ عبادة بن الصامت رضي الله عنه من حلفهم أى قال يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وتشبث به عبدالله بن أبي أبن سلول أى لم يتبرأمن حلفهم كما تبرأمنه عبادة الصامت أى وفيه نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى قوله تعالى { فإن حزب الله هم الغالبون } فجمعهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة اى ببدر واسلموا فإنكم قد عرفتم أني مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله تعالى إليكم قالوا يا محمد إنك ترى أنا قومك أى تظننا أنا قومك قومك ولا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة إنا والله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس وفي لفظ لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا أى لأنهم كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالا وأشدهم بغيا فأنزل الله تعالى { قل للذين كفروا ستغلبون } الأية أى وأنزل الله { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } الآية فتحصنوا في حصونهم فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولواؤه وكان ابيض بيد عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قال ابن سعد ولم تكن الرايات يومئذ يومئذ
وقد قدمنا أن هذا يرده ما تقدم في ضمن غزاة بدر من أنه كان أمامه رايتان سوداوان إحداهما مع علي ويقال لها العقاب ولعلها سميت بذلك في مقابلة الراية التي كانت في الجاهلية

تسمى بهذا الاسم ويقال لها راية الرؤساء لأنه كان لا يحملها في الحرب إلا رئيس وكانت في زمنه صلى الله عليه وسلم مختصة لأبي سفيان رضي الله عنه لا يحملها في الحرب إلا هو أو رئيس مثله إذا غاب كما في يوم بدر والأخرى مع بعض الأنصار وسيأتي في خيبر أن العقاب كان قطعة من برد لعائشة رضي الله عنها
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة وحاصرهم خمس عشرة ليلة اشد الحصار لأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في نصف شوال واستمر إلى هلال ذي القعدة الحرام فقذف الله في قلوبهم الرعب وكانوا أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيلهم وأن يجلو من المدينة اي يخرجوا منها وأن لهم نساءهم والذرية وله صلى الله عليه وسلم الأموال أي ومنها الحلقة التي هي السلاح والظاهر من كلامهم أنه لم يكن لهم نخيل ولا أرض تزرع وخمست أموالهم أي مع كونها فيئاله صلى الله عليه وسلم ولأنها لم تحصل بقتال ولا جلوا عنها قبل التقاء الصفين فكان له صلى الله عليه وسلم الخمس ولأصحابه الأربعة الأخماس
أقول ولا يخفى أن من جملة اموالهم دورهم ولم أقف على نقل صريح دال على ما فعل بها وعلم أنه صلى الله عليه وسلم جعل هذاالفيء كالغنيمة ومذهبنا معاشر الشافعية أن الفيء المقابل للغنيمة كالواقع في هذه الغزوة وغزوة بني النضير الآتية كان في زمنه صلى الله عليه وسلم يقسم خمسة اقسام له صلى الله عليه وسلم أربعة منها والقسم الخامس يقسم خمسة أقسام له صلى الله عليه وسلم منها قسم فيكون له أربعة اخماس وخمس الخمس والأربعة الأخماس الباقية من الخمس منها واحد لذوي القربى وآخر لليتامى وآخر للمساكين وآخر لابن السبيل فجميع ما مال الفيء مقسوم على خمسة وعشرين سهما منها أحد وعشرون سهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم واربعة اسهم لأربعة اصناف هم ذو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ولعل إمامنا الشافعي رضي الله عنه راى أن ذلك كان اكثر أحواله صلى الله عليه وسلم وإلا فهو هنا وفي بني النضير كما سيأتي لم يفعل ذلك بل خمسه هنا ثم استقل به أي لم يعط الجيش منه وقد جعل صلى الله عليه وسلم ذوي القربى بين بني هاشم أي وبنات هاشم وبني أي وبنات المطلب دون بني أخويهما عبد شمس ونوفل مع أن الأربعة أولاد عبد مناف كما تقدم
ولما فعل ذلك جاء إليه صلى الله عليه وسلم جبير بن مطعم من بني نوفل وعثمان بن عفان

من بني عبد شمس فقالا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وفي لفظ ومنعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة وفي رواية أن بني هاشم شرفوا بمكانك منهم وبنوا المطلب ونحن ندلي إليك بنسب واحد ودرجة واحدة فبما فضلتهم علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه زاد في رواية أنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا في إسلام أي لأن الصحيفة إنما كتبت على يد بني هاشم والمطلب لأنهم هم الذين قاموا دونه صلى الله عليه وسلم ودخلوا الشعب وبعده صلى الله عليه وسلم صار الفيء أربعة أخماس للمرتزقة المرصدة للجهاد وخمس الخمس الخامس لمصالح المسلمين والخمس الثاني منه لذوي القربى والخمس الثالث منه لليتامى والخمس الرابع منه للمساكين والخمس الباقي منه لابن السبيل
ثم لا يخفى أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان مع الجيش وغنم شيء بقتال أو إيجاف خيل أو جلا عنه أهله بعد التقاء الصفين كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن يختار من ذلك قبل قسمته ويقال لهذا الذي يختاره الصفي والصفية كما تقدم
أقول وتقدم عن الإمتاع عن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما خلافه وتقدم هل صفيه صلى الله عليه وسلم كان محسوبا عليه من سهمه أولا قيل نعم وقيل كان خارجا عنه وتقدم الجواب عن ذلك في غزاة بدر أن هذا الخلاف لا ينافي الجزم ثم بأنه كان زائدا على سهمه صلى الله عليه وسلم لان ذلك قبل نزول آية تخميس الغنيمة فكان سهمه صلى الله عليه وسلم كسهم واحد من الجيش فصفيه يكون زائدا على ذلك
وأما سهمه صلى الله عليه وسلم بعد نزول آية التخميس للغنيمة فهو خمس الغنيمة فيجري فيما يأخذه قبل القسمة الخلاف هل يكون زائدا على ذلك الخمس أو يكون محسوبا منه فلا مخالفة بين إجراء الخلاف والجزم والله أعلم
وقيل لما نزلت بنو قينقاع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتفوا فكتفوا فاراد قتلهم فكلمه فيهم عبد الله بن أبي ابن سلول وألح عليه أي فقال يا محمد أحسن في موالي فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه أي وتلك الدرع هي ذات الفضول فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم

ويحك أرسلني وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه سمرة لشدة غضبه ثم قال ويحك أرسلني فقال والله لا ارسلك حتى تحسن في موالي فإنهم عترتي وأنا امرؤ أخشى الدوائر فقال صلى الله عليه وسلم خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم وتركهم من القتل أي وقال له خذهم لا بارك الله لك فيهم وأمر صلى الله عليه وسلم أن يجلوا من المدينة اي ووكل بإجلائهم عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه وأمهلهم ثلاثة ايام فجلو منها بعد ثلاث أي بعد أن سالوا عبادة بن الصامت أن يمهلهم فوق الثلاث فقال لا ولا ساعة واحدة وتولى إخراجهم وذهبوا إلى اذرعات بلدة بالشام أي ولم يدر الحول عليهم حتى هلكوا أجمعون بدعوته صلى الله عليه وسلم في قوله لابن أبي لا بارك الله لك فيهم
ويذكر أن ابن أبي قبل خروجهم جاء إلى منزله صلى الله عليه وسلم يسأله في إقرارهم فحجب عنه فأراد الدخول فدفعه بعض الصحابة فصدم وجهه الحائط فشجه فانصرف مغضبا فقال بنو قينقاع لا نمكث في بلد يفعل فيه بابي الحباب هذا ولا ننتصر له وتأهبوا للجلاء قال وقيل الذي تولى إخراجهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه أي ولا مانع أن يكونا أي عبادة بن الصامت ومحمد بن مسلمة اشتركا في إخراجهم
ووجد صلى الله عليه وسلم في منازلهم سلاحا كثيرا أي لأنهم كما تقدم أكثر يهود اموالا واشدهم بأسا واخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسى قوسا يدعى الكتوم أي لا يسمع له صوت إذا رمي به وهو الذي رمى به صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى تشظى بالظاء المشالة كما سيأتي ما فيه وقوسا يدعى الروحاء وقوسا يدعى البيضاء واخذ درعين درعا يقال له السغدية أي بسين مهملة وغين معجمة ويقال إنها درع داوود التي لبسها صلى الله عليه وسلم حين قتل جالوت والأخرى يقال لها فضة وثلاث أرماح وثلاثة اسياف سيف يقال له قلعى وسيف يقال له بتار والآخر لم يسم إنتهى أي وسماه بعضهم بالحيف ووهب صلى الله عليه وسلم درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا لسعد بن معاذ رضي الله عنهما والله تعالى اعلم

غزوة السويق

لما أصاب قريشا في بدر ما أصابهم نذر أبو سفيان أن لا يمس رأسه ماء من جنابة أى لا يأتي النساء ولعل هذه العبارة وهي لا يمس رأسه من جنابة وقعت من بعض الصحابة مراده بها ما ذكر من انه لا ياتي النساء ويؤيده ما جاء في بعض الروايات لا يمس النساء والطيب حتى يغزو محمدا او أن ذلك قاله أبو سفيان بناء على أنهم كانوا يغتسلون من الجنابة
ومن ثم ذكر الدميري أن الحكمة في عدم بيان الغسل في آية الوضوء كون الغسل من الجنابة كان معلوما قبل الاسلام بقية من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام فهو من الشرائع القديمة
وفي كلام بعضهم كانوا في الجاهلية يغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم ويكفنونهم ويصلون عليهم وهو أن يقوم وليه بعد أن يوضع على سريره ويذكر محاسنه ويثني عليه ثم يقول عليك رحمة الله ثم يدفن
وما ذكره الدميري تبع فيه السهيلي حيث قال إن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية بقية من دين إبراهيم وإسماعيل كما بقي فيهم الحج والنكاح فكان الحدث الاكبر معروفا عندهم ولذلك قال تعال { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فلم يحتاجوا إلى تفسيره وأما الحدث الاصغر فلما لم يكن معروفا عندهم قبل الاسلام لم يقل وإن كنتم محدثين فتوضئوا بل قال فاغسلوا الآية الاية
فخرج ابو سفيان في مائتي راكب من قريش ليبر بيمينه حتى نزل بمحل بينه وبين المدينة نحو بريد ثم اتى لبني النضير أى وهم حي من يهود خيبر ينسبون إلى هارون أخي موسى بن عمران عليهما الصلاة والسلام تحت الليل فأتى حيي بن أخطب أى وهومن رؤساء بني النضير وهو أبو صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له لأنه خافه فانصرف عنه وجاء إلى سلام بن مشكم سيد بني النضير أى وصاحب كنزهم أى المال الذى كانوا يجمعونه ويدخرونه لنوائبهم وما يعرض لهم أى وكان حليا يعيرونه لأهل مكة فاستأذن عليه فأذن له واجتمع به ثم خرج إلى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية من المدينة فحرقوا فخلا منها ووجدوا رجلا

من الانصار قال في الامتاع وهذا الانصاري هو معبد بن عمرو وحليفا لهم فقتلوهماثم انصرفوا راجعين فعلم بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طلبهم فى مائتين من المهاجرين والانصار أى واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة بشير ابن عبد المنذر وكان خروجه لخمس خلون من ذى الحجه
وجعل أبو سفيان وأصحابه يخففون للهرب أى لاجله فجعلوايلقون جرب السويق أى وهو قمح وشعير يقلى ثم يطحن ليسف تارة بماء وتارة بسمن وتارة بعسل وسمن وهو عامه أزوادهم فيأخذه المسلمون ولم يلحقو بهم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة وكانت غيبته خمسة أيام

غزوة قرقرة الكدر

ويقال قرقرة الكدر ويقال قراقر فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من بنى سليم وغطفان بقرقرة الكدر اى لعله بلغه أنهم يريدون الإغارة على المدينة بعد أن غزاهم صلى الله عليه وسلم كما تقدم وقرقرة الكدر ارض ملساء فيها طيور في ألوانها كدرة عرف بهاذلك الموضع كما تقدم ان الماء الذي بأرضهم الذى بلغه صلى الله عليه وسلم ولم يجد به أحدامنهم يسمى الكدر لوجود ذلك الطير به فسار إليهم في مائتين من أصحابه وحمل لواء علي بن أبي طالب واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وتقدم فى تلك أنه استخلف على المدينة سباع بن عرفطة أو ابن أم مكتوم وتقدم ما فيه فلما سار إليه أى إلى ذلك الموضع لم يجد به أحدا وأرسل نفر من أصحابه إلى أعلى الوادي واستقبلهم فى بطن الوادي فوجد خمسمائة بعير مع رعاة منهم غلام يقال له يسار فحازوها وانحدروابها إلى المدينة فلما كانوا بمحل على ثلاثة أميال من المدينة خمسها صلى الله عليه وسلم فأخرج خمسة وقسم الاربعة الأخماس على أصحابه فخص كل رجل منهم بعيران ووقع يسار في سهمه صلى الله عليه وسلم فأعتقه صلى الله عليه وسلم لأنه رآه يصلى أى وقد أسلم وتعلم الصلاة من المسلمين بعد أسره أى وفى كون هذا غنيمة حيث قسمه كذلك وقفة
وكانت مدة غيبته صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة فعلم أنه صلى الله عليه وسلم

غزا بني سليم وأنه وصل الى ماء من مياههم يقال له الكدر لوجود ذلك الطير به وأنه استعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم وهنا وقع الجزم بالثاني وأن الأولى لم يذكر أنه وجد فيها شيئا من النعم
وظاهر هذا يدل على التعدد وجرى عليه الأصل أي وحينئذ تكون تلك الطيور توجد في ذلك الماء وفي تلك الأرض فعلى هذا يكون صلى الله عليه وسلم غزا بني سليم مرتين مرة وصل فيها لذلك الماء ولم يجد شيئا من النعم ومرة وصل فيها لتلك الأرض ووجد بها تلك النعم ولم أقف على أن محل ذلك الماء سابق على تلك الأرض أو أن تلك الأرض سابقة على محل ذلك الماء
وفي السيرة الشامية أن غزوة بني سليم هي غزوة قرقرة الكدر فعليه يكون إنما غزا بني سليم مرة واحدة أي وحينئذ يكون الماء الذي كان به ذلك الطير كان في تلك الأرض الملساء أو قريبا منها فليتأمل والحافظ الدمياطي جعل غزوة بني سليم هي غزوة بحران الآتية وسنذكرها

غزوة ذي أمر

بتشديد الراء اسم ماء أي وسماها الحاكم غزوة أنمار ويقال أنها غزوة غطفان
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا يقال له دعثور بضم الدال وإسكان العين المهملتين ثم مثلثة مضمومة ابن الحارث أي الغطفاني من بني محارب جمع جمعا من ثعلبة ومحارب بذى أمر أي وهو موضع من ديار غطفان أي ولعل به ذلك الماء المسمى بما ذكر كما تقدم يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلا لاثنتين عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول واستخلف على المدينة عثمان بن عفان وأصاب أصحابه رجلا منهم أي يقال له جبار وقيل حباب بكسر الحاء المهملة وبالباء الموحدة من بني ثعلبة فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم أي وقال له لن يلاقوك ولو سمعوا بمسيرك إليهم هربوا في رءوس الجبال وأنا سائر معك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام فأسلم وضمه صلى الله عليه وسلم إلى بلال أي وأخذ به ذلك الرجل طريقا وهبط به عليهم فسمعوا بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهربوا في رءوس الجبال أي فبلغوا ماء

يقال له ذو أمر فعسكر به صلى الله عليه وسلم وأصابهم مطر أي كثير بل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثياب أصحابه فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه ونشرهما على شجرة ليجفا واضطجع أي بمرأى من المشركين واشتغل المسلمون في شئونهم فبعث المشركون دعثورا الذي هو سيد القوم وأشجعهم المجمع لهم أي فقالوا له قد انفرد محمد فعليك به أي وفي لفظ أنه لما رآه قال قتلني الله ان لم أقتل محمدا فجاء دعثور ومعه سيفه حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من يمنعك مني اليوم وفي رواية الآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده أي بعد وقوعه على ظهره فأخذ السيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك مني قال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وفي رواية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم أتى قومه أي بعد أن أعطاه صلى الله عليه وسلم سيفه فجعل يدعوهم الى الاسلام وأخبرهم أنه رأى رجلا طويلا دفع في صدره فوقع على ظهره فقال علمت أنه ملك فأسلمت ونزلت هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ) الآية ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق حربا وكانت مدة غيبته إحدى عشرة ليلة

غزوة بحران

بفتح الموحدة وتضم وسكون الحاء المهملة وعبر عنها الحافظ الدمياطي بغزوة بني سليم كما تقدم
لما بلغه صلى الله عليه وسلم أن ببحران موضع بالحجاز معروف بينه وبين المدينة ثمانية برد جمعا كثيرا من بني سليم خرج في ثلثمائة من أصحابه لست خلون من جمادى الأولى واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أي ولم يظهر وجها للسير وأحث السير حتى بلغ بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم أي وكان صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل الى ذلك بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبره أن القوم تفرقوا فحبسه مع رجل وسار إلى أن وجدهم كذلك فأطلق الرجل وأقام بذلك المحل أياما ثم رجع ولم يلق حربا وكانت غيبته عشر ليال


وعلى مقتضى هذا السياق تبعا للأصل يكون غزا بني سليم ثلاث مرات مرة عقب بدر وهذه الغزوة وغزوة ذي أمر كانتا في السنة الثالثة من الهجرة
وفي تلك السنة التي هي الثالثة عقد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أختها رقية وتقدم وقت موتها
وعقد صلى الله عليه وسلم على حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وذلك في شعبان لما انقضت عدة وفاة زوجها خنيس بن حذيفة من شهداء بدر بعد أن عرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه لشيء وعرضها على عثمان فلم يجبه لشيء فقال عمر يا رسول الله قد عرضت حفصة على عثمان فأعرض عني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد زوج عثمان خيرا من ابنتك وزوج ابنتك خيرا من عثمان فتزوج عثمان أم كلثوم وتزوج صلى الله عليه وسلم حفصة
وتزوج أيضا صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة في رمضان وتزوج زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب في تلك السنة
وقيل تزوجها في السنة الرابعة وصححها في الأصل وقيل في الخامسة وكان اسمها برة بفتح الموحدة واسم أمها برة بضمها فغير صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها زينب وقال لها صلى الله عليه وسلم لو كان أبوك مسلما لسميناه باسم رجل منا ولكن قد سميته جحشا أي والجحش في اللغة السيد
وقد كان صلى الله عليه وسلم جاء إليها ليخطبها لمولاه زيد بن حارثة فقالت لست بناكحته قال بل فانكحيه قالت يا رسول الله أؤامر أي أشاور نفسي فإني خير منه حسبا فأنزل الله تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الآية فقالت عند ذلك رضيت
وفي رواية أنها وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها عبده فنزلت الآية
أي وعن مقاتل أن زيد بن حارثة لما أراد أن يتزوج زينب جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أخطب على قال له من قال زينب بنت جحش فقال له لا أراها تفعل إنها أكرم من ذلك نسبا فقال يا رسول الله إذا كلمتها أنت وقلت زيد أكرم الناس على فعلت قال إنها امرأة لسناء أي فصيحة والمراد لسانها

طويل فذهب زيد إلى علي رضي الله تعالى عنه فحمله على أن يكلم له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق معه علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال إني فاعل ذلك ومرسلك يا علي إلى أهلها لتكلمهم ففعل ثم عاد فأخبره بكراهتها وكراهة أخيها لذلك فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يقول قد رضيته لكم وأقضي أن تنكحوه فانكحوه وساق إليهم عشرة دنانير وستين درهما ودرعا وخمارا وملحفة وإزارا وخمسين مدا من الطعام وعشرة أمداد من التمر أعطاه ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك جاء صلى الله عليه وسلم بيت زيد يطلبه فلم يجده فتقدمت إليه زينب فأعرض عنها فقالت له ليس هو هنا يا رسول الله فادخل فأبى أن يدخل وأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأن الريح رفعت الستر فنظر إليها من غير قصد فوقعت في نفسه صلى الله عليه وسلم فرجع وهو يقول سبحان مصرف القلوب وفي رواية مقلب القلوب وسمعته زينب يقول ذلك فلما جاء زيد أخبرته الخبر فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها لك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك اليوم أي فلم يستطع أن يغشاها من حين رآها صلى الله عليه وسلم إلى أن طلقها
فعنها رضي الله تعالى عنها لما وقعت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطعني زيد وما امتنعت منه وصرف الله تعالى قلبه عني وجاءه يوما وقال له يا رسول الله إن زينب اشتد على لسانها وأنا أريد أن أطلقها فقال له اتق الله وامسك عليك زوجك فقال استطالت على فقال له إذن طلقها فطلقها فلما انقضت عدتها ارسل زيدا لها فقال له اذهب فاذكرها علي فانطلق قال فلما رأيتها عظمت في صدري فقلت يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت ما انا بصانعه شيئا حتى أؤامر ربي أى أستخيره فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة إذ نزل عليه الوحي بأن الله زوجه زينب فسرى عنه وهو يبتسم وهو يقول من يذهب الى زينب فيبشرها أن الله زوجنيها من السماء وجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن قالت دخل علي وأنا مكشوفة الشعر فقلت يا رسول الله بلا خطبة ولا إشهاد قال الله المزوج وجبريل الشاهد أي وأنزل الله تعالى وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك الآية فهذه

الآية نزلت في زيد رضي الله عنه وقد قالها صلى الله عليه وسلم في حق ولده أسامه فقد جاء أحب أهلي إلى من أنعم الله وأنعمت عليه أسامه بن زيد وعلي بن أبي طالب فنعمة الله على زيد وعلى ولده أسامه الاسلام ونعمة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما العتق لأن عتق أبيه عتق له تأمل
وإنما توجه هذا العتب أي لأن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه صلى الله عليه وسلم فلما شكا إليه زيد قال له أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى منه في نفسه ما الله مبديه ومظهره وهو ما أعلمه الله به من أنك ستزوجها فالذي أخفاه ما كان الله أعلمه به ( وتخشى الناس ) أي اليهود والمنافقين أن يقولوا تزوج امرأة ابنه ( والله أحق أن تخشاه ) في إمضاء ما أحبه ورضيه لك وأعطاك إياه
وقد جعل الله تعالى طلاق زيد لها وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني قال تعالى { لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم } وأولم صلى الله عليه وسلم عليها بما لم يولم به على نسائه وذبح شاه وأطعم فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي البخاري فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون وفي البخاري أيضا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق الى حجرة عائشة فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته فقالت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته كيف وجدت أهلك بارك الله لك ثم دخل حجر نسائه كلهن يقول كما قال لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فوجد القوم في البيت يتحدثون قال أنس رضي الله تعالى عنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج فطلبها الى حجرة عائشة فأخبر أن القوم خرجوا فرجع حتى وضع رجله في أسكفة البيت داخله وأخرى خارجه أرخى الستر بيني وبينه فنزلت آية الحجاب قال في الكشاف وهي أدب أدب الله تعالى به الثقلاء
وفي مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرجت سودة بعد ما ضرب علينا الحجاب تقضي حاجتها أي بالمناصع محل كان أزواجه صلى الله عليه وسلم يخرجن إليه بالليل للتبرز وكانت امرأة جسيمة فرآها عمر بن الخطاب فقال يا سودة والله ما تخفين علينا فانظري علينا كيف تخرجين فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم

التالي بمشيئة الله ج9وج10...

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحميلات و فهرس القرآن الكريم

 فهرس القرآن الكريم الكريمmp3 القرآن الكريم مكتوب 9مصاحف / / / /   / / /